لم تمض بعد خمسة أشهر على بدء العمل في المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، ومع ذلك فإن حضوره في الإعلام يقارن بالمستشفيات الجامعية «ذات الأقدمية» في الرباط والدار البيضاء. وافدون ينتقدون واقع الاكتظاظ بقسم المستعجلات وغياب النظافة، وآخرون يتحدثون عن إهمال وتقصير في متابعة المرضى، فيما إدارة المؤسسة تؤكد أن المستشفى أصبح ضحية نجاحه وسمعته. نجاح يرى مديره أنه تجاوز الجهات المحيطة بفاس ليصل إلى «سرقة الزبناء» من مستشفيات الرباط والدار البيضاء. يوم الاثنين الماضي نجح أطباء متخصصون في أمراض الأذن في زرع التركيبة القوقعية لطفل يبلغ من العمر 7 سنوات. وبالرغم من أن «الحدث» لم تواكبه تغطية إعلامية، فإنه عد، من قبل المتخصصين، من أهم الإنجازات بالنسبة إلى هذا القسم الذي لم يمض على بدء العمل به في المستشفى الجامعي سوى شهر واحد فقط. وتعتبر عملية زرع هذه التركيبة الثانية من نوعها في الجهة، بعد نجاح عملية أولى في السنة الماضية بمستشفى عمر الإدريسي التابع لنفس المؤسسة. وتتبع طلبة كلية الطب، المحاذية للمستشفى، تفاصيل العملية التي نقلت بالمباشر عبر تقنيات متطورة. ولا يزال الطفل الذي استفاد من هذه العملية يرقد بالمستشفى. وتقول كل من الدكتورة أمال حجيج والدكتور حسن بلمليح إن حالته ستحظى بمتابعة مستمرة من قبل أطباء هذا القسم. ويشعر أحمد الضاوي، أب الطفل وليد، بتحقق حلم العملية بعدما اضطر إلى تأجيلها لأكثر من سنتين بسبب ظروفه المادية وارتفاع ثمن مثل هذه العمليات. وقال إن محسنين هم من تكلفوا بشراء الآلة التي ركبت لابنه، فيما تكلف الأطباء بإجراء العملية. وسيضطر الطفل وليد إلى متابعة الترويض، بعد مغادرته المستشفى للتدرب على السمع قبل أن يواصل التدريب على النطق. وسيتمكن من مغادرة قسم ذوي الاحتياجات الخاصة بإحدى المدارس الابتدائية العمومية ليتابع دراسته بشكل عادي مع أقرانه. ويقول مدير المستشفى خالد أيت الطالب إن المستشفى سيعمل كذلك على بدء عمليات زرع الكلى. ويصف هذا المشروع بالرهان الذي ينبغي على المستشفى أن يكسبه في إطار مشروع لتطوير عمليات زرع الأعضاء البشرية في كل من المستشفيات الجامعية بالرباط والدار البيضاءوفاس ومراكش. قسم يثير الاحتجاج لكن مثل هذه الإنجازات لا تخفي احتجاجات يومية تقع بقسم المستعجلات. ويستقبل هذا القسم ما بين 200 و400 حالة يوميا. ويقول مسؤول في هذا القسم إن هذا الرقم من الزوار هو نفسه الذي يستقبله قسما المستعجلات بكل من الرباط والدار البيضاء. وفي الوقت الذي يشتكي فيه عدد من الوافدين على «القلب النابض» لهذا المستشفى، الذي انطلق العمل به في منتصف يناير الماضي، من هذا الاكتظاظ وفوضى المواعيد والاستقبال المخل بالاحترام، يقول خالد أيت الطالب، مدير المستشفى، إن الوافدين على هذا القسم يتحملون القسط الكبير من المسؤولية في الاكتظاظ وفوضى التنظيم. ويضيف بأن عددا من المرضى الذين يأتون لتلقي العلاجات في هذا القسم يكون من المفروض عليهم، عوض قطع المسافات الطويلة للوصول إليه، أن يتجهوا نحو أقرب مستوصف لهم، نظرا لكون حالتهم الصحية لا تطرح أي وضع استعجالي. ويرى أيت الطالب بأن أي وافد قصد المستعجلات إلا لديه قناعة راسخة بأنه يجب أن يحظى بالألوية دون الآخرين، مشيرا إلى أن بعض المرضى يكون هاجسهم الأساسي هو التفكير في كيفية الوصول إلى الصفوف الأمامية لرؤية الطبيب في أسرع وقت ممكن. وهذا ما يفتح في نظر مسؤولة في المستشفى المجال أمام انتشار بعض الأمراض الاجتماعية كالرشوة والزبونية. وبالرغم من أن عمر هذا المستشفى الجامعي لم يتجاوز بعد الخمسة أشهر، فقد أصبح قبلة للمرضى من مختلف مناطق المغرب. وطبقا لمدير المؤسسة، فهناك بعض المرضى يأتون لتلقي العلاجات به من كل من الرباط والدار البيضاء، إلى جانب كل من جهة فاس بولمان، وجهة الحسيمةتازة تاونات، وجهة وجدة، وجهة مكناس تافيلالت. ويعتبر أيت الطالب بأن «الدعاية» التي واكبت تدشين هذا المشروع والتجهيزات المتطورة التي يتوفر عليها ساهمت في خلق «المتاعب» له. وإلى جانب الاكتظاظ، يتحدث المرضى عن غياب البنيات التحتية المناسبة لاستقبالهم في المستشفى، في إشارة إلى المراحيض والمطاعم في مستشفى كبير يوجد بعيدا عن مركز فاس ويحظى بنسبة ارتياد مرتفعة. وإلى جانب المرضى، يقول بعض الموظفين إن غياب مطعم في مؤسستهم يؤثر على أدائهم ويضطرهم إلى «الانتشار في أرض الله الواسعة» بحثا عن وجبات خفيفة، قبل العودة من جديد لمزاولة مهامهم. ويجبر هذا الوضع بعض المرضى المرفوقين بعائلاتهم إلى استغلال بعض الأمكنة الظليلة في الساحة الشاسعة للمستشفى لتناول وجباتهم، وهو ما يؤثر على نظافة المكان. وينفي مدير المؤسسة انعدام المراحيض بالمؤسسة، لكنه يشير إلى أن بعض الفضاءات به تحتاج إلى علامات تساعد في إرشاد الوافدين. ويستمر هذا المسؤول في توجيه انتقاداته إلى سلوكيات بعض المواطنين، موضحا بأن بعضهم لا يزال يحتاج إلى «دروس دعم وتقوية في ثقافة المراحيض» لأنها عادة ما تتعطل بسبب سلوكيات خاطئة كإدخال الأحجار إليها، عوض استعمال الماء. ونفس الانتقادات يوجهها إلى مستعملي فضاءات لتناول وجباتهم، قائلا إن عددا منهم يحول الساحة إلى مطبخ، وعندما ينتهي من تناول وجبته يرمي بالأزبال في جميع الاتجاهات. ويقر بأنه أمام هذا الوضع يكاد يكون من المستحيل معالجة مشكل النظافة بالمؤسسة. في قسم الولادة يوم الثلاثاء 24 فبراير الماضي دخلت أم كلثوم الكاو قسم المستعجلات بعدما اشتد بها ألم المخاض. وفي مكتب الإرشادات بهذا القسم لم تجد سوى مستخدم تابع لشركة حراسة خاصة أحالها على قسم الولادة. وبهذا القسم وجدت في مصلحة إرشاداته حارس أمن خاص آخر هو المكلف بالتوجيه. في هذا القسم أعدت للعائلات قاعة للانتظار، فيما يتم إدخال الحوامل إلى الجناح المخصص للتوليد. عائلة الكاو اعتبرت بأن هذا «الفصل» غير معقول. واتهم أحد أقاربها مسؤولي الجناح بتحويل النساء الحوامل إلى «فئران تجارب»، مضيفا بأن هناك إهمالا واضح في التعامل معهن داخل هذا القسم. وقال إن قريبته دخلت هذا الجناح منذ العاشرة ليلا إلى السادسة صباحا ظلت جالسة على كرسي دون أي نتيجة ودون أي توضيح للعائلة وطلب منها قبل المغادرة أداء مبلغ 350 درهما. وتحدث المصدر ذاته عن غياب المراحيض في هذا القسم، وقال إن العائلات المرافقة للحوامل تضطر إلى قطع مسافة طويلة للوصول إلى مراحيض قسم المستعجلات، في وقت لا يجد فيه بعض الزوار أي حرج في قضاء حاجته في الهواء الطلق. مدير المستشفى يفند هذه الاتهامات، مسجلا بأن قسم الولادة جهز بأحدث التقنيات المتطورة وبالوسائل المواتية لضمان ولادة مريحة للحوامل، قائلا إن الكرسي الذي تلد فوقه الوافدات اقتنته المؤسسة بمبلغ يقارب 27 مليون سنتيم. ويضيف بأن إدارة المستشفى اتخذت قرار «عزل» جناح الولادة عن قاعة انتظار العائلات المرافقة بغرض إعطاء الفرصة للطواقم الطبية للعمل في هدوء. وذكر بأن قاعة الانتظار زودت بجهاز تلفاز هو صلة للتواصل بين الطاقم الطبي وبين العائلة. لكن هذا الجهاز يتأخر في إعطاء النتائج بسبب التأخر في تزويده بالمعطيات، خصوصا في فترة الليل. مستشفى بتقنيات متطورة يوجد المستشفى الجامعي الحسن الثاني بالقرب من كلية الطب بمنطقة سايس بالقرب من المركب الرياضي لفاس. وهذا المعطى، في نظر مسؤوليه، يساعد في التقريب بين المؤسستين وفي تشجيع البحث العلمي. لكن خلاء المنطقة يدفع بعدد من الوافدين، وإلى جانبهم بعض أطر المستشفى، إلى الحديث عن المشكل الأمني بهذه المنطقة، موضحين بأن حالات اعتداء وسطو وقعت بالقرب منه في غياب أي حضور أمني. ويرى أحد مسؤولي المستشفى بأن الوضع الأمني في محيط المستشفى لا يمكن عزله عن مشكل الأمن بفاس، فيما يقول مدير المستشفى خالد أيت الطالب إنه تم مؤخرا عقد اجتماعات بينه وبين والي الأمن لمناقشة الموضوع، خلصت إلى ضرورة إحداث مفوضية للأمن داخل هذه المؤسسة. ومن المرتقب، طبقا للمسؤول ذاته، أن تزود هذه المقاطعة بضباط من الشرطة القضائية ومفتشي شرطة ورجال أمن بزي رسمي. وسيكون دورهم هو المساهمة في تسهيل مساطر إعداد المحاضر لضحايا الحوادث المختلفة والتسريع من إجراءات محاضر الوفاة، فيما ستتكلف العناصر الأخرى بترسيخ هيبة المؤسسة. ويطرح بعض زوار المستشفى مشكل الروائح النتنة التي تنبعث من مطرح للنفايات يجاور المؤسسة، مشيرين إلى أن هذه الروائح تزداد حدتها في الليل وتعقد الوضع بالخصوص لدى المصابين بالأمراض التنفسية. وتعتقد إدارة المؤسسة من جهتها بأن هذا المطرح يمكن أن يفيد المستشفى بعد بدء معمل خاص بمعالجة هذه النفايات، موضحة بأن هذه المعالجة ستقضي على انبعاث هذه الروائح وستمكن من تزويد المستشفى بالطاقة الضرورية وبالمجان. حكاية المجانية ويرتقب أن ينطلق عمل مصالح المستشفى في شهر يوليوز المقبل في الشطر الثاني للبناية. ومن شأن هذا التوسيع وإضافة تخصصات أخرى غير موجودة أن يزيد من ارتفاع الإقبال على هذه المؤسسة. فيما تتحدث المصادر عن أن شطرا ثالثا يوجد قيد الدراسة. وبهذا ستبلغ المساحة الإجمالية التي سيحتلها هذا المستشفى حوالي 16 هكتارا. وإلى جانب شساعة المساحة، وتوسع التخصصات، فإن إدارته لجأت إلى اقتناء أحدث التقنيات التي جاد بها البحث العلمي في مجال الطب. وبالرغم من أن حديثا يدور حول صعوبة تمكن أطر المؤسسة من التحكم في هذه التجهيزات، فإن إدارة المستشفى تنفي ذلك، موردة بأنها تقتني هذه التجهيزات إضافة إلى التداريب على استخدامها. وتقول إن جل العاملين في المستشفى أصبحوا يتحكمون في تقنيات استخدامها بشكل جيد. ويتحدث المستفيدون من خدمات المستشفى عن غلاء تكاليف العلاج، وبعضهم يقارنه بتكاليف المصحات الخاصة. ويذهب بعضهم إلى أن الإدارة لا تعمل ب«شهادة الضعف»، مما يلحق الأضرار بالفقراء ويحرمهم من خدمات قطاع صحي عمومي، وتعتبر إدارة المؤسسة بأنه، بالنظر إلى التقنيات والتجهيزات المتوفرة، فإن تكاليف العلاج غير باهظة. ويقول البروفيسور خالد أيت الطالب إن «شهادة الضعف» لا تعطي من الناحية القانونية الحق في المجانية المطلقة، لكنه يشير إلى أن دور المساعدة الاجتماعية هو متابعة الوضع الاجتماعي للوافدين وإعداد تقارير حولها. ويضيف بأن حوالي 90 في المائة من الوافدين على هذه المؤسسة الصحية هم من الفقراء. ويقول في حديثه عن المجانية في القطاع إن العبء لا يجب أن يتحمله المستشفى. دراسة ميدانية متفائلة بخدمات المستشفى أطر من المؤسسة تستجوب وافدين أغلبهم أميون بمهنة «بدون» بينت دراسة ميدانية أجرتها بعض أطر المستشفى، في مارس الماضي، استمعت خلالها إلى شهادات الوافدين على المستشفى أن نسبة كبيرة من الزوار يستحسنون هذه الخدمات. وبالرغم من أن الوافدين يتحدثون إلى وسائل الإعلام بعكس ذلك، فإن هذه الدراسة تشير إلى أن حوالي 85 في المائة من المستجوبين يقولون إنهم جد مرتاحين لخدمات المستشفى، و90 في المائة أكدوا بأنهم سينصحون مجددا أقرباءهم بالعودة إليه. ونفس الارتياح عبر عنه هؤلاء في حديثهم حول تكاليف العلاج. وقال 40 في المائة منهم إن التكاليف مناسبة، فيما اعتبر حوالي 4 في المائة فقط أن هذه التكاليف مرتفعة. وبالرغم من أن الانتقادات، في بعض الأحيان، تشير إلى طول الانتظار، فإن الدراسة تذهب إلى أن أغلب المستجوبين أوضحوا أن ظروف الاستقبال جد مريحة. نفس الارتياح عبر عنه هؤلاء في حديثهم عن حسن الاستقبال. وذكرت الدراسة أن المعدل المتوسط لانتظار المرضى قبل استقبالهم يصل إلى 95 دقيقة. وأشار المستجوبون إلى أن الأطواقم العاملة بالمستشفى تتعامل معهم باحترام، لكنها أوردت بأن تعامل الممرضات مع هؤلاء لم يحظ بالإجماع، بالرغم من أن أغلبيتهم يتحدثون عن أن هذا التعامل مقبول. وأخبر 37 في المائة من المستجوبين معدي الدراسة بأن مهنيي القطاع داخل المستشفى لا يحددون مهماتهم. وطبقا لمعدي الدراسة، التي ستعرض على أنظار المجلس الإداري للمؤسسة نهاية الشهر الجاري، فإنها تعتبر الأولى من نوعها التي تجرى في مستشفيات المغرب. وتقول، في خلاصاتها، إنها ستساهم في التعرف عن قرب على انتظارات المرضى وملاحظاتهم. وإذا كانت أغلب الشهادات تشيد بعمل المستشفى، فإن الدراسة، من جهة أخرى، أوضحت بأن أغلب الوافدين ينحدرون من فئات اجتماعية فقيرة، بمستوى تعليمي ضعيف وبدون مهن وبدون تغطية اجتماعية. ويطرح هذا الجانب الاجتماعي مشكل ارتفاع تكاليف العلاج، بالرغم من أن المستجوبين يتحدثون لمعدي الدراسة عن عدم ارتفاع هذه التكاليف. وما يزيد من نسبية الخلاصات التي توصلت إليها الدراسة هي أن الأميين من المستجوبين يمثلون نسبة 47 في المائة و64 في المائة من الذين شملتهم الدراسة بدون مهنة، وفقط 17 في المائة منهم هي التي تتوفر على تغطية صحية. الدراسة التي أجرتها كل من الدكتورة كاميليا أمزيان، من قسم الأبحاث والتنمية ونوال موحوت، من قسم التواصل بالمستشفى، استجوبت 486 وافدا على المستشفى بمعدل متوسط للأعمار يقارب 43 سنة، ومثلت فيهم النساء نسبة 69 في المائة.