الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آيات مغلوطة وأحاديث موضوعة واستهزاء بالآخر بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية
نشر في التجديد يوم 15 - 12 - 2004

عرفت ندوة من تفسير القرآن إلى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية التي نظمتها مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء يومي الجمعة والسبت 10 و11 دجنبر الماضيين عدة تجاوزات وانحرافات قابلها الجمهور الحاضر بالمعارضة والاستنكار. وفي الوقت نفسه هيمن على أشغال الندوة، المقال الذي نشر في "التجديد" بعنوان غزو علماني لمؤسسات سعودية وخصه محمد أركون بوقت كبير من مداخلته.. شارك في هذه الندوة كوكبة من المستشرقين المستعربين (باستثناء فيصل العوامي من شيعة السعودية) كل من محمد أركون (جزائري الأصل مقيم وباحث في فرنسا) وألفريد لويس دو بريمار(فرنسا) والمنصف بن عبد الجليل (تونسي باحث في لندن) وجان دامن ماكوليف (واشنطن) وعبده الفيلالي الأنصاري (مغربي باحث مقيم في لندن) ونصر حامد أبو زيد ( مصري هاجر إلى ليدن) ويوسف صديق (تونسي باحث في فرنسا) وألفة يوسف (تونس) ومحمد الشريف فرجاني (تونسي باحث مقيم في فرنسا)، بينما تغيب عنها المغربي الوحيد فيها المختار بنعبدلاوي. يلاحظ أن الأغلبية من تونس التي تبنى نظامها العلمانية العسكرية وتمثل هذه الأسماء التونسية نماذج من النخب التي تجمع بين البحث الفكري والتوظيف
السياسي -وأحيانا الأمني- ضد التدين في تونس وخارج تونس. كما لوحظ أن نصر حامد أبو زيد تغير بعض الشيء، ولم يكن مستفزا كعادته وآثر السلامة والهدوء.
تجاوزات باسم البحث العلمي
رغم أن اليوم الأول من الندوة كان يوم جمعة، ورغم أن مقر انعقاد الندوة لا يفرقه عن المسجد إلا جدار السقف إذ أن المسجد (مكان النشاط الروحي حسب تعبير محمد الصغير جنجار مدير الندوة والمؤسسة) يوجد في الطابق الأسفل للمؤسسة وتوجد قاعة العروض والندوات (أو مكان النشاط العقلي حسب جنجار أيضا) في الطابق الأعلى، ورغم أن الندوة كانت حول القرآن الكريم وتفسيره بين القدماء والمعاصرين والحداثيين والتقليديين ودعاة التغريب والأصالة، ورغم أن الندوة تنظمها مؤسسة سعودية للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، ورغم أن مؤذن يوم الجمعة كان ينادي للصلاة يوم الجمعة والخطيب كان يخطب في مئات المؤمنين، رغم كل هذا، فقد استمر محمد أركون في حديثه أمام عدد قليل من الحاضرين لا يتجاوزون الأربعين على أقصى تقدير، وترك أغلبهم القاعة من أجل صلاة الجمعة، واستمرت الجلسة الثانية بإجابات ألفريد لويس دو بريمار عن تساؤلات الحاضرين والتعقيب على تدخلاتهم.
ولم يكن هذا هو التجاوز الوحيد في هذه الندوة، بل عززته تجاوزات أخرى باسم البحث العلمي والدراسات الإسلامية، ومنها وصف القرآن بأنه كتاب منغلق ومقفل، وإنكار ظاهرة الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، وتكذيب الأحاديث الصحيحة وقبول الأحاديث الموضوعة، وقراءة الآيات القرآنية بطريقة خاطئة من لدن مفكرين وباحثين يزعمون أنهم يفسرون القرآن ويقرؤون الظاهرة القرآنية قراءة جديدة. فعلى سبيل المثال قرأ المدعو محمد الشريف فرجاني (الموصوف بأنه باحث ضمن مجموعة البحث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي بجامعة ليون 2) الآية الكريمة (إن الحكم إلا لله) بقوله (لا حكم إلا لله) رغم تصحيح الحاضرين له، ومثل قراءة يوسف صديق (الموصوف بأنه باحث من باريس للآية الكريمة (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا- الإسراء 159) بقوله (فكذبوا بها بدل فظلموا بها) وقرأ أيضا مبصرة بفتح الباء وتشديد الراء المكسورة (قال بعض الظرفاء قد تكون قراءة شاذة طلع بها هذا الباحث)، وهناك آيات أخرى
أخطأ فيها هؤلاء القراء الجدد الذين يقرؤون القرآن بطريقة خاصة جدا.
محمد أركون: نعيش محنة ابن رشد
قال محمد أركون الجزائري وهو يرد على ما جاء في جريدة التجديد قبيل الندوة أبدأ حديثي إلى ما ورد في جريدة التجديد قائلا نحن هنا نرحب ونهتم الاهتمام الكامل بجميع المواقف المتواجدة في مجتمعاتنا، والموقف الذي تشير إليه نعرفه وندرسه كما ندرس المواقف الأخرى. والموقف العلمي الذي لا يحترم المواقف المتواجدة والمذاهب المتصارعة في المجتمع وفي كل زمان ليس بالموقف العلمي، وأضاف مشيرا إلى قبول المغاربة والمسلمين لبعض المذاهب ورفضهم للأخرى كيف سمح للمذهب المالكي بالأندلس والمغرب أن يعرضوا عن هذا المذهب الظاهري لابن حزم ويدفنونه دفنا، بينما هذا المذهب أثرى التفكير الإسلامي، وكذلك ماذا حدث للموقف الذي وقفه مفكرون معتزلة عظام فيما يخص مواقفهم العديدة (...)
ورغم أن الدكتور محمد أركون يعيش معززا مكرما في فرنسا وأوروبا ويدعى لعدة ملتقيات وندوات ومقابلات وبرامج تلفزية وإذاعية، أبى إلا أن يظهر في مظهر الضحية المحاصرة المظلومة، في الوقت الذي تطارد فيه الأصوات الإسلامية ولو اعتدلت، وتشن فيه الهجمات الإعلامية ضد المفكرين الإسلاميين لتشويه سمعتهم ومنعهم من الكلام وحق الرد في بلاد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فبالأحرى في بلدان الاستبداد والقمع البوليسي، وهكذا زعم الرجل أنه يعيش محنة ابن رشد والمعتزلة وأبي حيان التوحيدي وقال بالحرف: ونحن الآن نعيش نفس المحنة التي امتحن بها ابن رشد وامتحن بها المذهب المعتزلي وامتحن بها أبو حيان التوحيدي والدور الذي لعبه في الفكر الإسلامي، لماذا نسي هذا المفكر؟ ولماذا لا يدرس في المدارس الثانوية ولا يدرس حتى في الجامعات؟ وهو من أهم المفكرين الذي تبنى جميع المذاهب المتواجدة في القرن الرابع الهجري. (هنا ارتفع أذان صلاة الجمعة ومع ذلك استمر محمد أركون في الحديث).
وفي رده على محاولات هؤلاء القراء الجدد نزع القداسة عن القرآن الكريم انفعل أركون واصفا منتقديه ومنتقدي الندوة بالجهل وقال: يقولون إننا نريد نزع القداسة عن القرآن. ياله من جهل في هذا الكلام. ماذا نعني بالقداسة؟ في اللغة العربية نستعملها للدلالة على مفهومين مختلفين عن اللغات الأوروبية لوساكري le sacre ولوسان le saint ونحن نجمع بين المفهومين، هل تقولون أن هذا مفهوم خاص بالأوروبيين؟ ماذا تختارون le sacre أم le saint؟ ليس هناك باب للاختيار لأنهما بعدان أيضا للوجود الإنساني. وهذا كلام أثار أحد الحاضرين الذي طالب محمد أركون بالرد العلمي المفصل وليس بجملة تقريرية يصف فيها الآخرين بالجهل، وقال السائل إن رجلا مثل الدكتور طه عبد الرحمن ليس جاهلا، وقد تناول الموضوع في محاضرة مشهودة منذ مدة كشف فيها بطريقة علمية محاولات نزع القداسة وأشياء أخرى، فكيف تصف معارضيك بالجهل؟
خرافة الغار والوحي بغير جبريل
وصف يوسف صديق (صاحب كتاب لم نقرأ القرآن بعد..) حديث الغار الذي يتحدث عن نزول الآيات الأولى من القرآن الكريم على قلب النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، بأنه خرافة وقال هذا الباحث بالحرف: لا أتردد ولا أتلعثم في أنها خرافة، فكيف أن نتصور الآن هذه القضية التي تحكيها السير، والحمد لله أن هذه السير ليس لها أصول (كذا).
وأضاف متحدثا عن ملك الوحي جبريل عليه السلام: هل من العباطة لملك كجبريل أن يضم أحدا فيقول له اقرأ، فيقول ما أنا بقارئ، فيعيد ضمه، ويعيد له نفس السؤال، ثم يقول له اقرأ شيئا لا شفرة فيه ولا تفكيك؟.
مضى هذا القارئ الجديد إلى التكلف والتعسف والانتقاء في اللغة العربية ليختار منها معنى للقراءة يوافق هواه فقال: إذن أنا أذهب إلى أن عملية الضم إن كانت شيئا صحيحا في هذه الحكاية، ولا أتصور أن هناك شيئا صحيحا أبدا، فإن كان شيئا صحيحا في هذه الحكاية، فإنه حكاية الضم، أي القراءة أن تضم إليك الشيء وأن تولده من جديد، وهذا المعنى هو أحدث معنى يتحدث عنه موريس بلانشو مثلا في كتابه : le livre à venir
وإذا كان هذا القارئ قد وصف حديث الغار بالخرافة، فإنه في الوقت نفسه لم يعر اهتماما لسند حديث قال عنه أحد الحاضرين إنه موضوع. قال يوسف صديق هناك حديث لا يهمني سنده، ولكن يهمني متنه، وإن لم أجده في أمهات كتب السنة كلها، غير أني وجدته في كتاب التعريفات للجرجاني، ويقول هذا الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي مع صحابته في سكك المدينة، فخرجت عليهم امرأة وأقسمت عليهم أن يدخلوا فدخلوا، فوجدوا نارا وأولادا يلعبون. فقالت المرأة يا رسول الله، أألله أرحم مني بعباده أم أنا بأولادي؟ فقال لها ويحك، إن الله أرحم الراحمين، فقالت له يا رسول الله، أتراني أضع بأحد أولادي هؤلاء في النار؟ فقال لها لا، فقالت، فكيف يضع عباده في النار وهو أرحم مني. فبكى رسول الله وقال هكذا أوحي إلي).
وذهب يفتش يوسف صديق عن أي شيء يؤيد ما يريد استنتاجه، فأشار إلى أننا نحتاج إلى إعادة القراءة في القول ومعناه، وقال إنه وجد ما يبحث عنه عند القشيري وهو يفسر آية (إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين)، فجميع المفسرين قالوا: الرسول هو جبريل إلا القشيري فقال إنه محمد. كل هذه الطريق الوعرة الملتوية ليصل المفسر الحداثي الجديد إلى نبي يوحى إليه بغير الملك جبريل عليه السلام، وإلى أن الوحي عند محمد عليه الصلاة والسلام هو مثل الوحي إلى النحل والأرض والجبال والحيوان.
وكان يوسف صديق هذا قد نشر مقالا له في المجلة الفرنسية الفصلية إيسبري esprit) ضمن ملف عن الإسلام الفرنسي والأوروبي عام 1998 بعوان إننا لم نقرا القرآن بعد زعم فيه أن جميع المفسرين السابقين لم يفهموا القرآن حق الفهم، وأنه هو سيفعل ذلك، وهذا نموذج إذن من قراءته الجديدة للقرآن الكريم. أكثر من هذا كتب يوسف هذا مقالا في الصحيفة الفرنسية لونوفيل أوبسيرفاتور في يناير 2004 أنكر فيه أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أميا، وذهب إلى أن القرآن معاني أوحيت إليه وتكفل هو بكتابتها بأسلوبه لأنه كان مثقفا.
تفسير مقفل
من الأقوال المسجلة ضمن كلام القراء الجدد، قول محمد أركون إن تفسير القرآن انتقل من المصحف إلى المتون الرسمية المقفلة، وقول المنصف بن عبد الجليل إن الإسلام لم يأت بجديد، وهي أقوال أثارت حفيظة الحاضرين، ولو انسحبوا لبقي هؤلاء المفكرين يتطارحون أفكارهم وآراءهم وحدهم. وقد أجمع كل المتدخلين من الجمهور المتابع على استنكار هذه الأقوال والرد عليها، ومنهم الأستاذان المهدي السيني عضو المجلس العلمي الأعلى بالرباط والأستاذ الحسن آيت بلعيد عضو المجلس العلمي الإقليمي لجهة الدار البيضاء ومعد ومنشط البرامج الدينية بالعربية والأمازيغية في إذاعة المعرض الدولي بالدار البيضاء وأستاذ التربية الإسلامية والدراسات الإسلامية. وقام الأستاذ المهدي السيني يرد على كل من المنصف بن عبد الجليل ومحمد أركون، وقال: فيكم من يقول إن المعارف الشرعية لم تعد مقبولة، ولم تعد مصدرا للحقيقة. هذه قناعة، وهذه مقولة قالها أبو لهب عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم ألهذا جمعتنا، تبا لك. وقالها غيره، كما نص القرآن الكريم (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(...) الأستاذ المحاضر قال إن القرآن منغلق، على العكس يا أستاذ القرآن
غير منغلق، القرآن منفتح، إذا كان القرآن الكريم قد جاء للحياة فكيف يكون منغلقا، ربما الذين لا يفهمون هم المنغلقون. وبطبيعة الحال هذا رد لم يعجب المنصف بن عبد الجليل الذي علق على ذلك في اليوم الموالي واصفا المتلقين بالجسد المريض، مما أثار من جديد أحد الحاضرين الذي رد عليه بأسلوب رفضه أصحاب الندوة واضطروا لإخراجه من القاعة وحرمانه من الحديث بالقوة.
إلقاء رائع ومعنى ضائع
من المداخلات المثيرة أيضا في هذه الندوة العرض الذي ألقته الباحثة التونسية ألفة يوسف بعنوان البحث عن المعنى الضائع للقرآن: بين أحكام المؤسسة وشوق الفرد. عرض تميز بالإلقاء الرائع والمعنى الضائع فعلا، ذلك أن الأستاذة المنتمية للمعهد العالي لأطر الطفولة بتونس أحسنت عرض مداخلتها، وذهبت تقدم بعض النماذج من حيرة المفسرين وتوقفهم أمام عدة آيات من الكتاب العزيز، معتمدة في العرض والتحليل على منهج التحليل النفسي، مستشهدة من أول كلامها إلى آخره بالأساتذة والمفكرين والفلاسفة الغربيين دون غيرهم، ولم تورد أي اسم من أسماء العرب والمسلمين في تعزيز استنتاجاتها، ولاحظ عليها الأب جاك لوفرا أحد الحاضرين ضمن الجمهور وصاحب كتاب قوة الحوار (مطبوع ومنشور بالمغرب) وعضو الحوار الإسلامي المسيحي ومدير سابق لمكتبة لاسورس بالرباط (يقيم حاليا بمدينة بني ملال)، لاحظ عليها أن كل الآيات التي استشهدت بها هي آيات تتضمن أحكاما خاصة بالنساء، وذلك ما أقرت به المتحدثة.
غير أن كل المتدخلين الذين عقبوا عليها أجمعوا على أن قولها بالمعنى الضائع غير صحيح، وأن الأولى أن تقول بالمعنى المستحيل كما اقترح أحد القراء الجدد، في حين قال صحافي التجديد معلقا على المتحدثة إذا كان لكل عصر قراءة وتفسير لا يتخلى عن أصول التفسير التي اجتهد في بنائها العلمي على مدى قرون علماء الإسلام، وإذا كان التفسير يتأثر لا محالة بالثقافة السائدة كما تقولين، وإذا كنت تقولين بأن المعنى يضيع بسبب حيرة المفسرين، فإن أول من ينطبق عليه المعنى الضائع هو رأيك هذا، فكيف تضمنين ألا يكون ضائعا، ولماذا توقفت عند حيرة المفسرين ولم تتجاوزي ذلك إلى إمكان تعدد المعنى ما دام المتلقي متعددا والعصور والحالات متعددة، وذلك من سعة معاني القرآن الكريم وتعاليه فوق الأزمان والأماكن، ولماذا لم تتطرقي في كلامك للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم وهو تفسير آخذ في الظهور والتصاعد؟..
خلاصة
كان الشيخ فيصل العوامي (المشرف العام على مجلة القرآن نور ومن شيعة السعودية) يتيما بين القوم، وقد سعى جاهدا ليقدم لهؤلاء القراء الجدد صورة العالم الهادئ المتزن المتمسك بالحوار وآدابه، كما سعى جاهدا إلى تبيان سبق الحوزة العلمية الإيرانية إلى التطرق إلى الأسئلة الجديدة حول مناهج التفسير ومراجعتها على ضوء المعارف المستحدثة والثقافات المعاصرة قبل أن يسمع بأصحاب القراءات الحديثة. لكن مسير الجلسة حاصر الشيخ بالوقت فلم يتمكن من قراءة ورقته، الشيء الذي لم يفعل مع حامد نصر أبو زيد ومحمد أركون مثلا، وبذلك يتأكد الإقصاء الذي وصف به أهل الندوة والقراء الجدد. ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل كان كثير من هؤلاء الباحثين يسخرون من الآخرين إذا كانوا على طرفي نقيض منهم، ويستفزونهم بعبارات لا تليق.
وعلى كل حال، فإن القرآن الكريم أعلى من كل القراء الذين توالوا على قراءته على مر العصور، بدأ هذا يوم نزوله الأول، واستمر في عصوره الزاهرة، وفي عصوره المنحدرة، وما يزال مستمرا وسيبقى . والمعارف الحديثة والنظريات المستحدثة لن تزيد القرآن إلا جلاء وذكرا، ولو أراد القراء بها أشياء أخرى. وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وسبحان الذي أنزله فقال عن الذين يتلقونه (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا).
حسن السرات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.