النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    بين الأخلاق والمهنة: الجدل حول رفض الدفاع عن "ولد الشينوية" ومحامي يدخل على الخط    ارتفاع إنتاج الطاقة الكهربائية الوطني بنسبة 2,4 في المائة عند متم شتنبر الماضي    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    إنجلترا: وفاة أكبر معمر في العالم عن 112 سنة    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    بينهم آيت منا وأحمد أحمد.. المحكمة تؤجل البت في طلبات استدعاء شخصيات بارزة في قضية "إسكوبار الصحراء"    الاعتداء على مدير مستشفى سانية الرمل بالسلاح الأبيض        دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    الجواهري: مخاطر تهدد الاستقرار المالي لإفريقيا.. وكبح التضخم إنجاز تاريخي    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    ما هي أبرز مضامين اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل بين لبنان وإسرائيل؟    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    المغرب التطواني يندد ب"الإساءة" إلى اتحاد طنجة بعد مباراة الديربي    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    "بين الحكمة" تضع الضوء على ظاهرة العنف الرقمي ضد النساء    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    العائلة الملكية المغربية في إطلالة جديدة من باريس: لحظات تجمع بين الأناقة والدفء العائلي    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    أساتذة اللغة الأمازيغية يضربون    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    توقيف ستة أشخاص في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض ببن جرير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"            برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    حوار مع جني : لقاء !    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    مرشد إيران يطالب ب"إعدام" نتنياهو    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب في قلب فتنة المشرق!
نشر في المساء يوم 06 - 04 - 2009

ليس هناك من فرق بين الأفكار الخمينية والأفكار الوهابية، فكما ذقنا مرارة الثانية في 16 ماي، فإن المنطق يقتضي التوجس من ما عداها
يوثر الأستاذ محمد عابد الجابري – حفظه الله – التأكيد على ضرورة الانتباه لخصوصية الفكر المغربي ونحن نقارب إشكالات النهضة والتحديث والتراث وخلافه، وهو بهذا يستعيد مجد رشدية كانت علامة على مغرب برهاني متفتح، تتصل فيه العقائد الإيمانية للهوية بالمقولات العقلانية للمغايرة، وتتواصل فيه عقائد الكثرة مع عقائد القلة، في توافق وتبادل كان لأرض المغرب شرف احتضان أواصره، البارحة المغايرة اليونانية، واليوم المغايرة الغربية، وهو بهذا استطاع أن يبدع نسخة مغربية خالصة للقضايا الخلافية في فتن الشرق، ونقصد قضيتي الأصول والإمامة، ولم يكن الأستاذ الجابري بهذا انقساميا كما آثر ذلك خصومه العرفانيون في المشرق، وإنما تنبيه أولي العزم والراسخين في العلم من المغرب الأقصى إلى المسافة التي لطالما حرص عليها أسلافهم مع كل فتن المشرق، مشرق مستلب حد الهوس بماض لم يكن قط مشرفا، بموجب النقل والعقل معا، فأجادوا وأفادوا، إلا سياسيي هذا البلد فإنهم في حِل من هذا الدرس، فنراهم يعاكسون التاريخ والجغرافيا وحقائق الخصوصية المغربية بسياسات تضعنا طرفا في فتن الشرق، بل ومشرقيين أكثر من أهل المشرق،وهذا تماما هو وجه الاستغراب في تداعيات الخلاف المغربي الإيراني، تداعيات كانت علتها الأولى إضفاء لبوس مذهبي على خلاف دبلوماسي، أو لنقل خلاف علاقات عامة مع نظام سياسي بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
و هذه المصادرة على بداهتها نروم من خلالها الفصل بين فُرس الحضارة والثقافة والامتداد التاريخي والمثاقفة المستمرة مع الثقافة العربية الإسلامية، مشرقها ومغربها، وهذا مما لا يمكن لوزيرنا في الشؤون الدينية وهو المؤرخ، أن ينفيه في خضم معاركه الحالية، وبلاد فارس ما بعد الثورة الخمينية، المستوى الأول لطالما تعامل معه المغاربة تاريخيا بتحضر ورقي، قل نظيره في مشرق الفتن، والثاني يمتح مقولاته من الدبلوماسية كفرع من فروع العلوم السياسية، الأول نخضعه لقيم التسامح والتعايش كغيره من الملل والنحل والأديان والتي لطالما كان المغرب أرضا لتلاقيها وتلاقحها، والثاني نخضعه لمفاهيم السيادة والمصالح العليا، وهذا الفصل هو ما سننشد مقاربته وفقا للتساؤلات التالية: لماذا على مغرب وضعته الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا في أقاصي بلاد الفتن المتناسلة أن يأتيه حين من الدهر يصبح طرفا في هذه الفتن؟ لماذا على مغرب اعتبر الحداثة نهجا استراتيجيا، في مسائل السلطة والثقافة والمجتمع أن يكون طرفا في فتنة عائدة من العصور الغابرة؟ وبصيغة أخرى لماذا علينا أن نشهر سلاح الحقد المذهبي في خلاف سياسي بالدرجة الأولى؟ لماذا على المغرب الحديث أن يكون أكثر مالكية من مالكية أسلافه؟ ماذا عن مغرب التسامح والتعايش الذي راهن عليه البناة الأوائل لهذا الوطن؟ وأخيرا ما هي علة العطب في التوقيت الذي تشتكي منه الدبلوماسية المغربية؟
هكذا يطرح الخلاف المغربي الإيراني في تقديرنا مستويين من النقاش كما يستشف من هذه الأسئلة، الأول ينتمي إلى مجال الدبلوماسية كفرع من فروع العلوم السياسية، وهو مجال يمتح مقولاته واستراتيجياته من البراغماتية ولا شيء غير البراغماتية، والثاني تاريخي مذهبي متعلق بطبيعة الخلاف التاريخي السني الشيعي حول مسألة الإمامة، وهو خلاف حسم فيه مؤسسو الدولة المغربية منذ القدم، ولم يكن ليطرح عندهم هذه التداعيات.
-1 مستوى الخلاف الدبلوماسي:
تعرف الدبلوماسية على أنها علم إدارة التواصل بين الدول، بناء على مجموعة من المفاهيم والقواعد والإجراءات والأعراف التي تنظم العلاقات الدولية، وليس من هدف لها غير خدمة المصالح العليا والسياسات العامة للدول، وفي الثقافة السياسية الحديثة، أصبحت الاعتبارات الإنسانية كالدين والمذهب والعرق غير ذات أهمية بالقياس إلى الاعتبارات المصلحية، ولنا في العلاقات الدولية اليوم الدليل الأوضح على هذا الأمر، غير أننا سنكتفي بطرفي المشكلة،ونقصد المغرب الحديث والدولة الخمينية، نتساءل هل العلاقة الوطيدة للنظام الخميني مع روسيا القيصرية وسوريا البعثية مؤسسة على التطابق المذهبي؟ وهل خلافات هذا النظام مع عراق صدام كان خلافا مذهبيا؟ وهل تحالف هذا النظام مع أمريكا ضد طالبان مسألة مذهبية؟ ومن جهتنا، هل عداوة الجزائر الشقيقة جدا، والسنية جدا،.. كل ما هو مغربي، له علاقة بالمذهب السني أم هي السياسة والهرولة وراء المصالح؟ لماذا لا تشفع سنيتنا عند الأشقاء السنة لإعلان مساندتهم لقضية وحدتنا الترابية بدل الحياد المعيب؟ وعلى نفس المنوال الاستنكاري لهذه الأسئلة المحدودة يمكن أن نصيغ عددا لا متناه من الأسئلة بعدد القضايا والعلاقات السياسية بين الأمم والدول.
إذن وبعيدا عن زوبعة العلاقات العامة التي أثارها الخلاف المغربي الإيراني، ( تخصيص المغرب بالهجوم دون سواه)، وبعيدا عن الحرب بالوكالة التي تخوضها بعض الأطراف في المغرب نيابة عن جمهورية الملالي أو العكس، وبعيدا عن العُطْل الذي تعاني منه الدبلوماسية المغربية على مستوى التوقيت، ( لننتبه مثلا لماذا توقيت إغلاق المغرب لسفارته في فنزويلا مع أنها دولة لم تكن يوما مع موقفنا من الصحراء، ولم يغلق سفارته في الجزائر، ولم يطرد السفير أو يستدعيه على الأقل لاستفساره عن التحرشات الجزائرية على حدودنا الشرقية، ناهيك عن احتضان مرتزقة البوليساريو على ترابها منذ عقود)، إذن بعيدا عن كل هذا، لا يمكن للمرء إلا أن يتفهم قرار الدولة المغربية بقطع علاقتها مع إيران/ النظام السياسي، انطلاقا من مدخلين، الأول متعلق بالسيادة، وليس هناك من مرجع للسيادة إلا المصالح العليا للوطن، هذا بموجب القانون الدولي والذي يعتبر السيادة الخارجية للدولة غير مجزأة وغير مقيدة، وهذا ما لا يمكن لطويلي اللسان في «المنار» وأسيادهم في «العالم» أن يشككوا فيه.
الثاني ذو ارتباط سببي بالأول هو واقع المتشرد الطائفي الذي تعيشه بلدان عربية فرطت في سيادتها الداخلية وسمحت لأطراف سياسية ذات أجندات سياسية محضة بركوب موجة تصدير الثورة الخمينية كثورة سياسية اتخذت لبوسا دينيا مشكوكا فيه، فكان أن أصبحت هذه الأطراف أكبر تهديد للسيادة الداخلية لهذه البلدان.
ووفق هذا التصور ليس هناك من فرق بين الأفكار الخمينية والأفكار الوهابية، فكما ذقنا مرارة الثانية في 16 ماي، فإن المنطق يقتضي التوجس من ما عداها من الأفكار السياسية الخمينية المسربلة بلبوس ديني، ولنا في التجربة اللبنانية العبرة الكبرى، عندما تحول هذا البلد الجميل إلى بركان طائفي فاقد السيادة، فأي سيادة داخلية يمكن أن تكون لدولة غير قادرة على تنظيم حمل وتوحيده السلاح ونزع سلاح المليشيات؟ أي دولة هذه التي يدفع كل شعبها ثمن قناعات أقلية أو طائفة من شعبها؟
-2 أين مغرب اليوم من قيم التعايش والاختلاف؟
في السنة الماضية احتفل المغرب بمرور اثني عشر قرنا من تاريخه كدولة، وبغض النظر حول ما إذا كانت اثنتا عشر قرنا هي كل تاريخه أو بعض من تاريخه، فإن نشوى الاحتفال، على رمزيتها لا ينبغي أن تنسينا حقيقة أن التشيع كفكر ومذهب كان مكونا أساسيا من مكونات هويتنا، ألم يكن المؤسسون الأوائل للدولة المغربية شيعة؟ ( أنظر العقد الفريد في تاريخ الشرفاء التليد - تأليف الدكتور أمل بن إدريس بن الحسن العلمي) ألم يكن الموحدون أيضا متأثرين بالفكر الشيعي، فكان أن عرفت الدولة المغربية عظمة غير مسبوقة وغير ملحوقة؟ ( أنظر المعجب في تاريخ أهل المغرب- تأليف عبد الواحد بن علي المراكشي)، عندما استطاعت هذه الدولة أن تكون منارة هادية في ليل الفتن المشرقية، وتعرف أزهى أزمنة الفكر الفلسفي والفقه المالكي وباقي العلوم، وهذا ما نجده على نحو واضح في «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» للناصري، حيث كان ابن رشد صاحب كتاب «الكشف عن مناهج الأدلة..»و القاضي عياض الفقيه المحدث والعالم المالكي صاحب كتاب «الشفاء»، وكتاب المدارك في أربعة أجزاء، وغيرهما من الأطباء والعلماء والمناطقة..
إن هاته الأسئلة وهذه الإحالات على اقتضابها، تجعلنا نحرص على أن تكون المسافة التاريخية التي تفصلنا عن مؤرخي الملل والنحل في القرون الأولى للإسلام هي نفسها المسافة التي ينبغي أن تنعكس في نظرتنا إلى الخلاف الإيراني المغربي اليوم، منطلق أن الخلاف المغربي الإيراني اليوم، له حيثيات ليست بالبت والمطلق، حيثيات الخلاف السني الشيعي، فإذا كانت الجغرافيا والديموغرافيا هي ما فرضت على البحرين والسعودية والعراق والكويت أن تكون طرفا في فتنة مذهبية، تتخذ حتى الساعة أشكالا سياسية وإعلامية وديموغرافية متناسلة منذ قرون، فإنه لا ينبغي لنا أن ننسى أن عظمة المغرب، كانت في ترجيحه قيم التعايش والتسامح تجاه من خالفوه الملة والمذهب، ومن موقع الانتماء إلى منطق العصر ورهاناته المستجدة، فليس شأننا أن نستعيد حادثة الاحتكام وننحاز لهذا الطرف أو ذاك، من منطلق أنها حادثة لها حيثياتها التاريخية التي لم يصلنا عنها إلا النزر القليل، ففي مغرب اليوم العازم عن سبق إصرار، على السير حثيثا على منهاج أجداده، الذين خطوا بتسامحهم أروع القيم وأكثرها انفتاحا، سيتوجب علينا طرح موقع الفكر الشيعي في الخريطة الدينية بالمغرب فرصة لنجدد الوصل واللقاء مع هذه القيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.