يستخدم المستعمر البعض أدوات لمخططاته ثم حين تنتهي مهمتهم يبدأ بالتنكر لهم ترى في أي سياق يقرأ المحللون الاتهامات التي يسوقها مسؤولون أمريكيون، سياسيون وعسكريون، ضد المؤسسة العسكرية الباكستانية، ولاسيّما ضد جهاز استخباراتها، حول دعم حركة طالبان وتنظيم القاعدة والتنسيق معهما. هل يقرأون هذه الاتهامات في سياق محاولة الإدارة الأمريكية، بشقيها السياسي والعسكري، تبرير فشلها، مع حلفائها الأطلسيين في أفغانستان، تماماً كما كانت تحاول تبرير فشلها في العراق بإلقاء اللوم على دول الجوار لاسيّما سوريا وإيران؟ أم يقرأون هذه الاتهامات في سياق إيجاد المبررات من أجل التمهيد لعملية عسكرية كبرى ضد دولة إسلامية نووية تبقى في النهاية، وأياً يكن حكامها، خطراً على الكيان الصهيوني وكل أعداء هذه المنطقة. أم أن لهذه الاتهامات سياق آخر يتصل بيأس الإدارة الأمريكية من قدرة الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة، أو المؤهلة للحكم، لضبط الأوضاع تماماً في بلد متفجر لم ينجح «التناوب» المدروس بين حكم العسكر وحكم الأحزاب في السيطرة على غليان شعبي يتعاظم مع الأيام، بل تزيده الأحداث والتطورات اشتعالاً، ففي فترة قياسية خسرت واشنطن حليفها الأول مشرّف الذي كان أول المتجاوبين مع ندائها للحرب على أفغانستان، وفقدت بالاغتيال (ودون تحقيق محلي أو دولي) رئيسة الوزراء السابقة، زعيمة حزب الشعب، بنازير علي بوتو التي كانت مهيأة لقيادة سفينة الحكم في البلاد المضطربة والمليئة بالأعاصير، كما وجدت واشنطن نفسها أمام حرمان حليف ثالث من قادة باكستان هو، رئيس الرابطة الإسلامية، نواز شريف الذي حرمه قرار قضائي من المشاركة في الانتخابات النيابية. وقد يرى البعض أيضاً في هذه الاتهامات نوعاً من التبرم الأمريكي المتصاعد من علاقة متصاعدة بين باكستان والصين، التي تسعى إلى توسيع نفوذها بهدوء وتؤدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، منسجمة مع شعار شهير لماوتسي تونغ: «تكلم بصوت منخفض واضرب بعصا غليظة»، وهو تبرم رأيناه يتحول غضباً و»مطاردة قضائية» ضد رئيس السودان الذي تجرأ وأقام علاقة متينة مع الدولة المرشحة للعب دور كبير في العقود القادمة على المستوى العالمي، أي الصين، وهو تبرم يذكرنا بتبرم عربي مماثل، بريطاني وفرنسي ثم أمريكي، من جمال عبد الناصر، يوم كسر احتكار السلاح وأقام العلاقات مع المعسكر الاشتراكي فتعرض لكل ما تعرض له.. أيّاً تكن القراءة الصحيحة للأسباب «مضبطة الاتهام» الأمريكية ضد باكستان، والتي قد يكون لها أكثر من سبب من الأسباب الآنفة الذكر، فإنها تذكر بتصريحات أمريكية سابقة، منها ما ذكره تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية عام 2005 أن الباكستان (وهي واحدة من عشر دول فاشلة حسب التقارير الأمريكية) ستفكك إلى عدة دويلات عرقية من البشتون والبلوش والبنجاب، بعد أن تم تقسيمها في السبعينيات إلى باكستان غربية وأخرى شرقية اسمها بنغلادش، وبعد أن كانت دولة باكستان نفسها ثمرة تقسيم تعرضت له القارة الهندية بعد الاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية العجوز. ثم هل من درس يمكن للمعنيين أن يستخرجوه من هذه الاتهامات، وهذا هو الأهم. إنه الدرس الذي يتكرر في كل مكان وزمان، يستخدم المستعمر البعض أدوات لمخططاته، ثم حين تنتهي مهمتهم يبدأ بالتنكر لهم، بل واتهامهم بأقسى الاتهامات. أليس هذا الدرس الذي نلحظه اليوم في العراق مع هجوم قوات الاحتلال الأمريكي وأدواتها على جماعة «الصحوة» واعتقال قادتهم أو اغتيالهم بتهمة مساندة «الإرهاب»، وقد كان بوش نفسه يفاخر بأنهم ساعدوا قواته على التخلّص مما كان يسمى إرهاباً. أليس أيضاً هو درس مرشح لأن يتكرر أيضاً مع أنظمة وحكومات وزعامات تعتقد أن بقاءها أبدي ما دامت تحظى ب»رضى» واشنطن، وهو «رضى» غير أبدي بالتأكيد.