موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يُعامل المخزن «المارقين» عن دين الدولة الرسمي
نشر في المساء يوم 05 - 01 - 2014


أعد الملف - منصف يوسف
التاريخ القروسطي للمغرب، عرف العديد من حالات المحاكمة على أساس عقدي، كان أشهرها تلك التي نصبها المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية، لليهود والمسيحيين معا، وخيرهم بين الإسلام أو الموت، كما كان يعقد من حين لآخر محاكمة لأحد العلماء بسبب انزياحه عن المذهبية الرسمية السائدة آنذاك، بالمغرب.
لكن المثير في الأمر، هو استمرار ذلك النوع من المحاكمات على أساس عقائدي، إلى يومنا هذا. فمنذ أن حصل المغرب على استقلاله سنة 1956، قام بمحاكمة العشرات من الأفراد بتهمة تبنيهم لمعتقدات دينية خارجة عن المذهب الرسمي، وبالتالي يكون المغرب قد أخطأ موعده مع الديمقراطية التي بات أنصارها اليوم يتخذون من الحرية العقدية أساسا ومؤشرا على دمقرطة المجتمعات، خاصة تلك التي تقع في وضعيات انتقالية...
فبالرغم من مصادقته على جميع المواثيق الحقوقية الكونية، مازال المغرب يناصب العداء لكل من سولت له نفسه الاعتقاد أو ترويج أفكار دينية خارجة عن المذهب الرسمي، من شأنها «زعزعة عقيدة مسلم»، لتتخذ هذه التهمة الجاهزة في أحايين كثيرة طابع تصفية حسابات سياسية محلية أو إقليمية، دونما الارتكاز على أساس قانوني واضح وجلي.
فطالما تحصن مناصرو تلك المحاكمات ذات الأساس العقائدي بالمغرب، بالمسألة الهوياتية، أي الرغبة في تحصين المرتكزات التي ينبني عليها المجتمع المغربي وعلى رأسها –بحسبهم- المذهب المالكي السني، وإمارة المؤمنين، ليظهر أن الدافع وراءها ليس هو الحفاظ على معتقدات المغاربة، وإنما استمرار توظيف وحماية المرجعية الدينية للنظام القائم على النموذج الخليفي، واستمرار فعالية المؤسسات الإيديولوجية للنظام كأداة للهيمنة، بحسب تعبير ميشيل فوكو.
أكيد أن هذه المحاكمات تبقى وجها لسلطوية مستنيرة، تضع في أولوياتها حفظ بيضة الدين، لكن إكراهات العالم المعاصر وانفتاح الأفراد على أفكار ومعتقدات دينية سيارة عبر الفضائيات والإنترنت، تضع تلك الهواجس محل علامة استفهام كبيرة، فهل يعقل أن المغرب مازال يتابع قضائيا بعض الأفراد بتهم «زعزعة عقيدة مسلم»، أو يحاكم بضع فتية اختاروا لونا موسيقيا معينا. بدون شك أن الكلفة الحقوقية التي دفعها المغرب جراء تلك المحاكمات كانت ثقيلة، وهو ما فسر التراجع عن معظم تلك الأحكام، والإفراج عن المحاكمين..
تبقى هذه المحاكمات العقائدية تختزن بين ثناياها، نقاشا قديما جديدا، وهو النقاش حول تبني مجتمع ديمقراطي حداثي، الذي لا يستقيم في نظرنا بدون ضمان الحرية العقدية للأفراد، فمهما بلغت تبريرات تلك الملاحقات القضائية شأوا، إلا أنها تبقى نقطة سوداء في التاريخ الحقوقي للمملكة المغربية. في هذا الملف قامت «المساء» بتجميع بعض حالات المحاكمة ذات الأساس العقائدي بالمغرب المستقل، منها، من توبع بموجبها حزب سياسي، ومنها من كان موضوعه جماعة مهدوية أو شباب يافعين اختاروا توجهات فكرية وثقافية معينة. يقدم هذا الملف فصول تلك المحاكمات من وجهة نظر حقوقية تنخرط بدورها في تسليط الضوء على إشكالية الاختلاف العقائدي في مغرب هنا والآن.
حرية المعتقد بين المقتضيات الحقوقية الكونية وتعاليم الإسلام
المحافظون بالمغرب يعتبرونها خطا أحمر غير قابل للتجاوز
تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 «لكل شخص أن ينتفع بالحقوق وكل الحريات المعلنة في هذا الإعلان دون أي تمييز وسيما ما كان قائما على أساس من الجنس أو اللون أو النوع أو اللغة أو الدين».
أما المادة 18 من الإعلان نفسه، وهي مخصصة بأكملها للمجال الديني فتقرر: «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. وهذا الحق ينطوي على حرية تغيير الدين أو المعتقد وكذلك حرية إظهار دينه وإبداء معتقده بمفرده أو في جماعة. وسواء أكان ذلك جهاراً أم خفية، وذلك بالتعليم والممارسات والتعبد وإقامة الشعائر».
وقد تمت إضافة «حرية تغيير الدين بناء على اقتراح ممثل لبنان شارل مالك، بسبب الوضع السائد في بلاده، إذ يلجأ إليها أشخاص يضطهدون بسبب إيمانهم الديني أو بسبب كونهم قد تحولوا عن دينهم إلى دين آخر.
إلا أن هذا النص لم يكن ليمر دون أن يثير رد فعل من جانب الدول الإسلامية، إذ أن الإسلام يتحفظ على الحرية الدينية، وبصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بتَرك الإسلام والارتداد عنه لعقيدة دينية أخرى.
فقد اعترض ممثل المملكة العربية السعودية على «حرية تغيير الدين» وانضمت العراق وسوريا إلى ممثل السعودية. ولكن، بلا طائل فقد رفض اقتراحهم واعتراضهم. أما مندوب مصر فقد أبدى بدوره تحفظا فيما يخص «حرية الدين» وبصفة خاصة فيما يتعلق بالحق في تغيير الديانة. وذلك لأن الإيمان الديني –وفقا لما قاله- «يجب ألا يُغيَّر بلا ترو أو تفكير وكثيراً ما يُغيّر الرجل ديانته تحت مؤثرات خارجية كالطلاق». وكان مندوب مصر وهو د. محمود عزمي يخشى من أن إعلان حرية تغيير الديانة أو المعتقد سيشجع مجهودات بعثات تبشيرية معينة معروفة في الشرق تبذل جهودها في سبيل تحويل شعوب الشرق إلى ديانتها.
كما أعلنت بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية المعلنة والمصادق عليها في 16 دجنبر من سنة 1966 صراحة وبوضوح، عن «الحق في الحرية الدينية، وذلك استنادا على المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 9 من الاتفاقية الأوربية، والمادة 13 فقرة 3 من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمواد 18و19 و 20 فقرة 26:2و27 من الميثاق المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.
كانت تلك المواثيق الدولية الحقوقية، بمثابة إعمال ما جاء في المادتين الرابعة والخامسة من إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو العقيدة، من ضرورة قيام الدولة باتخاذ كافة التدابير لمكافحة التعصب القائم على أساس الدين أو المعتقد واستئصال أي تمييز يجري من هذا المنطلق.
وإعمالا كذلك، لما جاء في المادتين الخامسة والعشرين من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بضرورة أن تَحظر الدولة أية دعوة للكراهية الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف وأية جماعة أو شخص أو أشخاص يقومون بنشاط يستهدف إهدار أي من حقوق الإنسان المعترف بها عالميا والمصادق عليها من مصر.
النقاش الحقوقي حول حرية المعتقد بالمغرب
عقدت بالبيضاء في أواخر مارس سنة 2012 ندوة دولية بمشاركة خبراء وباحثين من المغرب وتونس وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والسنغال، دعت إلى تعديل الوثيقة الدستورية لتضمينها التنصيص على «الحق في حرية المعتقد» في البلاد. وأشير في الندوة نفسها إلى أن الدستور المغربي الذي تم تعديله في شهر يوليوز من العام الماضي «ولو أنه تضمن التنصيص على حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع والنشر، لم يشر بتاتا إلى حرية المعتقد» بعد أن «تم سحب هذه العبارة من النسخة الأولية لمشروع الدستور».
ومما جاء في توصيات الندوة «ضرورة إعداد مرافعة من أجل حرية المعتقد في المغرب، سيتم رفعها إلى كل من الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية. ودعا كمال الحبيب، رئيس «مجموعة الديمقراطية والحداثة»، إلى إجراء تعديل دستوري بما يكفل التنصيص على حرية المعتقد وحمايتها في البلاد.
فقبل عرض الدستور المغربي الجديد على الاستفتاء، سادت أخبار تتحدث عن تبنيه العلمانية بشكل واضح، والاعتراف بحرية العقيدة، مما أثار بعض المكونات السياسية المحافظة وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية. لكن، بعد التصديق على الدستور وتنصيب الحكومة شرع ثلة من الحقوقيين في نوفمبر من السنة نفسها في تهيئة دراسة عن كيفية إنجاز مرافعة حول حرية العقيدة بناء على دراسة مدققة، تراعي البعد التاريخي السياسي في المنطقة ككل، والحراك السياسي والشعبي الذي كان يعتمل آنذاك، وكيف يمكن بناء هذه المرافعة بناء على «الحداثة» بمفهومها الكوني، وانسجاما مع المقررات العالمية لحقوق الإنسان.
تم تحضير الدراسة وانطلق النقاش مع مختلف الفاعلين، ليتلوه تنظيم ندوة دولية، استدعي إليها للنقاش، ضيوف من مختلف أنحاء العالم، بهدف الاستماع لتجاربهم الحية التي يعيشونها في بلدانهم، لأن المغرب ليس بلدا فريدا في وضعية عدم الاعتراف بحرية العقيدة.
كما تمت استضافة عدة مجموعات من المغرب، منها نماذج من أتباع المذهب الشيعي ومجموعة من الشباب الذين اتهموا لأن مظهرهم وممارستهم الفنية مختلفة (مجموعات غناء «الميتال» و«الهارد ميتال» الذين كانوا قد حوكموا في المغرب بتهمة عبادة الشيطان)، وشباب من مجموعة «مالي» «الحركة البديلة للحريات الفردية».
قامت المناظرة بمساءلة الرأي العام، الذي كلما تحدث أحدهم عن حرية المعتقد إلا وتم تصنيفه بأنه ضد الإسلام، وحشره مباشرة في فئة اللادينيين أو الملحدين.
كان الهدف من هذه النقطة المنهجية هو رفع هذا اللبس، فحرية المعتقد ليست بالضرورة بين الدين واللادين، بل يمكنها أيضا أن تكون داخل الأديان.
والمذكرة التي قدمها منظمو المناظرة، تحدثت بالضبط عن الفصول التي يجب أن تتغير، والتي تقع على ثلاثة مستويات:
الأول هو المستوى الدستوري، الذي يجب أن يضمن نصا واضحا يحمي حرية المعتقد.
أما المستوى الثاني فهو الجنائي، وفيه اقتراحات لتعديل بعض القوانين في مدونة الأحوال الشخصية، وبالأساس كل ما يتعلق بالزواج بين أشخاص من ديانات مختلفة، والصيام، والإرث، والإجهاض.. وكل تلك القوانين التي تحمل طابعا دينيا، يجب أن تتغير لتحمل صبغة مدنية وليس دينية.
والمستوى الثالث هو الترسانة الثقافية والتعليمية في أفق التحسيس عبر الإعلام والتعليم.
وهدفت المرافعة إلى دفع السلطات، لتبني تلك المقترحات التشريعية، وحتى وإن كانت مسألة تغيير الدستور معقدة، بحكم أنه لم يصادق عليه إلا قبل أشهر، لكن يمكن أن يكون القرار بمثابة فتح نقاش لتغيير تلك القوانين.
الفصل 220 من القانون الجنائي
يجرم كل عمل يزعزع عقيدة المسلم. وظل هذا الفصل من القانون الجنائي المغربي، بمثابة سيف مسلط على حرية المعتقد، وينص على «من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة إلى خمسمائة درهم».
«ويعاقب بالعقوبة نفسها من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أوالمياتم، ويجوز في حالة الحكم بالمؤاخذة أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استعملت لهذا الغرض، وذلك إما بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات».
في الجزء الثاني من هذا الفصل يتطرق المشرع لزعزعة عقيدة المسلم، هنا نتحدث عن الجريمة اتجاه المسلم تحديداً، أي أن اليهودي والمسيحي غير معنيين بهذا الفصل. ولم يحدد صفات المحرض على تبديل الدين، لكنه حدد طرق الإغراء في: -استغلال ضعفه واستغلال مؤسسات الصحة وحاجته إلى المساعدة، واستغلال مؤسسات التعليم أو الملاجئ أوالمياتم.
ونفس ما قيل في الإفطار العلني وعلاقة الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي بالمواثيق الدولية والقيم الكونية، ينطبق تماماً وبوضوح على الفصل 220 الذي يكرس هذه البنود، في مخالفة لما نصت عليه المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أن: «لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر... بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدى». وما نصت عليه المادة 19 من أن: «لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة..» .
رؤية شرعية
نبسط هنا إشكالية الحرية العقدية، من زاوية شرعية، حيث تكمن إشكالية مهمة وهي في كيفية حماية وحفظ كينونة المجتمع الإسلامي من الأفكار المغايرة له –ثقافيا- التي قد تأخذه إلى «الردة عن الإسلام» مع أهمية إبقاء سقف ومستوى حرية الرأي والتعبير ثابتاً، وذلك أمام مقولات دعاة العلمانية، الذين يأخذون على النظام الإسلامي وجود أحكام يرونها تتعارض مع حرية الرأي والتعبير.
وبهذا الصدد، يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين «لا يعقل أن تشرع عقيدة إلغاء نفسها، لأنها بمجرد أن تفعل ذلك تكون قد عبرت عن عدم صدقيتها وعدم حقانيتها، حتى لو أخذنا مثلا المجتمعات الديمقراطية الغربية، هل تسمح فلسفتها التي تصدر عن الليبرالية والمذهب الرأسمالي في الاقتصاد لقوى واتجاهات من شأنها أن تغير جوهر هذه الفلسفة؟ إن السماح بوجود أحزاب شيوعية مثلا في بلدان رأسمالية لا يعدو شكلا من أشكال ألوان الديمقراطية، وهو وجود شكلي يمارس حرية مضبوطة النتائج ولا تهدد أسس النظام وفلسفته».
من كلمة شمس الدين، انطلق الشيخ السعودي فوزي آل سيف، في كتابه «مسائل في قضايا الاستبداد والحرية»، ليبين ما هو (ثابت دينيا) ويدخل ضمن دائرة «ثوابت الدين» والتي يعتبرها دائرة محدودة وصغيرة، قد وسعها المتدينون، وبين ما هو غير ثابت –ممارسات- ويخضع لدائرة النقد العلمي والتاريخي.
ويدعو الشيخ فوزي لأهمية التمييز بين نوعين من الأحكام ما هو محدود بالزمان والمكان أو الأشخاص، وبين ما يقبل الاجتهاد فيه.
كما يدعو لتمييز بين ما هو من (الأحكام الثابتة) وبين ما هو (ممارسة من المسلمين) ويرى أن ما هو مقدس ولازم الإتباع هو الأول دون الثاني.
ويرى آل سيف أنه لا ينبغي التعامل مع الأفكار المخالفة، بقوة البطش، وذلك لأنه لم يثبت يوما أن القوة استطاعت أن تنهي وجود الفكرة، فالفكرة قد تختفي عن السطح الظاهر، ولكنها تظل تتفاعل تحت السطح، وقد تكبر.
ويرى أن الفكر يواجه بالفكر، والرأي بالرأي المضاد، والشعار القرآني الذي هو قانون في التعامل مع الأفكار {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وقد تكررت هذه المطالبة بالبرهان والدليل مرارا في القرآن، مع أن الطرف المقابل كان كافرا جاحداً.
ويتناول السيف قضية الردة في عدة إطارات منها الإطار الثقافي، والإطار الفقهي. وننقل هنا ما جاء في كلام الشيخ آل سيف ضمن الإطار الفقهي وهو الحلقة المهمة التي يجب تبيانها، لتبين لنا ما فيه لبس عند غالبية من ينتقدون الحرية في الإسلام تحت هذا المنظور.
يتناول السيف في بحثه آراء العلماء من الفريقين (الشيعة والسنة)، بشكل شبه مفصل، وقد قسمها إلى ثلاثة آراء:
- الرأي الأول: وهو الرأي المشهور بلزوم قتل المرتد، وقسمة ميراثه، وبينونة زوجته... واستندوا في ذلك إلى بعض الوجوه الاعتبارية تارة مثل: إن الحكم على المرتد يقطع الطريق على مؤامرات الأعداء، بأن يدخلوا في الإسلام صباحا ثم يغادروه مساء محدثين بذلك فتنة اجتماعية.
- القول الثاني: إن عقوبة الردة ليست حد القتل وإنما هي عقوبة تعزيرية مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية، وهي التي تقرر المناسب من العقاب فيجوز أن يكون القتل في بعض الظروف ويجوز أن يكون غيره.
- القول الثالث: وقد فصل أنواع الردة إلى عدة توجيهات:
أ/ القول بعدم القتل، إلا إذا خرج لحرب الإسلام، وهو الرأي الذي اتبعه بعض المعاصرين، فإنه شكك في البداية في دلالة مستند الحكم وهو عندهم حديث ابن عباس عن النبي (من بدل دينه فاقتلوه).
وهو ما ذهب إليه أحد الفقهاء الشيعة، وهو الشيخ الصانعي في جوابه على إحدى المسائل على موقعه عبر الإنترنت.
ب/ التفصيل بين الردة الغليظة والخفيفة، كما ذكره الشيخ القرضاوي
ج / التفصيل بين الردة كقناعة شخصية وبينها كحرابة فكرية: وهي إجابة للراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين أحد الفقهاء الشيعة، فإنه يرى أن الإنكار العقدي على مستويين: مستوى القناعة الشخصية، ومستوى الحرابة الفكرية، أو العدوان الثقافي . وبالنسبة للأول فإنه لا يقام عليه حد الردة، بينما المستوى الثاني يكون حاله حال سائر المحاربين للمجتمع، وذلك لأنه لو أجازت الشريعة مثل هذا، لكانت تشرع إلغاء نفسها وهذا غير ممكن.
يجب التمييز بين مستويين من تغيير الرأي: وعبر عن هذا الرأي بقوله والمعتقد:
- مستوى تبديل الرأي والرجوع عن الإسلام كرأي شخصي للإنسان، بينه وبين نفسه، هذا الموقف لا يؤاخذ عليه طالما أن الأمر لا يصل إلى موقف الدعوة والتحريض على الإسلام.
فمستوى الردة حينما يتحول المرتد من مجرد صاحب رأي إلى داع ومحرض. في هذه الحالة يكون هذا الإنسان قد خرج من دائرة حرية الرأي وحرية المعتقد إلى مساحة أخرى وهي دعوة الآخرين إلى الارتداد، وهذا يدخل في التقويم الفقهي في باب الحرابة الفكرية، -إذا صح التعبير- أو في باب التخريب الفكري والعدوان الفكري. وهناك آراء تحكم على المرتد بالموت أو بالحبس أو بالعزل بمجرد أن يعرف عنه ذلك. في حين ذهب رأي آخر، إلى اعتبار أن الردة إنما تكون موضوعاً للمؤاخذة حينما يعبر عنها المرتد بنحو دعائي وتحريضي للآخرين أن يرتدوا مثله. بهذا يكون المرتد هنا محارباً لعقيدة المجتمع قبل أن يكون محارباً لعقيدة الدولة.
« الأمن الروحي»
ظهر مفهوم «الأمن الروحي للمغاربة» في أعقاب محاكمة إرهابيي حادث 16 ماي 2003، إذ ورد في بلاغات وزارة الداخلية، التي أعلنت نيتها في حماية «الأمن الروحي» للمغاربة، عبر قمع كل الأفكار والتعابير المختلفة عن نهج السلطة واختياراتها، كما استُعمل في بيانات بعض الحركات الإسلامية التي سارت على منوال السلطة في الترويج لهذا المفهوم.
غير أنّ طابعه الاختزالي وبعده عن الاستجابة لحاجات واقع ثقافي واجتماعي مغربي مركب، يستوجب مساءلة هذا المفهوم، إذ أن «الأمن الروحي» قد تم اختزاله في المعتقدات الدينية لوحدها دون غيرها، بينما تتجاوز-معرفيا- القيم الروحية مجال الدين إلى ما هو أكثر اتساعا وشمولية منه، إذ تضم ممارسات كثيرة أخرى ليست بالضرورة دينية ولكنها تحقق إشباعا روحيا للأفراد والجماعات في إطار القانون والحريات الديمقراطية.
كما أن «الأمن الروحي» لم يقصد به أمن كل المغاربة بل بعضهم فقط وهم المسلمون منهم، وليس كل المسلمين بل بعضهم أيضا وهم الذين على «المذهب المالكي السني الأشعري»، أي هؤلاء المتبنون للمذهب الرسمي الذي يعد ثابتا من الثوابت السياسية التي تدرج في إطار «المقدسات»، وهو ما يجعل بقية المغاربة حسب هذا المفهوم «بدون روح» تستحق الأمن والحماية.
لقد زج بمفهوم «الأمن الروحي» للمغاربة في معترك الصراع السياسي ليصبح أداة في يد السلطة توظفه ضد خصومها، سواء كانوا أشخاصا أو هيئات.
وتحكمت في مقولة «الأمن الروحي» مقاربة قاصرة حصرت العدو في التشيع تارة وأنصار التوجه الجهادي تارة أخرى. ليبقى التخبط في تعريف «الأمن الروحي»، والخطأ في تحديد من يهدده، والفشل في استيعاب من يدافع عنه، بمثابة عوامل قادت المغاربة إلى هجران المنتوج الديني المحلي، والبحث عن الفتاوى في المواقع والقنوات المشرقية.
محاكمة جماعة
«مهدي» تاوريرت
يعود ظهور هذه الجماعة المهدوية، إلى أواخر سنة 2004 بتاوريرت، حينما انشق زعيمها بومديان خوار عن إحدى الجماعات الإسلامية المغربية، وأعلن عن تأسيس جماعته، التي أطلق عليها في بداية الأمر رابطة «الدعوة والأخوة» قبل أن تتحول إلى «رابطة الفتح». ورغم أن دعوة هذا «المهدي» لم تكن سرية، إذ ظل يستقطب الأتباع والمريدين على امتداد ثمانية أعوام، قبل أن تتحرك السلطات العمومية لرصد هذه «الجماعة المهدوية» واعتقال أعضائها في كل من تاوريرت ووجدة والناظور والصويرة.
وجاء انشقاق «شيخ» الرابطة، وهو طالب، بعد ادعائه رؤية النبي في المنام قبل أن يُقدم على تطليق إحدى الفتيات من زوجها وعقد القران عليها، بحكم القدسية التي منحته إياه «الرؤيا» وإلهاما منها، بعد أن كانت ستزف لأحد أعضاء الجماعة بمدينة تاوريرت شهر أكتوبر 2004. وقد انتقل آنذاك أحد قياديي الجماعة التي انشق عنها إلى تاوريرت لفك النزاع وحصر الخلاف في المدينة، بعد أن سار حديث الساعة بالجهة الشرقية، خصوصا بمدن العيون الشرقية ووجدة والناظور. إلا أنه لم يفلح في ذلك، لتقرر الجماعة «الأم» فيما بعد التبرؤ منه وفصله من تنظيمها.
وأفادت مصادر مطلعة من عين المكان أن الطالب صاحب «الرؤيا» أحيط بهالة من القدسية مكنته من استقطاب بعض الأعضاء تجاوز عددهم الثلاثين، من بينهم أعضاء أساسيون في التنظيم، وجعلت منه مرشحا «للإمارة» أو «الزعامة» المدينة. كما أصبح محط احترام وتبجيل، إذ بدأ المستقطبون يقبلون الأيدي والأكتاف ويزورون المقام. وأمام استنكار أغلبية الأعضاء، قام أتباع الطالب بالتعهد له بموالاته وأدوا القسم على مناصرته بإحدى المقابر بتاوريرت.
لكن، في يوم الجمعة 6 أبريل سنة 2012، عقدت المحكمة الابتدائية بوجدة جلسة محاكمة علنية، تابعها الرأي العام المحلي والوطني باهتمام بالغ بعد طول انتظار، إذ تم إصدار الحكم النهائي في قضية «الجماعة المهدوية» والتي تم القبض على زعيمها والأفراد المنتسبين لتلك الجماعة، بسبب إدعاء زعيم الجماعة بأنه «المهدي المنتظر» و كون أتباعه من «الطائفة الناجية».
وعلى إثر ذلك، صدر في اليوم نفسه الحكم في حق ثمانية أشخاص ينتمون لهذه الجماعة، إذ حكمت المحكمة على المتهم الرئيسي، وهو بومدين خوار القاطن بمدينة تاوريرت بثلاث سنوات سجن نافذة، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 3000 درهما وذلك بعد تصريحاته، بأنه كان يرى الرسول ويأمره بما يفعل، كما تم إصدار الحكم بسنة واحدة في حق المدعو عبد العزيز العبيدي مع غرامة مالية قدرها 500 درهما، في الوقت الذي اكتفت المحكمة بتغريم ثلاثة أشخاص آخرين بقيمة 5000 درهما لكل واحد منهم، بالإضافة إلى الحكم بالبراءة في حق الثلاثة الباقين.
وفي قصاصة إخبارية لوكالة المغرب العربي للأنباء، وصفت هذه الجماعة بكون أنصار هذه الطائفة يتبنون معتقدات تقوم على تبجيل زعيمهم إلى حد القداسة٬ والاقتناع بما يروج له من أفكار٬ إذ أصبحوا يطيعون أوامره من قبيل تغيير الأسماء بدعوى أنها مدنسة٬ وكذا ضرورة التخلص من ممتلكاتهم والتبرع بها لفائدة هذه الجماعة٬ علاوة على طلب الإذن للمعاشرة الزوجية. وأضافت الوكالة نفسها بأنه بالإضافة إلى الأموال المحصل عليها من أتباعه، فإن زعيم هذه الجماعة٬ يتوصل بمبالغ مالية من الخارج٬ يتم صرفها على بعض مريديه لتقوية روابط التبعية له وضمان الانضباط لممارساته العقائدية المنحرفة.
وشكلت هذه المحاكمة آخر فصول هذه «الجماعة المهدوية»، والتي وضعت حدا لشائعات راجت في أوساط الجهة الشرقية حول هذه الجماعة وما يدعي زعيمها، والتي شكلت ردود فعل قوية خصوصا بعد التصريحات التي أدلى بها لإحدى الصحف، والتي أكد فيها مبايعته من طرف بعض المشايخ والمراجع في العالم الإسلامي، مما أضاف نوعا من الإثارة على القضية.
الريسوني يرفض إدانة المتنصرين المغاربة...
قررت محكمة الاستئناف بفاس، بتاريخ الخميس 26 شتنبر 2013، الإفراج عن الشاب المغربي المسمى حمد البلدي الذي اعتنق المسيحية، ومتابعته في حالة سراح، دون كفالة مالية. وذلك بعد أن سبق وأدانته ابتدائية تاونات بسنتين ونصف حبسا نافذا وغرامة مالية محددة في 500 درهم. ويتحدر هذا الشاب من منطقة عين عائشة بنواحي تاونات. الذي تم استقباله لحظة الإفراج عنه من قبل بعض الفعاليات الحقوقية في المدينة، التي ظلت ترافع عن قضيته منذ اعتقاله، دفاعا عن حرية المعتقد.
حكى هذا الشاب في وقت سابق ل«المساء» عن لقائه الأول بالمسيحية، قائلا : «إنه مر بظروف نفسية واجتماعية صعبة، أفضت في سنة 2002 إلى دخوله مستشفى الأمراض العقلية والنفسية ابن الحسن بمدينة فاس، بعدما تعرض لاهتزاز نفسي، عاوده أكثر من مرة، قبل أن يستقر به الحال كمسيحي».
تروي فصول هذه المحاكمة بدورها، عجز القضاء المغربي على توضيح الحد الفاصل بين التهمة التقليدية الجاهزة وهي «زعزعة عقيدة مسلم» وبين شخص اختار تغيير دينه دون أن يمس في ذلك «الأمن الروحي للمغاربة». هذا ما يفسر صدور الحكم الاستئنافي لصالح هذا الشاب المغربي، الذي انبرى ثلة من الحقوقيين للدفاع عنه على أساس أن قضيته متعلقة بانتهاك واضح ل«حرية المعتقد» التي تكفلها المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
وفي الصدد نفسه علق العلامة المقاصدي أحمد الريسوني بخصوص حرية العقيدة في المغرب، قائلا: «لا ينبغي أن نمنع التبشير المسيحي، ما دامت الدول المسيحية تسمح للمسلمين بممارسة التبشير الإسلامي، والبقاء للأصلح عند تعادل الفرص» .
بل إن الريسوني عبر عن معارضته لتطبيق حد الردة، لما قال إن «الردة إن كانت مجردة، فصاحبها أمره إلى الله واليوم الآخر، وإن كانت مصحوبة بتآمر أو خيانة أو اعتداء، فأمرها يدخل تقنينه وتقديره في باب السياسة الشرعية، وهو من اختصاص الدولة وولاة الأمور فيها».
وأضاف الريسوني أن «العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم تحكمها أولا مبادئ عامة كالعدل والبر والإحسان وحقوق القرابة والجوار، ولا إكراه في الدين، ولكم دينكم ولي ديني... كما تحكمها قواعد المواطنة والتعايش التي على الجميع احترامها وعدم الإخلال بها، ومنها الولاء للوطن والمجتمع وليس لجهات خارجية دينية أو سياسية، ومنها تحاشي التصرفات الاستفزازية لدين المجتمع وأخلاقه، ووجوب الخروج من السرية والخداع والنفاق».
ملاحقة الشيعة المغاربة
في سنة 2007، شنت السلطات بالمغرب حملة أمنية ضد الشيعة المغاربة في العديد من المدن، منها وزان والصويرة وطنجة والعرائش وتطوان، وعرفت هذه الحملة، احتجاز واعتقال واستنطاق لعشرات الأشخاص تحت ذريعة انتمائهم إلى المذهب الشيعي أو تعاطفهم مع رموزه ومفكريه...
كما عرفت مداهمات وتفتيش للبيوت وحجز كتب وأمتعة وتصوير لبعض المحتويات، وإغلاق المدرسة العراقية بالرباط، وكذا التدخل لمنع عرض الكتب التي لها علاقة بالفكر الشيعي أو بإيران في المكتبات، وحرمان القراء والباحثين من اقتنائها.
كما تم على إثر الحملة الأمنية أيضا، توقيف تدريس اللغة الفارسية بجامعة محمد الخامس، وفي خضم هذه المداهمات الأمنية، كان احترام المساطر القانونية آخر هواجس الأجهزة السرية والعلنية التي كُلفت بمباشرتها، فلم تتقيد في التفتيش بزمن وأصول التفتيش القانوني، ولم يدل المفتشون بأوامر قضائية، ولم تعرض على الأشخاص الذين تم اعتقالهم واستنطاقهم طبيعة التهم والنصوص القانونية المستند إليها، ولم تُحترم جوانب الحياة الخاصة لأولئك الأشخاص، فجرى استخراج المعلومات المسجلة من ذاكرات الحواسيب والهواتف النقالة المملوكة لهم واستعمالها بدون أي حرج أو مبرر قانوني، إلى درجة أن الذين تعرضوا لهذه التجاوزات خرجوا بانطباع عام يفيد بأننا في المغرب يمكن في أية لحظة أن نتحول إلى رهائن بين يدي السلطات العمومية، تصنع بنا ما تشاء بدون أن نكون قد ارتكبنا شيئاً مما يخالف القانون.
وبالرغم من تبني المغرب رسميا للمذهب السني، فإن عدداً كبيرا من التقاليد والمظاهر الشيعية استقرت منذ قرون، في ثقافتنا، إذ أن المغاربة، يخصون آل البيت باحترام استثنائي، وترتبط شرعية ملكيتنا بتحدرها السلالي من الدوحة النبوية الشريفة، ونحتفل بعاشوراء، كما يعج المعجم السياسي بالعديد من التعبيرات الشيعية من قبيل وصف الجالس على العرش بعبارات «مولانا الإمام» وهو لفظ شيعي محض، وتقرالمقتضيات الدستورية، بقداسة شخص الملك، إسوة بالشيعة الذين يضعون الإمام في مكان رفيع، باعتباره ينوب عن النبي ويصل ما بين العالمين الروحي والأرضي المادي. ولا يبدي المغربي المسلم، عموما، أي نزوع طائفي ويقبل التفاعل مع المذاهب الأخرى والاقتباس منها، وهو الأمر الذي ظهر جليا بمناسبة عمل لجنة مدونة الأسرة، التي انفتحت على اجتهادات مذاهب أخرى في مادة الأحوال االشخصية.
ومشكل الملاحقات التي تعرض لها أتباع المذهب الشيعي بالمغرب، لم يكن مشكلا فكريا أو دينيا أو مذهبياً، بل هو مشكل سياسي، فهناك من انتابه الخوف حينها، من أن تتطور العلاقات مع دولة إيران ورموز مقاومة الصهيونية.
إن مداهمة البيوت، وتفتيشها، وحجز الكتب والوثائق، وترويع العائلات، واعتقال أصدقاء المشتبه في تشيعهم وأقاربهم، واقتيادهم أمام الملأ أحياناً من مقرات عملهم، واستعراض فرق من أجهزة استخباراتية وأمنية متعددة، ليس عملاً مجانياً، وهو لا يستهدف الإحصاء وضبط اللوائح، وهذا ما يمكن أن يتم بدون جلبة، بل يستهدف إيصال رسالة إلى كل فرد يتابع المنشورات الشيعية أو يتعاطف مع أفكار أو رموز شيعية، وإلى كل من له صلة بهذا الفرد أو علاقة به، مؤداها أنهم يتموضعون في دائرة «المحظور» وفي حالة الخروج عن «شرعية ما»، وربما كانت فصول متابعة المعتقلين السياسيين الستة ضمن ملف بلعيرج وجها من أوجه هذه الرسالة المراد إيصالها.
فمن حق أي مغربي أن يتحول من المذهب المالكي السني إلى المذهب الشيعي أو العكس. وليس هناك نص دستوري يفرض على المغربي المسلم أن يكون مالكياً أو أن يبقى مالكياً. وحتى لو قررنا أن ينص الدستور على ترسيم المالكية كمذهب للدولة - كما فعل مشروع دستور 1908- فإن ذلك لا يعني سوى أن هذا المذهب هو المعول عليه في عمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومناهج التثقيف الديني الرسمية ونشاط الإعلام العمومي والمساجد والمجالس العلمية. فكما لا يمكن أن يُفرض الإسلام على أي أحد بالإكراه، فلا يمكن أن يُفرض عليه الانتماء إلى مذهب معين بالقوة، وإلا كنا بصدد الاعتداء على الحق في حرية الفكر والعقيدة.
إن أسلوب الاعتقال والترهيب ومصادرة الكتب ومحاكمة النوايا والأفكار يمثل نوعاً من «المكارتية» الجديدة التي تتنافى مع القواعد المعمول بها في المجتمعات الديمقراطية المعاصرة.
إذا كان هناك للفكر الشيعي مساوئ ولانتشاره أضرار، فلا يمكن مواجهة ذلك إلا بالمزيد من إبراز محاسن الفكر المالكي ومنافع انتشاره، وليس بتدخل أجهزة الأمن والمخابرات. ولذلك يبدو تعليق الأستاذ محمد العبادي رئيس الرابطة المحمدية للعلماء، منطقيا،ً في نظرنا، حين يقول «إن توضيح وبيان الثوابت الدينية المغربية التي تتجلى في تبني العقيدة الأشعرية وفقه المذهب المالكي وتصوف الجنيد، هو خير مقاومة لكل مظاهر الاختراق كيفما كان نوعه أو لونه، شيعياً أو غيره (..) إن الذي يكون اليوم بيانه بليغاً بيناً جذاباً في عالمنا، لا شك أنه سوف تكون له مغناطيسية استقطابية أكبر، مما يستلزم التوجيه والتخطيط والتشمير والتكوين والإنفاق من قبلنا حتى نحقق الميل الفكري والحضاري اللذين يحصل معهما العطاء والنقل انطلاقاً، والتلقي والتقبل انتقاء».
محاكمة أعضاء الطائفة البهائية سنة 1965
«إن هؤلاء الذين تلقوا البهائية بالناضور وحاولوا أن يؤسسوا دولة بهائية، سيكون لهم الحق في الهجوم على الأماكن المقدسة الإسلامية وتحطيم الكعبة وتغيير الحج»، هكذا علق علال اللفاسي على اعتقال ومحاكمة 15 فردا من الطائفة البهائية التي تكونت منذ مدة قصيرة، إذ بدأت القصة بقدوم مجموعة من الإيرانيين إلى المغرب من أجل الاشتغال في مجموعة من الميادين كالطب والهندسة، ومن بينهم داعية ديني سكن تطوان، بدأ يجمع حوله بعض المغاربة ويُعرفهم على الديانة البهائية، وهو ما تسبب له في شكاوى عديدة من طرف سكان الشمال، الذين لم يستسيغوا فكرة أن يدعو شخص ما لدين غير الإسلام في المغرب، فتمَّ طرد وإجبار الداعية الإيراني على الرحيل، أما أتباعه فقد تم اقتيادهم إلى المحكمة، إلا أن المشكل، هو عدم وجود أي نص قانوني يدين مثل هذه الحالات، ورغم أن الملك الراحل الحسن الثاني تحدث لصحيفة أجنبية أن المغرب لا يسمح بالتبشير لديانات أخرى غير الإسلام، إلا أن الدستور نفسه كان ينصص على حرية الاعتقاد.
انبرى لأجل إدانة أولئك البهائيين الراحل علال الفاسي، الذي كان يشغل مهمة وزير الشؤون الإسلامية حينئذ، وكذلك كان موقف شخصيات فكرية أخرى كعبد الرحمن الكتاني، وعبد الله كنون، وإدريس الكتاني، ومحمد برادة، وقد لعبت جريدة مقربة من حزب الاستقلال، دورا في تجييش النفوس ضد البهائيين عندما كتبت:» إن الحكم الذي صدر بالناضور، قضى على عمل جماعة من التائهين الذين اعتنقوا مذهبا مشركا بالله يخالف الأديان السماوية».
جاءت قضية البهائيين في سياق منافسة شديدة بين كل من أحمد رضا اكديرة وحزب الاستقلال، فقد كان الأول ينظر لحزب علال الفاسي على أنه خطر على الحكومة المغربية، والثاني ينظر للأول على أنه موال بدون شروط للقصر الملكي، ورغم أن اكديرة تقلد حقائب وزارية في الحكومة نفسها مع ثلاثة وزراء استقلاليين، إلا أن اشتغالهما كان فيه الكثير من التوتر الذي تمظهر في ديباجة الدستور، حين ظهر الخلاف على سلطات الملك، وكذلك في رغبة اكديرة في تأسيس جبهة للأحزاب المقربة من القصر، وهو حَدَث بعد وقت قصير، عندما تأسست جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك)، التي تكوّنت من أحزاب أنشئ أغلبها لهذا الغرض، لتأتي قصة البهائيين وتزيد التوتر في العلاقة بين الطرفين، ليتخذ هذا التوتر منحى إيديولوجيا بين رضا اكديرة الليبرالي الذي آمن بحرية المعتقد وحزب الاستقلال ذي التوجهات المحافظة، الذي ارتأى ضرورة حماية الدين الإسلامي، وقد شكلت أعداد جريدتي 'العلم' الاستقلالية، و'ليفار' الذي أسسها اكديرة، مسرحا لتلك العنتريات الإيديولوجية.
أمام هذه الأوضاع المتشنجة، قام الشاه بدعوة علال الفاسي إلى إيران في زيارة رسمية، بهدف إقناعه بترحيل معتنقي البهائية إلى إيران عوض محاكمتهم وإعدامهم، وذلك بعد أن أصدرت السعودية في فتوى رسمية بأن عقيدة البهائيين تتأسس على الوثنية وهدفها هدم الإسلام. لذلك رأى الشاه في ترحيل معتنقي البهائية إلى إيران حلا وسطا، مخافة مزيد من التطورات التي قد لا تحمد عقباها.
غير أن حل القضية لم يكن هو الترحيل، بل كان تدخلا من الملك الحسن الثاني بعد زيارة لنيويورك في السنة نفسها، قال فيها أمام الصحافيين على إثر سؤال حول القضية:» إني سأستعمل حق العفو إذا ما أكد المجلس الأعلى الحكم على هؤلاء الشباب»، وهو ما وفى به الراحل عندما تدخل أياما بعد ذلك، من أجل الإفراج عن مُعتنِقي البهائية.
وكانت من أكبر نتائج العفو الملكي عن البهائيين، أن ازداد لهيب التوتر بين اكديرة وحزب الاستقلال، وطلب فيما بعد، ثلاثة وزراء استقلاليين، إعفاءهم من مهامهم، بمن فيهم علال الفاسي، الذي استقال من الوزارة وصار أستاذا جامعيا، حسب ما يؤكده المؤرخ عبد الرحيم الورديغي، الذي يضيف أن استقالة زعيم الاستقلال، أدت إلى سقوط الحزب من الحكومة، وانضمامه إلى المعارضة المناهضة للقصر.
هكذا ظهرت البهائية بالشرق
أصل هذه الديانة هو الرغبة الزهدية لمحمد علي الملقب ب» الباب»، الذي كان عبارة عن تاجر عاش في إيران في بداية القرن التاسع عشر، حيث كان الفساد والظلم متفشيا، قام هذا التاجر وادعى أنه يحمل رسالة تنبئ بقدوم نبي جديد، في وقت كان الانتظار على أشده بالنسبة للمسيحيين الذين يعتقدون في عودة المسيح، والشيعة الذين يعتقدون في عودة المهدي المنتظر، ولما توزع الشيعة على أكثر من خمسين فرقة ومذهباً، كانت رغبة هذا التاجر قوية في توحيدهم، آمن بدعوته في البداية عدد من علماء الشيعة، إذ كان رجل زهد وتقية، وبدأ بنشر رسالته الدينية التبشيرية ، ولما بلغ خبره للشاه «محمد الملك» بادر إلى سجنه ومن تم نفاه إلى فلسطين، وقبل موته تمت مبايعة علي النوري الذي لقب ببهاء الله، لكن بعد وفاته، قال أحد علماء الشيعة وهو ميرزا بهاء الدين بأنه هو النبي الذي كان الباب يبشر بقدومه، وهكذا بدأت البهائية في الانتشار عالمياً، حوالي 1844م، لكن من وجهة نظر أنثربولوجية، تظل البهائية ديانة روحية أخلاقية أرضية، وهي ظاهرة جماعية حتى وإن بدت فردية على مستوى تطبيق الشعائر والطقوس التعبدية. ولعب الاعتقال والمنفى والتهميش، والمنع والحرمان دورا كبيرا في انتشارها... فلولا السجن والمنفى لما استطاع علي النوري مؤسس الطائفة نشر رسالته التبشيرية، إذ كانت البهائية عبارة عن معتقد، ولولا المضايقات والسجن نفسه الذي تعرض له الشيخ حسين النوري مؤسس البهائية ونبيها المفترض، لما انتقلت البهائية من طور المعتقد إلى طور الديانة، ينضاف إلى ذلك كونها ديانة غير متماسكة وتشوبها العديد من النقائص حتى على مستوى المقدس ذاته، فالأجدر كان هو الحوار بدل الاعتقال، والمحاكمة، لذلك فالمقاربة الأمنية للدولة تجاه البهائية وتجاه الشيعة والتعددية الدينية والمذهبية بالمغرب تعكس خوف الدولة من الحرية في الاعتقاد والتفكير، لأن المرجعية الدستورية والشعبية لقمة السلطة هو الإسلام المالكي السني.
تولى قيادة البهائيين من بعد رحيل مؤسسها ابنه عباس، لتصبح ديانة «أرضية»، يمكن تشبيهها بالزاوية إلى حد ما، ولو أن الخلفية المرجعية تختلف نوعا ما، وهو الخوف نفسه على سبيل المثال بالنسبة لبعض الدول العربية الأخرى كمصر مثلاً، حينما قام جمال عبد الناصر باتخاذ موقف سلبي من البهائية، ومن بعد حسني مبارك، ومؤسسة الأزهر نفسه، الذين اعتبروها جميعا، بمثابة هرطقة، وصهيونية خاصة وأنها تحرم قتال بني إسرائيل ولا تؤمن بالجهاد.
أمينة بوعياش *: المرجعية الكونية لحقوق الإنسان
تعتمد الحرية العقائدية
- ماهو تعليقكم على المحاكمات ذات الأساس العقائدي التي عرفها المغرب المستقل منذ 1956؟
يمكن القول أن هذه المحاكمات تثير تساؤلا أساسيا بخصوص الهدف من وضع القواعد القانونية، حيث يبقى –هذا الهدف- هو حماية أمن والحريات الفردية والجماعية، وتبقى حرية العقيدة من الحريات الأساسية، وبالتالي التساؤل هل القانون-هنا- هي مقتضيات للإكراه وخرق الحريات الأساسية، وفي هذا الإطار يتدخل فاعل آخرغير قانوني ضمن ما يسمى «الواجب المعنوي» للقيام بمهام حماية حقوق اإنسان من جهة والنهوض بها من جهة ثانية ليقوم القانون بمهمته في حماية الحريات والأمن وليس إكراه على شيء محدد، كما تنخرط تلك المحاكمات ضمن ترسيخ سلطة إيديولوجية معينة بالاعتماد على القانون، والذي يصبح إطار إكراه وخوف. وليس انخراط مما يضع المجتمع في صراع مع القوانين التي تنظم حياته، والتي من المفروض من تلك السلطة أن تحمي حياة الأفراد وأظن أن هذه القراءة تسعفنا في فهم تلك الملاحقات القضائية ذات الأساس العقائدي.
- هل القانون الجنائي صالح دائما لمقاربة مسألة الاختلاف العقدي بالمغرب؟
كما أسلفت، فإن القانون يجب أن يبحث عن انخراط جميع أفراد المجتمع في حركيته عبر قواعد يكون مصدرها الأساسي الحقوق والحريات، وليس اكراه المجتمع.فعدد من مقتضيات القانون الجنائي الحالي مهمتها الأساسية تكمن في الإكراه، والقانون، غالبا ما يجيب، على ظواهر معينة وهنا أتسائل كم عدد أفراد المجتمع المكرهين على الخضوع لتلك المقتضيات الجنائية. أكيد نحن لسنا هنا لجرد عددي، لكننا الآن بصدد مناقشة المسألة من زاوية مبدئية، وبالتالي لما يكون القانون يقع ضمن مفهوم الإكراه يجعل الصراع حاضرا بين تطبيق مقتضاياته من جهة والمجتمع من جهة أخرى، الذي يجب أن يحس بالأمان في ذاته كيفما كانت حيثيات تطبيق تلك القوانين.
- نبتعد قليلا عن المقترب القانوني للمسألة، كيف تقيمون تلك المحاكمات من منظور حقوقي؟
المرجعية الكونية لحقوق الانسان تؤكد على حرية العقيدة والتي تصنف من الحريات الأساسية، مثل حرية الرأي وحرية التفكير، وحرية التعبير، وهذه الحريات تبقى بمثابة «حزمة» منسجمة ومتداخلة فيما بينها، كما أن هناك مبدأ عام لدى كل المدافعين عن حقوق الانسان، مفاده رفض أية محاكمة تعتمد على المس بحرية أساسية بما فيها حرية العقيدة أو مؤسسة بشكل أو بآخر عليها.
وهو يعتبر بمثابة مبدأ حقوقي عام شامل، اشتغل عليه المدافعون عن الحريات الأساسية وانخرطت فيه كذلك المجموعة الدولية على أساس أن حقوق الإنسان الكونية هي مجموعة مبادئ متوافق عليها وتعبر عن ثقافات وديانات وحضارات متعددة.
- نفهم أن هناك مرجعية كونية تؤطر الحرية العقدية؟
هي كذلك بالفعل، هناك مرجعية حقوقية كونية تؤطر هذا الصنف من الحريات الأساسية، والعمل المطلوب هو ملاءمة التشريعات الوطنية مع تلك المقتضيات الحقوقية الكونية، وهي عملية تستند على مدى تفاعل السياسي والحقوقي في صيرورة تبوء حقوق الإنسان مكانة ضمن مصادر صياغة القوانين.
- بالعودة لتلك المحاكمات ذات البعد العقدي بالمغرب، كلما أثيرت واحدة منها إلا وانبرى أحد المكونات السياسية طرفا فيها، مثل حزب الاستقلال بمناسبة محاكمة البهائيين، وحزب العدالة والتنمية بمناسبة محاكمة ما عرف اعلاميا ب«عبدة الشيطان»، كيف تفسرون ذلك؟
أولا أشير بأن المكونات السياسية، تضع لنفسها دائما مرجعية، هي بمثابة خلفية فكرية لها، وهذه الأخيرة إما أن تكون تدعم حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو بعض منها أوترفضها، وكل مكون سياسي يعتمد على مرجعيته الفكرية ومساره التاريخي في تحديد مواقفه، بهدف توسيع قاعدة مناصريه عبر تبني تلك القناعات أو مناوءتها..
فنحن نرى أن خروج حزب الاستقلال أو حزب العدالة والتنمية بمناسبة تلك المحاكمات، أو حزب الاتحاد الاشتراكي كذلك فيما يخص قضية الإرث والتعدد في الزوجات، كان ذو هدف واضح هو تدعيم قاعدة المناصرين للأفكار التي تتبناها تلك الأحزاب.
وعلى سبيل المقارنة، فكل دول العالم يعرف فيها الفاعلون السياسيون تبني قضايا معينة ذات صلة بتوجهاته، لأن هدفه يبقى دائما هو الوصول للسلطة السياسية والتي تفترض البحث عن توسيع القاعدة السياسية لإختياراته.
- كيف تصبح حرية أساسية مثل الحرية العقدية، رهينة حسابات سياسوية؟
لأنه لم نصل بعد إلى رؤية واضحة، حول حدود توظيف الفاعل السياسي لعناصر الهوية الجماعية للمغاربة، مما يعد اجحافا بحقهم، فنحن لم نتمكن لحد الآن من فصل الاسلام عن الاسلام السياسي، ولم نتمكن أيضا من الفصل بين كل من الخطاب الحقوقي والخطاب السياسي في هذا المجال، وعجزنا كذلك عن توضيح البنية الفكرية للمجتمع المغربي، بقدرته على التعايش ضمن آراء متعددة، دون حالات أو خطاب العنف.
كما يجب استحضار مفهوم مركزي يقربنا من فهم هذا الإشكال ألا وهو مفهوم النظام العام، الذي يعتبر بمثابة قواعد لمجتمع يتفق عليها ويحترمها أفراده فيما بينهم، لكن، أمام التحولات العميقة التي اخترقت المجتمع المغربي، لم نتمكن بعد من فتح هذا النقاش بشكل عقلاني والإنكباب على مكونات النظام العام، وتجديد قواعده بما يرسخ الحريات الأساسية، كما أنه ليس لدينا وضوح في الرؤية السياسية، ولم يتمكن الفاعل السياسي من تجاوز الحسابات الانتخابية.
- هل ملاءمة التشريعات الوطنية مع المقتضيات الكونية الحقوقية من شأنه أن يعالج المسألة؟
أود أن أشير إلى هناك أشتغال دؤوب للحقوقيين والمنظمات الحقوقية في هذا الباب، وهو عمل جيد، حيث يتم اثارة المسألة في مناسبات عديدة، ومن جهة ثانية، عملية الملاءمة في مواضيع ذات طبيعة ثقافية وعقائدية تتطلب جهد كبير ووقت أطول وضرورة حشد الرأي العام حولها، لاتخاذ القرار السياسي بعد ذلك
ونورد على سبيل المثال بخصوص عقوبة الإعدام، أنه بالرغم من تطور النقاش الذي يقض بإلغاء عقوبة الإعدام، إلا أنه لم نتمكن من الوصول إلى استصدار قرار سياسي يلغي عقوبة الإعدام والذي لم يراوح تقليص عدد الجرائم التي تنص على عقوبة الإعدام.
ففي كل القضايا ذات الصبغة الثقافية أو العقائدية، المطلوب هو عمل يجمع ما بين الحماية والنهوض بحقوق الإنسان لتطوير الحوار العمومي وإثارة الإنتباه إلى التطورات التي يعرفها المجتمع، وفتح مسارات التفاعل مع القرار السياسي لترسيخ الحريات الأساسية وحمايتها.
* رئيسة المنظمة المغربية
لحقوق الإنسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.