عائلات الضباط والحراس والموظفين والعاملين في القصر الذين قتلوا خلال هجوم حوالي 1400 عسكري مسلح على الحفل الملكي، ظلت تلتزم الصمت تقريبا طيلة الفترة الممتدة ما بين الانقلاب والإفراج عن معتقلي الصخيرات، لأن جميع الإدارات والمؤسسات التي كانت العائلات تتوجه إليها كانت تغلق أبوابها فور سماعها باسم انقلاب الصخيرات أعادت شهادات كل من أحمد المرزوقي وصلاح حشاد، المعتقلين السابقين في سجن تازمامارت ضمن أحداث الصخيرات لعام 1971 على قناة «الجزيرة» القطرية، إحياء جراح قديمة لعائلات وذوي الضحايا الذين قتلوا في ذلك الصيف الدموي بقصر الصخيرات خلال الاحتفال بذكرى ميلاد الملك الراحل الحسن الثاني. في كل مرة تثار فيها قضية الانقلاب كانت هذه العائلات، التي اجتمعت في «جمعية ضحايا أحداث الصخيرات»، تتذكر ما حصل من جديد وتعيد التذكير بمآسيها، معتبرة نفسها الحلقة الأضعف في المعادلة والوجه الآخر للأحداث الذي لا يتحدث عنه أحد. بدأت القضية عندما تم الإفراج عن المعتقلين السابقين في السجن الشهير في بداية التسعينيات، وإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة الماضي وتعويض المعتقلين الذين حوكموا ببضع سنوات ثم وجدوا أنفسهم معزولين مدى الحياة، قبل أن يقرر الملك الراحل فتح أبواب السجن أمام العالم كله. في هذه اللحظة عرف الرأي العام أن لانقلاب الصخيرات وجها آخر ظل منسيا، يتعلق بعائلات الضباط والحراس والموظفين والعاملين في القصر الذين قتلوا خلال هجوم حوالي 1400 عسكري مسلح على الحفل الملكي. وقد ظلت هذه الأسر تلتزم الصمت تقريبا طيلة الفترة ما بين الانقلاب والإفراج عن معتقلي الصخيرات، وتقول نجيبة أعمار السدراتي، زوجة منصف السدراتي، رئيس نيابة مديرية الشؤون الإدارية بالإدارة العامة للأمن الوطني الذي قتل في تلك الأحداث، في حديث إلى «المساء» أن لا أحد كان يستطيع أن يتحدث في الموضوع خلال السنوات الماضية، لأن جميع الإدارات والمؤسسات التي كانت العائلات تتوجه إليها كانت تغلق أبوابها فور سماعها باسم انقلاب الصخيرات، وإن الوحيد الذي كان يمكن أن يقوم بأي مبادرة لإنصاف تلك العائلات هو الحسن الثاني نفسه. وتتابع السدراتي، التي ترأس جمعية ضحايا أحداث الصخيرات: «إن الأمر لم يكن سهلا، وإن العائلات ظلت تخفي معاناتها إلى أن تم إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة لتعويض ضحايا تازمامارت». عائلات الضحايا لم تستوعب أن يتم تعويض من تسميهم ب«القتلة» بمئات الملايين من الدراهم، وأن يتم الإفراج عنهم، وألا يؤخذ برأيهم في الموضوع، وهو ما دفع الرئيس المؤسس للجمعية، محمد المعزوزي العامل السابق بوزارة الداخلية الذي قتل ابنه في الانقلاب، إلى اللجوء إلى دار الإفتاء التابعة لجامع الأزهر بالقاهرة لاستصدار فتوى حول النازلة، بعدما امتنع المجلس العلمي الأعلى بالمغرب عن البت في الموضوع. وجاءت الفتوى لتعتبر سجناء تازمامارت السابقين قتلة وتؤكد أن هؤلاء يجب أن يقضوا عقوبة السجن مدى الحياة. أظهرت الجمعية باستصدار تلك الفتوى أنها غير راضية عن قرار الدولة بطي صفحة الماضي، وأنها ضمنيا تريد أن يبقى هؤلاء المعتقلون داخل السجن، وشكلت الفتوى نوعا من التحدي الشرعي لقرار الدولة السياسي، بالرغم من أنها كان يمكن أن تلجأ إلى تسويغ قرارها هذا بفتوى دينية طالما أن الأمر حدث في بلد على رأسه مؤسسة إمارة المؤمنين. غير أن محمد المعزوزي، في لقاء مع «المساء»، رد على ذلك بأن من حق الدولة أن تفعل ما تريده، لكن من حق الضحايا ألا يتسامحوا وألا ينسوا، خصوصا أن التعويضات التي تلقوها لم تكن مناسبة وكانت أقل بكثير من حجم التعويضات التي تلقاها الضباط الذين نفذوا العملية. وكحل وسط، اقترحت هذه العائلات، من خلال الجمعية التي تضمها، أن يعتذر الضباط عن الجرائم التي قاموا بها. وبالفعل اعتذر محمد الرايس، الذي ألف كتابه «من الصخيرات إلى تازمامارت ... تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم» عن قتل النقيب بوجمعة، لكن خطوة الرايس لم تعقبها خطوات أخرى، وهنا يقول أحمد المرزوقي في لقاء مع «المساء» إن القتل كان جماعيا، وإن من كان يطلق الرصاص من الضباط كان يفعل ذلك بشكل عشوائي، لذلك لا يمكن الحديث عن مسؤولية فردية في أي جريمة قتل حصلت. ويروي المرزوقي أن إدريس اليزمي، رئيس جمعية الجالية المغربية بالخارج، عندما كان في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، طلب منه أن يعتذرإلى ضحايا الانقلاب، فرفض لأن الجميع كان ضحية مرحلة سياسية معينة. ويضيف المرزوقي أيضا أن القتلى كانوا من الطرفين، وأن هناك ضباطا انقلابيين قتلوا في المواجهات لا يتحدث عنهم أحد اليوم، إذ إنه قتل في المواجهات التي حصلت خلال محاصرة مقر الإذاعة فقط 110 ضباط عسكريين، وهؤلاء لا يتكلم عنهم أحد.