لم يعد الأب يفكر في أبنائه الآخرين بل يحمل هم التوائم فقط، حيث إن الحليب الصناعي يستلزم منه توفير ما بين علبتين إلى ثلاث علب يوميا، بمبلغ 600 درهم أسبوعيا تقريبا رزق بوشعيب العبدولي ابن البادية البالغ من العمر 34 سنة بثلاثة توائم، ليصبح مجموع أبنائه سبعة، وليجد نفسه أمام مسؤولية تفوق بكثير قدراته المادية، سيما وأنه يفتقر إلى مدخول قار، أو عمل ثابت يدر عليه أجرة محترمة تفي باحتياجات أسرته، مما حول الفرحة باستقبال التوائم الثلاثة منذ 5 أشهر، إلى هم وتفكير في مصيرهم ومصير إخوتهم، في غياب أي دعم مادي، أو معين على تحمل مصاريفهم والوفاء باحتياجاتهم اليومية. التجديد زارت أسرة بوشعيب بمنزله الكائن بدوار المعيزات الذي يبعد عن مدينة الجديدة بحوالي 17 كلم عبر طريق وعرة، ونقلت جزءا من معاناة هاته الأسرة التي تئن تحت وطأة قلة ذات اليد: واقع بطعم المعاناة تبدو رقية شنيتف التي ما تزال في ريعان شبابها، والتي أصبحت أما لسبعة أطفال أكبر من سنها، حيث تنعكس على تقاسيم وجهها آثار المجهودات التي تبذلها لرعاية التوائم الثلاثة، بالإضافة إلى مسؤولية باقي أفراد الأسرة الملقاة على عاتقها، ورغم ذلك، تقاوم هاته السيدة بكل ما أوتيت من جهد، لمواجهة واقعها الذي امتد تأثيره ليحدث نقلة في حياة كل فرد من أفراد الأسرة، حيث أن البنت البكر نجية، غادرت مقاعد الدراسة بعدما وصلت إلى المستوى السادس ابتدائي، بسبب عدم قدرة الوالد على توفير متطلبات الدراسة من كتب وملابس، وانخرطت في مهمة مساعدة والدتها في رعاية التوائم.. تشعر نجية أنها أصبحت أما قبل الأوان، حيث قالت عندما سألناها عن شعورها وهي تغادر المدرسة بدون رجعة، ومشاركتها والدتها في تحمل المسؤولية الجديدة لتربية إخوتها التوائم لقد أصبحت أما قبل الأوان فأنا أسهر الليالي مع أمي وأرضع هذا وأسكت هذا وأحملهم بين يدي طيلة اليوم، حديثنا في البيت فقط عن التوائم وتربيتهم والمشاكل التي يعاني منها أبي من أجل توفير لقمة العيش لنا وللتوائم الثلاث.. تمنيت متابعة دراستي ولكن ما باليد حيلة. أما أختها إلهام فقد غادرت هي الأخرى الدراسة بسبب مرضها، فيما ما يزال أيوب ذو 8 سنوات يتابع دراسته بالمستوى الثاني ابتدائي حتى إشعار آخر! بينما ما يزال طفل آخر يلهو ويلعب، غير آبه بما يدور حوله في انتظار بلوغه سن التمدرس، ثم التوائم الثلاث الذين رأوا النور بمستشفى محمد الخامس بالجديدة، الحسين ومحسن ثم حسناء البالغين الآن الشهر الخامس من عمرهم.. إغراءات للتنازل خمسة أشهر مرت على بوشعيب كسنوات.. لأنه لا يقوى على توفير متطلبات تربية التوائم. فالحليب كما صرح الوالد لـ التجديد يستلزم توفير ما بين علبتين إلى ثلاث علب من الحليب الصناعي بشكل يومي، أي ما يعادل مبلغ 600 درهم أسبوعيا تقريبا، بالإضافة إلى توفير ثمن الحفاظات والعلاج. بوشعيب يحكي كيف أنه حاول مقاومة هذا الوضع حتى فقد كل ما كان يدخره.. ومورده الرئيسي للرزق الآن هو بيع النعناع بالتقسيط في أحياء مدينة الجديدة.. ووسيلته في ذلك دراجة مترهلة يقطع على متنها مسافة 17 كلم ذهابا وإيابا يوميا عله يحمل لأبنائه ما يسدون به رمقهم.. لم يعد الأب يفكر في أبنائه الآخرين بل يحمل هم التوائم فقط. وعندما سألنا الأم عن شعورها عند سماعها لخبر ازدياد التوائم قالت: الطبيب كان قد أخبرني بأنني حامل بتوأمين وكنت خائفة جدا، أما عندما سمعت بالثالث يوم الولادة، فقد أصبت بالذهول لأني أعرف تماما ظروف زوجي.. أبكي في اليوم عدة مرات عندما أراهم يبكون أمامي، طلبت مني أختي التي تقطن بأكادير أن أعطيها حسناء لتتولى تربيتها، لكنني لم أستطع فراقها وأطلب الله أن يهبني القوة لرعايتهم. فيما أكد الوالد، أن شخصا عرض عليه أن يهبه واحدا من الذكرين مقابل أن يكتب باسمه قطعة أرضية ، إلا أنه لم يستسغ الأمر الذي بدا له شبيها بعملية بيع وشراء.. هذا الوضع المادي المتردي، دفع الزوجين إلى استبدال الحليب الصناعي بحليب بقرة الجيران، مما تسبب في مرض الأطفال، كما استبدلا الحفاظات، بقطع أقمشة بالية، تسببت بدورها في إحداث التهابات جلدية لهم... ما تزال الأم تحاول مقاومتها بمراهم بخسة الثمن، ليستمر مسلسل المتطلبات غير المنتهي. أما الملابس فلا يتوفرون إلا على القليل منها. وقد التمس بوشعيب من مدير مستشفى محمد الخامس أن يساعده لأنه لم يجد أحدا غيره يبت إليه معاناته، لكن دون جدوى، ربما لأن ذلك لا يدخل ضمن اختصاصاته.. ولم يتلق بوشعيب حسب إفادته، أية مساعدة من أية جهة معينة، ويرفض مفارقة أبنائه، أو التنازل عنهم لمن يستطيعون الاستجابة لمتطلباتهم، على الرغم من أن الفكرة تستولي أحيانا على تفكيره كلما أصيب بإحباط نتيجة شعوره بأنه لا يقوى على الصمود أمام واقعه الجديد. لكنه سرعان ما يتراجع، حاملا أكفه إلى الله تعالى، أن يسخر له من يمد له يد المعونة، ليتمكن من الوفاء بمتطلبات أسرته وتوائمه الثلاثة خاصة..