سوق الوهم هم أناس يعانون من مركب نقص تسيطر عليهم الأوهام وتظهر جليا على سلوكاتهم الغربية مع الناس، لا يستطعون تحقيق رغباتهم بالصبر والمثابرة وبذل المزيد من الجهد لإثبات ذواتهم والبرهنة على وجودهم سواء في ميادين العمل أو الدراسة أو العلاقات الإنسانية المعقدة يتوهمون أن الشعوذة تستطيع الإيجاز بهم في عوالم النجاح والنجومية بسرعة البرق، بدافع الغيرة والحقد في لحظة ضعف إنسانية يلجؤون إلى أساليب غريبة، توسوس لهم بها، أنفسهم يرتكبون جرائمهم في صمت. ويتفرجون على ضحاياهم وهم يعانون من التسممات التي يكون سببها المواد الغريبة المستعملة في الوصفات الانتقامية العجيبة التي يخطها "الفقها" و"الشوافات" "شدق الجل"، الأظافر، بيض الغول، وتفاح الجن.. مواد كثيرة يوظفها المتهافتون على خدمات المشعوذين و"السحارة" لتحقيق مآربهم ورغباتهم الشيطانية، في القضاء على منافس لهم في العمل أو الدراسة أو حتى رغبة في ربط الزوج أو الحبيب وضمان ولائه حتى لا "تزيغ" عيناه وينظر إلى غيرها. بالمقابل تجد النصابين الذين يدعون امتلاكهم للحكمة، والقدرة على فك السحر، وعمل المعجزات بالتحكم في الجن وتسخيره في تحقيق كل ما يطلبونه منه. ينتشرون في كل مكان في الأحياء الهامشية وحتى الشقق الراقية، ويختبؤون وراء أي مهنة تساعدهم على استغلال ضحاياهم دون غثارة الانتباه "نقاشة، فرانكة، أو عشابة ولا فقيه" في الأسواق تجدهم يبيعون الأعشاب والحيوانات المحنطة ويستغلون المكان في "تشوافت". لا يتحرجون في المناداة على كل عابرة سبيل والوسوسة لها بقدراتهم العجيبة "كين شي مانقضيو" "آجي نكول ليك" "إلى عندك شي واحد بغيتي تسكتيه" عبارات كثيرة تتطاير في الهواء من كل محلات العشابة المنتشرة على طول سوق الجميعة أمام مرأى الجميع" أساليب عديدة ومختلفة يتفنن فيها المشعوذين ويلجؤون إليها لتصيد ضحاياهم والإيقاع بهم، أمام الملأ دون أن تتدخل السلطات الأمنية لوقف زحفهم وتأثيرهم على أصحاب النفوس الضعيفة. يتفوسخون ب"البوة" ويشربون ماء البحر ! عندما يصبح "لعكس" و"السحور" الشماعة التي يعلق عليها العديد من الناس فشلهم في حل مشاكلهم وبلوغ أهدافهم يكون من السهل على "الشوافة" و"سي الفقيه" إقناعهم بقدراتهم الخارقة في فك السحر وجلب القبول وحتى إن تعلق الأمر بالحصول على وظيفة وإزاحة الخصوم. حقيقة يمكن اكتشافها بزيارة قصيرة لسوق الجمعية. إقبال يومي تعرفه زنقة "العراكة" بسوق "الجمعية" بحي درب السلطان حيث تكتري الشوافات غرفا تتخفى داخلها بعضهن وراء امتهان نقش الحناء، فيما تعمل الأخريات علنا، أما "الشوافون" فأغلبهم من أصحاب محلات العطارة المصطفة على طول السوق. لا تخلو دكاكين "العراكات" من جميع مستحضرات ولوازم "السحور" والشعوذة فجميعها تضم أكياسا قديمة مملوءة بالأعشاب وبالمعادن الشموع مختلفة الألوان والحيوانات المحنطة، فهناك من يعلق على واجهة محله قنفذا محنطا والآخر الذي يعلق جلد أفعى، في حين أن محلا أو اثنين على الأكثر يعلقان في مكان بارز رأس ضبع محنط ، مظاهر غريبة ومخيفة لكنها مكنتهم من كسب ثقة وولاء الزبناء الباحثين عن حلول لمشاكلهم المستعصية. تفوسيخة تقضي على البطالة دخلت شابة جميلة، ممشوقة القوام ترتدي جلبابا وردي اللون، إلى محل أحد الشوافين من أصحاب محلات العطارة الذين يعرضون خدماتهم ب"العلالي" لم تجد حرجا في التحدث إليه بصوت مرتفع وهي تخبره عن سبب زيارتها قائلة "زبيدة هي اللي صيفطاتني عندك وقالتلي نتا اللي غتحيد ليا هاذ لعكس"، ابتسم "الشواف" وأجابها "ماغادي يكون غير الخير إن شاء الله" داعيا إياها إلى الجلوس، إجابة جعلت الشابة تطمئن لتجلس وتبدأ في سرد مشكلتها. "كاع الناس اللي كنعرف خدموا فشركات بدبلومات قل مني وأنا لعكس تابعني"، بصوت مهزوز يحمل الكثير من الحسرة، عبرت الشابة عن شعورها بالإحباط لعدم حصولها على اليوم على عمل قار رغم كل محاولاتها مؤكدة على ‘ورها في كل مرة بأنها اقتربت من إدراك مرادها من خلال الفرص الكثيرة التي تتاح لها، وحرصها على استغلالها أحسن استغلال، لكن "داكشي ما كانش كيكمل" في آخر لحظة دون مبرر مقنع ومنطقي ما جعلها لا تستبعد فرضية أن تكون ضحية "سحور" مورس عليها من قبل إحدى منافساتها في العمل أو من إحدى قريباتها العاطلات والحاقدات عليها، اللاتي لا تيقبلن فكرة أن تحصل على فرصة عمل قبلهن ! قام الشواف من مكانه واتجه نحو صندوق خشبي مهترئ وأخرج منه حقيبة سوداء، ثم أخرج منها دفترا يتضمن أوراق بيضاء وأخرى تحمل خطوطا ورسوما وحده يعرف معناها. لم يختلف أسلوبه كثيرا عن أساليب باقي الشوافين والشوافات بحيث طرح عليها الأسئلة التقليدية المتعلقة باسمها واسم والدتها، وشرع في الرسم والتخطيط قبل أن يلتزم الصمت للحظات، ومن ثم يخبرها متأسفا بأن "أبواب السعد مغلقة في وجهها بسبب سحر منثور أمام عتبة منزلها قامت بنثره امرأة مقربة منها". اندهشت الفتاة لما سمعته وطلبت منه إخبارها عن اسمها أو إعطائها وصفا دقيقا لها حتى تتمكن من التعرف عليها، لكن "الشواف" اكتفى بتكرار نفس الإجابة بأنها امرأة مقربة منها، مؤكدا لها بأنه يمتلك الوصفة الملائمة لإبطال السحر وهي عن بخور عليها استخدامه لمدة أربعة أيام متتالية ليتم فك "لعكس". طلب الشواف من الصبي الذي يعمل لديه بالمحل إحضار عناصر البخور أو "التفوسيخة" من بعض الأحجار إضافة إلى حرباء "البوة" محنطة وطلب منها إحراق تلك العناصر على نار المجمر والتخبر بها إلى أن يغمر دخانها كل أرجاء البيت حتى يتم فك "لعكس". استلمت الشابة عناصر البخور مقابل 20 درهما دون أن تنسى دفع ثمن الاستشارة التي استغرقت 10 دقائق لتغادر والسعادة على محياها، بعد أن حصلت على الوصفة السحرية التي ستفتح لها أبواب العمل الموصودة. وصفات "فكاك لوحايل" بمجرد أن غادرت الزبونة التي استمد من لجوئها إليه بنصيحة من صديقتها الكثير من الفخر والإعتزاز، بدأ "الشواف" باستعراض نجاحاته في إبطال السحر، وجلب القبول للباحثات عن زوج أو وظيفة ومعالجته لضحايا "التوكال" من خلال الوصفات التي يقدمها لهم، ما مكنه من التمتع بسمعة طيبة بين الناس، مستحضرا تجربة صديقة الزبونة المنصرفة والتي كانت بدورها ضحية أعمال سحرية قامت بها زميلات لها بالعمل من أجل إزاحتها من طريقهن والتي ما كانت لتستقر بعملها لولا تدخله الناجح في إبطال السحر. وما هي إلا ثوان معدودة حتى أقبلت على محل "الشواف" امرأة أخرى ممتلئة الجسم ترتدي عباءة سوداء، كانت تبحث عن عناصر "التفوسيخة" لتبخر بها ابنتها التي لا يتجاوز عمرها الإثني عشر سنة بعد أن أكد لها أحد "الفقهة" بأن ابنتها كانت ضحية عمل سحري قامت به عائلة طليقها التي تكن الكراهية لها ولابنتها. قدم "الشواف" للمرأة نفس الوصفة التي حظيت بها الزبونة السابقة، ثم طلب الحصول على العشرين درهما، لكنها أجابته في استحياء بأنها لن تستطيع دفع أكثر من عشرة دراهم لأن عليها اقتناء نفس المكونات من سبع محلات مجاورة عملا بتوجيهات "السي لفقيه". استلم "الشواف" العشرة دراهم ووضعها في جيبه مودعها إياها بعبارة "الله يخلف" وطالبا منها العودة مجددا مصحوبة بابنتها ليشخص حالتها بالمجان وسمنحها الوصفة المناسبة، لأنه "كيبغي يدير لخير مع الناس" على حد قوله. تشرب من البحر لاستفراغ التوكال على بعد أمتار قليلة من المحل السابق ، يوجد محل صغير تكتريه شوافة ذائعة الصيت يلقبونها ب"الشريفة عيشة" على ناصية المحل كانت تجلس امرأة نحيفة الجسم، شاحبة الوجه، تحتمي من أشعة الشمس وتنتظر قدوم الشوافة إلى أن دخل المحل شاب أسمر البشرة يرتدي وزرة مفتوحة الأزرار، فقدت بياضها بفعل الأتربة التي علقت بها جراء احتكاكه بالأعشاب والوصفات السحرية، وأخبرها بأنه ابن الشوافة وبأن والدته ذهبت في مهمة خارج المدينة، ولن تعود قبل أسبوع : حالة من اليأس انتابت المرأة بعد إدراكها بأنها تكبدت عناء القدوم إلى "الجمعية" دون جدوى ، قبل أن تقرر استفسار ابن "الشوافة" عن مشكلتها. "للا الشريفة قالت ليا نشرب الما دلبحر مع وريقات الدفلة وشنتورة باش نحيد التوكال من لمدن ولكن ما قضاش ليا"،بنبرة حزينة عبرت عن إحباطها لعدم تخلصها من أعراض التوكال من آلام على مستوى المعدة وانتفاخ في الجسم رغم أنها واظبت على استعمال الوصفة التي منحتها إياها "الشريفة عيشة" سكت ابن "الشوافة" للحظات ظل فيها يمعن النظر على مختلف أنواع الأعشاب المتواجدة داخل المحل، قبل أن يتناولها إحداها ويتوجه إلى المرأة الحائرة مخبرا إياها بأن عليها إضافة تلك العشبة المسماة "سرغينة" إلى باقي المكونات لأنها ستساعدها على استفراغ "التوكال". أخذت المرأة العشبة مقابل درهم واكتفت بالقول في تذمر تام "هانا غنجرب حتى هاذي"، ثم ذهبت إلى حال سبيلها، مفسحة المجال أمام غيرها من الزبناء الذين استسلموا لليأس وقرروا تغييب عقولهم والإستغناء عن خدمات الأطباء في حل مشاكلهم الصحية والتوجه بدلا من ذلك إلى زنقة "العكرات" عملا بالمقولة الشهيرة "سال لمجرب لا تسال طبيب". مواد سامة ! يعتبر "التوكال" عن طريق الشعوذة الأكثر شيوعا في إلحاق الأذى بالأشخاص والشكل البدائي في الانتقام بحيث تتعدد الوصفات التي يستعملها المقبلون على ممارسة طقوس السحر والشعوذة لتحقيق أغراضهم الشيطانية. تنقسم المواد المستعملة في تحضير وصفات التسميم الشعبية في المغرب إلى ثلاثة أنواع، وهي سموم من أصل نباتي وثانية من اصل حيواني وأخرى من اصل معدني. ويندرج ضمن النوع الأول، استعمال بيض بعض الزواحف، والحشرات ورأس الغراب المحروقة وغيرها، أما السموم ذات الأصل النباتي فتحضر من الأوراق أو الثمار السامة لبعض النباتات البرية مثل "تفاح الجن" أو "بيض الغول" المعروف بخطورته الشديدة على صحة الإنسان التسميم، إذ يكفي غرام واحد منه لقتل إنسان على الفور. ومن اشهر المواد السامة المنتمية إلى الصنف الثالث ذات الأصل المعدني ، يوجد "الرهج" وهو عبارة عن حجر مستدير أصفر اللون في حجم حبة الحمص. وتستعمل أغلب المواد المسمومة مذابة في الوجبات المحلية الشهيرة، مثل أطباق الكسكس والحريرة، كما تضاف إلى مشروب القهوة دون إضافة مادة الحليب. هناك نوع رابع من المواد التي يعتقد العامة أنها تحتوي على عناصر سامة، وتتكون في أغلب الأحيان من أجزاء من جسم الإنسان مثل الأظافر ودم الحيض الذي يستعمل في وصفات التسميم طريا. كما تستعمل أجزاء من جثة الميت وماء غسله قبل دفئه والأتربة المحطية بسبع مقابر، وما يوجد داخلها من عظام الموتى اعتقادا من المشعوذين أن الموت شيء معد. تختلف درجة حدة تلك المواد حسب نوع العناصر والمقادير المستعملة من المادة السامة، أو حسب ما إذا كان الفاعل يهدف من وراء عملية التسميم إلى إصابة الشخص بمرض مزمن، أو قتله على وجه السرعة، أو تعذيبه من خلال الموت البطيء. جميع تلك العناصر السامة تباع في محلات العطارة إلى جانب مستحضرات ومواد أخرى عادية ما يعرض صحة المستهلكين للخطر، دون أي نوع من تدخل السلطات الأمنية لمنع بيعه. ماذا يقول علم النفس؟ عبد الله زيوزيو يوظف المشعوذون أساليب "الحلاقية" لترويج خدماتهم تتعدد الأسباب النفسية التي تدفع بالعديد من المغاربة إلى الإستعانة بخدمات المشعوذين لإيجاد حلول لمشاكلهم الصحية والنفسية بدلا من اللجوء إلى الأطباء ويمنحون بذلك لبعض الدجالين فرصة استغلالهم ماديا وإلحاق الضرر بهم فيما بعد. يقدم الدكتور زيوزيو المحلل والطبيب النفسي من خلال هاته الإضاءة تحليلا نفسيا لظاهرة إقبال الناس على الفضاءات التي تمارس بها طقوس السحر والشعوذة. يرتبط لجوء الناس إلى الشوافة و"الفقيه" والمشعوذين بشكل عام بالثقافة السائدة داخل المجتمع المغربي والعادات المتوارثة عبر الأجيال كالتداوي بالأعشاب والتبرك بالأولياء الصالحين عندما يعاني الأشخاص من مشاكل صحية أو نفسية بدلا من الذهاب إلى الطبيب، وهو الأمر الذي يستغله المشعوذون من خلال ادعائهم الإلمام بكل طرق التداوي وتقديم وصفات تتكون من أنواع مختلفة من الأعشاب الطبيعية أغلبها يكون ساما، ويشكل خطرا على حياة المريض. لا يجد المشعوذون أي صعوبة في إقناع المرضى بقدراتهم الخارقة في علاج جميع الأمراض لأنهم يوظفون أساليب مميزة في التواصل شبيهة بأساليب "الحلايقية" لترويج منتوجاتهم وخدماتهم كما يبرعون في العزف على الوثر الحساس للمريض الذي يعاني الألم النفسي والجسدي، لأن الألم والعذاب النفسي قد يدفعانه إلى تصديق كل الوعود الكاذبة التي يقدمها له أولئك الدجالون دون الخضوع للعقل والمنطق فالشعور باليأس والإحباط يكون مسيطرا عليه خاصة إن لم يتم شفاؤه عن طريق الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب. انعدام الثقة وضعف الإيمان لدى بعض الأشخاص يجعلهم يصدقون كل الروايات التي يرددها على مسامعهم "الفقهة" و"الشوافات" غذ تعلق الأمر بوجود أشخاص يكنون لهم الكراهية ويرغبون في إيذائهم وبالتالي تصبح لديهم القناعة التامة بأنهم كانوا ضحايا لأعمال السحر والشعوذة وليس لمرض قد يصيب أي شخص ويتطلب الشفاء منه لجوءهم على الأطباء وليس المشعوذين. من بين الأسباب المساهمة في إقبال المغاربة على بعض الفضاءات التي يمارس بها السحر وتباع فيها كل مستلزماته يأتي الفهم الخاطئ فيما يخص الطب النفسي، إذ يعتقد العديد من الناس بأنه في مستشفيات الأمراض العقلية يتم إجبار المرضى الذين يعانون من اضطرابات وأمراض نفسية على تناول "المخدرات" ومعاملتهم بطرق غير إنسانية ما يجعلهم يخشون اللجوء إلى الأطباء المختصين وينقلون ذويهم إلى الأضرحة في نهاية المطاف، وتلك الأماكن يمكن اعتبارها "سجونا خاصة" تتم ممارسة بداخلها كل طقوس الشعوذة على أولئك المرضى بينما تقوم عائلاتهم بدفع الأموال الطائلة للمشعوذين الذين يجدون بذلك الفرصة المواتية لاستغلالهم ماديا والوسيلة السهلة لتحقيق الربح محلل وطبيب نفسي أوهام "التوكال" عندما يحول المشعوذون البطون إلى غرفة عمليات حكايات كثيرة يتداولها الناس عن "التوكال" الذي حسب رأيهم وصفة من وصفات "الانتقام"ويصبح الأمر أقرب للتصديق عندما يتوجه الشخص الذي ابتلع هذه الوصفة إلى المشعوذين الذين يدفعونه على التقيؤ للتأكيد له على أنه مريض ب"التوكال" وبأن شخصا ما قد يكون انتقم منه بهذه الطريقة وبالرغم من آن المريض يعرف جيدا أن أمراض الجهاز الهضمي كثيرة إلا أن الوهم الذي سيطر على أفكاره يجعله مقتنعا بتغليب رأي المشعوذ على رأي الطبيب لنتابع هذه الحكايات... تتمدد خديجة طوال اليوم على السرير، لا تستطيع الحراك لقضاء حاجياتها إلا بمساعدة والدتها، بوجه شاحب وجسد نحيف أنهكه المرض تحاول الشابة العشرينية جاهدة الاعتماد على نفسها في التنقل داخل البيت. غاروا منها "... فسمموها" عرفت خديجة في وسطها العائلي وبين الجيران بجمالها وطيبوبتها اللامحدودة كيف لا وهي الفتاة البشوشة المحبوبة من طرف الجميع، تخلت مبكرا عن مقاعد الدراسة للظروف مادية ألمت بعائلتها فقررت التسجيل في إحدى مؤسسات التكوين المهني، حتى يتسنى لها الحصول على عمل تساعد به عائلتها على مصاريف الحياة الباهظة. مر عاما التكوين المهني بسرعة، وجاء موعد رحلة البحث عن عمل، التي استقرت بها في أحد معامل الخياطة بعين السبع، حيث استطاعت في مدة بسيطة أن تكسب حب استطاعت في مدة بسيطة أن تكسب حب رؤسائها في العمل، باحترامها لعملها وزملائها وحرصها على القيام بواجبها المهني. لم تمض على خديجة ثلاث سنوات حتى أثبتت وجودها في الشركة حيث أصبحت مسؤولة العاملات داخل المعمل وهو الأمر الذي آثار حفيظة العديد من الفتيات اللواتي كانت تعتبرهن صديقات لها، وفي مقدمتهن صديقتها الحميمة وابنة الجيران التي جمعتها بها سنوات الطفولة والدراسة. بالرغم من الترقية التي حصلت عليها خديجة في عملها فمعاملتها مع المحطين بها لم تتغير وحرصت على الحفاظ على الطقوس التي كانت تجمع بينهم، كالمشاركة في تناول وجبة الغذاء والقيام بنزهات بشكل جماعي. غاب عن خديجة أن تكون في يوم من الأيام عرضة للتسمم من طرف صديقتها التي تتشارك معها الأسرار بالرغم من ملاحظتها لتغير معاملتها اتجاهها غير أنها لم تعط الأمر أي أهمية. مرت الأيام دون أم تكترث خديجة للشرخ الذي اصاب علاقتها بمن كانت صديقتها،وجاء اليوم الذي كانت تنتظره من أجل القضاء عليها وإزاحتها عن طريقها حيث كانت خديجة منشغلة بإتمام عمل كان ينتظرها فقامت صديقتها التي سبقتها بتناول غذائها دون أن تنتظرها. حضرت خديجة فوجدت صديقتها قد سبقتها في تناول الظعام وتركت لها نصيبها فتناولت دون أن تشك للحظة أنه يحتوي على مواد سامة وأن نهايتها ستكون على يد اقرب الناس إليها، بالتدريج بدأت تحس بصحتها في تراجع مستمر، حيث فقدت الشهية لتناول الطعام ولم تعد تستطيع القيام بمجهود كبير إلى أن فقدت القدرة على الحركة. طرقت خديجة أبواب الكثير من الأطباء لكن دون جدوى، فلم يستطع أي أحد منهم تحديد نوع المرض الذي أصابها غير أنهم أجمعوا على كونها تناولت شيئا ساما، وهو الأمر الذي لم تستطع تصديقه فقد عشش في تفكيرها أنها ضحية كيد صديقتها التي غارت منها فدست لها "التوكال" في الأكل حتى تزيحها من طريقها لتبدأ مرحلة جديدة من العلاج على يد "العشابة" و"الشوافات"، وتوصد الباب أمام العلاج العلمي، الذي يمكن أن يخلصها من المرض الذي ألم بها. الذكاء نقمة تميز كريم منذ صغره بنباهته وذكائه حيث كان يحظى بحب أساتذته لأنه سريع البديهة محترما لنظام المؤسسة التي ينتمي إليها. طوال سنوات الدراسة وكريم يقضي معظم وقته في غرفته يراجع دروسه ويطلع على كل ما يمكن أن يساعده على التفوق وتحقيق مناه بأن يصبح محاميا بعيدا عن تضييع الوقت في أشياء لا يستفيد منها. كانت كل الظروف ملائمة له لتحقيق حلمه، فقد عمل والده على توفير الجو الذي يمكن أن يساعده على ذلك، وبدلا مجهودا كبيرا من أجل عدم تحسيسه بأي فرق بينه وبين أقرانه في المدرسة. ذكاء كريم ونجاحه في دراسته ومحبة الناس له من الأسباب التي دفعت الكثير من المقربين منه إلى الشعور بالغيرة تجاهه لكن دون إظهار مشاعرهم نحوه.
بدأ الأصدقاء يبحثون عن الوسيلة المثلى التي تزيح كريم من طريقهم دون أن يتركوا أثرا يقود إلى تعقبهم واكتشاف فعلتهم. خرج الأصدقاء كما العادة في إحدى الأمسيات إلى المقهى التي كانوا يترددون عليها وكما هو الشأن بالنسبة لجميع الأيام التي كانوا يلتقون فيها بالمقهى قام أحدهم بينما هم منشغلون بالدردشة مع بعضهم، واتجه صوب النادل ومد له شيئا وهو يتحاشى أن يراه أحد ثم عاد إلى مكانه وكأن شيئا لم يكن. دفع الأصدقاء مالا كثيرا للنادل، كي ينفذ المهمة التي أنيطت به، لوضع المواد السامة لكريم في القهوة السوداء التي طلبها. إدمان كريم على تناول القهوة السوداء، سهل المهمة على أصدقائه وعلى النادل أيضا، فقاموا بوضع مسحوق مكون من أظافر آدمية مطحونة وعشبة تباع عند "العشابة" تسمى "شدق الجمل" خليط هذه المواد يؤدي بأكلها إلى الجنون وهو ما حصل لكريم حيث ما فتئ يعود إلى منزله حتى انتابته نوبات عصبية غريبة. بدأ كريم يحطم كل ما في طريقه من أواني وأثاث بل حتى والدته لم تسلم من الاعتداء حاول بعض أصدقائه من سكان الحي فقد "طار عقله" وفقد القدرة على التحكم في تصرفاته ليهيم على وجهه في ملكوت الله. بحثت الأم طويلا عنه في الشوارع بعد خروجه في تلك الحالة الهستيرية إلى أن وجدته بعد مرور أسبوعين وهو في حالة يرثى لها أشعث الشعر متسخ الملابس. حاولت الأم معالجة ابنها بعرضه على طبيب نفسي لكن العلاج النفسي لم يكن نافعا، لأن الوالدة سرعان ما كانت تقطع رحلاته العلاجية وتسافر به نحو أولياء الله الصالحين طلبا للعلاج مصدقة أن ما أصاب ابنها لا يمكن أن يكون بسبب ضغوط نفسية تعرض لها، أثرت عليه، ليبقى سجين المرض العقلي إلى أن تعرض لحادثة قطار سجين المرض العقلي إلى أن تعرض لحادثة قطار فقد بسببها حياته وذهب إلى غير رجعة. مجيدة أبو الخيرات الأفعى والحماة تتداول الألسن في المجتمع المغربي الكثير من الحكايات الموغلة في الغرابة عن قدرة السحرة والمشعوذين على القيام بأعمال بطولية للتحكم في مصير الناس سواء بتحقيق أشياء مضرة أو أخرى نافعة حسب طلبات الوافدين عليهم. ومن القصص التي تفنن الناس في إضفاء طابع الإثارة والغرابة عليها، حتى يتأثر الناس ويصدقوا كل ما يحكي عن المشعوذين من هذه الحكايات قصة زوجة الابن التي كبلت الأفعى للتخلص من حماتها. الحماة كثيرة "النكير" لا تفوت فرصة للتعبير عن سخطها وعدم رضاها عن كل ما تفعله زوجة ابنها منذ استيقاظها في الصباح الباكر وحتى موعد نومها والحماة لا تفعل شيئا سوى مراقبة تصرفات كنتها. تعيش المرأة الستينية رفقة ابنها وزوجته فمنذ وفاة زوجها حرص أكبر أبنائها على السكن معها، حتى يؤنس وحدتها "ويعمر عليها الدار" بعد أن تفرقت السبل بأبنائها الآخرين ولم يبق غيره وأخوه الأصغر لكن بالرغم من ذلك فزوجته كانت تقدر كون شيخوخة الحماة لعبت يعقلها وأفقدتها صوابها، فتعودت على الأمر وحاولت التعايش معه حتى تتمكن من الحفاظ على ما شمل أسرتها الصغيرة، والإبحار بحياتها الزوجية إلى شط النجاة .تزوج الابن الأصغر وفضل السكن رفقة أخيه ووالدته ظنا منه أن زوجته ستستطيع التأقلم مع جو الأسرة وحفاظا على الدفء العائلي، وهو العائلي وهو الأمر الذي لم يحدث، حيث لعبت الوساوس برأسها، وشرعت في استخدام "كيد النساء" للتخلص من "صداع العدوزة". قامت زوجة الابن الأصغر بتحريض "مرات لوسها" بضرورة فعل شيء لإسكات الحماة، فأقنعتها أن لديها طريقة لفعل ذلك دون أن يحس أحد بأنهما الفاعلتان، حيث جلبت أفعى وقامت بتكبيلها بحبل، وإغلاق فمها عن طريق ربطه بخيط ثم وضعتها في صندوق صغير وأحكمت إغلاقه وحرصت على تقديم وجبة لها مكونة من البيض بين الفينة والأخرى. القصة تصبح أكثر إثارة عندما تأتي نتيجة هذا العمل في صالح الزوجة تقول الحكاية منذ تكبيل الأفعى والحماة لا تستطيع تحريك أطرافها، فقد شلت حركتها بالكامل،؟ بل حتى فمها لم تعد تفتحه غلا في الوقت الذي تكون فيه الأفعى تتناول وجبتها عندما تستطيع تحريك شفتيها وتناول أكلها لتعود إلى حالتها الأولى بعد أن يتم ربط فم الأفعى ثانية. استغرب الابنان للحالة التي آلت إليها صحة والدتهما، بعدما كانت لا تشتكي من شيء فكان أول ما فكرا فيه نقلها إلى الطبيب للتعرف على سبب هذه الأغراض الغريبة لكن الأطباء أجمعوا على خلوها من أي مرض يكون المسؤول عن حالتها. يئس الابنان وحولا دفة البحث جهة الطب الشعبي و"الفقهاء" بإيعاز من أحد معارفهم الذي نصحهم بفقيه ضليع يستطيع فك لغز مرضها الحير إذا كانت مسحورة بعد تردد كبير ذهب الأخوان إلى الفقيه الذي رفض كشف الحقيقة إلا بعد إحضار كل من ألام والزوجتين رفقة الصندوق الذي دلهما على مكان تواجده. عاد الابنان إلى المنزل ونفذا كلام الفقيه بالحرف، فكشف لهما المستور عندما أخرج الأفعى المكبلة من الصندوق وفكها فتمكنت الأم من تحريك أطرافها والتكلم من جديد نهاية سعيدة ككل الحكايات التي ترويها الجدات لأحفادهن لكن هذه المرة على لسان زبناء المشعوذين مجيدة أو الخيرات حولتها "زرقة لعينين" إلى قردة عرفت المشاكل الطريق إلى بيت لطيفة بعد مرور عشر سنوات على زواج هانئ كانت السعادة والانسجام عنوانهّّ، لتنقلب حياتها رأسا على عقب، وتعكر المشاحنات اليومية صفو علاقتها بزوجها الذي أصبح شديد التذمر ويسيء معاملتها بل ويمتنع حتى عن معاشرتها دون أن تجد المرأة الثلاثينية أسبابا مقنعة تقف وراء ذلك التحول المفاجئ. "راجلي تبدل بزاف وولي كيتعصب عليا بلا سبب هادشي علاش مشيت عند واحد الشوافة، تقول لطيفة، فلم يمنعها مستواها التعليمي ولا مكانتها الاجتماعية من اللجوء إلى إحدى الشوافات بضريح سيدي عبد الرحمان لكي تضع حدا لحيرتها التي باتت تقض مضجعها بالليل وجعلتها مستباحة من الشكوك بوجود غريمة لها تحاول خطف زوجها. تحينت لطيفة فرصة ذهاب زوجها إلى العمل وأبنائها إلى المدرسة لتخرج بدورها وتمتطي سيارة أجرة في اتجاه سيدي عبد الرحمان. خرصت لطيفة أثناء قيامها بتلك المهمة السرية على التخفي بحيث ارتدت النقاب خوفا من أن تلتقي هناك بأحد معارفها فيكتشف أمرها عند الزوج. مشت على كول الممر الرئيسي المؤدي إلى الضريح وهي تمعن النظر في وجود الشوافات اللواتي يعرضن خدماتهن باسم "بركة مول المجمر" قبل أن تقرر لطيفة الجلوس بجانب إحداهن للاستفادة من استشارتها. اشترطت الشوافة الحصول على "الفتوح" قبل الشروع في قراءة الطالع وكشف المستور طلب لقي استجابة سريعة من قبل لطيفة التي منحتها مبلغ 50 درهما ووعدتها بالمزيد في حال قدمت لها الجواب الشافي على سؤالها. رددت الشوافات عبارات غير مفهومة وهي "تضرب الكارطة" ثم قامت بإعطاء لطيفة 3 ورقات وطلبت منها وضعها على قلبها وترديد العبارة الشهيرة "ها قلبي ها تخمامي هاباش ياتيني الله ثلاث مرات"، واستعادت بعدها الورقات الثلاث. التزمت الشوافة الصمت للحظات قبل أن تبدأ في فك رموز الأرقام والصور على الورقات. "زرقة العينين سحرات لراجلك حتى ولى شايفك قردة" كان أول ما تفوهت به الشوافة قبل أن تتعمق في وصف الغريمة المزعومة وفضح مكائدها. وحدها تلك العبارة كانت كافية لتأكيد شكوك الزوجة الملائمة لها منذ شهور، فالأوصاف المذكورة جعلت أوهام ومخيلة الزوجة تتجه نحو الكاتبة الخاصة لزوجها التي لاتزال عازمة رغم جمالها الصاخر، ما جعل لطيفة تكتوي بنار الغيرة والشك. استشاطت لطيفة غضبا فغادرت المكان متجاهلة دعوة الشوافة لها إلى البقاء حتى تطلعها على كيفية فك السحر. قادها غضبها بسرعة البرق إلى الشركة حيث يعمل زوجها وتحديدا إلى مكتب "زرقة العينين" التي بادرتها باستفسار باللغة الفرنسية عما إذا كان بإمكانها المساعدة لتتلقى الرد بلغة العنف النسائي بدء ب"النتيف" وانتهاء ب"التصرفيق" بحيث انقضت عليها لطيفة بشكل مفاجئ مغلقة كل أبواب الحوار ، لم يخلص الكاتبة من قبضتها سوى الزوج الذي انتفض من مكانه على صوت شتائم زوجته وصراخ عشيقته المزعومة. حاول الزوج أن يهدأ من روع لطيفة لكن محاولاته لم تكن كافية لإخماد نار الغيرة المشتعله في قلب الزوجة، التي تمادت في اتهاماتها للكاتبة بممارسة السحر وتحويلها من امرأة جميلة إلى قردة في عيني زوجها قبل أن تصب جام غضبها على الأخير بسبب محاولته التدخل ب"خيط أبيض" متهمة إياه بالخيانة. لم تتمثل لطيفة لأوامر زوجها لها بالرحيل ووقف تلك المهزلة التي جعلت منهما أضحوكة أمام الموظفين إلا بعد تهديده لها بأبغض الحلال، لتعود أدراجها في خضوع تام، يسيطر عليها الشعور بالإحباط لعجزها عن إقناع زوجها بطرد الكاتبة "السحارة" وتكون بذلك استشارتها للشوافة موضوع خلاف جديد بينها وبين زوجها الذي لم يستسغ فكرة لجوئها خفية عنه إلى الشوافات. شادية وغزو مذيع يتحول إلى فقيه يتتع مدير إحدى الإذاعات بشخصية قوية ويتعامل مع الجميع بطريقة متساوية لا يفرق فيها بين صحافي وحارس الأمن لكن رغبة أحدهم في تسلق سلم المجد بسرعة فائقة دفعة إلى البحث عن أقذر الوسائل التي تمكنه من الوصول على الوصفة الملائمة لتحقيق هدفه. "حجابات" في كرسي المدير كان المدير يحس بأريحية كبيرة كلما جلس على كرسيه، لكن هذه الراحة لم تدم طويلا فقد بدأ يحس بشيء ما يقلق راحته ونعومة الكرسي تحولت فجأة إلى صلابة ما جعل الشك يتسلل إلى دواخله. لم يتردد المدير في نقل شكوكه إلى من حوله من الذين يثق بهم ليقترح عليه أحدهم إزالة غطاء الكرسي واكتشاف ما بداخله صدمة المدير كانت كبيرة جدا عندما أخرج مجموعة من "الحجابات" على شكل مربعات متوسطة الحجم مربوطة فيما بينها بخيط أبيض كتب عليه بسائل بني أشياء غير مفهومة تجمع بين كلمات من القرآن وطلاسم غير واضحة. اندهش المدير مما وجده داخل كرسيه ولم يستطع تخمين الفاعل ولا المصلحة التي يتوخاها من وراء تلك الأعمال الشيطانية غير أنه رجح فرضية كون الفاعل يريد إزاحته من منصبه ليشغل مكانه. آثار شعوذة هذه الحادثة لم تكن الحالة الأولى التي تم فيها العثور على أشياء غريبة ففي استوديو التسجيل كان المنشطون يعثرون بشكل دوري على أشياء غريبة، كالتراب الممزوج بمسحوق غير معروف موضوع على شكل مجموعات صغيرة تربط بينها خطوط الشك في قلوب الأشخاص الذين وجدوه لاعتقادهم أن الأمر لا يتعلق بالحسر والشعوذة بل ربما يرتبط بعدم التنظيف الجيد للمكان، لكن بعدما وجد في كرسي المدير تسلل الشك إليهم، وبدأ كل واحد منهم يوجه أصابع الاتهام إلى الآخر بعد أن كان الانسجام يجمع بينهم. استمر الوضع على هذا الشكل، فأصبح الجميع يحترسون في تعاملاتهم فلا يتناولون طعام بعضهم، وإذا ترك أحدهم فنجان قهوته أو قارورة الماء التي يشرب منها وذهب ألى أي نكان آخر، لا يعاود الشرب منها خوفا على نفسه مما بدأ يتداول عما تفعله المواد السامة بالجسم. كثر الحديث داحل الإذاعة عن أعمال الشعوذة التي يتم اكتشافها بشكل مسمتر ففي أحد الايام قرر تقني الإذاعة فتح أحد الميكروفونات لكونه لم يعد يعمل بشكل جيد، ليرى إن كان مازال صالحا للعمل به أم لا لكنه سيفاجأ به مملوء غريبة لم يتمكن أحد من معرفة مكوناتها ولا حتى الغرض الذي وضعت من اجله داحل الميكروفون لتجدد الشكوك حول قيام أشخاص بعينهم بمثل هذه الأعمال. قام المدير بإحراق "الحروز" التي وجدها وبدأ يحرص على إغلاق مكتبة كلما هم بالرحيل عنه، بعد أن كان يتركه مفتوحا في وجه كل العاملين. مذيع يتحول إلى فقيه مرت أشهر وكل واحد من العاملين في الإذاعة يراقب الآخر في صمت فبدؤوا يلاحظون تردد عدد كبير من الفتيات على أحد المنشطين المنحدرين من جهة سوس في أوقات متأخرة من الليل وعندما كان أحدهم يتساءل عن سبب إقبال الفتيات على الحضور إلى الإذاعة في ذلك الوقت كان يبادرهم بالإجابة بأنهن يبحثن عن أحد أفراد عائلاتهن المختفي . لم تنطل الجيلة على المتسائلين فشرعوا في التنقيب خلفه إلى أن تمكنوا من الحصول على معلومات أكيدة تفيد أن المنشط يقوم باستغلال الفتيات بادعاء إتقانه لأعمال فك "العكس" و"القبول". كان المذيع يعمل على جذب واستمالة المستمعات بربط الاتصال معهن خارج الإذاعة حيث يقوم بعرض خدماته عليهن والاتفاق معهن على المجيئ إلى مقر الإذاعة بحجة الرغبة في البحث عن متغيب وهناك كان يقوم بكتابة "الحجابات" التي توهم ضحاياه بأنها فعالة في تقريب البعيد وفك السحر. حضور الفتيات إلى الإذاعة كان "راس الخيط" الذي قاد العاملين بها، إلى كشف المستور واكتشاف صاحب أعمال السحر التي كانت منتشرة في كل مكان. ضحايا "مولات اللدون" من العذراوات و"المثقفين: وأصحاب: العكس" لن تنسى المترددات على "مولات اللدون" الخدمات الكثيرة التي قدمتها لهن، فقد بزغ نجمها في سماء حي البرنوصي وذاع صيتها، من خلال الخدمات التي دأبت على تقديمها لزبوناتها، هذه الشهرة دفعت الرجال إلى الانضمام لقائمة المقبلين عليها لكونها متخصصة في فك سحر العذراوات الباحثات عن الزواج والرجال "المثقفين" ومن يعانون من "العكس". لا تتمتع "مولات اللدون" بطقوس خاصة تميزها عن غيرها من "الشوافات" فكل من لجأ غليها، يجدها تجلس في غرفة شبه مظلمة تخترق ظلمتها أضواء خافتة لمصابيح بألوان داكنة ممتلئة الجسم تخفي وجهها تحت لحاف أصفر اللون، كلما دخل عليها طالب لخدماتها غرفتها إلا وبدأت في "التكراع" (التجشؤ) بصوت عال وهي تنادي على أسياد الجن الذين يستوطنون جسدها تضع أمامها طاولة صغيرة مغطاة بثوب يحمل نفس لون اللحاف الموضوع على رأسها و"مبخرة صغيرة" تنبعث منها روائح البخور التي تعبق في الشارع بأكمله. تضع بجانبها "بوطة" من الحجم الصغير وآنية قديمة تستخدمها في أعمالها المزعومة. لم تبذل المرأة الأربعينية كبير جهد في الدعاية لنفسها، فقد استطاعت منذ وطأت قدماها الحي أن تربط علاقات مع كل نسائه من خلال الخدمات والنصائح التي كانت تقدمها لكل واحدة منهن على حدة. "مولات اللدون" المنحدرة من إحدى قرى منطقة الشاوية كانت الابنة الوحيدة لوالدتها وامتازت منذ بزوغ نجمها بجمالها اللافت وشخصيتها المرحة ما جعلها محط أنظار رحال قبيلتها. جمالها لم يشفع لها بالهناء في زيجتها الأولى والثانية، فسرعان ما بدأت المشاكل تطفو على السطح لأن زوجها الثاني كان ذا طباع حادة وشخصية قوية تتماشى ونوعية العمل الذي يقوم به كجندي في صفوف القوات المسلحة الملكية. كانت أولى خطواتها في عالم الدجل والشعوذة عندما بدأت البحث بشتى الطرق عن الوسيلة المثلى للسيطرة عليه، وتليين معاملته المسيئة لها. مضت سنوات وهي تجرب كل وصفة تقترحها عليها أي "شوافة" أو "فقيه" في سبيل الوصول إلى غايتها المنشودة فبدأت تنهل بالتدريج من عوالم الشعوذة وتتعلم أبجدياتها الأولى إلى أن أصيب زوجها بمرض خبيث لم ينفع معه علاج أسكنه ضيقات القبر. لم تمض شهور العدة، حتى تزوجت مرة أخرى وشاءت الأقدار هذه المرة أن يكون زوجها الثالث فقيها من قبائل عبدة حافظا للقرآن ولأساليب الشيطنة أيضا و"الضحك على عباد الله" فتزودت من زاده وأخذت الحرفة عنه بقواعدها ثم تفوقت عليه. وجدت المرأة نفسها منغمسة في عالم الشعوذة من خلال الأعمال التي كان يقوم بها زوجها الثالث أمام عينيها وفي بيتها، لتتحول بدورها إلى ساحرة محترفة ويصبح زوجها ضحية لها، ومنفذا لأوامرها فاقدا القدرة على الاستقلال بقراراته بعيدا عنها بعد أن كان بارعا في إسكات أزواج النساء اللواتي يلجأن إليه طلبا لبركاته. تحولت "مولات اللدون" في ظرف وجيز من مجرد سيدة بسيطة إلى "سحارة" محترفة، تسخر الجن لخدمة أغراضها الشيطانية وجمع الثورة من خلال شرائها للكثير من الأراضي الفلاحية بقبيلتها إضافة على رصيدها البنكي والمجوهرات التي تزين جسدها، فلم تعد "باللي عطا الله" لأنها وضعت تسعيرة تقدر ب 200 درهم مقابل الزيارة الواحدة إضافة إلى متطلبات فك السحر أو عمل "القبول". لا تتوانى "مولات اللدون" طوال الوقت عن ترديد عبارة "أنا مكنديرش الخيوبة" مدعية أمام الملأ أن كل ما تقوم به لا يعدو مجرد خدمات تقدمها "للمسحورين" أو "اللي عندهم العكس" ولا تنتظر منهم إلا "دعوة الخير". فالمرأة التي انتقلت بسرعة البرق من الفقر إلى الغنى لا تفوت فرصة للتفاخر بأعمالها البطولية في السحر تلبية لرغبات مريديها، لأنها تمكنت من تطوير نفسها وتوسيع شبكة المستفيدين من خدماتها باستقطاب رجال السلطة و"مالين الفلوس" وضمهم لقائمة أتباعها فمجاهرتها بأعمالها ناتج عن قوة تستنبطها من الحماية التي توفرها لها معرفتها بهذا النوع من الناس.