يوم 5 فبراير، ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا تاريخيا أمام ممثلي أهم الأديان الموجودة على الأراضي الأمريكية، بمن فيهم الدالاي لاما، حيث ذكر الحضور بأن العنف الذي يمارسه مسلحو الدولة الإسلامية في العراق والشام («داعش») في حق المدنيين والأقليات الدينية، مثل اليزيديين، باسم الإسلام، ليس أمرا خاصا بالمسلمين؛ وذكر أوباما بأن متطرفين مارسوا كذلك العنف باسم ديانات أخرى، مثل المسيحية، أيام الحروب الصليبية أو أيام عبودية واضطهاد السود في أمريكا في القرنين التاسع عشر والعشرين. ودعا أوباما الغربيين، الذين ينتمون في أغلبيتهم الساحقة إلى الدين المسيحي، إلى التواضع أمام أعمال العنف التي ترتكب باسم الإسلام؛ بل ذكر أن رسالة جميع الأديان تتجلى في محبة الآخر والدعوة إلى الخير. وكلام أوباما يختلف بشكل جذري عن الخطاب المتداول في أوربا، وبالخصوص فرنسا، حول الإسلام والمسلمين الذين يوضعون في قفص الاتهام كأنهم مسؤولون عن عمليات العنف التي يرتكبها أشخاص متطرفون لا يمثلون روح الإسلام في شيء. أكيد أن الفرق بين خطاب الرئيس أوباما وخطاب المسؤولين الفرنسيين يفسر بسيرته الشخصية وانتمائه إلى كنيسة المسيح المتحدة منذ التسعينيات الذي ساهم في تطوير حسه الديني والروحي، الشيء الذي يظل غريبا بالنسبة إلى العديد من العلمانيين في فرنسا، ذلك أنهم لا يفهمون في الأديان شيئا، ولازالوا ينظرون إلى الإسلام بأعين المستعمر ويعتبرونه دين «متخلفين» لم «ينوروا» بأفكار وقيم الجمهورية الفرنسية. كما يفسر هذا الفرق بين الأمريكيين والفرنسيين بدور الدين وأهمية الحرية الدينية في المجتمع الأمريكي الذي أسس في القرن السابع عشر لحماية أقليات دينية من حالة الاضطهاد التي كانت تعيشها في أوربا. واليوم، يبدو أن تاريخ الاضطهاد ضد الأقليات الدينية لازال مستمرا في أوربا، حيث بينت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها صدر سنة 2013 تحت عنوان «الاختيار والتعصب: التمييز ضد المسلمين في أوربا»، أن «الصورة النمطية للممارسات الدينية والثقافية للمسلمين أدت إلى التمييز ضدهم في مجالات التوظيف والتعليم بالنسبة إلى الأفراد الذين يرتدُون أشكالا محددة من اللباس أو رموزا ترتبط بالإسلام». ومحاربة التطرف لا يمكنها أن تنجح في أوربا إلا إذا استلهم المسؤولون الأوربيون، والفرنسيون على وجه الخصوص، مقاربتهم من كلام الرئيس الأمريكي أوباما في شأن ضرورة التواضع عندما يتم التنديد بأعمال العنف، وتجنب الخطاب الذي يضع المسلمين في قفص الاتهام. وسمعنا كثيرا خلال السنوات الأخيرة كلاما عند الفرنسيين حول رفض نظرية «صراع الحضارات» لصاحبها ساموئيل هنتيگتون، وضرورة «حوار الحضارات»، لكن يبدو أنهم يؤججون الأوضاع بخطابهم حول الإسلام، بل يتبنون ضمنيا، وعلنيا في بعض الأحيان، العنصرية التي تستهدف المسلمين في التربية وفي عالم الشغل، وفي حياتهم اليومية عموما. تغيير الخطاب المستعلي والتزام التواضع من ضمن الشروط التي بدونها يستحيل على فرنسا أن تعيش في سلم اجتماعي، كما يستحيل على أي مبادرة «تقارب» بين الأديان والحضارات أن تنجح.