رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مافيا محلات الأكل العشوائي والمغشوش تطوق أحياء الدار البيضاء

السكفكف، كراندا، نص وقل... السنبلة الطون والحار أسماء لمأكولات على قارعة الطريق، وأسماء لتجار تمكن سحر وجباتهم أن يأسر زبناء، منهم من يأتي مباشرة من إيطاليا وفرنسا، ليس لأكل طبخ الوالدة، ولكن لزيارة دكان أو براكة ظل يتلذذ أكلتها لشهور وسنوات، ولن تستقيم الشهية إلا بتناولها.
هم بائعو السندويشات الخفيفة و«الثقيلة»، تجمعهم خاصية السيطرة على الزبون، يمتلكون أسرارا تجعل التحديق في المكان غير المناسب للطهي والبيع بلا تأثير عليهم. إيمانهم بلذة الوجبة، يعطل التفكير في مصدر هذه اللذة وفي مصدر مكونات الوجبة، التي لا دخل للعين في قيمتها، فالإلتهام المنساب للوجبة، ينتهي بتلمظ يولد نشوة لا تقاوم.
في عز تهاطل الأمطار الأخيرة وقف زبون متعب من يوم عمل شاق بأحد الأوراش، طلب سندويشا، وشرع في الإنتظار، عيناه لا تفارق الصحن المملوء بخليط من الأمعاء والأحشاء «الجلافط». كانت أسمال الواقي الشمسي «الباش» تنزل بقطرات المطر مباشرة في الصحن، الذي كاد يمتلئ. «غمس» البائع ملعقا كبيرا في الصحن وملأ نصف رغيف بعد أن أشبعة فلفلا، ومد الزبون به.
التهم الزبون الوجبة بشراهة بعينين مغمضتين، لم يصدر عنه أي تعليق، وبعد انصرافه نبه أحدهم البائع إلى ما يحدث، فرد بشكل مقتضب.. «ماكين مشكل غير شوي ديال الما هذاك».
صورة تتكرر في روايات غريبة عن محلات عشوائية لبيع الوجبات السريعة، تنتشر في الأحياء الشعبية، وعلى زوايا الدروب وبالمناطق الصناعية، تجارة رائجة بكل المقاييس، تنتشر روائحها التي تجذب زبناء أوفياء لا تشعر لديهم بالتذمر من أي شيء، المهم أن التعريفة التي يدفعها لا تخلق أزمة في توازن مصروف الجيب، وتؤدي وظيفة ملء المعدة.
فضائح هذه الوجبات التي تفجرت بمناطق مختلفة بالدار البيضاء بدءا من بائعي لحوم الكلاب إلى بائعي لحوم القطط والحمير، لم تردع هؤلاء الزبناء. المدينة بالنسبة لسعيد العامل بالحي الصناعي مولاي رشيد ممتدة كالغول، ونادرا ما تحدث هذه الأخبار صدمة تجعل الزبناء يمتنعون عن المجازفة بصحتهم.
آخر شيء يهمهم هي مخاطر الصحة « انت شتي غي الماكلة، راه كلشي ملوث»، يقول سعيد، هذه اللامبالاة تجدها ممتدة بالمدينة من غربها لشرقها ومن جنوبها لشمالها، بل في قلب الدار البيضاء سواء بالمدينة القديمة أو بالمناطق المحيطة بها، تجد هذا النوع من المحلات منتصبا أمام أعين السلطات، التي تآخت مع هذا الوضع، وأصبحت عملية المراقبة منعدمة، عوضتها شراكة يحكي عنها البائعون أنفسهم، تكفيهم شر مباغثة لجنة صحية.
رأس البقرة العجوز يجذب شباب مولاي رشيد
بمنطقة مولاي رشيد يشتهر بائع فريد، ارتبطت تجارته ببيع لحم رؤوس البقر، حركة التجارة قوية، فالعضام التي تملء المكان المحيط بالعربة المتنقلة، تؤكد أن غزوات عديدة حصلت، يكفي أن تقترب من العربة لتظهر لك العظام هذه الحجة.
الثمن في متناول الجميع. 6 دراهم أو 8 دراهم تكفي للحصول على الوجبة، وعندما تسأل زبونا انتهى للتو من التهام الوجبة، يجيبك بمدح عابر، لكن حين تطيل النظر في تواتر البيع والشراء تظهر العديد من الخبايا.
عظام رأس البقرة التي كانت منتشرة فوق طاولة العربة المتنقلة يظهر أنها لبقرة طاعنة في السن، ومن دون تردد يشرح زبون عارف بخبايا ما يجري هناك، «شوف السنان ما كاينينش فالطابلة، لاطراس ديال الموتيف محايدة»، لكن هذه التفصيلة لا تثير اهتمام الزبون، فاللحم المقدم وصل درجة من الطزاجة تجعل التهامه يسيرا حتى لفاقد الأسنان، والسر بالنسبة للزبون العارف يرتبط بدرجة الحرارة وطول المدة التي يطهى فيها هذا الرأس العجيب.
من هنا يبدأ التنكيت على أفواه جائعة تلتهم في الليل والنهار وجبات تعد في ظروف غامضة وتقدم في ظروف سيئة تفتقد لأدنى شروط السلامة، ومع ذلك يستمر الحال، ولكل بائع زبناء.
تنتشر بمنطقة مولاي رشيد أنواع كثيرة من هذه المحلات، منها ما هو متمركز بالحي الصناعي مولاي رشيد، تتنوع خدماته بين بيع سنادويشات «الطون والحار» والبيض المسلوق، وسندويشات الكفتة والصوصيص، وغالبا ما تلجأ طوابير العمال إليهم، بعد أن يعييهم جلب الوجبات من المنزل، فيتحولون إلى زبناء قارين لهؤلاء الباعة.
سميرة التي عملت بمعمل للنسيج لمدة ست سنوات تعبت من إعداد وجبة غذائها بالمنزل، بفعل عدد الساعات التي تقضيها بالعمل، والعياء الذي يهدٌها في المساء، جعلها تدمن على أخذ وجبة قارة من بائع تتوزع بين «الطون وخليط من الخضر، ووجبة الصوصيص والكفتة»، تعرف جيدا أنها لا تتوفر على شروط السلامة، ومع ذلك لم تطرح في ذهنها أي احتمالات للتسمم، وحين تستعرض معاناة معدتها مع هذا النوع من الغذاء، تقول «معدتي ومصارني دعقو بهاذ الماكلة، ولكن الله غالب».
المنطقة الصناعية محاطة ببائعي السندويشات، عاشروا العمال هنا لسنوات، ومع ذلك لا يجدون غضاضة في تقديم وجبات يعرفون قبل غيرهم أنها مضرة بصحة زبنائهم «كانحاولو ننقيو الماكلة، ولكن ماعندنا ما نديرو، راها رخيصة بزاف» يقول بائع يعترف بتحفظ أنه يضطر لاستعمال الطماطم مثلا ليومين دون أن يفكر في تأثيرها الخطير على صحة الزبناء.
كْرانَدَا ونص وقل... ماركة الحي المحمدي عين السبع
بين منطقة الحي المحمدي والبرنوصي وعين السبع تمتد هذه التجارة المربحة، فسواء تعلق بتوفر المنطقة على شريط ممتد من المستودعات الصناعية، أو المناطق الصناعية، أو قربها من سوق الدجاج، وتوفرها على مركز الأكل الشهير بالباطوار، تجد أن كل أنواع الوجبات متوافرة بهذه المنطقة، عند منطقة القيسارية بالحي المحمدي، يثيرك زبناء يطلبون وجبة وكأنهم يشتمون بعضهم البعض(!)، يصيح الزبون «أرا واحد النص وقل...»، تستدير فتجد البائع يمدد بسرعة المطلوب، وحينها تدرك أن الجملة لا تخدش حياءا بل، يتعلق الأمر بوجبة متخصصة في طهي خصيتي الخروف «الفولات»، يصل ثمن الوجبة 7 دراهم ، وهو ما يجعل الزبون مستغنيا عن أكل آخر بعد أن ينتفخ بطنه بالمرق المصاحب للوجبة.
سواء قرب سينما السعادة أو بالشوارع الرئيسية يكفي البائع أن يوطد وجوده بالمنطقة بعد معارك عابرة، يستسلم فيها المنافسون، ليتحول إلى بائع قار، ويحاول كل واحد التخصص في وجبة، ففي منطقة البرنوصي التي تحولت المناطق القريبة من مسجد طارق إلى جامع الفنا، تجد فيها بائع الكرندا، وهي وجبة تتشكل من أمعاء ملفوفة، على شكل «كرداس» تطهى لمدة طويلة، ويشكل مرقها الغني بالبهارات مصدر اللذة التي تذهب بالعديد من الزبناء إلى تمجيدها، وتتميز بثمنها البخس حيث تباع «كرداسة ونصف بستة دراهم وخمسون سنتيما، تكفي الباحث عن ملء المعدة مصاريف تؤثر على مدخوله اليومي المحدود.
ولأن للباطوار تاريخ مجيد للباحثين عن أكلة ليلية غنية، فإن لحوم الراس والكعاوي هي شهرتها، وبعيدا عن السمعة التي يمجدها السكارى حين حديثهم عن ليلة طويلة من السهر تنتهي ب «زردة » بالباطوار، يتحدث عارفون بالمكان عن تلاعبات خطيرة تتعلق بجودة الوجبات، حيث تجد التحايل عن نوع الرؤوس المطبوخة، وعن الكعاوي المغشوشة، فحسب سعيد الذي يقدم نفسه عارفا بتاريخ المكان، يلجأ بعض الباعة إلى استخدام الكعاوي الخلفية، التي لا تصلح لأكلة تتضمن الكعاوي الأمامية والحمص.
اللحم المبخر عرف دخول الغش لتجارته، فاللحوم التي تستعمل عند بعض الغشاشين تكون لحيوانات طاعنة في السن غالبا ما تصيب الزبون بإسهال كبير، لا يعرف مصدره، خصوصا بالنسبة للسكارى الذين يفقدون التركيز في تمييز البضاعة الجيدة من الرديئة.
وسواء بدرب مولاي الشريف أو لارميطاج بالحي المحمدي أو بمنطقة عكاشة بعين السبع أو بمناطق ممتدة بالبرنوصي يبقى الوضع خطيرا لانتشار واسع لهذه التجارة التي اغتنى منها البعض، ويكفي أن تسأل عن أسماء لتزود بقصص مثيرة لأشخاص تحولوا إلى أغنياد من هذه التجارة غير المراقبة.
السنبلة ولحوم الجمال والسمك بدرب السلطان
لقطيبات أو السنبلة هي تخصص منطقة درب السلطان، شهرة هذه المنطقة معروفة، ويكفي أن ترى وجوها لزبناء بمظهر محترم لتعرف هذه السمعة، لكن وسط هذه السمعة يسكن بعض الغشاشين، يعرفهم محترفو الأكلات السريعة، لأن القطيبات الفتية التي تأسر هواتها، جعلت الجشعون يلجؤون رلى الأسواق الأسبوعية للحصول على لحوم رخيصة، يعمدون إلى إخضاعها لتعديلات بتضمن إضافة بعض المواد التي تجعل اللحم طريا سهلا، عند استعماله في «الشواية»، ولا يثير انتباه الزبون.
هذا التصرف يجعل مادة اللحم المعدلة محفوفة بالأخطار سواء على مستوى المواد المستعملة أو غياب النظافة في إعدادها، وتظل المنطقة المأهولة سوقا مغرية تضطر الباعة المنتشرين بالمنطقة إلى توفير وجبات تلائم القدرة الشرائية، من خلال التحايل على السلع المستعملة، فلحم الجمل، حسب زبون عالم بخبايا ما يجري بالمنطقة، لا يمكن أن يباع بستة دراهم للوجبة، ولذلك عادة ما يلجأ بعض الباعة إلى خليط غير معروف تكون فيه بقايا اللحوم والأمعاء مكونا أساسيا، تنضاف إليه شريحة من اللحم كافية لإقناع الزبون بصحة المنتوج.
جزر السندويشات تغزو شوارع البيضاء
من شارع محمد السادس الذي يخترق منطقة بنمسيك واسباتة ودرب السلطان والقريعة ينتشر باعة متجلون يركنون عرباتهم بالمحاور الكبرى، وشكلوا تجمعات صغيرة، لتقديم وجبات سريعة متنوعة تبدأ من البيض المسلوق إلى سندويشات الكفتة والصوصيص، القاسم المشترك بينهم هو توفير أكلات رخيصة، تمكن زبناء قارين أو عابرين من سد جوع لم يتمكنوا من سده ببيوتهم، لانشغالهم بأعمال تجعل الإلتحاق بالبيت يتأخر، وغالبا ما يكتفي عدد منهم بالنوم في البيت بعد ملء المعدة بما تيسر من هذه السندويشات.
عدد كبير من حالات التسمم يحكي عنها زبناء، يتكلمون بوثوقية عن فلان الذي سقط في الحافلة مباشرة بعد تناوله لوجبة صوصيص، وعن فلانة التي اضطرت لدخول المستعجلات لغسيل المعدة، لكن بالرغم من ذلك لا ينفرون من هذا الواقع، يستسلمون له، ويعتبرنه جزءا من مخاطر الحياة التي يواجهونها كل يوم، والسلاح السري الذي يرفعون للتحدىهو «اللي ما قتل يسمن».
السبيت واللويزية وبني يخلف والزاوية مصادر التموين والتلاعب
من أين يأتي كل هذا التموين غير المراقب ؟ من أين يتمكن المتلاعبون الحصول على خلطة تمكنهم من جني أموال طائلة دون مراعاة الشروط الصحية للزبناء؟ الجواب تجده عند باعة اللحوم بالأسواق الأسبوعية بمناطق مختلفة بالدار البيضاء.
من سوق السبيت بمنطقة تيط مليل يحكي جزارون عن نوع من الزبناء يحملون أكياس بلاستيكية كبيرة يقصدرن السوق للبحث عن بقايا اللحوم والأمعاء وكل ما يتخلص منه الجزار جانبا، ليصلح طعاما للقطط والكلاب، لكن يعرف جيدا أن مشترين متخصصين سيأتون في نهاية النهار لحمل البضاعة.
منظر هذه الخلطة التي طيلق عليها «الجلافط» بشع، تجمع من الأمعاء والشحم وقطع لحم غير صالحة للأستهلاك، تظل جانبا تزورها الحشرات بشكل مسترسل، يتم تجميعها بشكل بشع في أوعية بلاستيكية وكأن الأمر يتعلق بجمع النفايات، يصعب على من تابع هذا المشهد أن يصدق بأنها البضاعة التي تفوح رائحاتها بالعربات والدكاكين المخصصة للأكلات السريعة.
بمنطقة اللويزية يحج مجموعة من الباعة الذين يختارون التبضع بعيدا عن البيضاء بحثا عن ثمن مناسب لتجميع «الجلافط»، وهو اختيار ينبني على تقدير للثمن، فهم يعرفون أن هناك عددا من مناطق الذبيحة السرية، التي يكون ثمن البضاعة فيها أقل من المجزرة، وبالتالي تكون عملية التبضع مناسبة لاقتصاد في المواد الأولية.
يحكي تجار باللويزية عن خطورة تجميع هذه البضاعة، والمراحل المحفوفة بالمخاطر التي تمر منها قبل وصولها إلى فم الزبون، فالذبيحة السرية بكل مخاطرها، سواء على صعيد الذبيحة نفسها، أو بطريقة نقلها غير الصحية، مرورا بتجميعها في مناطق غير آمنة تجعل البضاعة خطرا حقيقيا على صحة الزبناء.
لا فرق بين الخروف والنعجة والبقرة الطاعنة في السن في جمع هذه البقايا، المهم هو الكم المتوفر، والبقية يتكفل بائع السندويشات، فغالبا ما تمر هذه البضاعة من مراحل خطرة، ويكون الحل في النهاية، هو طريقة الطهو التي تعتمد على خلطة البهارات والمواد المسرعة للطهو، وإعداد وجبة لا يعلم الزبون بسلسلة إنتاجها، فلا يبقى في ذهنه إلا رائحة تنبعث من بين أصابعه، تخذره إلى حد الوفاء التام.
كثير من المداهمات عرفتها بعض مناطق الذبيحة السرية، وكثير من السلع التي صودرت، واكتشف أنها غير صالحة للإستعمال، أطنان من الذبائح كانت في طريقها لهذه الأسواق، ولنا أن نتصور شكل ما يباع منها بالطريقة المذكورة، هي بالنسبة لجزار مهني كارثة على صحة المواطن تمارس يوميا دون حسيب ولا رقيب.
مافيا تجارة تمارس في الظلام
من الصعب اعتبار هذه التجارة بطالة مقنعة، يلجأ إليها أناس للتعويض عن غياب شغل، بل على العكس، تجد من بين الممارسين لهذه التجارة أناس راكموا ثروات، يعرفهم البيضاويون بالإسم، تحولوا إلى ملاك عقارات ومحلات تجارية متعددة، رسموا خرائط للبيع والتموين، وتحكموا في الأسواق، ومنهم من دخل المهنة وهو موظف اكتشف أن باب الثراء يعبر عبر تجارة لا قوانين فيها، الثابت فيها تكديس لمدخول يومي يمر عبر سلعة رخيصة وعمال يكدحون بلا قانون، وزبناء يدفعون بلا سؤال.
وللتدليل على رواج هذه التجارة يشرح بائع تطوع للبوح بأسرار الحرفة قائلا «الخبزة وحدها هي اللي غاليا فهاذ الشي» يعني بالوضوح أن سندويشا يباع بسبعة دراهم، ثمنه الحقيقي لا يتجاوز درهمان، والباقي أرباح يجنيها هؤلاء التجار، وبالنسبة لتاجر يبيع حوالي 100 سندويش يكون هامش الربح في الليلة الواحدة هو 1000 درهم خالية من الضرائب.
صحيح أن تعدد العربات والمحلات قد يشتت عدد الزبناء، لكن بجولة سريعة على مستوى مناطق تواجدهم، تبين أن مدينة قوية الإستهلاك كالبيضاء لا يمكن أن تؤثر في معدل الدخل لدى هؤلاء التجار.
ولأنها تجارة مربحة فقد تشكلت مافيا متحكمة في نشاطها، فليس من السهل الولوج إليها، بل تخضع لقانون يفرضه المتحكمون في السوق، يبدأ بضبط مصادر التموين، وينتهي بضبط أماكن البيع، ولا يبقى للصغار منهم سوى زوايا صغيرة بدروب ضعيفة الإستهلاك، في حين تسيطر هذه المافيا على المناطق الأكثر رواجا.
من المسؤول عن هذه الحرب
بالرغم من وجود لجن قارة بكل عمالة وإقليم مهمتها حفظ الصحة، وبالرغم من وجود آليات متعددة لديها للمراقبة سواء على مستوى منح التراخيص أو محاربة البيع العشوائي، فإن المؤكد هو أن هذه التجارة تمارس بشكل عادي أمام أعين السلطة، ولا نعرف تدخلا إلا في الحالة التي يحصل فيها تسمم، يكون التدخل بدرجة الخطورة وانتشار الخبر، فقد يعود ذات الشخص لممارسة عمله بعد أن تهدأ العاصفة، وقد يلجؤون إلى الإغلاق أو المتابعة إذا تجاوز حد الفضيحة جلاليب التواطؤ والتستر.
المؤكد أن ملفات ترويج مواد غذائية فاسدة توجد بالمحاكم، والأكيد أنه تم اكتشاف من يبيع لحم الكلاب والحمير للزبناء، وتم حجز أطنان من المواد الفاسدة، لكن المؤكد هو أن طوفان هذه المواد يغزو أسواق الدار البيضاء.
في عديد من المحلات التي تنتشر بمختلف أحياء الدار البيضاء، يحكي تجار عن تعريفة قارة يقدمونها للمراقبين، منهم من يزورهم بشكل شخصي في ابتزاز يومي، وتسمع حكايات عن تجار ينتقمون من دوريات الشرطة والمراقبة، من خلال تزويدهم بسندويشات عفنة يصبون فيها حقدهم على الزيارات المتكررة لبعضهم، والخلاصة تواطؤ مفضوح وحماية منظمة تسمح لممارسي هذه التجارة بجسارة قوية في مواجهة كل حديث عن مراقبة، فهم مطمئنون، لأن كل محاولة لترتيب حملة ضدهم تصلهم قبل انتهاء الإجتماع الذي نظم لأجلها.
مصادر رفضت الكشف عن نفسها تحدثت عن عمال اشتكوا من وجود مافيا داخل الإدارة تسرب أخبار الخرجات، وتنسق بيع المعلومة للتجار، وهو ما أفقد المحاولات القليلة للمراقبة والتتبع جدواها، استسلام في النهاية لعرف جعل ممارسة هذه التجارة بلا قيود، سوى مصاريف التدويرة، وفي الختام مشهد مؤلم لزبناء ينتهي بهم المطاف في الستعجلات وأطباء الجهاز الهضمي، وتتحول مقولة «اللي ما قتل يسمن» إلى «دارتها بي ماكلة الزنقة»، فمتى يستفيق الجميع لإيقاف هذه الحرب؟.
عبد الكبير اخشيشن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.