كتاب «السياسة» أو «السياسات» كما يترجمه الأب أوغيسطنس بربارة البوليسي، والذي نقله من الأصل اليوناني إلى العربية، من بين أهم الكتب في علم السياسة، والتي تظل، اليوم، الحاجة ماسة إليها لتنير للطبقة السياسية وللحكام في مختلف أنحاء العالم طرق الحكم «الرشيد» كما يخط ذلك الفيلسوف اليوناني أرسطو، والذي كان كتابه، الجامع المانع، ثمرة لدراسة شملت أكثر من مائة وثمانية وخمسين دستورا مكنته من أن يعطي كتاب «السياسة» شمولية جعلته اليوم، واحدا من أهم المراجع التي يتم اعتمادها في مجالات تدبير أمور الدول وطرق بناء الأنظمة، أشملها وأعلاها شأنا النظم الديمقراطية بمختلف مراجعها. وإلى ذلك، فإن الطبقة السياسية العربية، والمغربية على وجه التخصيص، تحتاج إلى مثل هذه الكتب، عساها تفكر وتحلل وتتجاوز أعطابها وما يجرها إلى الخلف وتداوي نواقصها، إذا كان لها العقل والإرادة. من المفاصل المثيرة في الكتاب، ما يشير إليه أرسطو عند الحديث عن الإنسان والعبودية، وربما يمكن تفهم ما ورد في سياقه التاريخي، لكن تطور المناخ الحقوقي ونضال المجتمع الإنساني ضد كل أشكال الرق والعبودية يجعل من كلام أرسطو محل سجال، لأنه يحاول الدفاع عن طبقة غير موجودة إلا في بال الفيلسوف والمعلم، وهي تلك التي تتعلق بمن يتلقى الأوامر ومن يصدرها، وهل هؤلاء متساوون في الحقوق والواجبات أم أن كل واحد منهم من طينة معينة، خلق منها، وفيها يتأبد وضعه الوجودي . وما كان لأرسطو إلا أن ينطلق من الواقع الذي يعيش فيه، واقع اليونان، الذي يقسم المجتمع إلى نبلاء ورعاع، وإلى أسياد وعبيد، يقول أرسطو «نظرية الرق الطبيعي – آراء مختلفة للرق وعليه الرأي الشخصي- ضرورة الأدوات الاجتماعية. ضرورة الإمرة والطاعة وفائدتهما الاستعلاء والانحطاط الطبيعيان هما اللذان يجعلان السادة والعبيد. الرق الطبيعي ضروري عادل ونافع. حق الحرب لا يمكن أن يكون أساسيا للرق. علم السيد وعلم العبد» . ويضيف «الآن ونحن نعرف وضعا الأجزاء المختلفة التي تتكون منها الدولة ينبغي أن نشتغل بدئيا بالاقتصاد الذي يسير شؤون العائلات ما دام أن الدولة مؤلفة من العائلات. عناصر الاقتصاد المنزلي هي على الضبط عناصر العائلة نفسها التي لأجل أن تكون تامة يجب أن تشمل أرقاء وأفرادا أحرارا . لكن لأجل إدراك ذلك يلزم بدئيا أن نضع تحت البحث أبسط أجزائها. ونظرا إلى أن الأجزاء الأولية والبسيطة للعائلة هي السيد والعبد، والزوج والزوجة، والأب والأولاد لزمت دراسة هذه الصنوف الثلاثة من الأفراد والنظر فيما هو كل واحد منهم وما يجب أن يكون» . ويشير أرسطو إلى هناك سلطة للسيد على العبد وأن هناك علما وتربية للسيد ورب العائلة والحاكم والملك، بها يمتازون عن العبد، الذي ولد وكأن الرق قضاء وقدر عليه، إلى آخر الأبدية. ويفسر أرسطو ذلك على النحو التالي « فمن جهة سلطة السيد ثم السلطة الزوجية لأن اللغة الإغريقية ليس فيها كلمة خاصة للتعبير عن علاقة الرجل بالمرأة، وهو معنى لا يقابله كذلك لفظ خاص. إلى هذه العناصر الثلاثة التي عددناها آنفا يمكن أن يضاف رابع يدمجه بعض المؤلفين في الإدارة المنزلية وآخرون يجعلونه على الأقل فرعا منها مهما جدا . سندرسه أيضا. وهو ما يسمى كسب الأموال. ولننشغل أولا بالسيد وبالعبد لكي نعرف معرفة استيعاب الروابط الضرورية التي تربطهما، ولنرى في الوقت عينه ألا نستطيع أن نجد في هذا الموضوع أفكارا أولى بالرضا من الأفكار الجارية اليوم؟ فمن جهة يؤيد بعضهم أنه يوجد علم خاص للسيد وأن هذا العلم يختلط بعلم رب العائلة والحاكم والملك، كما ذكرنا بادئ الأمر، وآخرون على ضد ذلك يزعمون أن سلطة السيد ضد الطبع وأن القانون وحده هو الذي يجعل من الناس أحرارا وأرقاء وذلك الطبع لا يجعل فرقا بينهم، بل إن الرق هو على ذلك ظالم مادام العنف هو الذي أنتجه». وربما يمكن استيضاح ميل أرسطو إلى نسف نظرية السيد والعبد، وهو من هذه الناحية يعترف بأن الرق ممارسة ظالمة لأنها مبنية على الإخضاع بالقوة، وكل فعل عنيف يعتبر من هذه الناحية فعلا ظالما ومقيدا لحرية الإنسان.