ما الذي جناه بومدين وعسكره من صراع الصحراء ؟ ما ينطبق على الحالة المغربية ينطبق على أي حالة عربية سواها في أن جزءا من أرض عرفت تاريخيا بالانتساب إلى كيان جامع واحد ثم احتل من مستعمر، يجد من ينفخ في بنيه نزعة الاستقلال عن المستعمر لا ليعود إلى الكيان بل ليستقل عنه في دويلة لا هم لهذا الثالث إلا بأن تكون مطيّته في صراعه على صدارة المغرب الكبير. هل لو أتيح لإقليم سكندرون أن يستقل عن تركيا لقبلنا أن يحرّض العراق سكانه على رفض العودة إلى الرحاب السوري؟ هل إذا جاء وقت على عربستان / خوزستان لتستقل عن إيران تحضّ سوريا مواطنيها على رفض الانطواء تحت الأصل العراقي؟ إذن، كرر هواري بومدين عام 75 ما فعله المغرب في 1963 فيما دعي بحرب الرمال محاولا اقتطاع إقليم تندوف الغني بالمعادن من الجزائر وضمه للمغرب. لم يرسل بومدين جيشه ليقاتل المغرب في الصحراء بل ابتدع جبهة البوليساريو المنبثقة من 200 ألف مواطن فقط لا غير ليصنع منها دولة تربطه بالأطلسي. هل نتذكر ما جرى عام 1960؟ حينها صممت فرنسا على منح موريتانيا – بلاد الشنقيط – استقلالها رافضة عودتها إلى كيانها الأم المغرب. وقف عبد الناصر والشارع العربي وثوار الجزائر وكل التيار القومي الغلاب ضد هذا الاستقلال وفي صف الانضواء تحت لواء المغرب. لم يتم تقبل الأمر الموريتاني إلا بعد سنوات سبع عندما أتى مختار ولد دادة للقاهرة ليعلن أمام عبد الناصر براءته من تهمة التبعية لفرنسا والتزامه الخط العربي دون تردد. رغم ذلك لم يتم قبول موريتانيا في الجامعة العربية إلا بعد موافقة المغرب على ذلك. هذا مع بلاد الشنقيط والتي فيها من النفوس ما يزيد عن الصحراء بعشرين ضعفا والتي كان لها من خصائص محلية قد تفسّر – ولا تبرر – موضوعة الاستقلال. ثم ها هي موريتانيا أمامنا .. هل نعمت بمنافع هذا الاستقلال، أم تردّى حالها من سيء إلى ما هو أسوأ من الأسوأ؟ عام 75 كان بومدين في عز تألقه الإقليمي والعربي والدولي، في عمر الثانية والأربعين، حينها، كان قد استطاع أن يملأ بعضا – ولو محدودا– من فراغ عبد الناصر وأن يكون مرجعية عربية وأفريقية وعالمثالثية. وكأني بالرجل كان يريد صرف جيشه عن التطلع إلى الداخل وإلهائه بقضية خارجية تستنفد اهتمامه ومشاغله، خصوصا أن مؤامرات عدة تتالت ضد حكمه بدءا من محاولة طاهر الزبيري الانقلابية في ديسمبر 67 ووصولا إلى خروج قائد أحمد وأحمد المدغري وعبد القادر شابو من الحكم، وربما عليه. كان أجدر ببومدين ألف مرة أن يتأكد ممن هم حوله في النظام، وهو المحاط بزمر فرانكوفونية مثل مصطفى لاشرف، وبجنرالات مفرنسين مثل خالد نزار ومحمد العماري والعربي بلخير وقاصدي مرباح، ويوطد دعائم نظام أنهكته وحدانية الحزب وتسلط الأمن والعسكر ومفاسد كثير من الحاكمين. كان عليه أن يوطد علائقه مع الشمال العربي من بغداد إلى بيروت عبورا بدمشق ليكون اللاحم للشقاق السوري – العراقي (كما فعل في وساطته بين إيران والعراق.. مع فارق التشبيه)، والحاضن للمقاومة الفلسطينية، والحكم بين كل أطراف الإقليم. ما الذي جناه بومدين وعسكره من هذا الصراع : لا شيء كبيرا يجعل عقلانية المؤسسة الحاكمة في الجزائر موضع شك مبرر، فالعناد يورث الكفر، والمستفيد هو واشنطن وباريس، والخاسرون هم اللاعبون غير المغفور لهم لسوء صنيعهم.