لم يعد العامل المصري محسن رجب السيد عيد ندا يقوى على المشي بسبب حادثة شغل سقط على إثرها من أعلى قنطرة في أشغال تشييد الطريق السيار بين فاس وتازة. واضطرت أخته إلى مغادرة محافظة الإسماعيلية بالقاهرة، تاركة وراءها خمسة أطفال، ضمنهم ثلاثة توائم، لمساعدة أخيها في جر كرسيه المتحرك وقضاء أغراضه بعدما أقعده الحادث وعرضه لشلل نصفي، كما أفقده الكلام. ويظهر أن هذا العامل المصري ليس وحده ضحية حوادث الشغل بأوراش هذا الطريق، فقد تحدث تقرير صادر عن نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن وجود 7 حالات من هذا النوع إلى حدود 24 غشت الماضي، موردا بأن الشركة المصرية التي فازت بهذه الصفقة لم تعمد إلى تسويتها. أوراش الطريق السيار بتازة عرفت منذ انطلاقها عدة حركات احتجاجية نظمها عمال مغاربة يطالبون بتطبيق مدونة الشغل واحترام العمل النقابي وتسوية مشاكل الضمان الاجتماعي وإحداث وحدة طبية داخل المؤسسة لفائدة العمال، بالإضافة إلى توفير سيارة إسعاف وحفظ صحة الأجراء وسلامتهم وتسوية مشاكل حوادث الشغل وتسليم ورقة الحضور والانصراف لجميع العمال. ويتحدث تقرير الاتحاد الجهوي لنقابة الأموي بجهة فاس عن قرارات طرد صادرة في حق بعض العمال، بسبب ميولاتهم النقابية، ويصف هذه القرارات بالتعسفية. وينفي مدير فرع شركة «المقاولون العرب» بالمغرب، محمود أبو العزم، وجود هذه الاختلالات، معتبرا بأن مؤسسته تعمل تحت مراقبة وزارة التشغيل، ويقول: «نحن ملتزمون ولا نحب اللف ولا الدوران». ويبلغ عدد العمال المغاربة الذين يشتغلون في هذا الطريق 410 عمال مغاربة. ويضيف المهندس محمود أبو العزم بأن شركة مغربية هي التي تدبر شؤون هؤلاء العمال المغاربة، في إطار «التدبير المفوض»، ولا علاقة للشركة المصرية بهم. ويشير مصدر نقابي إلى أن العدد الحقيقي للعمال المغاربة يفوق بكثير هذا الرقم، ويرى بأن الشركة المصرية هي التي تتحمل المسؤولية في تشغيلهم وفي احترام القوانين الجاري بها العمل. العامل المصري محسن رجب السيد عيد ندا قرر أن يدخل ملفه إلى القضاء، وستنظر المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء اليوم الأربعاء في الدعوى القضائية التي رفعها ضد هذه الشركة المصرية التي تبني طرقا سيارة أخرى في مراكش وتازة وتطوان، بتهمة التخلي عن خدماته بعدما تعرض لحادثة شغل في أعمال بناء الطريق السيار الرابط بين فاس ووجدة، مرورا بتازة. ويرفع هذا العامل من لائحة الاتهامات التي يوجهها لهذه الشركة الحكومية، التي قرر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميمها في سنة 1960، موردا بأنها شركة تتحايل على الحقوق الاجتماعية لعمالها ولا تمنحهم العطل المنصوص عليها في القانون وتعمد إلى الإبقاء عليهم في العمل، في بعض الأحيان، إلى وقت متأخر من الليل. واستنادا إلى تصريحات مدير فرعها، فإن هذه الشركة تشغل 72 مصريا بالمغرب، مع احتساب الأطر والتقنيين، لكن بالاعتماد على أقوال العامل، فإن عدد المصريين الذين يعملون لفائدتها يفوق 250 مصريا. العامل ذاته يشير إلى أن الشركة لم تستقدمهم إلى المغرب كعمال وإنما أتت بهم ك«سياح». المسؤول عن «المقاولون العرب» فرع المغرب نفى أن تكون شركته تعمد إلى استغلال العمال المصريين في المغرب، مسجلا بأن الشركة مؤسسة حكومية ولا تشغل عمالها إلا بعقود تحدد حقوق وواجبات كل طرف من الأطراف المتعاقدة. واضطر العامل محسن رجب السيد عيد ندا نتيجة هذا الحادث، الذي يعود إلى نهاية شهر غشت الماضي، إلى إجراء عمليتين جراحيتين، الأولى في الدماغ والثانية في البطن، وقد أفقده الحادث القدرة على الكلام، كما تعرض لشلل نصفي، ولا يزال يداوم على تلقي العلاجات والترويض الطبي في مركز متخصص ببوسكورة بنواحي البيضاء. وفي الوقت الذي كانت فيه المحكمة الابتدائية بالبيضاء تنظر في جلستها الأولى في هذا الملف، تلقى هذا العامل يوم 8 أبريل الجاري رسالة من إدارة الشركة تطالبه فيها بالعودة إلى مصر، مخبرة إياه بأن فرع الشركة بالبيضاء لم يعد يتحمل مسؤولية وجوده بالمغرب، قبل أن تخبره لاحقا بأن الشركة استغنت عن خدماته نتيجة عدم التحاقه بالقاهرة. وعكس ما ذهب إليه هذا العامل، نفى محمود أبو العزم، رئيس فرع المغرب ل»شركة المقاولون العرب»، أن تكون الشركة قد تخلت عن هذا العامل، موضحا بأن لديه من الوثائق ما يثبت بأن المؤسسة المصرية التي يديرها قامت بكل ما يجب القيام به في مثل هذه الحوادث تجاه هذا العامل، ومضيفا بأن الشركة في مصر كانت ترغب في تنقيله إلى مصحة خاصة بها تعتبر من أكبر المصحات بالقاهرة بعدما تلقت تقريرا طبيا يفيد بأن تسفيره إلى مصر، عبر الطائرة، لا يشكل أي خطر على صحته. لكن العامل رفض القرار، لأسباب تخصه، وفضل البقاء في المغرب ورفع دعوى قضائية ضد الشركة، و»القضاء هو من سيقول الكلمة النهائية في هذا الموضوع»، يقول هذا المسؤول.