المصطفى يطو وجب الاعتراف بأن الفيسبوك أصبح ظاهرة اجتماعية غزت كل الأوساط الاجتماعية، قرى ومدنا، وهمت أساسا قاعدة عريضة من المجتمع، شبابا وشيوخا وأطفالا. إننا أمام فضاء تواصلي يسهل التعارف والتواصل بين البشر جاعلا من العالم قرية صغيرة، بفضله أصبحنا نستقبل أفكار الأمم وثقافاتها، فالوسائط التواصلية الاجتماعية، خاصة منها الفيسبوك، أصبحت لها الكلمة الأولى في تحديد أخلاق الأجيال وثقافتها. والخطير في هذه القضية هو حجم التأثير الكبير وسرعة التغيير الذي أحدثته هذه الوسائل الحديثة في مستوى الثقافة والسلوك والأخلاق والذوق العام. تشكل شبكات التواصل الاجتماعي عموما، وبشكل خاص موقع "الفيسبوك" لمميزاته المختلفة، خطورة كبيرة على المراهقين. وهذه الخطورة لا يمكن حصرها ولا حصر تداعياتها، وقد تخلف أزمة كبيرة ومشكلة ضخمة ما لم تتم معالجتها بالشكل الصحيح. ومن أهم هذه المخاطر أن هؤلاء المراهقين لا يدركون أن هذا الموقع هو عالم افتراضي، وأن تلك الشخوص التي يتعرفون عليها قد تكون حقيقتها مغايرة تماما لما تعرف به نفسها أو تظهره. ولعدم خبرة هؤلاء المراهقين، فإنهم قد يصبحون ضحايا لشبكات الفيسبوك لما لها من مضار، ويتجلى ذلك في تكريس الجهد البدني والفكري والنفسي من أجل مشاهدة ما ينشره الأصدقاء من صور وأخبار سيئة تتعلق بالعنف والاغتصاب وغيره من السلوكات الإجرامية والحروب، وما إلى ذلك من الأنباء التي تثير مشاعر الحزن لدى الآخرين؛ كما لا ينبغي أن ننسى أن الاستعمال المفرط للأنترنيت يولد الإحباط والاكتئاب للمراهق، مما يجعله يفقد القدرة على النوم والتركيز في دراسته. فإدمان الأنترنيت هو حالة مرضية تجعل المراهق غير قادر على الاستغناء عن الإبحار في عوالم الأنترنيت نظرا إلى ما يولد لديه من متعة آنية "كإشباع المشاعر بالحب والتقدير أو المشاركة الوجدانية تارة، أو بتفريغ المكبوتات تارة أخرى للتخلص من الضغوط اليومية". وأرى أن إدمان الولوج إلى الشبكة العنكبوتية هو حالة نظرية من الاستخدام المرضي للأنترنيت الذي يؤدي إلى اضطرابات سلوكية. يعترف الكثير من المراهقين من مدمني الأنترنيت أنهم كانوا يعانون من إحباطات طفولية وصراعات نفسية داخلية إثر تعثرهم في الدراسة، مما دفع بهم إلى الهروب من واقع المدرسة ومن الفراغ والملل أو الوحدة أو التخوف من تكوين علاقات اجتماعية، واقعية لا افتراضية، نتيجة الإحساس الزائد بفقدان الثقة في النفس، علما بأن المراهقين الذين يعانون من الخوف الاجتماعي لديهم قابلية أكبر لإدمان الأنترنيت على اعتبار أنه يوفر لهم فرصة لتكوين علاقات اجتماعية، وإن تكن افتراضية، بالرغم من وحدتهم في الواقع. ويقول العلماء إن الناس الذين تكون لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد، يكونون، هم أيضا، عرضة لإدمان الأنترنيت بسبب انجذابهم الشديد إلى الإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على الشبكة العنكبوتية. وهناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل من الأنترنيت موضوعا للإدمان: - السرية: إن الإمكانية التي يوفرها الأنترنيت -والمتمثلة في الحصول على المعلومات وطرح الأسئلة والتعرف على أشخاص دونما حاجة إلى الكشف عن الهوية والتعريف بالنفس بالتفاصيل الحقيقية- توفر شعورا لطيفا بالسيطرة. إلى جانب ذلك، فإن القدرة على الظهور كل يوم بشكل آخر حسب الاختيار، تُعتبر تحقيقا لحلم جامح بالنسبة للكثير من الناس؛ - الراحة: الأنترنيت هو وسيلة مريحة للغاية، وهو يوجد عادة في البيت أو العمل، ولا يتطلب الخروج من البيت أو السفر أو البحث عن مبررات لاستعماله. وهذا التيسير يوفر حضورا عاليا وسهولة في ما يتعلق بتحصيل المعلومات التي لم نكن لنحصل عليها بدون أنترنيت؛ - الهروب: مثل الكتاب الجيد أو الفيلم المثير، فإن الأنترنيت يوفر إمكانية الهروب من الواقع إلى واقع بديل. ومن الممكن للإنسان الذي يفتقر إلى الثقة بالنفس أن يصير "دون جوان"، كما يصبح من المتاح للإنسان الانطوائي أن يجد لنفسه أصدقاء، بل إن كل إنسان يستطيع أن يتخذ لنفسه هوية مختلقة وأن يحصل من خلالها على كل ما ينقصه في الواقع اليومي والحقيقي. المخاطر النفسية للإدمان على الفيسبوك للمراهق يتسبب الإدمان، الذي يترجم بالاستعمال المفرط، في الإحباط الشديد للمراهق، وخاصة عندما يكتشف الأخير أن الأشخاص الذين يتواصل معهم يوزعون محبة وتعاطفا افتراضيين، وأنه عدا ذلك لن ينال منهم إلا الريح؛ كما يسبب الإدمان الأرق، لأن الاستخدام الطويل للأنترنيت يثير المهيجات العصبية بسبب ارتفاع درجة اليقظة المخية، ويترتب عنه بالتالي اضطراب النوم بسبب الحاجة المستمرة إلى إطالة وقت استخدام الأنترنيت، حيث يقضي أغلب المدمنين جل ساعات الليل مبحرين في الأنترنيت، فلا يخلدون إلى النوم إلا ساعة أو ساعتين قبل أن يحين موعد ذهابهم إلى العمل أو الدراسة؛ ومن البديهي أن يتسبب ذلك للمدمن في إرهاق بالغ، يؤثر على أدائه في عمله أو دراسته، كما يؤثر على مناعته فيصبح أكثر قابلية للإصابة بالأمراض. ومن ناحية أخرى، فإن المدمن يقلص من الأوقات التي اعتاد أن يقضيها مع أسرته، كما يغدو أكثر فأكثر مهملا لواجباته الأسرية والمنزلية، مما يؤدي إلى إثارة أفراد الأسرة عليه. نصائح للتخلص من إدمان الأنترنيت إن هناك عدة طرق لعلاج إدمان الأنترنيت، نكتفي بالإشارة إلى ثلاث منها، تتمثل أولاها في إدارة الوقت؛ غير أنه في حالة الإدمان الشديد عادة ما لا تكفي إدارة الوقت، ويكون من اللازم على المريض أن يستخدم وسائل أكثر هجومية: أ- عمل العكس: فإذا اعتاد المريض استخدام الأنترنيت طيلة أيام الأسبوع، فليبذل جهدا من أجل الانتظار إلى يوم الإجازة الأسبوعية كي يستخدمه؛ وإذا كان أول شيء يقوم به عقب استيقاظه من النوم مباشرة هو فتح بريده الإلكتروني فليمنع نفسه من ذلك حتى يفطر، ويشاهد أو يسمع أخبار الصباح؛ وإذا كان يستخدم حاسوبه في حجرة النوم فليتخلص من هذه العادة بأن يضع هذا الجهاز في حجرة المعيشة... وهكذا؛ ب - إيجاد موانع خارجية: يُطلب من المريض ضبط منبه قبل ولوجه إلى الأنترنيت، بحيث ينوي ألا يتعدى إبحاره في الأنترنيت ساعة واحدة قبل خروجه إلى العمل، مثلا، حتى لا يندمج في الأنترنيت بحيث ينسى موعد ذهابه إلى عمله؛ ج - تحديد وقت الاستخدام: يطلب من المريض تقليص وتنظيم ساعات استخدام الأنترنيت، بحيث إذا كان يدخل الأنترنيت لمدة 40 ساعة أسبوعيا -مثلا- فليسع إلى خفض هذا السقف إلى 20 ساعة أسبوعيّا، وتنظيم تلك الساعات بتوزيعها على أيام الأسبوع في أوقات معلومة من اليوم بحيث لا يتعدى الجدول المحدد؛ د - الامتناع التام: كما ذكرنا، فإن إدمان بعض المرضى يتعلق بمجال محدد من مجالات استخدام الأنترنيت؛ فإذا كان المريض مدمنا على حجرات الحوارات الحية فإننا نطلب منه الامتناع عن تلك الوسيلة امتناعا تاما في حين نترك له حرية استخدام الوسائل الأخرى الموجودة على الأنترنت؛ ه - إعداد بطاقات من أجل التذكير: نطلب من المريض إعداد بطاقات يكتب عليها خمسة من أهم المشاكل الناجمة عن إسرافه في استخدام الأنترنت كإهماله لأسرته وتقصيره في أداء عمله..، مثلا، ويكتب عليها أيضا خمسا من الفوائد التي ستنتج عن إقلاعه عن إدمانه مثل حله لمشاكله الأسرية وزيادة اهتمامه بعمله..، ثم يضع تلك البطاقات في جيبه أو حقيبته بحيث تكون معه حيثما ذهب، فإذا ما وجد نفسه مندمجا في استخدام الأنترنيت أخرج البطاقات ليذكّر نفسه بالمشاكل الناجمة عن ذلك الاندماج؛ و - إعادة توزيع الوقت: نطلب من المريض أن يفكر في الأنشطة التي كان يقوم بها قبل إدمانه للأنترنيت، ليعرف ما خسره بإدمانه ذاك، مثل: قراءة القرآن، وممارسة الرياضة، وقضاء وقت بالنادي مع الأسرة، والقيام بزيارات اجتماعية، وهكذا.. ثم نطلب منه تاليا أن يعاود ممارسة تلك الأنشطة لعله يعود إلى تذوق طعم الحياة الحقيقية وحلاوتها. نصيحتي للآباء ليس مستغربا أن ينتاب الآباء شعور بالضعف والفشل أحيانا في إيجاد الأساليب المثالية لتربية جيل "آخر الزمان" كما يقال عنهم، فلم تعد محاولات الأسرة هي الحلقة الأقوى في التأثير على المراهق، وهنا يحصل التصادم ما بين جيل القدامى من الآباء والأمهات لما قبل الانفتاح الاجتماعي العالمي والجيل الحالي الذي أصبح متقلب المزاج ومتمردا على القيم القديمة ومناهضا للتربية القائمة على القمع والتخويف؛ لهذا وجب على الآباء أن يقوموا بالتقرب أكثر فأكثر من المراهق ويعملوا على احتوائه، وذلك من خلال محادثته في الموضوع بلا إحراج أو إرهاب له، وتوضيح خطورة تعامله هذا مع الأنترنيت، والمشاكل التي قد تنتج عنه، مع السعي إلى إقناعه بذلك بأسلوب بسيط، ودون ملل من تكرار المحاولات ولا محاولة لفرض الرأي من أول وهلة بما قد تجره من احتداد على ذلك المراهق، فهذا قد يدفع المراهق إلى الاستعانة بالسرية للتغطية على إدمانه، ويؤدي بالتالي إلى تفاقم المشكلة بدل معالجتها. ثم بعد هذا، يجب فرض نوع من الرقابة الأسرية على ذلك المراهق، فلا يسمح له، مثلا، في الفترة التالية مباشرة بأن يجلس بمفرده أمام الحاسوب أو أن يمضي أمامه ساعات طويلة، وينصح بتوخي ذلك بشكل غير مباشر، كأن يُوضع الحاسوب في مكان ظاهر في البيت بعيدا عن الغرف المغلقة، حتى لا يلاحظ المراهق أنه مراقب ويؤثر عليه ذلك نفسيا فيلجأ إلى العناد والمكابرة. من المهم، أيضا، أن يتم إشغال المراهق بأكثر من أمر حتى لا يجد وقتا فارغا يعود فيه إلى ذلك الموقع ويستغله استغلالا سيئا، فيتم إشغاله بنشاط ثقافي أو اجتماعي أو تكليفه بعمل ما يقوم به على الفيس بوك، بحيث لا يجد وقتا كثيرا، يتعرف فيه على أشخاص لا يعرفهم أو أن يدفعه الفضول إلى البحث عن أمور ليس هذا وقت التفكير فيها. * كاتب وباحث في علم النفس