«رجاء.. ادفنوني في المغرب..» هكذا كان فاريا.. المدرب البرازيلي الذي حمل يوما سحر الصامبا البرازيلية إلى ملاعبنا.. يوقع على وصيته الأخيرة من فوق فراش المرض.. وصية كتبها الرجل بدموع، وألم وحزن شديد.. تعلق بالمغرب، أحبه حد الجنون.. عانق الدين الإسلامي، وغير اسمه من خوصي إلى المهدي.. كان فريق الجيش الملكي يبدع، وينقل صورة مضيئة عن مغرب الرياضة إلى كل بلدان إفريقيا بفضل فاريا.. وحين تعددت إنجازاته، حمل في مفكرته الصغيرة كل ما يملك من دهاء، من خطط ناجعة للمنتخب المغربي، عبر به سريعا إلى مدارات التألق.. ووصل به لأكثر من حفل دولي.. وأجمل ما أهداه القدر، تأهلا مستحقا إلى مونديال المكسيك حيث كان الحلم يتعدى الزغردة والرقص على الجياد، ويتعدى الفرح..حقق ما عجز البعض حتى على الحلم به.. كان المنتخب المغربي يومها قد انتقل للفقرة الأخرى من سطر الإبهار.. وصل إلى الدور الثاني بعد أن قزم العمالقة، أطاح بغطرسة البرتغال، وتبجح الإنجليز..وعلم العالم بعدها أن شمس الكرة الإفريقية تشرق من المغرب.. أحببنا لحظتها فاريا كثيرا، حولنا لبريده برقيات التهاني.. واحتفظنا بصوره في ذاكرتنا جميعا.. وكان لابد للتاريخ أن ينصف الرجل، خصص الراحل الحسن الثاني للمنتخب المغربي استقبال الأبطال.. وأهدى بعدها معطفه يوما للمدرب الذي سكن اسمه بفخر أرشيف الكرة المغربية.. ومابين لقاء تاريخي مع الجيش الملكي وحضور دائم للمنتخب المغربي في كل المحافل الدولية.. أكمل فاريا لحظات التألق كلها.. وأصبحت بطاقته مقروءة من طرف الجميع.. واليوم، يوجد فاريا فوق سرير المرض، ينتظر صابرا أجله.. في واحد من مستشفيات البرازيل.. يحس بغبن السنين، يتجرع مرارة الألم والجحود في صمت.. وينسى ذكرياته، ولكنه ظل دائما متعلقا بالمغرب، البلد الذي أكرمه وحمله على الأكتاف.. أوصى فاريا مساعده جورفان الذي فجر معه أحلى المفاجآت، أوصاه بحمل جثمانه ودفنه في المغرب بعد أن رفضت الجامعة تجديد عقده بمبلغ زهيد، كي يتمكن من تجديد بطاقته، ويدخل إلى البلد الذي استقبله مرة بالأحضان، أغلق في وجهه الباب الآن، ولفظه في جحود تام.. فاريا، يريد أن يعيش أيامه الأخيرة في المغرب، وهو الذي كانت الوصايا تمنحه أجرة سارية المفعول مدى الحياة من فريق الجيش الملكي، والإستفادة من سيارة الوظيفة، حرمناه من كل شيء، خلعنا عنه ثوب العزة، وتركناه يعيش ذليلا، غريبا في بلده الأصلي.. كيف تنكرنا لخدمات الرجل؟ هل طاله النسيان بفعل التقادم؟ فاريا لا يريد مالا.. لا يريد سيارة ومنزلا.. يريد فقط كفنا، قبرا، ونعشا، وبعض مقرئين.. يريد بعض جمل العزاء الصادق والدعاء الصالح.. فأكرموا الرجل من فضلكم بقبر الوفاء.