شجع أحمد المرزوقي، المعتقل السابق في سجن تازمامارت الرهيب، الكثيرين على استعادة مرحلة حرجة من تاريخ المغرب المعاصر، ممن تجاوبوا مع روايته حول وقائع انقلاب الصخيرات ضد الملك الراحل الحسن الثاني عام 1971، في قناة «الجزيرة» القطرية. الكولونيل عبد الله المنصوري واحد من هؤلاء الذين لا تزال ذاكرتهم الطرية تحتفظ بشريط الأحداث. وبخلاف المرزوقي، الذي كان وقتها مدربا في مدرسة ضباط الصف بأهرمومو ووجد نفسه مجرورا إلى حدث أكبر منه، كما يروي هو نفسه، كان المنصوري قريبا جدا من بيت الجمر. فهو الذي أشرف على امتحانات التخرج لمئات الضباط، وعمل رئيسا للأركان في المنطقة العسكرية بفاس، التي كانت أهم المناطق العسكرية الست بالنظر إلى قربها من الحدود الجزائرية، حيث كانت تضم عددا من الأقاليم من بينها وجدة وتازة، أكبر مخزن للذخيرة العسكرية، وكان يرأسها الجنرال بوكرين، الذي أعدم ساعات قليلة بعد فشل انقلاب الصخيرات في مكناس، بعدما كان متوجها بالطائرة نحو زملائه في الصخيرات وأرغم الجنرال أوفقير ربانها على العودة إلى مكناس وانتظار الأوامر العسكرية. يقول المنصوري، الذي جالسته «المساء» طويلا لتتحدث معه عن تلك المرحلة، إن الإعداد للانقلاب بدأ شهورا قليلة بمقر القيادة العسكرية العامة بفاس، حيث كان يلتقي الجنرالات الثلاثة، بوكرين ومذبوح ومصطفى، دون إثارة الشكوك، إذ كانوا كثيرا ما يزورون المدينة بسبب الزيارات المتكررة للحسن الثاني لها. كان الجنرال بوكرين يأمر المنصوري، كلما بدأت تلك الاجتماعات المغلقة، بمنع أي شخص من الدخول إلى مكتبه، ويشعل مصباحا كهربائيا أمام باب المكتب أحمر اللون، كعلامة على أهمية الاجتماع، حتى لا يزعجهم أحد. في تلك الفترة، تم تعيين الجنرال مصطفى من قبل الجنرال مذبوح، مدير الديوان العسكري للحسن الثاني، مسؤولا عن المدارس العسكرية التي يتم فيها تكوين الضباط الجدد، وكانت تلك المدارس تابعة قانونيا للمكتب الثالث الذي كان يرأسه الكوماندان أجواد، ولم يرض الجنرال مصطفى بأن يكون تحت قيادة كوماندان، لذلك تقرر فصل المدارس العسكرية عن المكتب الثالث. ويقول الكولونيل المنصوري إن تلك الخطة كانت مدبرة سلفا حتى لا يتسرب أي شيء عن التدابير الجديدة التي اتخذتها حلقة الجنرالات الثلاثة لإنجاح الانقلاب؟ لأن مدبري الحادث، الذي كان سيدخل المغرب في المجهول، قرروا تكثيف التداريب العسكرية لفائدة الضباط استعدادا للانقلاب. وقبل ستة أشهر، أعطى الجنرال مذبوح أوامره لجميع المناطق العسكرية من أجل إعداد دراسة مسحية شاملة عن كل منطقة، من النواحي العسكرية والسياسية والاجتماعية، بدعوى تقديمها إلى الحسن الثاني بمناسبة عيد ميلاده، الذي تزامن مع الانقلاب. وكان المنصوري هو من أشرف على إعداد الدراسة التي شملت منطقة فاس. وكان الهدف في الحقيقة هو أن يعرف مدبرو الانقلاب المعطيات الدقيقة في جميع المناطق العسكرية حتى إذا ما نجح الانقلاب توفرت لديهم الخريطة الحقيقية للمغرب من جميع النواحي وسهل عليهم ضبط الأمور. ويقول المنصوري إن امتحانات تلك السنة كانت مكثفة جدا ومبالغا فيها، وهو ما ضمنه تقريره الذي رفعه إلى الجنرال مصطفى، الذي استدعاه بعد قراءته وتحدث معه في الموضوع. ويتذكر المنصوري أنه، سنة قبل الانقلاب، أعطيت الأوامر لكي يعاد تدريب الضباط الممتازين في المدرسة العسكرية بالقنيطرة، وكان من بين المدنيين الذين كانوا يعطون دروسا في الأمور المدنية والسياسية عبد الواحد الراضي، وزير العدل الحالي، ومحمد الحبابي، من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. غير أن الصدف وحدها هي التي أنقذت الكولونيل المنصوري من الموت حكما بالإعدام، كما حصل مع زملائه. فقبل يوم الانقلاب توجه، في مهمة عسكرية، إلى الناظور، تاركا وراءه خليفته الكوماندان بن ابراهيم، الملقب ب«عمي». وفي اليوم التالي، اتصل الجنرال بوكرين بمقر القيادة العسكرية بفاس وطلب حضوره العاجل إلى الصخيرات، حيث كان مصيره سيختلف عما هو عليه اليوم، إلا أن الناظور كانت تعيش، في تلك الفترة، وباء الكوليرا، فمنعه الدرك الملكي من مغادرة المدينة بأوامر من الملك بسبب الطاعون. عاد المنصوري إلى الناظور، وفي صبيحة اليوم التالي، توجه إلى مقر العمالة وحصل من عامل الإقليم على رخصة مرور للتوجه إلى فاس، ومن ثمة الالتحاق بالجنرال بوكرين في الصخيرات، لكن ما إن وصل إلى فاس حتى اتصل به عاملها بنشمسي، وأخبره بما حصل في الصخيرات، وفي مساء نفس اليوم، علم المنصوري بخبر إعدام الجنرال بوكرين ومساعده الكوماندان بن ابراهيم، الذي كان المنصوري سيكون في مكانه لو لم تنقذه العناية الإلهية.