خرجت الدارجة من تصنيفها كتطويع يومي للعربية المدرسية (حتى لا أقول الفصحى) ودخلت أخيرا مجالا تأمليا شغل البلاد والعباد. هذا الركن اليومي طيلة رمضان يتناول الدارجة كألفاظ في محاولة لرد بعضها إلى أصولها سواء كانت عربية أو غيرها. سلسلة لعبد المجيد فنيش، المسرحي الباحث في الفنون التراثية يتذكر في هذه السلسلة بعض ما تناوله في عدد من البرامج الإذاعية و في عروضه النظرية، خاصة حول فن الملحون وهي مقاربات لا يحتفظ بتسجيلاتها ولا بمسوداتها. اداها ما خلاّها
في الدارجة المغربية نقول «فلان ادّى شي حاجة» ونقول «اداها وما خلاّها»، ومعنى «ادى» هنا هو أخذ وتملّك وكسب، ولها معنى آخر هو «نقل شيئا» كقولنا «فلان ادى صاحبو للطبيب»، ولها معنى ثالث وهو «سرق وسلب» كقولنا «فلان ادى فلوس فلان». وأصل هذه الكلمة هو فعل «أدّى» في الفصيح وهو يعني»قام بمهمة ما وأكملها» كقولنا «أدّى الأمانة» و»أدّى الصلاة»، ومن معانيها كذلك «العطاء» كقولنا «فلان أدّى أجور العمال» و»أدّى الصدقات»... أما كلمة «ما خلاّها» فتعني أن فلان أخذ شيئا بشكل قاطع ولم يتركه لغيره. و»خلاّ» هنا هي تحريف للأصل الذي هو «أخلى» أي حرر وترك، و سرّح»، فنقول «الشرطي أخلى سبيل المشبوه». كما أن «خلّى» في دارجتنا لها علاقة ضمنية ب»خلا» في الفصيح ومعناها «فرغ» كقولنا «خلا لك الجو»... الخواض: كلمة تفيد في الدارجة عدم الوضوح وعدم الشفافية والفساد ومخالفة القانون، فنقول «القضية فيها الخواض» و»فلان مخلوض وخلاوضي وخوايضي»، كما نقول «الماء مخلوض أو مخوض»، ونقول كذلك «أنا تخلوض لي دماغي»». وأصل الكلمة هو «الخوض»، أي التناول والتعاطي والفعل. نقول «خاض فلان غمار مناقشة حامية»، و جاء في القرآن الكريم «وحتى يخوضوا في غيره» أي يتحدثوا في غيره. خطّايفة: اسم طائر معروف، وأصل الكلمة «الخطّاف». أحشم: نستعمل هذه الكلمة كفعل أمر بضرورة التزام «الحشمة»، وأصلها في الفصيح «احتشم» من الاحتشام والحشمة، والمعنى في الدارجة هو نفسه في الفصيح. وقيلَ: هذا التعبير يقوله المغاربة في مواقع متعددة منها «التذكر» كقولنا «واقيل خليت اوراقي فالدار»، وقولنا «واقيل ما بقى والو لأذان المغرب». المهم هو أن هذا التعبير يفيد في دارجتنا «الاستحضار والتشكيك. وبهذا الاستعمال يكون هذا التعبير قد خالف الأصل، إذ أن «واقيلَ» هو تركيب يجمع واو العطف مع فعل ماض مبني للمجهول معناه الحقيقي أولا و أخيرا هو اليقين في شيء قيل. وهكذا أصبح اليقين في الأصل مجرد تشكيك في الدارجة، وقد ورد هذا التعبير أكثر من مرة في القرآن الكريم ومنها «وقيل الحمد لله رب العالمين». وجاءت «قيل» في القرآن الكريم كذلك بدون واو يسبقها، وذلك في سورة «ياسين»، الآية «قيل ادخل الجنة». عبد المجيد فنيش