لم تؤثر الأزمة العالمية على التنافس المحموم الذي تشهده فاس العتيقة من قبل منعشين سياحيين للظفر ببيوتات مهددة بالانهيار وتحويلها إلى رياضات تستقطب السياح وتدر على أصحابها مبالغ كبيرة من الدولار والأورو. وفي الوقت الذي يتحدث متتبعو شؤون العقار بمراكش عن تراجع مهول لقطاع الغيار في الآونة الأخيرة، يرى «أهل فاس» أن مدينتهم أصبحت «منتعشة» بسبب ما يسمونه بتحركات متواصلة تقوم بها «النخبة الفاسية» لتسويق المدينة، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. وبقدر ما يعود هذا التسويق بالأرباح الطائلة على المنعشين العقاريين والسياحيين، ويجلب بعض المتعة للسياح، فإن أوضاع ما يقرب من مليون نسمة بالمدينة لا تعرف سوى التدهور أمام ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وانسداد آفاق الشغل، وإغلاق عدد من المصانع لأبوابها وطرد مسيريها للعمال دون أدنى حقوق، ودون أي خوف من متابعة السلطات المعنية لهم. وتضطر عدد من الأسر بالمدينة العتيقة إلى بيع منازلها المهددة بالانهيار وشراء شقق تشبه علب السردين في أحياء هامشية بالمدينة، خصوصا في حي بنسودة الذي شيدت فيه عمارات سكنية من قبل «محسنين» وضعوها رهن إشارة كل من يرغب في إخلاء المنازل بفاس القديمة وبأثمان «مناسبة». وطبقا لمنظمة اليونسكو، فإن حوالي 12 ألف دار مغربية عريقة توجد بالمدينة العتيقة بفاس. ولعل العدد الكبير لهذه الدور العتيقة هو الذي يحرك «جشع» المنعشين السياحيين الراغبين في شرائها وتحويلها إلى رياضات سياحية. وتعتبر هذه الدور العريقة تحفا أثرية نادرة تعود، في بعض الحالات، إلى حوالي 10 قرون، وتحمل في طياتها جزء، أساسيا من تاريخ وحضارة المغرب. ويظهر أن المسؤولين المحليين، ومعهم الجهات الوصية، لا يولون كبير اهتمام لمثل هذه التحف لأن ما يهمهم هو «تسويق» المدينة وإرضاء المنعشين ذوي الأرصدة البنكية الضخمة. وتشير أرقام المركز الجهوي للاستثمار بفاس إلى أن عدد الرياضات الفاسية التي تم اقتناؤها من طرف مستثمرين مغاربة وأجانب، وتحويلها إلى دور ضيافة مصنفة من طرف مصالح وزارة السياحة المغربية، بلغ نحو 300 رياض في سنة 2008. وأدت هذه الحمى التي تعرفها المدينة العتيقة إلى الإخلال بآثارها وظهور مهربين يعملون في الليل والنهار من أجل بيع هذه الآثار في السوق السوداء، بينما يرجح أن تكون وجهتها خارج المغرب، وبالخصوص في اتجاه المتاحف الأوربية التي تقدّر قيمة الآثار والتحف النادرة. وتعرض الجدار الأثري المحيط بهذه المدينة إلى ثقب ممتد في أكثر من منطقة، بسبب «تمسك» هؤلاء المنعشين السياحيين بمبدأ توفير أبواب مناسبة لاستقبال السياح ومعها باحات مؤثثة لركن السيارات. «الانتعاشة» في العقار لم تقتصر، فيما يبدو، على فاس العتيقة، فقد بيعت جل فضاءات المدينةالجديدة لشركات عقارية كبرى، وتم القضاء، تقريبا، على جل مناطقها الخضراء. ويضطر عدد من الأسر المتوسطة بها إلى «الرحيل» كلما حلت العطلة الأسبوعية إلى المدن المجاورة لرؤية الطبيعة التي أصبحت «عملة نادرة» في فاس، أمام «إعصار» الإسمنت المسلح القادم من كل الجهات. ويظهر أن هذا «الإعصار» يرفض أن يقف في حدود مركز المدينة، بل تعداها إلى سهول سايس، المعروفة بأراضيها الخصبة، ودمر عددا من التعاونيات الفلاحية بها، محولا إياها إلى تجزئات سكنية عبارة عن علب سردين. وتقدم الإعصار شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. واقترب «أخطبوط» فاس من مكناس ومن صفرو، وتهديداته لكل المناطق المحيطة لا تزال متواصلة.