العنف الطائفي ليس قدر المجتمعات المتعددة دينيا، والإسلام في جوهره لا يبرره ولا يدعو إليه، بل يسعى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين جميع الطوائف. ذاك ما أرادت البارونة سعيدة وارسي، وزيرة شؤون الأديان والجاليات في بريطانيا، البرهنة عليه في الخطاب الذي ألقته مؤخرا في جامع السلطان قابوس الأكبر في سلطنة عمانّ. النص الذي ألقته وزيرة شؤون الأديان والجاليات البريطانية تطرقت فيه إلى العديد من المواضيع الهامة التي تتعلق بموضوع التسامح والصراع الطائفي. بداية أقرّت الوزيرة أنّ عُمان تمثل رمزًا للتعايش الذي نطمح إليه جميعا، وهي دليل على أنّ الطائفية ليست أمرا حتميا حتى عندما يبتلى الدين بالانشقاقات في منطقة تتركز فيها دائما مثل تلك التوترات. وبحكم مهمتها بالحكومة البريطانية، واعتبارا لأن مهام عملها تشمل شؤون المعتقدات داخل البلاد وخارجها، فإنها جعلت من الحرية الدينية أولوية شخصية بالنسبة لها، تشمل نشر وحماية حقوق الناس في اعتناق أية عقيدة يريدونها، وإظهارهم لها، وتغييرها. وهذا الأمر لايعدّ جزءًا لا يتجزأ من الهوية الشخصية فحسب، بل إنّه يؤدي أيضا إلى إقامة مجتمعات أكثر عدلا، وأوفر أمنا وتقدمّا. وترى الوزيرة أنه ينبغي أن تكون العقيدة مَعْلَما هاما للنقاشات العامة، وأن يتم دعم دور المؤسسات الخيرية الدينية، والمنظمات التطوعية والأفراد الذين يحفزهم المعتقد على خدمة المجتمع. لا للعلمانية العدائية وحول موضوع تنامي مشاعر الخوف من الإسلام أو ما يعرف بظاهرة «الإسلاموفوبيا»، تقول الوزيرة: «لقد شعرت في المملكة المتحدة بأن تعصب الخوف من الإسلام قد زاد إلى درجة أن المشاعر المناهضة للمسلمين قد أصبحت مقبولة حتى في أكثر السياقات تحضرا، وأنه آن الأوان لكي يكون للحكومة ردّ على ذلك. ويسعدني أننا قد قمنا بقطع بعض الخطوات، من خلال العمل مع شركاء مثل منظمة المؤتمر الإسلامي». وتذهب الوزيرة إلى أن أوروبا سوف تكون أقوى ضمن هويتها المسيحية، والسبب حسب رأيها، يتمثل في أنّ الأقليات تحظى بترحيب وقبول بالغين في الأماكن التي تكون على يقين من هويتها، وأن العلمانية العدائيّة كانت تعمل على تغريب الأقليات، لا على الترحيب بهم. تقول «إننا لن نتنصّل من مسؤوليتنا كمدافع صلب عن الحرية الدينية، وقد كنت على حق العام الماضي، بجامعة جورج تاون في واشنطن، حينما حذرت من الاضطهاد الديني، وبخاصة ضد الأقليات المسيحية في أجزاء من الشرق الأوسط، وهو كارثة عالمية مأساوية وتتطلب ردا دوليا». وذكّرت الوزيرة في نصها بنشأتها السنية الشيعية، إذ كان هناك تشجيع في بيتها على التنوع في تعليمها الديني إضافة إلى حبها للمعرفة كمدخل إلى الدين، حيث كانت عاشوراء تمثل جزءا كبيرا من حياتها كطفلة، كما كان الحال بالنسبة لذهابها بانتظام إلى مسجد «ديوباندي» السني. وترى وارسي أن العقيدة تشكل الخطوط الفاصلة للصراع الحديث، وهو شيء قد زادت حدته كثيرا في الآونة الأخيرة. وتعتقد أن التصدعات لا تزال قائمة، ويزداد عمقها في كثير من الحالات، داخل المعتقدات الدينية كما هو الحال بين بعضها البعض. ونادرا ما تتم مواجهتها؛ ولكنها شيء ترى أنه يشكل خطرا كبيرا على العقيدة وعلى عالمنا. وبخصوص حديثها عن الإسلام، الذي هو عقيدتها، فترى أنّ الطائفية العدائية والعنيفة لا تتسم فقط بأنها غير إسلامية، ولكنها ضد الإسلام أيضا، وليس لها جذور في ممارسة عقيدتنا، بل هي مدانة في أصول عقيدة الإسلام. فهي السبب وراء التوترات، والاضطرابات والإرهاب ولا ينبغي أن يكون لها مكان في عالم اليوم، وهي شيء يجب علينا أن ندينه ونشجبه ونعمل على إيجاد حل له. الطائفية هي السبب وراء التوترات والاضطرابات والإرهاب ولا ينبغي أن يكون لها مكان في عالم اليوم كما أن الطوائف، والمذاهب، والفصائل، في الأديان كما هو الحال في الحياة، ليست شيئا جديدا، إن المجموعات المتنافسة تشكل جزءا من الطبيعة الإنسانية. وتعتقد وارسي أنه من المحزن حاليا أن طائفة المرء قد أصبحت العامل الذي له الغلبة في التعريف بالهوية، حيث تتزايد نسبة قيام أصحاب العقائد الدينية، ليس فقط بتعريف أنفسهم من خلال الطائفة التي ينتمون إليها، بل بتعريفهم لأنفسهم أيضا بالمقارنة مع الآخرين وبنبرة فيها استعلاء عليهم. الاختلاف، يمكن التغلب عليه وتذهب الوزيرة إلى أنه لم يعد ينظر إلى اختلاف المعتقدات على أنه أمر لا يمكن تجنبه، أو على أنه اختلاف مفيد في الرأي، ولكن ينظر إليه على أنه اختلاف لا يمكن التغلب عليه، إلى درجة استغلال الاختلاف الطائفي كوسيلة لتبرير أعمال التطرف الديني. وتضيف أنّ مثل هذا العنف وصل في جميع أرجاء العالم إلى مستويات عالية وغير مسبوقة كما هو الحال في العراق، وطبقا للأمم المتحدة، وفي ذروة الصراع الطائفي، لقي أكثر من 50000 عراقي مصرعهم نتيجة لعنف الإرهاب. وقد توفي أكثر من 8000 عراقي بسبب ذلك العنف العام الماضي وحده. وفي باكستان، وعلى مدار العامين الماضيين وحدهما، لقي أكثر من 1000 شخص مصرعهم نتيجة عنف طائفي. كما أن العنف الطائفي ما يزال يعصف بلبنان، والصومال التي تشهد صراعا بين حركة الشباب ومعارضيها. وتقر الوزيرة أنه ليس بالضرورة أن يكون الدافع وراء كلّ هذه الوفيات هو النزعة الطائفية وحدها، فبعض الهجمات كانت مجرد محاولات من جانب الإرهابيين لزعزعة استقرار المجتمعات والدول، إلا أن استخدامهم للنزعة الطائفية كأساس لأعمالهم يظهر مدى عمق وخطورة هذه المشكلة. كما عبرت سعيدة وارسي عن قلقها الكبير من النظرة التكفيرية التي تجتاح العالم، والتي تتنافى مع النهج الإسلامي في الاختلاف، حيث يبدو المؤمنون أكثر انشغالا بمعتقدات الآخرين من انشغالهم بمعتقداتهم. تقول «لقد كنت أنا نفسي ضحية لهذا النهج من إصدار الأحكام أحادية النظرة، فقد حدث منذ عدة سنوات أن تعرضت لهجوم وأنا بشوارع بريطانيا على يد عصابة اتهموني بأنني لست «مسلمة صالحة»؛ فلم يكونوا راضين عن انخراطي في العمل السياسي، ولم يكونوا راضين أيضا عن ظهوري في العلن دون تغطية وجهي. وهم بذلك قد اختزلوا عقيدتي في مجموعة من النواهي في الأمور السلبية فقط، حيث أنّهم يحددون عقيدتهم بما هم ضده، وليس بما يؤيّدونه. وهم بذلك يعصفون بالروحانية والعطف المُشكّلان لجوهر الإسلام». وتعتقد الوزيرة أن هذا المسلك يتنافى وتعاليم الإسلام، ويترك العقيدة عرضة للمتطرفين الذين يبررون العنف باسم الله. قائلة في ذاك الصدد: لقد تعلمت دائما أن العقيدة تكون في أوج قوتها حينما يجد الناس طريقهم إلى الله، وكما هو وارد على موقع التسامح الديني التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية: «كل نفس بما كسبت رهينة». وترى أن هناك عنصرا سياسيا مزعجا للغاية للنزعة الطائفية، حينما تستغل القوى السياسية السلبية هذه الاختلافات، ويعتمد هذا الأسلوب على نغمة أكثر ضررا حينما تتساوى الطائفة مع الجنسية أو الولاء لبلد ما. ففي الدول التي تقطنها غالبية سنية يُنظر إلى المسلمين الشيعة على أساس أنّهم يدينون بالولاء لدولة أخرى، والعكس بالعكس. كما هو الحال فيما يتعلق بالتوترات بين مختلف العقائد، مثل الحالات التي يتعرض فيها المسيحيون للاضطهاد بالدول الإسلامية، بسبب النّظر إليهم على أنهم عملاء للغرب، في حين ينظر إلى المسلمين في الغرب على أنهم مسؤولون عن الأعمال التي يقوم بها إخوتهم في الدين في الشرق. العنف الطائفي لا يقتصر على الإسلام وتعتقد الوزيرة أن العنف الطائفي لا يقتصر على الإسلام، فالمملكة المتحدة تعلم جيدا ما يحدث حينما تستغل الانشقاقات الدينية كوسيلة لإحداث مشكلات سياسية. وعلى مدار عقود، أصبحت الانشقاقات في الصراع التاريخي في أيرلندا الشمالية تتوافق مع الاختلاف الديني؛ ويقصد به ما بين البروتستانت والكاثوليك، وقد أُزهقت خلال تلك الفترةأرواح كثيرة، وبقيت المشكلات وما تخلفه من أضرار. وترى أن مسار التاريخ، في المملكة المتحدة وبصورة أكبر في أماكن أخرى في أوروبا، قد تشكل بالصدامات المريرة والتاريخية داخل المسيحية، وما على المرء سوى أن يتذكر ذلك الهتاف الذي كان يتردد خلال الحملات الصليبية من قبل مسيحيين ضد إخوتهم المسيحيين ?اقتلهم جميعا، فالله يعرف جماعته?. وتشير الوزيرة في خطابها إلى أن هذه المشكلة في غاية التعقيد (مشكلة العنف الطائفي) وليست هناك حلول سهلة لها. لكنها طرحت منهجا تعتقد أنه يمكن أن يكون بداية لتناول هذه المشكلة. فقد دعت للعودة إلى الأصول من خلال التعريف الإسلامي الجامع، لمن يعتبر مؤمنا بالإسلام، وهو أمر في غاية البساطة «النطق بالشهادتين، الإيمان بالله وبمحمد نبيه». ليست هناك أحكام أو شروط أخرى على الإطلاق للإيمان، وحتى في عصر النبوة، كانت هناك اختلافات في الرأي بين الصحابة حول توجيهات الرسول الدينية التي كانت تفسر بطرق مختلفة، حتى بشأن الواجبات والفروض المقدسة مثل الصلاة. لقد كان النبي ينظر إلى هذه الاختلافات في الرأي على أنها تنوع صحي ولا محيد عنه، بل وعلى أنها نعمة من الله. وانطلاقا من هذا التعريف للإيمان تستنتج الوزيرة أن أي مفهوم طائفي إقصائي يتنافى مع أساس العقيدة الإسلامية نفسها، ويجب على الزعماء الدينيين والقادة السياسيين أن يرددوا هذه الرسالة عالية مدوية في كل حدب وصوب. وتعتقد أن الجميع بحاجة إلى مراجعة التاريخ ليعرفوا أن النزعة الطائفية العنيفة ليست أمرا حتميا، ويجب أن ينظروا إلى الفترات التي عملت خلالها مختلف الطوائف داخل نطاق الإسلام وعبدت الله معا، قائلة: «عليهم أن يتأملوا في حقيقة أن الإمام جعفر، وهو شخصية محورية لدى الشيعة، كان بالفعل معلما للإمامين مالك وأبي حنيفة، اللّذان أسّسا فيما بعد مذهبين فقهيين سنيّين يعتبران الأوسع انتشارا على مستوى العالم حاليا. ويجب علينا جميعا، مؤمنين وزعماء على حدّ سواء، أن نسعى إلى إقامة المعنى الحقيقي للإسلام وأن نركز على الأشياء التي توحدنا، لا تلك التي تقسمنا. العقيدة تشكل الخطوط الفاصلة للصراع الحديث، وهو شيء قد زادت حدته كثيرا في الآونة الأخيرة. ويجب علينا ونحن نسعى إلى إقامة المعنى الحقيقي للإسلام، أن نقيم لغة الإسلام التي تشوهت في أغلبها وسطا عليها الساطون لأغراض سياسية». استعادة مفهوم الأمة ودعت الوزيرة إلى استعادة مفهوم «الأمة»، مشيرة إلى «أنّ الأمة، بطبيعتها، وحسب تعريف المجتمع، تتّسع للاختلاف ولا تقصيه. لقد كانت أمة النبي في المدينة متعددة الأديان والأعراق، لقد كانت أمة ضمير ووعي، لا إقصاء يسودها». وعلينا ألا ننسى أن النبي محمد يشار إليه دوما بأنه «رحمة للعالمين». و«ليس في الإمكان إيجاد عبارة أكثر وضوحا في الشمولية والاندماج من مفهوم الأمة في الإسلام.» ونوّهت الوزيرة بالتجربة العمانية في هذا الصدد، مشيرة إلى التواصل الحميم بين المسلمين الإباضيين والشّيعة في سور اللواتيا؛ وصلاة المسلمين السنة جنبا إلى جنب مع المسلمين الإباضيين في المساجد مثل مسجد السلطان قابوس. وقد امتد هذا التواضع والانفتاح بلا عوائق إلى أصحاب العقائد الأخرى؛ وهو ما تجلى في هذا الترحيب الذي أبدته السلطات العمانية بالكنيسة المسيحية الجديدة في روي. لقد حاولت وارسي في خطابها البرهنة على أن العنف الطائفي لا يمت إلى الإسلام بصلة، بل وينافيه أيضا، ويتنافى كذلك مع مبادئه ويعرض مستقبل العقيدة للخطر. ضحايا العنف الطائفي طبقا للأمم المتحدة، وفي ذروة الصراع الطائفي، لقي أكثر من 50000 عراقي مصرعهم نتيجة لعنف الإرهاب. توفي أكثر من 8000 عراقي نتيجة العنف العام الماضي وحده. في باكستان، وعلى مدار العامين الماضيين وحدهما، لقي أكثر من 1000 شخص مصرعهم في عنف طائفي