خرجت الدارجة من تصنيفها كتطويع يومي للعربية المدرسية (حتى لا أقول الفصحى) ودخلت أخيرا مجالا تأمليا شغل البلاد والعباد. هذا الركن اليومي طيلة رمضان يتناول الدارجة كألفاظ في محاولة لرد بعضها إلى أصولها سواء كانت عربية أو غيرها. سلسلة لعبد المجيد فنيش، المسرحي الباحث في الفنون التراثية يتذكر في هذه السلسلة بعض ما تناوله في عدد من البرامج الإذاعية و في عروضه النظرية، خاصة حول فن الملحون وهي مقاربات لا يحتفظ بتسجيلاتها ولا بمسوداتها. الضسارة: هذه الكلمة أصلها هو «الجسارة» ومنها «الجسور»، ومعناها؛ الجرأة الكبيرة التي قد تبلغ حد الوقاحة. وفي دارجتنا أصبح حرف «الجيم»، حرف «ضاد» لكن المعنى الأصل ظل هو نفسه. لكن في دارجتنا لا تقول فلانا ضسورا، وإنما نقول «ضاسر» باسم فاعل، في حين أن الأصل هو اسم مفعول. لاباس - والوباس : الكلمة الأولى «لاباس» في دارجتنا هي نفسها في الأصل الفصيح، لكن في الدارجة لا تنطق «الهمزة»، إذ أن الأصل هو «لا بأس»، ومعناها الدارج هو نفس معناها في الفصيح، وهي كلمة تستعمل سؤالاً، وفي نفس الوقت جواباً. أما الكلمة الثانية «والوباس» فهي في دارجتنا تعني «لا بأس» و «والو» تعني لا شيء. وهي لا تضيف شيئا إلى العبارة الأصل التي هي «لا بأس» وحقيقة التعبير قبل الخلل الذي لحقه هو «ولولا البأس فإن كذا وكذا...» قداش : هذه الكلمة في دارجتنا تستعمل في معنيين اثنين، الأول هو للتساؤل عن كمية ما (مبلغ، حجم...) ، والثاني هو للتعبير عن التضخيم والاعتزاز كقولنا مثلا «ما تتصورش قداش كنبغيك» . وأصل الكلمة هو التعبير التالي «قد أي شيء» والقد هو القوام وهو كذلك «القياس». وقد يكون لهذه الكلمة أصل آخر في تقديري، وهو «قدر أي شيء؟» ومعناه المقارنة للوصول إلى النتيجة. قاد ندير كدا: نقول «أنا قاد ندير العجب»، ومعناها أنني أستطيع فعل العجب ، و»ندير» تفيد «فعل» و «نعمل» وهي -أي «ندير» مأخوذة من الأصل الذي هو من أدار، يدير إدارة، أب تدبيرا وتسيرا. وبالعودة إلى «قاد» فأصلها هو «قادر» وقد حذفت «الراء» في إطار مبدأ التلخيص الذي تقوم عليه بعض تعابير الدارجة. وتأخذ كلمة «قاد» معنى آخر وهو ترتيب الشيء كقولنا مثلا «قاد حوايجك»، ومن معانيها كذلك تحقيق الكفاية كقولنا « هاد الماكلة قادة عشرة ديال الناس ». صافي: هذه الكلمة تستعمل في صيغة السؤال وفي غيرها، وهي تفيد في الإجمال معنيين، الأول هو إشعار بالانتهاء كقولنا «صافي سليت»، والثاني هو الأمر بالتوقف عن فعل أو قول شيء، كقولنا «صافي «خرجو من هنا «. ولهذه الكلمة معنى آخر وهو المرتبط بوصف حالة أو شيء، كقولنا «الماء الصافي «. وهذا المعنى الثالث هو نفس المعنى في الأصل الذي هو «صافٍ من الصفاء والصفو «، لاح : نقول في دارجتنا « فلان لاح حجرة»، أي ألقى بها في اتجاه ما، ونقول كذلك « فلان لاح كلمة قاسحة لفلان». وفعل» لاح» هذا أصله في الفصيح هو «لاح» وبذلك يكون الفعلان بنفس الحروف وبنفس ترتيبها. لكن الاختلاف حاصل في معانيها، ففعل» لاح» في الأصل معناه « ظهر وبدا وتجلى وأعطى الإشارة الأولى»، ومن ذلك نقول « لاح قدوم رمضان» مثلا. ومن « لاح» كذلك « لوح» بمعنى أشار ضمنيا إلى شئ ما، كقولنا « رئيس الحكومة لوح بتأجيل الانتخابات». وفي الدارجة يتم استعمال «لوح» لكن بنفس معنى «لاح» فنقول «لحت الحجرة» و «لاوحت الحجر» حسب لهجة كل منطقة. عبد المجيد فنيش