الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    عودة تدريجية للتيار الكهربائي إلى عدة مناطق بإسبانيا بعد انقطاع واسع    رئيس الحكومة الإسبانية: ننسق مع المغرب وفرنسا لإعادة استقرار الكهرباء بعد الانقطاع الواسع    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    الطالبي العلمي .. إقلاع الجنوب رهين بتحقيق السلم والتوظيف الجيد لإمكانياتنا    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    شبهات هجوم سيبراني بخصوص الشلل الكهربائي الشامل في إسبانيا    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    في بيان التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي التشديد على الالتزام الثابت بوحدة المملكة المغربية وسيادتها ورفض قاطع لكل محاولات الانفصال أو المساس بالوحدة الترابية    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    يوم انهيار الخدمات .. شل كهربائي ومائي واتصالاتي يضرب إسبانيا ودول مجاورة    أبوظبي .. المغرب يعمل تحت قيادة جلالة الملك على دمقرطة الولوج إلى الثقافة (بنسعيد)    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المأزق الانتخابي
نشر في المساء يوم 02 - 07 - 2009

من الصعب القول إن المغرب، اليوم، يخلو من مناضلين ديمقراطيين صادقين، يؤمنون بجدوى الديمقراطية ويستبطنون قيمها ويسعون إلى الوصول إليها عبر طريق سلمي ومتدرج، ويقفون خشوعاً أمام نتائجها، ويعتبرون أن المغرب، مثل بقية بلدان العالم، من حقه أن ينعم بالديمقراطية ويعتبرها الوسيلة العملية لحل المشاكل وتدبير النزاعات.
هؤلاء، مع كل انتخابات تجري في بلادنا، يصابون بالإحباط والخيبة ويخلصون إلى أننا لم نحقق أي شيء بعد ولم نراكم من المكتسبات الضرورية ما يجعلنا نطمئن إلى وجود صيرورة ديمقراطية حقة؛ فنحن نعود في كل مرة إلى نقطة الصفر، فمن كان يصدق، مثلاً، أن السلطة في الانتخابات الأخيرة بيعقوب المنصور ستلجأ إلى التزوير المباشر وتحريف البيانات الواردة بالمحاضر؟
إن الديمقراطيين الحقيقيين، يطرحون على أنفسهم السؤال عما تستطيع صنعه أحزابهم التي ارتضت لنفسها أن تبقى صامدة وترفض خيار قبول الأمر الواقع، ورفضت اللعبة القائمة، من جهة، على الاكتفاء بارتداء المسوح الديمقراطي والتظاهر بتمسكها بالديمقراطية، والقائمة، من جهة ثانية، على المساهمة، بجانب جزاري هذه الأخيرة، في ذبحها من الوريد إلى الوريد.
الديمقراطيون الحقيقيون هم، اليوم وقبل اليوم، في أزمة وفي مأزق غير قابل للطمر والإخفاء! يبدو الأمر كما يلي: عليك الاختيار بين طريقين ضارين:
الطريق الأول هو أن تختار الفوز في الانتخابات بدون أن تحفل باعتبارات أخرى، وبأية طريقة. فيصبح لك فريق برلماني، مثلاً، وجريدة يومية ناطقة باسمك، وتتلقى دعماً وافياً من الدولة، ويتحدث عنك الجميع باعتبارك من «الأحزاب الكبرى»؛ فيصبح عليك في كل منطقة وجهة -متى تأتّى لك ذلك ولم يعرقلوا مسعاك- أن تبحث عن أعيان ووجهاء، لهم نفوذ مالي وعائلي وقدرة التأثير على بسطاء الناس وتحكم في شبكات الوسطاء الذين يحولون هذا التأثير إلى مردود انتخابي مباشر وملموس. عليك كحزب أن تمنح التزكية لهؤلاء الأشخاص، وتسمح لهم بأن يصنعوا ما يشاؤون في دوائرهم، فلا تسألهم عن القانون ولا عن القناعة ولا عن البرنامج ولا عن الحزب، فعلاقتهم به في الحملة تنتهي بالحصول على التزكية. أما الحملة فتُخاض بطرق خبروها وآتت أكلها وأصبحت سيدة الميدان. فهم ينظمون الولائم لأهل الدوار، ويقدمون من الوعود ما لا يستطيعون الوفاء به، ويبذلون خدمات لفئة السكان الذين يقبلون التحول إلى أتباع، ويتدخل الأعيان في كل شيء لدى السلطة، ويثبتون للناخبين أن لهم علاقة ودية بهذه الأخيرة، وأنها تستجيب لطلباتهم ويستجيبون لطلباتها. لا يهم هنا مصير الجماعة أو الدائرة، بل مصير العدد المحدد ممن اعتاد التصويت عليهم. يعاملون منافسيهم باستعمال وسائل غير شريفة، ينظمون المليشيات، ويكلفون أفراداً -ولو كانوا من ذوي السوابق- بتكوين أحزمة أمنية تضمن بقاء الناس على ولائهم وتسيج مناطق النفوذ بشكل دائم.
وبعد نجاحهم في انتخابات جماعية، عليك كحزب أن تتهيأ لكل الطوارئ والمفاجآت، وأن تفسح لهم مجال التعامل على سجيتهم ووفق مصالحهم، فقد يشترون أو يُشترون، وقد ينظمون تحالفات طبيعية أو غير طبيعية، فلا يمكن أن تحدد لهم مسبقاً إطاراً للتحالفات، فهذه الأخيرة تحكمها مصالح الأفراد، ومتى أرادوا إسدال غطاء على تلك المصالح حدثوك عن «خصوصية» المنطقة. فلكل منطقة خصوصيتها، فيلتئم الشمل هنا ضد «شخص فاسد»، بمساعدة أحزاب هي نفسها التي التأم ضد أحد أعضائها باعتباره فاسداً هناك شمل آخر.
الفساد لدى أحزابنا لم يعد بنية، فما كان يقال عن كون إطار الأحزاب الإدارية ينتج الفاسدين، أصبح لدى البعض محل نظر. وأعضاء من تلك الأحزاب يمكن أن يسدوا إليك جليل الخدمات لإسقاط «رمز فاسد» في منطقة، وتحاربهم ضمن جبهة أخرى في منطقة أخرى، ضد «رمز فساد» منتم إليهم، لكنهم يدافعون عنه ويشدون أزره ولا يمسونه بسوء ولا يضعونه موضع مساءلة أو تتبع!
فأعيان الانتخابات يصنعون ما يشاؤون في مناطقهم، المهم أنهم يمكنون الأحزاب التي ترشحوا تحت لوائحها من أن تحتل الصدارة في سبورة النتائج الانتخابية، وأن تدعي أن الشعب اختارها لجودة برامجها وقوة خطابها وحسن أدائها. والمهم أيضاً أن ما يحصده الأعيان من أصوات ومقاعد يتحول إلى مناصب حكومية، ويتظاهر وزراء الحزب بأنهم نالوا ثقة المغاربة وبأنهم يخدمون مشروعاً ويخدمون التغيير ويناهضون الفساد، بينما الوسائل التي أوصلتهم إلى سدة المسؤولية الحكومية لا علاقة لها بالقانون ولا بالأخلاق .
إذن، من أجل أن تلج نادي الكبار وتصبح حزبا ذا شأن وحظوة في الساحة وتتحدث باسم الشعب، عليك أن تقدم إلى شخص الناخب، عبر مسالك وقنوات ووسطاء متمرسين، رشوة واضحة أو مقنعة. عشرات بل مئات الملايين تُسلم إلى سماسرة يعدونك بشحن الصناديق بأوراق تصويت حاملة لرمزك الانتخابي أو تخرج مكاتب التصويت بمحاضر تتبوأ فيها أعلى الدرجات ولا حاجة إلى أن تسأل كيف تم ذلك، فهناك من يتقن اللعبة ويصل بك إلى النتيجة المرجوة بدون كبير عناء أو جهد في الإقناع والشرح والتواصل وعرض بنود برنامج أو أهداف. وهناك من يتولى القيام باللازم لإرضائك وتتويجك نائبا مكرماً معززاً ومحترما، أو مستشاراً يقود فريقاً من أعضاء لائحته. وعليك أن تقدم باسم وزارة تباشر تسييرها أو جمعية أو ناد أو فرقة رياضية أو لجنة تضامن أو إسعاف، رشاوى مقنعة في شكل مساعدات مادية دورية أو تدخلات إدارية أو إعذار لأطفال أو تسليم ألبسة أو أغطية أو مواد غذائية أو مدرسية أو تنظيم رحلات مجانية لمولاي يعقوب أو سيدي حرازم أو التكفل بواجبات إقامة مأتم أو تنظيم جنازة. وفي هذه الحالة، لم يعد مهما أن تكون عضواً نشيطاً بجمعية ثقافية أو تربوية أو إحسانية أو سكانية، أو بنقابة مهنية أو بمركز إعلامي يندد بالمظالم، ولا يهم دائماً أن تنظم الوقفات الاحتجاجية وتجمع العرائض وتكشف أوجه تبديد المال العام، وتقف في وجه الفساد، لأنك لن تشفع ذلك بضغط مباشر لتلقي المقابل. لا يكفي، إذن، أن تمارس القرب من خلال المجتمع المدني العصري الذي ينجز خدمات «عامة»، فهذا مجتمع مدني «غير انتخابي» غايته الصالح العام وكفى، سواء أُسديت الخدمة إلى زيد أو عمر. أما المجتمع المدني الانتخابي فهو الذي يشفع الخدمة مباشرة بأخذ نسخة من بطاقتك الوطنية واسمك وعنوانك واسم من يقطن معك من الناخبين، ويرشدك في فترة الانتخابات إلى طريق الحصول على بطاقتك الانتخابية أو يسهر على تسجيلك حيث يريد، ثم يحتفظ بالبطاقة الانتخابية لديه، ثم يصاحبك يوم الاقتراع إلى مركز التصويت معززاً بفريق من الذين يحقنوننك بالجرعة المطلوبة من الحماس والإقدام ويمارسون عليك، في ذات الوقت، نوعاً من الرقابة والرهبة. وشاهدنا كيف تم استئجار أطفال في 2009 لمصاحبة أناس لا علاقة لهم بهم، ولا ضرورة تقتضي هذه المصاحبة، وكيف تقدم هؤلاء الأطفال كأقارب مهمتهم مساعدة أقاربهم المسنين، لداع من الدواعي الكاذبة، في أداء واجبهم الانتخابي، فدخلوا معهم إلى المخادع للتأكد من طبيعة التصويت.
لقد تفرعت عن الانتخابات شبكة ضخمة من الخدمات والمهن الموسمية التي جعلتها تتحول إلى حملة تشغيل واسعة تدخل في إطار القطاع غير المهيكل.
يمكن، بركوب هذا الطريق الأول، أن يسرق الحزب الأضواء وأن يصبح له زعماء من ورق يتحدثون عن الانفتاح والإصلاح والديمقراطية والتقدم والحداثة، وفريق في البرلمان يطرح الأسئلة الشفوية والكتابية ويصوت على الميزانيات ويعلق على مشاريع القوانين، ويشارك في الوفود إلى الخارج، ويتحدث لساعات في التلفزة، ويبدي «رأيه» في هذه القضية أو تلك، وهو في حقيقة الأمر رهينة أعيانه ورهينة في يد السلطة، يسكن في العراء معتقداً أنه يعيش في قصر حصين وقلعة منيعة ومكانة رفيعة، يطمح إلى الوزارة الأولى، ويعقد الندوات الصحفية ويقتني مطبعة ومقرات، ويستقبل الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لعرض مقترحاته بخصوص ملف الصحراء، في وقت لا توجد لديه فيه مقترحات، ولا يمكن أن يكون له تأثير على مجرى الموضوع. يعتبر هذا الحزب أن من حقه أن يحمل لقب «ديمقراطي» معطوفاً على اسمه، وأن ينسب جوانب من التاريخ النضالي المشرق لشعبنا إلى قبيلته الحزبية، ولكنه يعلم أنه لا يستطيع في النهاية أن يصنع شيئاً جوهريا واستراتيجيا في خارطة السياسة بالبلاد. فالجيش العرمرم من المستشارين الجماعيين والنواب وأعضاء مجلس المستشارين الذين يفتخر الحزب بانتمائهم إليه يمكنهم أن يغادروه في أية لحظة، ويشيحوا بوجوههم عنه، ويبحثوا لهم عن وجهة أحسن، ويمكنهم أن يعصوا أمراً إذا كانت فيه نفحة من حدة أو غضب أو نقد لسلطة عشقوها، فيتركوه مغرداً وحده خارج السرب، وقد يطيحون برئيس الحزب ويقيلونه حتى ولو كانوا اعتبروه، قبلاً، زعيما تاريخيا كارزميا وأسطوريا، كالمحجوبي أحرضان، إذا ما تهاون في التقيد بأبسط طقوس الولاء والطاعة لمن يمسكون بكل شيء بين أيديهم.
في وضع كهذا لا يستطيع الحزب ادعاء الاستقلالية وهو يحمل على ظهره أطنانا من المخالفات الانتخابية والممارسات اللانظامية، فلا يستطيع مواجهة العواصف أو قول «لا» إلا إذا كان ذلك موضوع استئذان. وهذا ما فعلته جل أحزابنا، فتحولت إلى كائنات متماثلة متشابهة هجينة وفاقدة للمبادرة والجرأة.. أرادت ربح الانتخابات فخسرت نفسها وأقبلت على المناصب فنسيت الإصلاح، تساهلت بخصوص الوسائل فكان أن تأثرت بذلك الأهدافُ.
الطريق الثاني هو طريق الأحزاب (الديمقراطية وليس الأصولية) التي رفضت -على قلتها- الرحل الوافدين من أحزاب إدارية، والتي لم تلوث يديها بأوساخ الممارسات المنحطة والمخالفة للقانون والأخلاق، والتي امتنعت عن منح التزكية لأعيان تعرف أنهم يتصرفون كإقطاعيين ويداهنون السلطة ويتقلبون في المواقف ولا يتورعون عن الافتراء وشراء الضمائر ونشر الدجل.. إنها أحزاب تسبح ضد التيار وتضع المبادئ في أعلى سلم الرفعة والإكبار، وترفض أن تقع ضحية التبعية بسبب الهشاشة الأخلاقية المترتبة عن شراء المقاعد والأصوات للظهور بمظهر أحزاب كبيرة .
إنها، اليوم، تظهر كأحزاب آيلة للاندثار حسب نتائجها، فإما أن تقبل العمل بوسائل الآخرين أو تجد نفسها في دوامة الانقراض والأفول. هذا هو المأزق، فهل تقبل هذه الأحزاب حل نفسها بسبب تواتر هزائمها الانتخابية، أم تستسلم للأمر الواقع فتقبل المسخ وتجعل نفسها في موقع من تُمارس به السياسة لا من يمارسها؟ إن السلطة تراقب وتتبع وتعرف كل شيء ولكنها تمتنع عن أي تدخل حاسم ضد الفساد، لأنها تعتبر أن أعيان الانتخابات وشبكاتهم ووسطاءهم وسماسرتهم يساعدون، على كل حال، في الحد من المد الإسلامي والحيلولة دون نزول نسبة المشاركة إلى أدنى مما يحصل الآن.
هل الخروج من المأزق ممكن بالنسبة إلى الأحزاب التي تقبل المشاركة وترفض الوسائل المهيمنة
على هذه المشاركة ؟ هذا الخروج رهين ربما باقتحام فئات أخرى -متوسطة ومتنورة- دائرة المشاركة الانتخابية.
ومن أجل إقناع هذه الفئات بذلك، لا بد، أولاً، من محفل وطني يجمع الأحزاب والشخصيات والتيارات التي تعي حدة الأزمة وخطورة المأزق، وتبحث لها عن وسائل جديدة قادرة فعلا ً على إحداث رجة كبرى وإيقاع تأثير خاص ومدو في ساحة سياسية فقدت، في الإجمال، مصداقيتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.