أجمع كل من الدكتور محمد ظريف والأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد والدكتور المختار بنعبدلاوي والدكتور أحمد الريسوني على أن حدث 16 ماي حدث فريد معزول لا يمثل ظاهرة اجتماعية ولا تيارا منظما، وأن الاستثناء المغربي تأكد في الحدث وفي التطورات والمواقف اللاحقة للحركات الإسلامية والسلطة المغربية. جاء هذا في الندوة العلمية التي نظمها المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح بالمركز الثقافي بأكدال الرباط يوم السبت 15 ماي 2004 الموافق 25 ربيع الأول ,1425 وابتدأت من الساعة الرابعة والنصف لتنتهي في حدود الساعة الثامنة ليلا، وقام بتسييرها وتنشيطها وطرح أسئلتها الأستاذ محمد يتيم نائب رئيس الحركة. ندوة هي الأولى من نوعها لم تتسع القاعة لاستيعاب الجمهور فيها حتى اضطر كثير منهم للعودة من حيث أتوا. كما شهدت حضور عدة شخصيات وجهت إليها الدعوة فلبت. ونعد قراءنا بنشر الوقائع الكاملة لهذه الندوة قريبا. انطلق الدكتور محمد ظريف (أستاذ العلوم السياسية بالدار البيضاء) في مداخلته نحو تعريف علمي لمصطلح الإرهاب وعلاقته بالاحتلال والعدوان والمقاومة، وميز بين العنف الذي يسمى إرهابا بين ما يجري داخل دولة واحدة فيكون ثورة مسلحة أو حربا أهلية أو تمردا أو شططا في استعمال السلطة، وبين ما يجري بين الدول فيسمى حربا أو عدوانا أو إرهابا. وأكد ظريف أن هناك إشكالا كبيرا في تعريف الإرهاب لأسباب سياسية تتحكم ظرفية التعاطي مع الظاهرة في توجيهه الوجهة المرجوة من هذه الجهة أو تلك، وضرب لذلك مثالين اثنين الأول من سنة 1934 حين اغتيل ملك صربيا ووزير خارجية فرنسا، والثاني في 11 شتنبر .2001 وفي كلتا الحالتين يقول محمد ظريف منعت الولاياتالمتحدة اللجنة الأممية المكلفة بدراسة الموضوع من الاتفاق على تعريف. وأضاف ظريف الأسباب القانونية إلى الأسباب السياسية فذكر أن المنظمات المختصة والفقهاء القانونيين ركزوا على الطابع الإجرامي واستبعدوا الأبعاد الأخرى في إطار القانون الجنائي الدولي. وميز ظريف بين الإرهاب القمعي والإرهاب الدفاعي والإرهاب الثوري وبين جرائم الحرب التي يندرج تحتها ما يقوم به الاحتلال الصهيوني في فسلطين وما يقوم به الاحتلال الأمريكي في العراق. وأشار ظريف إلى أن هناك محاولة لتعريف الإرهاب بأنه كل عملية تتوفر على عناصر التخويف والعمل الجماعي المنظم ويسعى إلى تحقيق هدف سياسي. ومع ذلك، يؤكد ظريف أن الإرهاب لا ماهية له، ففي المغرب مثلا يوجد كلام كثير عن الإرهاب وخلط واسع في النظر وتساءل عماذا نتحدث في المغرب حين يتعرض المتكلمون لحدث 16 ماي هل نتحدث عن التطرف أم عن التشدد في الدين أم عن الغلو في الدين أم عن الإرهاب. وبتطبيق معايير البحث العلمي أكد ظريف أن ماحدث يندرج تحت مسمى التطرف وليس الإرهاب، وذلك ما ركز عليه في ردوده على أسئلة القاعة الغاصة عندما قال إن 16 ماي حدث معزول يؤكد الاستثناء المغربي لأن جميع الحركات الإسلامية كانت أول من أدانه وأنها اعتصمت بموقف الوسطية والاعتدال رغم الإقصاء الذي تعرضت له، وأضاف ظريف أن الذين قاموا بتفجيرات 16 ماي استغلوا من لدن مخططين بعيدين عن المغرب. وقبل أن يسترسل الدكتور أحمد الريسوني في عرض وجهة نظره حول الغلو في الدين وأسبابه وسبل المواجهة، أكد هو الآخر أن 16 ماي حدث معزول وواقعة مغربية فريدة على خلاف الظاهرة التي تتكرر في الزمان والمكان. وعند استعراض الأسباب الواقفة وراء التطرف والعنف ركز الريسوني على الجانب الفكري الثقافي الاعتقادي لدى المتشدد خاصة في القضايا الدينية مؤكدا أنه لا يجب أن نغفل في الوقت نفسه الأسباب الأخرى وهي اجتماعية وسياسية ودولية ونفسية وتربوية وأفعال وردود أفعال. وتوقف الريسوني بعض الوقت في تحليل لغوي للغلو والغلاء مؤكدا أن التطرف والتشدد حقيقة موضوعية لا تحضر الذاتية فيها إلا عند الانتقال من النظري إلى التطبيق العملي. أما مصطلح الإرهاب فيستعمله الريسوني مع التحفظ. واسترسل الريسوني متابعا كلمة الغلو في القرآن الكريم والسنة الشريفة والكلمات المرادفة لها أوالمناقضة لها معتبرا أن تعدد الكلمات دليل على الأهمية والتركيز مثل كلمات الإفراط والتفريط. واستنتج فقيه المقاصد وأصول الفقه أن آفة الغلو التي نهى القرآن الكريم أهل الكتاب عنها أكثر من مرة دليل على أن التدين أينما كان معرض للإصابة بها. وضرب الريسوني مثلين للغلو والتشدد من تاريخ المسلمين، أما الأول فهو فكري انتهى بأصحابه إلى الاعتزال وهم المعتزلة، وأما الثاني فو للخوارج الذين عانوا من فقر علمي واستخدموا العنف ضد المسلمين. وذكر الريسوني أن أهم سبب في تطور آفة الغلو والعنف والتشدد هي الفهم الشاذ لمجموعة من أحكام الدين وخاصة مسألة الخروج على الحكام الظلمة. فقد أجمع أهل السنة، يقول الريسوني، على أن الحاكم ولو كان ظالما فاسقا لا يجوز الخروج عليه، واستعرض في هذا الصدد عددا من النصوص القرآنية والحديثية، منتهيا إلى الخلاصة التي أثبتها الإمام شرف الدين النووي في نهاية شرحه للأحادث المتصلة بالموضوع وهي قوله الخروج على الأئمة حرام بالإجماع. وذكر الريسوني في لحظة ردوده على أسئلة القاعة وتدخلاتها أن الأعمال الإرهابية التي تكررت أخيرا لم تعد موجهة للحكام بقدر ما أصبحت موجهة للمجتمع والحركات الإسلامية المعتدلة، مؤكدا أن لو أن العلماء الأسبقين الذين تحفظوا حول الخروج على الحكام شاهدوا ما يقع اليوم لكانوا من أشد المنددين والمنكرين لهذه الأعمال. وأضاف الريسوني سببا ثانيا إلى السبب الأول، وهو تكفير الحكام وقال إن ما يجري في السعودية اليوم واضح جدا إذ يقوم المجرمون بتكفير الحكام حتى يستباح الخروج والتمرد. وتوقف الريسوني عند نقطة هامة في هذه الحركات وهي خلوها من العلماء، فغالب رؤسائها ومؤطريها ومخططيها مهندسون أو خبراء في مجال من المجالات بمن فيهم الرؤوس التي يتردد اسمها في الإعلام مثل بن لادن والظواهري والزرقاوي، وأكد الريسوني أن العلم غير حاضر تماما عند هؤلاء، وإنما هي حالة نفسية وموقف سياسي لا أقل ولا أكثر، وان الرجوع إلى العلماء هو الدواء الشافي من هذه الآفة الخطيرة. وهذا ما عززه ظريف أيضا في ردوده. وتناول الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد في مداخلته تجربة التصحيح والعودة إلى الصواب والتبرؤ من العنف لدى الجماعة الإسلامية المصرية. وركز المقرئ، الذي لم يتمكن من الرد على التساؤلات بسبب مشاركته في ندوة علمية مشابهة نظمتها حركة التوحيد والإصلاح في مقاطعة سيدي مومن، على الأدبيات والتنظيرات التي أنتجتها الجماعة نفسها والمنظرون أنفسهم في الحالتين معا، أي في حالة التأسيس للخروج واستخدام العنف ضد الدولة والمجتمع، وفي حالة التوبة والعودة إلى الرشد. وذكر المقرئ الإدريسي هو الآخر أن المدخل العلمي الفكري الحواري من أهم المداخل التي تمكن من القضاء على هذا النوع من التفكير والموقف. وعبر الإدريسي عن دهشته العجيبة حين لاحظ أن الذين شرعوا العنف هم الذين اقتنعوا بعدم جدواه، وأن المرجعية التي رجعوا إليها في الحالتين هي الإمام ابن تيمية مما يعني أن الحالة النفسية اللاواعية هي التي تحكمت في الاختيار والترجيح السريع في أول الأمر، وقال أبو زيد إن النظرة كانت مأزومة تنظر لواقع مأزوم وإن النفسية كانت صعبة ومعقدة وإن المنهجية كانت اختزالية وتبسيطية وانتقائية فظيعة ألغت العوامل المصاحبة وأنتجت قراءة سطحية عاجزة عن النظر في الآليات وأنها ألغت العبر التاريخية الدامية، وأن الأمر تطلب سنوات من الدماء والعنف والعنف المضاد والسجن الطويل والنظر المتأمل الفاحص. ومضى الدكتور المختار بنعبدلاوي يفند في مداخلته الخلط المقصود بين الإرهاب والمقاومة، وضرب لذلك بعض الأمثلة من مواقف شهدها بنفسه مثل ندوة نظمت من لدن منتدى المواطنة بعد 16 ماي (ونشرت> التجديد< وقائعها) من العام الماضي حيث تعمد أحد المشاركين الخلط بين المقاومة والإرهاب، ومثل ما شهده في تظاهرة نظمتها جمعية شباب الألفية الثالثة في هذه الأيام حيث خلطت إحدى التلميذات المقاومة بالإرهاب أيضا، وقال الأستاذ الجامعي بالدارالبيضاء إن الخلط الأول لا خطورة فيه لأن أصحابه ذوو أغراض سياسية واضحة، غير أن الخلط الثاني خطير لأنه يصبح مفهوما يتجرع الناشئة في مقرراتهم التربوية والتعليمية ودعا بنعندلاوي إلى الانتباه إلى هذا الأمر والوقوف في وجهه. وميز الدكتور المختار بين ثلاثة أنواع من العنف أولها العنف لأهداف سياسية بطريقة لا شرعية، والثاني حق الشعوب في المقاومة والثالث إرهاب الدولة مثل ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وصربيا. وذكر أن هذا لنوع خطير جدا لأنه يستخدم أدوات الدولة ويسعى إلى التهجير والتطهير العرقي والعزل والعقاب الجماعي والإبادة الجماعية، وأن هذه الخصائص تنطبق انطباقا شديدا على دولة إسرائيل. وركز المختار على التوظيف الإعلامي في الولاياتالمتحدة حيث يكيف الأسطول الإعلامي عقول المواطنين ويهيئهم لتقبل ما تفعله واشنطن في شتى بقاع العالم باسم الحرية والديمقراطية والدفاع عن المصالح القومية والأمن القومي، معززا أقواله بنتائج الاستطلاعات الخاصة بهذا الأمر. حسن صابر و ندوة فكرية حول ظاهرة الإرهاب ودور المجتمع المدني بسيدي مومن بالدارالبيضاء... قال الأستاذ إدريس هلال، المسؤول الجهوي لحركة التوحيد و لإصلاح بالبيضاء: إن الإرهاب ظاهرة غريبة عن جسم الإسلام والثقافة الإسلامية وعن المجتمع الإسلامي، فهو يتنافى مع شريعتنا السمحة. وقال الأستاذ محمد الطلابي: إن الذي حدث في 16ماي من السنة الماضية لا علاقة له بالإسلام ولا بالجهاد إنما هي الحرابة التي تعني الإرهاب في المفهوم الغربي. وقال الأستاذ المقرئ الادريسي أبو زيد :ما عمم القرآن جريمة كما عمم جريمة الدم، ولهذا فقضية الدماء محسوم أمرها بالنص فهي لا تدخل لا في الاجتهاد ولا في ثنائية الخطأ و الصواب. جاء ذلك في الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية منتدى الشروق للتربية والتقافة أول أمس بقاعة الاجتماعات لمقاطعة سيدي مومن حول >ظاهرة الارهاب ودور المجتمع المدني< ضمن فعاليات الملتقى الربيعي الثالث لسيدي مومن الذي أقيم في الفترة الممتدة من 07 ماي 2004 إلى 16 ماي 2004 بمناسبة مرور عام على الحدث الإجرامي الذي استهدف بعض الأماكن بالدار البيضاء. وعرفت هذه الندوة التي دامت زهاء أربع ساعات حضورا جماهيريا مكثفا تجاوب مع المداخلات التي عرضت. وأكد الاستاذ إدريس هلال أن ما أصاب الشهداء في 16 ماي أصاب كل فرد مغربي، وأضاف أن هذا يتنافى مع شريعتنا السمحة. وأرجع المسؤول الجهوي لحركة التوحيد و الإصلاح بالبيضاء السبب الأساس لظهور الإرهاب في البلدان الإسلامية إلى ظهور الاستعمار الغربي قائلا إن قضية الإرهاب في التاريخ خصوصا عندما نرجع إلى سياسة الأرض المحروقة التي نهجها الجنرال ليوطي في الجزائر والمغرب مع ما حدث من إرهاب في وادي زم وتادلة وغيرهما هي دلالات قوية على تجذر هذه الآفة في العقل الغربي. وأوضح هلال أن الإرهاب غريب عن الحس الإسلامي حيث أن اليهود والنصارى عاشوا في كنف الدولة الإسلامية في أمن و كرم وفي مستويات اجتماعية و اقتصادية فاقت مستويات طبقات اجتماعية مسلمة. وقدم الأستاذ إدريس هلال بعض المقترحات لمحاربة هذه الظاهرة منها فتح حوار بناء وهادف بين القوى الاجتماعية يكون أساسه الإسلام و العمل على قطع جذور الارهاب بكل أشكاله وإعطاء الحركات الإسلامية وغيرها الامكانات لتأطير و توعية المواطنين. وذكر الأستاذ محمد طلابي أن الإسلام دين رحمة وسلام و قال: إن الذي حدث في 16ماي من السنة الماضية لا علاقة له بالإسلام ولا بالجهاد إنما هي الحرابة التي تعني الإرهاب في المفهوم الغربي. وأضاف أن الحرابة محرمة شرعا، وبين الطلابي أن مقاصد الشرعة الاسلامية قائمة على خمس أساسيات كبرى منها حفظ النفس وذلك بحمايتها من كل الآفات و الأضرار. ودعى طلابي إلى تجاوز الجوانب العاطفية والقيام بتحليل علمي رصين لهذه الظاهرة، وقال لابد من رفع شعار المصالحة الوطنية بين التيارات الاسلامية و التيارات اليسارية العلمانية و الدولة لمواجهة العولمة الزاحفة التي تفكك كل شيء و تهدد الجميع. ومن جهة أخرى أوضح الطلابي أن الارهاب مدرسة غربية بامتياز وبين كيف أن الحضارة الغربية قامت على إبادة شعوب بأكملها. وعبر الأستاذ المقرئ الادريسي أبو زيد عن اسفه الشديد لوقوع الأحداث الارهابية ل 16 ماي وقال إنها حادثة فريدة و متفلتة و أتمنى أن لايكون لها ثانيا أبدا أبدا، وأضاف أن النصوص القرآنية والنبوية شددت في قضية الدماء. ووقف أبو زيد عند تداعيات و مضاعفات هذه الأحداث على الحركة الإسلامية وحزب العدالة والتنمية، وفضح سلوكات الاستئصاليين الذين مافتئو يلصقون المسؤولية المعنوية بزعمهم بهذا الأخير، وفي هذا الصدد أشاد أبو زيد بالمقاربة الشمولية التي أتى بها خطاب صاحب الجلالة بعد أحداث 16 ماي. ودعا في ختام مداخلته إلى تفعيل توصيات هذا الخطاب الملكي وإلى المصالحة الوطنية التي لاتتم إلا بمصارحة وصفها بالمرة. عبد الغني المرحاني / إبراهيم حليم/ مصطفى برشيدا