ما الذي يجمع بين “دخان البخور” و”امواج البحر” و”نور القمر” و”بيض الحرباء” و”عش الخطاف” و”روث الجمل” و”بولة البغلة” ومخ الضبع؟ ليس الامر لغزا لامتحان ذكاء القارئ ل “مراكش بريس” ، فمن الواضح، في فهم كل مطلع على أحوال المجتمع المغربي، ان الذي يجمع كل هذه العناصر المتفرقة الى بعضها هو علاقة غامضة ومخيفة تدعى السحر, وتشمل مطلق الممارسات والطقوس الغريبة التي تمكن الفرد من جلب المنافع او المضار لنفسه او للاخر بحسب الطلب، وتحقيق كل غريب وعجيب من رغبات الناس التي تختلف ولا تنتهي! إن السحر من اقدم المعتقدات والظواهر التي عرفتها البشرية منذ ليل التاريخ, وليس معروفا عن شعب من شعوب الارض انه كان يجهله، في الماضي كما في الحاضر, وذلك ما دفع علماء الاجتماع والانثربولوجيا الى الخروج باستنتاج مفاده ان السحر هو نتاج حاجات طبيعية مشتركة، كامنة في أعماق النفس البشرية المعقدة، ظواهر وأسباب ونتائج ما يزال العلم المختبري والتحليلي يقف أمامها مشدوها وعاجزا على تفسيرها . حقائق بالملموس يؤكد العلامة ابن خلدون، من جهته، ان “وجود السحر لا شك فيه بين العقلاء”, لكنه يميز في ذلك بين الساحر وصاحب المعجزة, ويضع الفرق بينهما “فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين، فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل فيه أسباب الشر، وكأنهما على طرفي النقيض”.ومن أغرب الطرائف التي يحفل بها سجل خوارق السحرة، ما ذكره العلامة المغاربي عن صنف منهم، كان معروفا في عهده بالمغرب في مناطق عبده وسهول زمران وتلال الشياظمة وبلاد السوس الأقصى إلى مناطق شنڭيط يسمون “البعاجين” وكانوا يمارسون الابتزاز على الفلاحين تحت تهديد السحر.ويؤكد ابن خلدون أنه شاهد من هؤلاء “المنتحلين للسحر وعمله من يشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج، فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض ، يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم مشترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام,,,», ويشدد العلامة في التأكيد على أنه لقي «منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك، وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك الروحانيات والجن والكواكب,,,», ونستغرب أن يصدر مثل هذا التأكيد عن مفكر كان متقدما فكريا على عصره بقرون، إذ كيف يحصل «البعج» وتتدلى أمعاء الغنم لمجرد إشارة من يد ساحر؟ كما أن الحسن الوزان الشهير ب ليون الإفريقي أكثر ادراكا لحقائق بعض السحرة، خصوصا منهم أولئك الذين يمارسون صرع الجن, فبعد أن يعرض في كتابه الهام “وصف افريقيا” للكثير من ممارسات السحرة التي كانت منتشرة على نطاق واسع في مغرب العصور الوسطى، يستنتج الرحالة المغربي أن “السحرة المنافسين لفقهاء الدين ومشايخ أهل الذكر ورجالات الزوايا يعتبرون أنفسهم قادرين تماما على إنقاذ من اعتراهم مس من الشيطان، لسبب واحد هو أنهم يوفقون أحيانا في ذلك، بدعم من االشيطان نفسه واذا لم يوفقوا زعموا أن الشيطان كافر أو أن الأمر يتعلق بمرض طبي فيزيولوجي ، فنجاح مهمة الساحر، في فهم ليون الافريقي، لا يعدو أن يكون محض صدفة، وإذا لم يتحقق زعمه، لجأ الساحر إلى مبررات تتخفى خلف الأعذار والنقص في المواد المطلوبة تجنبا للإحراج. لقد انصبت اهتمامات علماء الاجتماع والانثربولوجيا وعلماء النفس منذ القرن التاسع عشر على دراسة نشوء وتطور المعتقدات السحرية في المجتمعات البدائية واهتم بعض الأوروبيين منهم بمجتمعات الشمال الافريقي، إما خدمة للحملات الاستعمارية أو بدافع القناعة العلمية, ومن أبرزهم نذكر عالم الاجتماع الفنلندي وسترمارك، والفرنسيين: مارسيل موس، إدموند دوتيه، ج هربر، لاوست، وأيضا الطبيب إميل موشون، مؤسس مستشفى “المامونية” المعروف بإبن زهر الذي شكل اغتياله في حي زنيقة الرحبة القريب من حومة درب ضبشي بمراكش في بداية القرن العشرين أحد المبررات الفرنسية المعلنة لاستعمار المغرب, وهناك أيضا إميل درمنغن، وغيرهم, إن البحث العلمي في المغرب مدين لهؤلاء، رغم اختلاف منطلقاتهم ومقارباتهم بالكثير. بالنسبة لعالمي الاجتماعي والانثربولوجيا أوبير وموس، يشكل السحر «مجالا للرغبة» فهو قبل كل شيء، وفي الأصل كان رد فعل جماعي أنتجته رغبات العشيرة الجامحة, فالرغبات التي حددت نشوء السحر عند “هاروت وماروت” كانت قبل كل شيء رغبات جماعية ودفينة، تغلفها الرغبة في مضاجعة الدنيا والحصول على الطرائد والمطر، ودفء حرارة الشمس، والذهب والمال والمتاع. ان أغلب وصفات السحر في جهة مركش تانسيفت الحوز أساسا، وببعض مناطق المغرب تقوم على طقوس، هي في الحقيقة تقليد للغايات المراد بلوغها، كأن يذهب الشخص الذي ينم فيه الآخرون إلى “الساحر الشيطاني” ويطلب منه أن يجز أمامه رأس أفعى حية, وفي الوقت الذي يتساقط الرأس، يصرخ: «كيف ما تقطع رأس الأفعى، تنقطع رؤوس العديان» “أي: مثلما سقطت رأس الأفعى، لتقطع رؤوس الأعداء” ثم يحمل رأس الأفعى إلى منزله، ليضع في مكان كل عين منه خرزة، وفي فمها الفلفل الأحمر الحار (السودانية)، وهو يقول: “كنسد عيني العديان” و”كنسد فم العديان” (اغلق عيون الأعداء) و(اغلق افواه الأعداء) إلى آخر الوصفة. وإذا نحن تأملنا أشكال الممارسات السحرية التي تنتشر في مجتمعنا، وجدنا أنها تنقسم بشكل عام، إلى نوعين رئىسيين هما: السحر العلاجي وقراءة الطالع, وتدخل ضمن النوع الأول أغلب الممارسات السحرية، لاعتقاد العامة في أن كل ما يلحق بها من شر، سواء كان مرضا عضويا “عقم، حمى وتسممات” أو نفسيا كالجنون، والصرع، كلها من أعمال السحر العدواني، وليست وليدة ظروف ذاتية أو اجتماعية معنوية عادية. وتبقى الأهمية التي يحتلها السحر العلاجي وقراءة الطالع تعود إلى أن المرض والشك هما دائما مصدر أشد وأقسى أسباب القلق الشخصي والاجتماعي», وهذا القلق هو الذي يفسر الكثرة العددية ل “الشوافات” ” والفقهاء المعالجين، في جهة مراكش تانسيفت الحوز. لدى فإن “التمثلات السحرية تشكل مجالات لتحقيق الرغبات، تتدفق تحت ضغط حاجة مجموعة من الناس اليها” فكيف تستطيع طقوس سحرية بيضاء أو سوداء، يكررها مئات آلاف من الأشخاص، في شروط معينة، ان “تحقق” الغايات المرجوة منها؟ هنا تتعدد المقاربات وتتشعب إلى نقاشات بلا نهاية، لكن يمكن اختصار الجواب هنا في تفسير طبيب نفساني سألته ” مراكش بريس” : “بكون التكرار البسيط، بمساعدة الخيال النشيط، لبعض الرموز الدينية ” يترجم بتحسن سيكولوجي داخلي، قد يفضي في نهاية المطاف إلى العلاج”.
مابين السماء والأرض تتهيكل العملية السحرية، حول الاعتقاد في سند شيطاني ينتمي اليه الفاعل، وفي دقة الطقس الممارس، ومدى اعتماد الساحر في نجاعة تقنيات.وصدق وقوة الممارسة السحرية وهذا الاعتقاد هو الذي يسميه المغاربة “النية” أي العزم القوي الصادق في أن حركة ما، أو كلمة ما، أو مادة معدنية، أو نباتية أو حيوانية، إذا استعملت بطريقة ما، تنتج تأثيرا سحريا معينا.في التوازي مع تلك الارادة المضمرة أو المعبر عنها في كسب مصلحة أو تفادي شر، ويتم التعبير عنها من خلال ممارسة طقس سحري، من دون أن يطرح لا الساحر ولا زبونه السؤال المعتقد والمحرج: كيف ولماذا نفعل هذا لكي يحصل كذا؟ وهي بهذا المعنى شرط أساسي لنجاح الممارسة السحرية في تحقيق الهدف، حيث إن الممارس إذا لم يقم بالطقس السحري “من نيته” فإن ذلك يؤدي إلى بطلان مفعول العملية. “نعم ! دير النية بالنية والحاجة مقضية” أي أن النية المتبادلة بين الساحر والزبون شرط لقضاء الغرض المطلوب، كما أنه لكي يكون لسحر أثر، يجب ممارسته في سرية ، ووجوب اختيار الزمان المناسب لكل عملية سحرية. يقول البوني في “الأصول والضوابط المحكمة”: “واعلم ان الكواكب السيارة السبعة “وهي في مصنفات السحر: زجل، المشتري، المريخ، الشمس، الزهرة، عطارد والقمر” لكل واحد منها وفق منسوب إليه وفق تأثير يظهر منه بحسب تأثير الكوكب,,,» فالكواكب السيارة حسب السحرة، تؤثر في المخلوقات ويختلف نوع ودرجة تأثير كل كوكب حسب موقعه في الفضاء, ولذلك يترصد المحترفون حلول “منزلة” كوكب حسب جدول «المنازل» المعروف لديهم بدقة متناهية، من أجل القيام بالعمل السحري الذي يتوافق مع تأثير الكوكب, فإذا أخذنا القمر مثلا، نجد أن له منزلتين تناسب كل واحدة منهما نوعا من الممارسات السحرية: فالنصف الأول من الشهر القمري يناسب أعمال السحر خاصة بالخير (السحر الابيض)، بينما النصف الثاني منه مناسب لأعمال الشر (السحر الاسود),,, بل إن التأثير السحري يختلف حسب أوقات اليوم الواحد، فهناك سحر يصلح للنهار، آخر لليل, حتى أن المؤلف العالم ”وضع في يوم وليلة أربعة وعشرين عملا (سحريا) متضادة تجاوبت روحانيتها مع الوقت” وبالاضافة إلى ضرورة اختيار الوقت المناسب، يشترط في بعض الطقوس السحرية أن تتم في مكان معين: الحمام البلدي، أو البحر،أو المزبلة ، أو المدبح أو المقبرة، أو غيرها كما يعتبر احترام تراتبية الطقوس شرطا أساسيا، إذ ينجم عن عدم احترام عناصر الطقس السحري أو الإخلال بها، بطلان العمل السحري بأكمله، أو حدوث تأثير عكسي. ويمكن تمييز أهم العناصر في العملية السحرية التي تدخل في إعداد الوصفات السحرية إلى مواد حيوانية: حشرات، جلود وقرون واطراف بعض الحيوانات وكذا دماؤها، و مواد معدنية: بخور، صفائح فضة، رصاص، حديد، نحاس.ومواد نباتية: بخور، جذور ولحاف بعض الاشجار، أزهار بعض النباتات، إضافة إلى مستحضرات خاصة، ماء غسيل الميت، دم الإنسان “الحيض، دم المغدور” الثوب المستعمل بعد الجماع، شعر وأظافر الشخص المراد سحره، وما إلى ذلك، كما يتم التأليف بين هذه العناصر والشروط وفق قواعد معقدة وغامضة من أجل انتاج عدد غير محدد من الوصفات، والطقوس السحرية، التي تصلح لتحقيق كل ما يخطر ولا يخطر على البال من الأغراض.
الجن الكافر سادن السحر الشيطاني يعرف علم الاجتماع وبعض الفقهاء والعارفين الطقس السحري بكونه «مجموعة من الأفعال المتكررة التي تكون غالبا احتفالية ومن النوع الشفوي، الإيماني والوضعي بشحنة رمزية قوية، متأسسة على الاعتقاد في القوة المؤثرة للأشخاص أو للقوى المقدسة التي يحاول الرجل الذي يقوم بالطقس الاتصال بها، لكي يحصل على تأثير محدد. في حين تعتبر الوصفة تفصيل للمواد والظروف والطقوس التي تدخل في تحضير العملية السحرية، وكنموذج لنتأمل الوصفة التالية التي تستعمل لجلب شخص مطلوب، وهي للبوني: من أخذ ثلاث ورقات وكتب على كل منها الأسماء السبعة للقمر، وقرأها عليها ثلاثا وستين مرة، وهو يبخر بكندر وجاوي وكسبرة، ثم علق الأولى في الهواء وحمل الثانية على رأسه وذوب الثالثة في ماء وعجن به حناء خضب بها يده، فما تذهب هذه الحناء من يده إلا ومطلوبه حاضر عنده. والواقع، فإن وجود الجن، وقدرته الخارقة على التأثير في عالم العناصر المحسوسة، هو في الحقيقة أساس العمليات السحرية في جهة مراكش تانسيفت الحوز، وبعض جهات المغرب، ولذلك تستهدف كل الممارسات السحرية التأثير في الواقع، عبر طقوسها وعناصر تأثيرها الأخرى، من خلال ممارسة فعلها على الجني الذي يوكل “إليه توزيع الأدوار القائم في عالم الخفاء امكانية التدخل لتحقيق رغبة الممارس الساحر, وتتأطر تلك الرغبة دائما داخل ثنائية إبطال مفعول الشر وجلب الخير: إبطال “العكس: وجلب عريس للفتاة التي تشكو العنوسة، أو شفاء المريض ومنحه الصحة.حيث أن لكل غرض “خادم” تتطلب استمالته القيام بطقوس معينة في شروط معينة, ولأجل ذلك تحفل مصنفات السحر الأساسية بأسماء وصفات «خدام» كل حرف من الأحرف، (وهم من الجن طبعا) وكل يوم من أيام الأسبوع، وكل كوكب من الكواكب السبعة السيارة . وثمة فرق شاسع بين السحر الرسمي والسحر الشعبي، الاول هو سحر الخاصة الذي يتطلب من ممارسيه ان يتوفروا على معرفة خاصة بعلوم وتقنيات السحر المعقدة، وهو يدور في اطار حلقة ضيقة من السحرة المحترفين،وحتى بعض العارفين بالخبايا والأبعاد اللامرئية، اما النوع الثاني فهو سحر العامة المتداول على نطاق واسع لبساطة وصفاته وسهولة تنفيذها.فعندما تفشل الشابة المغربية في الحصول على عريس، تنصحها النساء اللواتي في محيطها الاجتماعي المباشر بضرورة التبخر بالحرباء التي تشتريها من عند العطار الذي يؤكد لها انها حرباء عذراء”تاتة عويتقة”، كما هو مشترط فيها ان تكون، وترمي الفتاة العانس بتلك الحرباء حية في النيران المتأججة، ثم تعرض جسدها الواقف للدخان المتصاعد منها، الذي تمنحه المعتقدات الخاصية السحرية لإبطال “التعكاس”. ولأن السحر الشعبي سمته البساطة الشديدة في الوصفات، وسنعود اليه كثيرا في الأعداد اللاحقة من ” مراكش بريس”، فإن الذي يهمنا هنا، هو أن ندقق النظر في انواع السحرة المحترفين،والمشعوديين والفرق بينهم وبين العلماء الربانيين والفقهاء من أهل الزوايا والطرق الصوفية في هويتهم الاجتماعية والمسارات التكوينية التي يتدرجون عبرها. أثمنة ووصفات زيارة الزبون المؤمن بعوالم السحر والدجل، لدكان العطار بإرشاد من المشعوذ أو “الشوافة” تتكرر لفترات قد تستمر لسنوات، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يجد دائما العراف جديدا يروي به ظمأ الزبون الذي يسمح له يأسه بالثقة العمياء في منقذه الدجال؟ نتيجة غياب التفكير العقلاني الذي يأخذ بالأسباب والنتائج، فالأهم هو أن يجد المواطن مبالغ كافية لإغراء المشعوذ وتلبية طلبات “الجن من المسلمين” على حد تعبير “السحرة “. وتختلف الوسائل المستخدمة في السحرالأبيض، أو حتى السحر الأسود وتتباين أثمانها، فهناك من يعتمد على الثوب والشمع بمختلف ألوانهما، الأبيض الأصفر والأحمر والأسود، كل حسب وظيفته، إضافة إلى نوع من البخور تكتب فيه الشوافة أو المشعوذ مجموعة من الطلاسيم وتأمر الزبونة بإشعاله في البيت لكي تخترق رائحته أرجاء المنزل، ويتراوح ثمنه ما بين 20 و50 درهما. أما الراغبة في جلب الحبيب، أو محاربة العنوسة أو اهتمام من حولها بها ، فعليها بدفع 300 درهم مقابل حجاب “القبول”، وهناك أيضا ” الحرز” ويستعمل أيضا في فك “لعكس” وهو لا يتعدى ثمنه 50 درهما. توجهنا صوب أحد العشابة، يدعى “المختار” صاحب محل لبيع لزوم فسخ السحر وهو “شواف” يكتب في الوقت نفسه للرجال والنساء، في حي شعبي داخل مراكش العتيقة، الذي ما إن وقعت عيناه علينا حتى بدأ في عرض خدماته علينا، إلا أنه أنكر صلته بالشعوذة أو السحرة، وصنف عمله ضمن فعل الخير والتخفيف من أضرار نفسية وجسدية يشتكي منها زبناؤه. يقول المختار:” أن زبائنه يختلفون حسب مستوياتهم، سواء الذكور أو الإناث، متعلمون أو أميون، مدنيون أو قرويون، وقال إنه تعلم أصول الحرفة بعد أن عمل كصبي في دكان في بلدة “سيد الزوين” كان صاحبه متمرسا في هذا المجال”. وفي الواقع لمسنا أنه يخفي حقيقة عمله، وكنه علاقته بالزبناء، ورفض الإعتراف بتجاوز عمله في تحضير الأعشاب إلى وصف وصفات سحر وشعوذة، فأسلوب مناداته على الزبناء كان يجري بخفية واحتشام لدعوتهم لدخول فضاء يضيق حتى بالأشياء الغريبة والحيوانات الحية مثل “السلاحف” و “الضفادع” و”السحليات”، أوالمحنطة كالثعالب والذئاب والقطط البرية، والثعابين والأعشاب المختلفة التي يؤثث بها فضاء الدكان. ويوضح المختار ل ” مراكش بريس ” أنه نظرا لارتفاع سعر مخ الضبع، والقنفذ المحنط و “سحت الليل الرضيع”، فإن الإقبال عليها ضعيفا، حسب شهادة محدثنا بيع العطارة. وتتعدد الدوافع الكامنة وراء التوجه عند العطار الذي يختلف تماما عن العشاب في سوق مليء بالعرافات، حيث نفسيات المترددين على هذه الأماكن تتوزع بين مدمرة ومهتزة. وتابع “المعطي” المنحدر من جماعة سيد المختار بإقليم شيشاوة حديثه ل ” مراكش بريس” بحذر شديد وتحفظ كبير:”لقد تخصصت في بيع لوازم فك السحر منذ عشرين سنة، وهدفي الأساس مساعدة زبنائي على إبعاد الشر عنهم وأنا أتحاشى كباقي أصحاب هذه الدكاكين المتاجرة في المواد التي تستخدم في السحر الأسود، وإن تاجروا جميعهم في تلك المواد، بما فيها المسمومة التي توصف لتحضير “التوكال”. هذا، وحصر”المعطي” مهمته في بيع التفوسيخة، وادعى أنها تصلح لفك السحر وإبعاد الشر و “لعكس” و “الثقاف” و “محاربة التابعة” والموانع الخفية التي تؤدي إلى العجز الجنسي، ومصاعب الحصول على عمل، وإبعاد الأمراض العضوية والتعب الجسدي وتجنب “عين” الجيران وحسد الزملاء، وجلب القبول. وتتكون هذه الوصفات العجيبة من الجاوي و”صلبان”، والفاسوخ، وحجرة الفك، والحرمل والشبة، والعرعار، والفيجل، واللميعة والكروية، وأكد أن هذه العناصر يحضرها حسب طلب الزبون أو حسب الطلبية التي كتبها الشواف أو العرافة، وقال إنها لا تتجاوز في غالب الأحيان 250 درهما. دكانه الضيق، والمظلم يشعر الفرد بالقشعريرة والخوف، فالمكان مليء كما سبقت الإشارة بأنواع مختلفة من الحيوانات المحنطة والحية، فهناك القنفذ الذي يصل ثمنه إلى خمسين درهما، والأفعى المحنطة التي تباع بمئتي درهم، أما السلحفاة والضفدع فيتراوح ثمنهما ما بين ثلاثين و خمسين درهما حسب الحجم و الشكل، أما جلد النعام وجلد الغزال والجمل- فجزء قليل منها يتراوح ثمنه ما بين 30 و50 درهما. اعترف المعطي أن جل هذه الجلود لا تصلح لشيء في حقيقة الأمر، وأن لا جدوى منها في فسخ السحر أو جلب الحظ ، لكن تشبث الزبناء بهذه الأشياء الجامدة ترفع من اعتقادهم بفعاليتها ونجاعتها في إبعاد الشر والحسد أو في إلحاق الأذى بالآخرين. كما صمم على كتمان الحالات التي تستخدم فيها جلود الحيوانات الحية والميتة، لكونها تضمن له مداخيل مالية مهمة، في ظل استمرار الإعتقاد بجدواها وفعاليتها من لدن الزبناء على اختلاف مستوياتهم الثقافية والإجتماعية. من جهة أخرى يؤكد ل ” مراكش بريس” “يوسف “26سنة، الشاب الحاصل على الإجازة في الجغرافيا، والذي كان يشتغل كمساعد عطار بأحد دكاكين سوق في أمزميز، قبل أن يصبح عاملا في “بازار” : أن وصفات السحر والشعوذة، التي كان يعطيها “لمعلم” لزبنائه و زبوناته، كانت هي السبب الحقيقي الكامن وراء تركه لمهنته الأولى. ويضيف “يوسف”أن بعض النساء والرجال يحفظون عن ظهر قلب لوسائل حماية لا يخلو منها منزل هؤلاء ، مثل”زغب الفأر” و”دلو الورثة” و”جلد الثعلب، والقنفذ” و “كراع الديب ” و “شربيل الهجالة” و “روح الكبريت” و “دم المغدور” إضافة إلى تشكيلة من النباتات اليابسة مثل “قاع قللو”و “أداد” والشبة والحرمل وحبة البركة، و “الذبانة الهندية” وعين السمك، ومخ الضبع وكلها لوازم سحرية يحرص المتعاطون للشعوذة على حفظها في المنزل لاستخدامها عند اللزوم. وكذالك “الساكتة والمسكوتة” وهي خلطة يبيعها العطار للجم لسان الزوج “المنحوس” على حد تعبير الزوجات المغربيات، أما بخور ليلة 27 رمضان فيتم شراؤه من العطار في هذا اليوم من كل سنة. مراد بولرباح