الفرنسيون يأكلون «البانيني» والأمريكيون يأكلون «الهوت دوغ» فيما المغاربة يأكلون سندويتشات عند عربات عشوائية في الشوارع ب5 دراهم وأحيانا أقل واللحوم المستعملة قد تكون لحمير أو لكلاب ضالة.. الأثمنة المنخفضة تفتح شهية البعض فيقبلون عليها لسد جوعهم. كل الوجبات السريعة على اختلافها والأطباق التقليدية أيضا بأنواعها قد تجدها لدى هذه العربات ابتداء من المشويات والمقليات وحتى مرق الأحشاء المعروف ب«التقلية». معظم المواطنين المغاربة، خاصة العمال البسطاء، ممن يجبرون على تناول الوجبات السريعة في الشوارع وبأثمان زهيدة يقبلون على هذه الوجبات التي تتوافق نسبيا مع مداخيلهم الشهرية البسيطة، وأغلبهم لا يطرح التساؤل حول جودة هذه الأكلات المعروضة، المهم أن يسدوا رمقهم ويشبعوا جوعهم، فجاذبية طعام الشوارع فرضت نفسها بقوة وجعلت بعض المغاربة يفضلون تناول وجباتهم خارج المنزل. وأنت تتجول في شوارع الدارالبيضاء بدون شك سترى أشخاصا في مختلف الأعمار يقومون ببيع المأكولات الخفيفة في الهواء الطلق كالكفتة والنقانق «الصوصيص» في أماكن غير صالحة لذلك بسبب انعدام النظافة، عرباتهم مصنوعة من الحديد في غالب الأحيان أو من الخشب، حجمها دائما ما يكون صغيرا أو متوسطا ليقدر الفرد منهم على جرها، وإلى جانب ذلك تتوفر تلك العربات خلف قارورة غاز «البوتان»، من أجل تحضير الأكلة المطلوبة والتي تكون في الغالب عبارة عن «سندويشات» بأنواعها وصولا إلى أكلة الشواء « الكبدة أو الكفتة أو لحم الدجاج»، والمشكلة الكبرى أن مواصفات السلامة «غير موجودة». فالأكلات الخفيفة لدى أصحاب العربات تشكل خطرا على صحة الإنسان، وكثيرا ما نجمت عنها وفيات. يقول محمد(اسم مستعار)بائع الأكلات الخفيفة، حيث كان واقفا على عربته المركونة بزاوية بمنطقة الحي المحمدي «أكيد هناك حالات تسممات قد تنتهي بوفيات بالنسبة لبعض المستهلكين لهذه الوجبات، غير أن هذا يحصل لدى باعة الأكلات الخفيفة، الذين يعملون بلا ضمير ولا أخلاق وينقصهم الحس الديني أيضا وإلا ما كانوا ليبيعوا نهائيا لحوما مغشوشة لحيوانات محرم أصلا استهلاكها في الدين الإسلامي مثل الحمير والكلاب». وأضاف «طريقة اشتغال هؤلاء»المهنيين» الذين لا يحملون سوى الاسم لا يحترمون الشروط الصحية بالإضافة إلى غياب جودة اللحوم فحتى الطريقة والتخزين تكون غير جيدة ولا تحترم المعايير الصحية وهي بذلك تسبب خطرا على المستهلك». ثم يؤكد « عشت تجربة صعبة مع مجموعة من التجار الشركاء في هذه المهنة إلا أن أخلاقي لا تسمح لي بممارسة تلك الأعمال حيث كانوا يستعينون بلحوم الكلاب والحمير ويقدمونها للزبناء بأثمنة رخيصة رغم خطورتها وهو ما رفضته وجعلني أقاطعهم نهائيا». وجبات رخيصة لا يزيد سعر السندويش لدى أصحاب العربات العشوائية عن 5 دراهم أو 10 دراهم، وقد يقل عن ذلك، وهو ما يشجع الكثير من الزبناء على الإقبال على مثل هذه العربات، حيث إن ثمن الصوصيص للكيلوغرام الواحد يتراوح ما بين 45 و 46 درهما، فيما يعرضه أصحاب العربات على زبنائهم ب20 درهما، وهو ما يثير الكثير من الشك بخصوص جودته. وأما ثمن اللحم المفروم «الكفتة» الذي يتراوح ما بين 70 درهما و80 درهما للكيلوغرام الواحد، فإن أصحاب تلك العربات يبيعونه لزبنائهم ب 5 دراهم أو 6 دراهم للسندويش الواحد وهذا راجع إلى انخفاض السعر الذي اقتنوا به هذه اللحوم التي لا تتجاوز 30 درهما للكيلوغرام في ظل غياب المراقبة والصرامة مع مثل هذه المهن التي تؤثر على صحة المواطنين». ويقول محمد ل«المساء» إن «الغش في جودة اللحوم والأخطار التي يمكن أن تسببها للمستهلكين هو ما دفعني إلى فض شراكتي مع مجموعة من الأشخاص الذين يمتهنون نفس الحرفة بسبب تشبثهم بمواصلة العمل على نفس النحو نظرا لهامش الربح الذي يحققونه، فيما أنا أريد كسب رزق حلال لأطفالي، كما أن أخلاقي لا تسمح لي بالغش والتسبب بأي ضرر للآخرين مهما كانت قيمة هذا الربح المادي». وأضاف «أنا أعمل الآن بمنطقة أخرى بعيدة عن الحي المحمدي، لأن أخلاقي وسيرتي وسط زبنائي لا تسمح لي بالعمل بذلك الشكل «الخبيث»، علما أني أتمنى أن يكون لي محل قار وليس عربة غير أن وضعيتي «المزرية» وظروفي القاسية لا تسمح لي أن أكتري محلا لبيع المأكولات لأني أعمل من أجل زوجتي المريضة بمرض نفسي ولدي طفلان ودائما أحافظ على نظافة المنتوج الذي أقدمه». الذبيحة السرية كثيرة هي الشهادات التي استقتها «المساء» والتي تتحدث عن أشخاص يتعاطون للذبيحة السرية، في ظروف تغيب فيها شروط الصحة والسلامة وفي بعض الأحيان قد ترتكب فيها «فظاعات» بحق صحة المواطنين مثل ذبح أكباش أو أبقار تكون مريضة بمرض معد وتوزيعها على الأسواق بطريقة غير مقننة وغير صحية. كما ذكرت لنا بعض المصادر أن هناك بعض أصحاب العربات بالدارالبيضاء متخصصون في ترويج لحوم الحمير على شكل لحوم مفرومة، حيث تتخصص بعض اللوبيات في شراء وذبح الحمير أو الكلاب ثم يعمدون إلى ذبحها وتوزيعها على شكل نقانق تتبل جيدا لإخفاء مذاقها، وقد افتضح أمر هؤلاء خاصة في حي البرنوصي بالدارالبيضاء، الذي اكتشفت فيه السلطات مؤخرا عددا من رؤوس الحمير وهي مرمية بإحدى حاويات الأزبال فيما اختفت لحومها، الأمر الذي أثار اشمئزاز المواطنين الذين تساءلوا عن مصير تلك اللحوم. الذبيحة السرية حسب شهادة المختصين انتشرت بفعل غياب المراقبة، لأن مروجيها يستغلون غفلة المسؤولين خاصة في الضواحي والأحياء «درب غلف» و«المسيرة» وعين الشق» و «فران الحلوى» و«سوق ولد امينة» بالحي الحسني، إضافة إلى سوق المسيرة بمقاطعات مولاي رشيد الذي يعتبر «أخطر» سوق لترويج اللحوم التي تجهل طبيعتها ومصدرها والتي يتم للأسف الإقبال عليها من طرف مواطنين هم في الغالب من الطبقات المسحوقة التي لا تهتم بالجودة وإنما بالإقبال على كل ما يشبع البطون. ويتم نقل هذه اللحوم لكي تباع في الأسواق العشوائية عبر العربات أو الشاحنات أو الدراجات على شكل نقانق لأصحاب العربات العشوائية المجرورة لإعداد الوجبات الخفيفة، وهذا راجع إلى انعدام دوريات المراقبة، في ظروف تنعدم فيها شروط النظافة. انتشار الظاهرة أكد محمد ذو السابعة والعشرين من عمره ل»المساء»، الشاب الذي كان يستعد لإعداد وجبة لأحد المارة بعدما استوقفته رائحة السندويتشات التي يعدها محمد، قال بأنه لم يكن مقتنعا بهذه المهنة لكن البطالة دفعته إلى تقبل الأمر الواقع، مضيفا»كيف لك أن تقوم بكراء محل تجاري قانوني تتجاوز كلفته الشهرية أحيانا المليون سنتيم، وهذه المهنة لا تحتاج إلى رأسمال». وغير بعيد عن محمد يوجد مصطفى (اسم مستعار) يقول: « لا بديل لي غير هذه المهنة، أعطوني البديل وسأترك هذه المهنة فورا وبدون تردد»، مصطفى الذي يعيل أسرة تتكون من خمسة أطفال أضاف باختصار شديد «هي قوت أولادي»، وعن المخاطر الكبيرة التي قد تنتج عن هذه المهمة قال: « منذ أزيد من عشر سنوات وأنا أشتغل في هذه المهنة لم تقع قط أي مشكلة لي ولم يتعرض أي زبون من زبنائي لتسمم وهناك زبناء أوفياء يقبلون على مأكولاتي يوميا أنا دائما أحافظ على نظافة المنتوج الذي أقدمه»، يضيف محمد، الذي أكد أن هناك عددا من الباعة مثله يعملون بدون ضمير وهمهم الوحيد هو الكسب السريع مهما كانت ضريبته حتى ولو كانت على حساب أناس أبرياء لم يقترفوا أي ذنب سوى أنهم اشتهوا تناول وجبة سريعة لدى هذا البائع أو ذاك. بين مرحب ومنتقد اختلفت آراء العديد من المواطنين بين مقبل ورافض لهذه المأكولات التي تعرض في الهواء الطلق، بل إن بعضها يعرض بالقرب من مطارح الأزبال. حمزة (20 سنة) يقول إن هذه السندويشات تشكل خطرا حقيقيا على صحة المواطنين والسبب أن بعض الباعة لا يحترمون الشروط الصحية. فغالبا ما لا يقبل البائع أن تبور لديه اللحوم ويخسر الكثير من المال لذلك فإنه سيحتفظ بتلك اللحوم حتى ولو كانت غير صالحة. البعض يعيد تنظيفها بالماء ووضع توابل أخرى عليها وبيعها من جديد، إضافة إلى مشكل غياب النظافة، حيث تنتصب هذه العربات في الشوارع العمومية، وتكون عرضة لدخان السيارات إضافة إلى الأواني التي يتم فيها طبخ هذه الأكلات خاصة منها «التقلية» أو البيصارة أو غيرها من الأكلات الشعبية.. طرح ساندته فاطمة الزهراء التي أضافت أن على هذه الفئة أن تقنن هذه الممارسة في إطار قانوني وإلا سيكون عليها البحث عن مهنة أخرى بدلا من التسبب في مرض المواطنين حيث إن التسمم أحيانا قد يودي بحاة وفاة الزبون. وجاء على لسان هند، التي كانت تتحدث وهي متوترة، لأنها لا تحب اقتناء ما يعده أصحاب العربات، لأن وجباتهم تنعدم فيها شروط النظافة وتطهى في الهواء الطلق وبالتالي فإن أي طعام معرض للهواء فهو يحمل معه الفيروسات والجراثيم فتتسبب في تسمم وأمراض خطيرة للإنسان. وأضافت أن شقيقها الصغير تعرض لتسمم وكاد أن يفارق الحياة لأنه تناول وجبة من هذه العربات بالشارع. فئة ثانية ترحب بهذه الوجبات وتعتبرها عادية ولا تشكل أي خطر. يقول نور الدين(55 سنة) « كل واحد كيدور على طرف الخبز لهذا لا يمكن أن نتدخل فيهم فهناك سلطات مسؤولة». نور الدين طالب بالجامعة لذلك يعتبر هذه الوجبات مهمة له وهو الذي يقضي اليوم كاملا في الجامعة ويتناول وجباته من هذه العربات لأنها توفر الوجبة بثمن مناسب في ظل عجزه عن تناولها بمحلات تجارية يقول إنها تبدو ظاهريا صحية و»ما خفي أعظم». المصدر نفسه طالب المسؤولين بالتدخل من أجل إيجاد صيغة قانونية لهؤلاء الباعة، وشاطره ذهب العربي الرأي ذاته عندما قال بأن هذه الفئة مغلوبة على أمرها ولا يجب أن نلومها لأنها بحثت عن العمل فلم تجده. وترجع فاطمة الزهراء»طالبة» سبب إقبال المغاربة على الأكلات الشعبية بالشارع رغم تعدد الأكلات وكثرة المطاعم المغربية والعالمية إلى أن هذا الطعام رخيص ولذيذ، ولذلك لا يقارن بأسعار المحلات والمطاعم ويناسب مستوى دخل معظم المغاربة ذوي الدخل المحدود، مما يجعل الحصول على وجبة غذائية لا يمثل عبئا اقتصاديا عليهم. وتضيف هند أنه مازال هناك حنين إلى الأكلات التراثية القديمة ف «السندوتشات» ذات النكهات العالمية رغم تصدرها قائمة الطعام اليومية للفئة الشبابية، إلا أن المطبخ الشعبي والأكلات الشعبية، سواء التي تحضر داخل المنزل أو التي يتناولها البعض في الخارج لا تزال تحتفظ بمكانتها لدى المغاربة. وتوافقها كوثر(موظفة) الرأي بأنه لا يمكن لمطبخ الوجبات السريعة أن يحتكر الأذواق في المغرب، مشيرة إلى أن هناك أكلات تقليدية تربينا عليها رغم قلة استهلاكها، إلا أنها تنافس الوجبات السريعة، ورغم أننا نلجأ أحيانا للوجبات السريعة للتخلص من الروتين اليومي إلا أن الحنين لبعض الأكلات يدفعنا للرجوع إليها وهي توجد لدى هذه العربات رغم الخطورة، كيف لا وهي التي يسميها البعض «عربات الموت»، بينما يعتبرها البعض الآخر منقذهم من الجوع كما يسمونها ب» طعام الفقراء»، لأن ثمنها منخفض عن باقي وجبات الأكل الأخرى. وتعد ظاهرة العربات من الظواهر القديمة، فممتهنو هذه الظاهرة يجزمون بأن هذه الحرفة خلقت بسبب البطالة الموجودة في البلاد، بينما يعتبر بعض المارة أن غياب الرقابة من طرف المصالح المختصة هو السبب البارز لانتشار مثل هذه الظواهر التي يدفع ثمنها فقط المواطن البسيط، الذي يقبل وبكثرة على أكل المنتوج المقدم من طرف أصحاب هذه العربات. الأمراض المعدية على الرغم من أن الأكلات المعروضة في الشارع تغري بالإقبال عليها إلا أن لا أحد يمكن أن يشكك في أنها قد تشكل خطرا على صحة المواطنين، خاصة أنها تعرض في الشارع وتغيب فيها أغلب إن لم نقل كل الشروط الصحية، لكن الأخطر من هذا أن بعض هؤلاء الباعة قد يشكلون هم أنفسهم الخطر حيث إنهم قد يكونون حاملين لأمراض خطيرة ومعدية من السهل انتقالها لسبب من الأسباب، نظرا للعشوائية التي يتم بها طهي تلك الأكلات وغياب النظافة لدى أغلب هؤلاء الباعة، وغياب أي مراقبة صحية للمصالح المختصة بوزارة الصحة أو بالنسبة للمصالح المختصة التي يفترض أن تقوم بحملات يومية على هذه العربات والتأكد من التزامها بالشروط الصحية وتقنين هذه المهن أو إعادة تنظيمهم في أماكن معينة تمكن الزبناء من الإقبال عليها دون أي مشكل أو لها أن تتأكد من جودة اللحوم المعروضة وبأنها ذبائح حلال وللأبقار أو الأغنام وليس لكلاب أو حمير، علما أنه تم عشرات المرات اعتقال أصحاب عربات عشوائية يبيعون لحوم الحمير للزبناء بثمن اللحم العادي دون أن يهتموا للأمراض التي قد تصيبهم أو للأخطار التي قد تتسبب فيها لهم. كما يشار إلى أنه مازال يتم التعامل مع هذه الظاهرة بلامبالاة في الوقت الذي تشكل فيه «عربات الموت» هذه خطرا حقيقيا يهدد الصحة العمومية. الأمراض المنقولة التي تكلف وزارة الصحة ميزانية مهمة لمحاربتها يمكن أن تنتشر بسهولة بالغة لدى هذه العربات من قبيل السل والتهاب الكبد الفيروسي وهي أمراض يمكن أن تنتقل إلى المستهلكين. شيماء الضامن