لم تكد تنتهي أشغال مؤتمر المؤسسة السعودية مؤسسة الفكر العربي المنظمة بمراكش أيام 1 إلى 4 دجنبر ,2004 تحت شعار ثقافة التغيير وتغيير الثقافة حتى بادرت مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية إلى تنظيم ندوة يومي 10 و11 دجنبر 2004 تحت عنوان من تفسير القرآن إلى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية بتعاون مع مؤسسة كونراد أدناور وسيشارك في هذه الندوة المنظمة بمقر المؤسسة في شارع الكورنيش بالدار الببضاء نخبة من أساتذة الفكر العلماني والحداثي التغريبي بدءا من محمد أركون (باحث بفرنسا) إلى نصر حامد أبو زيد (جامعة ليدن) مرورا بالمنصف بن عبد الجليل (معهد الدراسات حول حضارات المسلمين لندن) وعبده الفيلالي الأنصاري، (المعهد السابق) ويوسف صديق (باحث، باريس)، ومحمد الشريف فرجاني (مجموعة البحث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي جامعة ليون 2). المستشرقون: آباء وأبناء وسيلقى هؤلاء عروضا ومداخلات حول البناء الاجتماعي للحقيقة: من المصحف إلى المتون الرسمية المقفلة (أركون) والمقاربة التاريخية النقدية في فهم النص القرآني (ألفريد لويس دوبريمار) وما الحاجة إلى تفسير جديد للقرآن؟ (المنصف عبد الجليل) والاتجاهات الحديثة للتفسير على الصعيد الدولي (جان دامن ماكوليف جامعة جورج ثاون واشنطن) وأوامر إلهية أم أخلاقية قرآنية؟ (عبد الفيلالي الأنصاري)، والقرآن: من النص إلى الخطاب (نصر حامد أبو زيد) وفلنقرأ (يوسف صديق) والقراءة المعاصرة من التساؤل الحرج إلى البناء العلمي (فيصل العوامي المشرف العام على مجلة القرآن نور القطيف) والبحث عن المعنى الضائع للقرآن: بين أحكام المؤسسة وشؤون الفرد (ألفة يوسف المعهد العالي لأطر الطفولة، تونس) و في بنية ومستويات النص الديني في الإسلام (المختار بنعبلاوي جامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء) والاستخدام السياسي للنص القرآني في الفكر الإسلامي المعاصر (محمد الشريف فرجاني). وفي الكراسة التقديمية لهذه الندوة، تبين أي قراء جدد هؤلاء الذين تروج لهم هذه المؤسسة، وأي منهج يتعاملون به مع القرآن الكريم والنبأ العظيم والنبوة والمفسرين المتقدمين والمحدثين، ولا تتردد الكراسة في ربط القراء الجدد بأسلافهم المستشرقين فمع تزايد اطلاع المفكرين المسلمين المعاصرين على التطور الذي عرفته الدراسات الاستشراقية، تعاظم وعيهم بالتقادم الذي لحق التراث التفسيري التقليدي للقرآن، ذلك التراث الذي تحول مع مر العصور إلى معبر ضروري يسلكه المسلمون الراغبون في فهم مضامين النص القرآني، وقد حدث ذلك منذ أن اتسع مجال القراءات النقدية (التاريخية واللسانية أساسا) التي أنتجها المستشرقون لتشمل القرآن بعدما كانت محصورة في التوراة. تكسير الطابوهات وتصنف الكراسة أنواع التفاسير أو القراءات إلى ثلاثة أنواع: 1 القراءات التي تواصل العمل بالتقاليد الإسلامية للتفسير، وواضح هنا أن كل تراث المفسرين السابقين على غزارته وتنوعه واجتهاداته ليس سوى مجرد تقاليد معوقة. وتطلق الكراسة على هذه التفاسير التي تشمل التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والتفسير الصوفي وغيرها، وصفا آخر هو التفسير الأثوذوكسي. 2 القراءات التي تعد امتدادا للتقليد الاستشراقي3 القراءات التي أنتجها مسلمون مدركون لمأزق التفسير التقليدي والذين يحاولون إخضاع النص القرآني لأدوات ومناهج القراءة الحديثة، مع الاعتراف به كنص مؤسس لدين استطاع أن يتجاوز حدود الزمان والمكان والثقافات. ويرى أصحاب الندوة أن التفاسير التراثية دخلت في عدة مآزق ويحددون منها ثلاث مشكلات إبستيمولوجية كبرى، وهي أولا اتساع الحقل المرجعي الذي لا يكتفي بالقرآن بل يضيف إليه كل الإنتاجات الثقافية التي تلته، والقول للكراسة. ومن الواضح أن هؤلاء يريدون تفكيك مكونات الوحي والتراث وتحييد القرآن أولا، ثم نزع القداسة عنه، إذ ترى الكراسة أن الأحاديث النبوية وأخبار الصحابة والتابعين وأقوالهم مجرد إنتاجات ثقافية جاءت بعد القرآن. أما المشكلة الثانية فهي أن تلك القراءة تقعيدية معيارية تعبئ المصادر اللغوية والأدبية والتاريخية بهدف استنباط القواعد الفقهية والعقدية بالأساس. وتزعم الكراسة أن هذه المقاربة تفرض إجماعا مذهبيا مؤداه هو توظيف النص وإفقار التجرية الإيمانية التي هي محور علاقة المؤمن بالنص القرآني وإفراغها من التوتر الناجم عن مسعى المؤمن وتساؤلاته الملازمة لكل حالة إيمانية، ومعنى هذا أن كل تلك الاجتهادات الأصولية لضبط فهم نصوص الدين الإسلامي التي أبدعها العلماء المبدعون على مر العصور تجرد الإيمان من إيمانه وتفرض الإجماع في حين أن العكس هو الحاصل إذ تعزز الإيمان بالعلم ولم تفرض إجماعا مذهبيا على الإطلاق، وإنما إجماعا علميا في الفهم والتفسير. أما المشكلة الثالثة في نظر منظمي الندوة فترتبط بمفهوم المعنى لأن التفسير التراثي ينطلق من فكرة وجود معنى واحد وأصلي أودعه الله في النص وأوحى به إلى نبيه ومن الواضح أن القوم هنا ينزعون المعنى بعد أن نزعوا القداسة، ونزع المعنى يتيح في تصورهم تقديم معاني أخرى لا علاقة لها بمراد الوحي ومقصده، وذلك فتح لباب التحريف والتأويل بغير برهان، ولعل مداخلة التونسي ألفة يوسف نموذج واضح لهذا، إذ يبحث عن المعنى الضائع للقرآن، معنى أضاعه الأقدمون والمتمسكون بالتراث، وسيقوم هو بالبحث عنه لأن النص القرآني في نظره يقبل قراءات أخرى لا نهائية. نزع القداسة ونزع المعنى الذي تحوم حوله الندوة، عبرت عنه الكراسة بكل جلاء، ونوهت بالمستشرقين الأولين الذين تجرؤوا فكسروا الطابوهات والأفكار المسبقة التي أحاطت بقراءة النصوص المقدسة عموما والنص القرآني خصوصا، وتضيف الكراسة غير بعيد كاشفة عن المنهج والهدف فالمعنى وفق المنظور الحديث، هو ثمرة علاقة جدلية معقدة بين القارئ والنص ضمن محيط اجتماعي وثقافي وتاريخي ونفسي، فمعاني النص سواء أكان نصا مقدسا أو غير مقدس، لا توجد مودعة فيه بمقتضى مقاصد مؤلفه، بل تتولد باستمرار، من خلال العملية التأويلية التي تمثلها القراءة المحكومة بنسبية مداركنا وتنوع تجاربنا، فتكون المعاني بذلك متغيرة ونسبية باستمرار. إقصاء المخالف ستقوم المؤسسة السعودية التي تحمل اسم الملك عبد العزيز آل سعود بتقديم قراءة نقدية للنص القرآني على غرار ما حدث بالنسبة للتوراة وغيرها من النصوص المؤسسة لتقاليد دينية معينة، استجابة لحاجة ملحة لثورة نقدية على غرار تلك التي دشنتها أعمال سينوز في أوروبا، أي أن القوم ينظرون إلى القرآن، على أنه كتاب كالتوراة أو الإنجيل، وأنه حان الوقت لنزع القداسة عنه وكسر طابوهاته، ساء ما يزعمون. وعلى غرار ما حدث في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي بمراكش (أيام 1 4 دجنبر 2004) من إقصاء وتهميش للرأي الآخر، مثل ما وقع للدكتور طه عبد الرحمان في الجلسة الافتتاحية، إذ طالب بحق الرد على المدعو شاكر النابلسي أكثر من مرة، فلم يؤبه لطلبه وأعرض مسير الجلسة عنه بإيعاز من اللجنة التنظيمية وفق ما نقله مراسلنا بمراكش فكانت بذلك مؤامرة ضده لكتم صوته وممارسة الرقابة عليه، وهكذا يكون التغيير وإلا فلا. كما نقل مصدر مطلع لالتجديد أن بعض أعضاء اللجنة المنظمة اعترضت على افتتاح المؤتمر بآيات بينات من القرآن الكريم، وقدمت بدلا عنها مقاطع من الموسيقى، على غرار كل ذلك، يلاحظ أيضا أن الندوة لم تستدع أصحاب الرأي المناقض الذين يمثلون التفسير التراثي على حد وصف كراسة أهل الندوة. وبذلك تقدم نموذجا رائدا في الاستبداد الفكري والثقافي، وكيف لا تكون مستبدة وقد ولدت في بيئة غربية حملت إلينا الاستشراق والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة على متن الدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات والأسلحة المحرمة دوليا من أجل كتم كل أنفاس المقاومة الفكرية والثقافية والسياسية. ويلاحظ كذلك أن هذه الندوة جاءت بعد أكثر من شهر على محاضرة الدكتور طه عبد الرحمان في شهر رمضان المعظم حول القراءة الحداثية للآيات القرآنية بقاعة ابا حنيني بوزارة الثقافة، حيث قدم نقدا علميا منطقيا صارما لهذه القراءة النقدية شهد به الخصوم والأصدقاء، فهل تعتبر هذه الندوة التي حشر لها إحدى عشر مشاركا ردا على محاضرة قام بها مفكر واحد فقط؟ إن صح هذا فهل في ذلك اعتراف ضمني بالوزن الفكري والعلمي للدكتور طه عبد الرحمان؟ مال سعودي وفكر علماني غير أن أقوى الملاحظات هو ما أخذ يظهر هنا وهنا من تمويل سعودي لتفكير علماني، شوهد في مراكش من خلال مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، وشوهد منذ عدة سنوات في مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود التي دأبت على تقديم ندوات ومحاضرات ومؤلفات هيمنت عليها الصبغة العلمانية. يذكر أن مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية فتحت أبوابها سنة 1985 وهي حسب تعريفها لذاتها مؤسسة توثيقية علمية وثقافية أنشئت بمبادرة من طرف صاحب السمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وهي هيئة حرة أسست بموجب القانون المغربي على شكل جمعية تتوفر على الشخصية المعنوية، حاصلة على صفة المؤسسة ذات النفع العام، وتسعى إلى خدمة البحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية وتولي الأسبقية في هذا الباب للفضاء العربي والإسلامي، وبخاصة ما تعلق بالمجال المغاربي في أبعاده التاريخية والثقافية والجغرافية وفي واقعه الراهن. حسن السرات الدكتور أحمد الريسوني أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة محمد الخامس بالرباط:القراءات الحداثية تسعى لنزع القداسة والمعنى عن القرآن الكريم ما يسمى بالقراءات الحداثية أو الحديثة، للقرآن الكريم تحوم حول محاولة تحقيق هدفين رئيسيين: 1 نزع القداسة عن القرآن الكريم والتعامل معه على أساس أنه نص ديني تاريخي اجتماعي، وأنه يجب إخضاعه للنقد والنقض... 2 إفراغه من أ ي معنى محدد أو دلالة حتمية، وجعله قابلا لكل المعاني حسب رغبة كل قارئ له، فمعانيه لا متناهية، بمعنى أنه ليس هناك معنى. النتيجة هناك نظريتان يتم الترويج لهما باسم القراءات الحداثية: 1 نظرية لا قداسة" 2 نظرية لا معنى".