يحكي الدكتور محمد الأمين الإسماعيلي ل «المساء» أن حكاية «جون»، الذي ولد عام 1904 بمدينة فاس، مع المسيحية بدأت داخل ثانوية أزرو التي كان لويس ماسينيون يدرس فيها، حيث تأثر بن عبد الجليل بما كان يتحدث به ماسينيون خاصة عن المذهب «الفرنسيسكاني» الذي كانت له مشاكل كبيرة مع البابا، بالنظر إلى مبادئ الإصلاح المسيحي التي كانت تتوخى فرضها على الفاتيكان. كل من عاصر حدث تنصر محمد بن عبد الجليل سنة 1927 لا يزال يذكر الجنازة الرمزية التي نظمها ذووه وجيرانه، الذين خرجوا فيها يودعون ذكرى محمد، الذي فضل ذات شتاء وبمناسبة الاحتفال بأعياد الميلاد تغيير اسمه إلى «جون» ليعبر بذلك من الإسلام إلى النصرانية. ما فاجأ الجميع هو أن محمد كان يحفظ القرآن كاملا، ومن الشخصيات الصوفية التي لا تكاد تغادر الزاوية، ومن عائلة محافظة اضطلعت بدور مهم في مناهضة المحتل الفرنسي والحفاظ على الهوية المغربية المبنية على الإسلام. يحكي الدكتور محمد الأمين الإسماعيلي ل «المساء» أن حكاية «جون»، الذي ولد عام 1904 بمدينة فاس، مع المسيحية بدأت داخل ثانوية أزرو التي كان لويس ماسينيون يدرس فيها، حيث تأثر بن عبد الجليل بما كان يتحدث به ماسينيون خاصة عن المذهب «الفرنسيسكاني» الذي كانت له مشاكل كبيرة مع البابا، بالنظر إلى مبادئ الإصلاح المسيحي التي كانت تتوخى فرضها على الفاتيكان. ولم تتوقف مسيرة محمد بن عبد الجليل مع ماسينيون عند حدود إعجاب التلميذ بأفكار أستاذه، بل قرر في غفلة من الجميع الإعلان عن التحول إلى النصرانية، وهو الصوفي الحافظ لكتاب الله الذي لم يكن أحد من معارفه يتوقع أن يفضل «جون» على «محمد». ويصف الدكتور محمد أمين الإسماعيلي هذا التحول بأنه «تحول من التصوف الإسلامي إلى التصوف الغنوصي الإشراقي». فمحمد بن عبد الجليل كان إلى جانب حفظه لكتاب الله وتصوفه، هادئا يحب أجواء التأمل والعزلة، عكس أقرانه الذين كانوا خلال فترة وجودهم بباريس من رواد رموز حضارتها المادية. وكما أحدثت «فاجعة» تنصر محمد بن عبد الجليل ضجة في بدايتها، فقد خلفت ضجة حتى بعد وفاته عام 1979 ودفنه بمقابر النصارى، وقد عانى من سرطان اللسان لمدة عشر سنوات كما تؤكد مصادر «الفرنسيسكان» لحد الآن في أدبياتها ومواقعها على الأنترنت. الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، الرئيس المؤسس لحزب العدالة والتنمية، لم يكن غائبا عن المشهد، وهو الشخص الذي كان يأمل مغاربة كثيرون أن يفتح قلبه وذاكرته أمام الأجيال المتلاحقة، فيسلط الضوء على أحداث عاش تفاصيلها فتتضح الصورة بأبعادها الكاملة في عقول الجميع. لكنه وبرغم وفاته، فقد ناقش وتحدث إلى الكثيرين، ومن بينهم الدكتور الإسماعيلي الذي شرح ل «المساء» أنه سأل الخطيب يوما عن حكاية تنصر بن عبد الجليل وما راج عن احتمال كون قراره بالتنصر مجرد ردة فعل عن مشاكل نفسية عانى منها، فحكى له حكاية وقعت للراحل المهدي بنعبود مع جون جليل. ومضمون الحكاية أن بنعبود خلال وجوده بباريس، طلب من جون جليل التوسط له وهو الشخصية المعروفة لإيجاد سكن هادئ يقضي فيه بعض الأيام. فما كان من المتنصر المغربي إلا أن عثر له على دير منعزل، وجد فيه بنعبود راحته بسبب الهدوء الكبير الذي يتميز به. كان المطلوب أن يغادر بنعبود الدير بعد مرور 15 يوما، لكنه فاتح جون جليل لتمديد الفترة، فما كان من سليل العائلة الفاسية الذي قرر الخروج من ملة الإسلام إلا أن بعث إليه برسالة قال له فيها «إياك أن تتسلهم» ! هنا سأل الدكتور الإسماعيلي الدكتور الخطيب عن تعليقه على مغزى القصة التي ينصح فيها «جون» الراحل بنعبود بالخروج بسرعة من الدير والبعد عن رجاله وهو الذي اختار الردة والخروج من الدين، فأجابه الخطيب «هذا إذا كان قد ارتد فعلا». وأيا كانت حقيقة تنصر جون جليل ومواقفه بعد التنصر، فقد توفي بعد معاناة شديدة من مرض سرطان اللسان لمدة عشر سنوات كاملة، وطويت صفحته إلى غير رجعة، وبقيت فقط صوره مع بابا الفاتيكان وهو ينظر إلى الأرض وعلامات الحيرة بادية على وجهه.