ولد جورج طرابيشي في حلب عام 1939، وتخرّج في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق. عاش في بيروت، ويقيم في باريس منذ أكثر من عقدين. "" بدأ الرجل ناقداً مميزاً في حقل الرواية العربية، وكانت له أطروحات وتحليلات شديدة الخصوبة والخصوصية. نشر "الرجولة وأيديولوجيا الرجولة في الرواية العربية" و"شرق وغرب / رجولة وأنوثة" و"الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية".. وغيرها من الكتب والدراسات التي وضعته فوراً في الصف الأول بين النقاد العرب. وإلى جانب ممارسته النقدية، اشتُهر طرابيشي بترجماته الكثيرة والمتميزة، فهو من ترجم فرويد وهيغل وسارتر وماركس وسيمون دي بوفوار. إضافة إلى ذلك، عرف طرابيشي بانتقالاته الفكرية من القومية إلى الوجودية ومنها إلى الماركسية ثم إلى التحليل النفسي ثم إلى التراث العربي. قراءته للجزء الأول من مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري في "نقد العقل العربي" كان السبب في هجره للنقد والرواية، وغرقه بشكل نهائي في عالم التراث العربي والإسلامي. من البعث إلى الماركسية ومنها إلى الوجودية وفرويد. تبدو مثقفاُ بدَّل آباءه باستمرار. هل تعتبر ذلك حيوية ثقافية وفكرية أم مجموعة خيبات متواصلة من الآباء أنفسهم. أم الاثنين معاً؟ أعتقد أن المسألة لها علاقة بالمراحل التي عاشها جيلي. في أوائل الخمسينات كان العالم يسير بوتيرة متسارعة. وتماماً كما الشعوب تستطيع أن تهضم في خمسين سنة ما أنجزه غيرها في خمسمائة سنة. أيضاً المثقف العربي كان مضطراً لاستدراك فواته التاريخي. وبالتالي مدارس وتيارات مثل الماركسية والوجودية والبنيوية والفرويدية وحتى القومية... لم تكن إنتاجاً عربياً داخلياً بل أفكاراً مستوردة من الغرب والحداثة الغربية بأشكالها المختلفة. وكما هو حال اليابان التي افترضت استيعاب الغرب وهضمه خلال خمسين سنة، المثقف العربي وجد نفسه في الوضعية ذاتها. لم يكن الأمر بداوةً فكرية نتنقل فيها على غير هدى. بالعكس كان هناك ضغط ثقافي وفكري علينا من عدة مدارس وأحزاب وأيديولوجيات. كنا مجبرين أن نضغط ونختصر ونتجاوز باستمرار. طبعاً هناك البعض ممن وقفوا عند مرحلة معينة وبقوا فيها. شخصياً، حدث لي هذا التنقل الكبير ربما بطريقة أوضح من سواي. بواسطة الوجودية اكتشفت الماركسية. داخل الماركسية كانت هناك تيارات متعددة طبعاً. رفضت الستالينية. كنت لينينياً بقدر أو بآخر. ثم تروتسكياً بقدر أو بآخر. ألم تكن هذه الانتقالات مدار نقد ذاتي مثلاً. كيف كنت تبرِّر لنفسك هذه الانتقالات المتواصلة؟ كنت أعتبر ما يحدث نوعاً من التراكم والتجاوز. ولكن التراكم لا يحدث بشكل قَدَري. ألم يكن ثمة نقدٌ يصاحب الانتقالات؟ كان تراكماً معرفياً ونقدياً في آن واحد. عندما كنت أشعر أن الفكر الذي أتبنَّاه لم يعد يعطيني القدرة على تفسير ما نحن فيه كنت أتجاوزه. ألم يكن في ذلك هروباً خفياً أو غير واعٍ من سيطرة فكرة الأب؟ من وجهة نظر نفسية. أعترف أني عانيت من هذه العقدة في صغري. لم أتصالح مع أبي إلا بعد وفاته. وكانت مصالحلة مؤلمة. فرويد ساعدني في ذلك. إذن، كان أدائي الفكري والثقافي يتغير. ولكني قبل أن أغيِّر آبائي كنت أؤمثلهم أي أصنع منهم مثالات. ثم تأتي لحظة إما أتمرد فيها عليهم أو أكتشف أنهم غير مثاليين بالدرجة التي كنت أتصورها. استطراداً. ممارستك في منهجية "نقد النقد" منذ أكثر من عقدين. هل تحمل هذه الممارسة في داخلها إلغاءً أو نفياً مسبقاً لفكرة أبٍ قد تطرأ في أي لحظة. أليس "نقد النقد" إلغاءً متواصلاً للأب الذي تنتقده؟ في الحقيقة. هناك واقعة محددة فرضت علي العمل في نقد النقد. وهذه الواقعة هي مشروع محمد عابد الجابري في "نقد العقل العربي". الجابري مثّل مرحلة بارزة وخطيرة في مسيرتي. نقلني من الأيديولوجيات الغربية إلى التراث العربي. عندما نشر الجابري الجزء الأول من مشروعه وكان بعنوان "تكوين العقل العربي"، كنت أعيش في بيروت. وأعمل في "دار الطليعة" رئيساً لتحرير مجلة "دراسات عربية". قرأت المخطوط قبل صدوره. لست بعيداً عن التراث، ولكن تراثي كان أدبياً بسبب دراستي للأدب العربي في الجامعة. كانت علاقتي مع الجاحظ والتوحيدي. ولم يكن تراثاً في التصوف والفلسفة والفقه. الجابري فتنني وسحرني بالإشكاليات التي طرحها وبصياغته لتلك الإشكاليات. تصادف ذلك مع الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدتُ عشرة أعوام منها. أتعبتني الحرب بسبب خصوصية وضعي. فأنا من أصل مسيحي ولدي هوية سورية. لم أكن مقبولاً كسوري في الشرقية ولا كمسيحي في الغربية. أخذت قراراً بالهجرة. في باريس، أعدتُ قراءة "تكوين العقل العربي". ثم تعرفت على الجابري هناك. واستقبلته إلى بيتي. كنا أصدقاء تقريباً. أجريت معه حواراً طويلاً لمجلة "الوحدة" التي توقفت لاحقاً عن الصدور. كتبت عن كتابه أكثر من مرة. بعد ذلك بعام واحد. حصلت لي حادثة مفصلية. دُعيت إلى الامارات للمشاركة في إحدى الندوات. بالصدفة وقعت على كتاب "رسائل إخوان الصفا". في باريس، كنت أفتقد مصادر كثيرة لأن مكتبتي بقيت في بيروت. كنت أحفظ صفحات من كتاب الجابري عن ظهر قلب. أثناء عودتي، وأنا على الطائرة رحت أفتش عن شواهد كان الجابري قد استخدمها في كتابه. ففوجئت. وجدت أن الشواهد مزيفة ومبتورة ومجتزأة من سياقاتها. الجابري اعتبر إخوان الصفا من أهل العرفان، واعتبرهم بالتالي ضد المنطق. وأتى بشاهد من رسائلهم يثبت أن الانسان لا يحتاج إلى المنطق لأنه يستطيع أن يتخاطب بلغة الروح. أنا اكتشفت أن هذا الشاهد غير صحيح. عندما قرأت إخوان الصفا، وجدت أن الرسائل التسع الأولى في علم المنطق. وفي تلخيص كتب أرسطو والدفاع عنه. الجابري اعتبرهم أعداء للمنطق!! وهذا أحدث لدي هزة حقيقية. أما الشاهد الذي كان الجابري قد ثبته في كتابه، فقد كان مجتزأً ومحرَّفاً عن سياقه. هنا كانت فجيعتي حقيقية بالرجل الذي اعتبرته أباً من نوعٍ ما. في سياق نقدك للجابري. تستنكر عليه تبنّيه لعقلانية المغاربة وروحانية المشرق. ولكن إذا نظرنا إلى المشهد نجد أن هناك شبه إجماع على التصور الذي قدمه الجابري. الدراسات الفكرية في المغرب مختلفة فعلاً، ومصادر الباحثين هناك تعتمد على الفلسفة وعلم الاجتماع واللغة. في المقابل، معظم المفكرين والباحثين في المشرق مصادرهم أيديولوجية وسياسية. هناك فرق كبير بين أن تقول هذا وبين أن تقول إن المغرب هو مركز العقل والبرهان والمشرق مركز الروح والعرفان. هذه المقارنة لا صلة لها بالمغرب والمشرق، إنما بالظروف التاريخية التي مر بها كلاهما. تدمير التعليم في المشرق نتيجة السياسات القومية والناصرية وإلغاء اللغة الأجنبية وإضعافها في المناهج التعليمية. في حين من تتكلم عنهم (المغاربة) كلهم متخرجون في مدارس فرنسية ومتصلون بالمصادر والمرجعيات بطريقة مباشرة. وهم ، مع ذلك، نخبة قليلة في المجتمع المغاربي العربي. وليسوا الغالبية. لا أنكر أن هناك حيوية فكرية في المغرب واعترفت بهذا أكثر من مرة، ولكن هذا لا يحدث لأنهم مغاربة بل لأن نظام التعليم (في المغرب وتونس خاصة) لا يزال مرتبطاً منهجياً ولغوياً بالحداثة الغربية. الجابري يعمِّم الإجراء الجغرافي على الماضي ويعتبر أن ممثلي الاتجاه العقلي في الإسلام هم ابن خلدون وابن رشد وابن طفيل، وأن القسمة بين عقلانية مغاربية وروحانية مشرقية قائمة في قلب التراث العربي. وهنا تكتشف أن هذا الكلام لا يقدم صورة صحيحة وحقيقية عن التراث. ابن خلدون، مثلاً، كان أحد كبار المتصوفة، وله كتاب كبير في هذا المضمار. وهو تصوّف لا يختلف عن تصوف أقرانه في المشرق. ابن طفيل ايضاً كان متصوفاً كبيراً، وكان عدواً لدوداً لتلميذه ابن رشد. نقطة الخلاف بينهما: ابن رشد راهن على العقل، بينما عند ابن طفيل العقل وحده أخرس إذا اكتفى بنفسه ولم يقع في الروح والرؤيا الأخروية. وهو يقدم في كتابه "حي بن بقظان"، في نسخة مختلفة عن تلك المتداولة، هجاءً مباشراً لابن رشد. أيضاً ابن باجة في كتابه "تدبير المتوحد"، وهو عنوان صوفي بامتياز، يبدأ من العقل والفلسفة. لماذا؟ لأن ضغط الفقه المالكي في المغرب كان عنيفاً ويضطهد الفكر والفلسفة. إذن، لو أردنا أن نقول ما هي البنية الفكرية للمغرب؟ فالجواب هو البنية الفقهية المالكية. ابن رشد وابن طفيل وابن باجه.. هؤلاء أفراد وكتاباتهم ظلت سرية. ابن رشد نفسه نشر كتاباته برسم الخليفة ولم ينشرها على الملأ إلا لاحقاً. أن نقول هؤلاء هم المغاربة فذلك لا يستقيم مع اضطهادهم وعدم نشر معظم أفكارهم. هناك شبه اتفاق على أن فشل أو كما تسمّيه أنت "جفاف رحم الأيديولوجيات" هو أحد أسباب ظهور الأصولية الإسلامية . كيف يمكن اليوم الوقوف بوجه الأصولية؟ وهل يمكن لمواجهة كهذه أن تصل إلى نتائج ملموسة؟. في الحقيقة، أنا لا أهتم على الاطلاق بالأصولية الأيديولوجية والسياسية. عملي محصور بالبعد الثقافي للمسألة. ونضالي، إذا جاز التعبير، محكوم بهذه المقاربة. أنا لست مناضلاً على الصعيد السياسي أو الحزبي. بالنسبة لي، المعركة ثقافية. العمل على صعيد البنية الذهنية العربية هو الأساس. الأصولية هي ابنة الخيبات وسقوط الأيديولوجيات العربية القومية والحداثية والاشتراكية، وابنة البترودولارات النفطية التي غيَّرت حال الثقافة العربية من خلال شرائها لدور النشر والصحف والفضائيات والانترنت. هناك مليارات الدولارات لا تصرف فقط على العالم العربي والإسلامي ... بل حتى على العالم الإسلامي داخل الغرب. بالنسبة لي، الموضوع يشغلني من ناحية ثقافية. أنا في الأساس ناقد روائي وجد نفسه أمام أجندة مختلفة وضاغطة. الانقلاب الكبير في حياتي تمثل في العودة إلى التراث قبل أكثر من عقدين، وعدم خروجي منه منذ ذلك الوقت. طبعاً هناك ظروف ساهمت في هذا. إضافةً إلى خيبتي بالجابري، هناك مسألة انتقالي إلى أوروبا التي جعلت التراث نوعاً من وطنٍ بديل أو داخلي لي. بالنسبة للتراث. هناك رغبة لدى البعض بإحيائه وليس العمل على ابتعاثه كما هو. كيف يمكن إقناع أي أصولي أو حتى مسلم عادي بفكرة إحياء التراث على يد مثقفين علمانيين؟. هذه كلها معارك أيديولوجية سطحية. أنا لدي كتاب بعنوان "مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة". وفيه رفضت تقسيم التراث إلى قسم قابل للإحياء وآخر ينبغي أن يُموَّت. أو تراث تقدمي وآخر رجعي. ما هي المعادلة الصحيحة للتعامل مع التراث في رأيك؟ المعادلة هي الرؤية المعرفية والنقدية معاً. معرفة بكل التراث. ونقده عبر منهجيات حديثة. وهو ما سميته إضافة تراث إلى التراث وليس حذف تراث من التراث. ولكن تطبيق المنهجيات الحديثة غالباً ما يؤدي إلى تكفير الباحث أو المفكر العربي؟ فليكفِّرونا. كيف تريد أن تربح معركة مع الجمهور العربي والاسلامي العريض وأنت تشكك بمعتقداته وثوابته الإيمانية؟ معركتي ليست مع الجمهور العريض. أنا أعمل على مستوى النخبة الثقافية وأتوجه إليها. إلى أين يمكن أن يؤدي هذا الحوار طالما أنه يجري بين النخبة، أي في الطوابق العليا بينما الجمهور العريض على الأرض غير معني به؟ دعني أشبِّه الأمر بالتراتبية الموجودة في الجيش. برأيي أن مهمة المفكر مثل قيادة الأركان. هناك قيادة أركان وتحتها ضباط ويتلوهم ضباط صف ورقباء ثم جنود. بالنسبة إلي، ليست مهمة المفكر أن يتوجه إلى الجنود مباشرةً. على الأقل ليس الآن. أظن أن المعركة مع الأصولية تحتاج إلى 100 سنة على الأقل. ولست متأكداً من هوية المنتصر. المشكلة أن بعض المفكرين الممتازين يخفضون سقف نبرتهم الجريئة حين يخاطبون الجمهور العريض على شاشات التلفزيون. هذا السعي إلى النجومية هو نوع من الخطر القاتل. نحن بحاجة إلى الصدمة وليس إلى الجذب. أنا أفهم أن تقوم الأحزاب العربية بذلك حين تريد كسب الشارع، ولكن في الثقافة الأمر مختلف. سأعطيك مثالاً، فولتير كان يطبع 500 نسخة من كتبه. بعد فولتير، جاء ضباط الصف والرقباء وأخذوا أفكاره ونشروها على مستويات أشمل. تعميم الأفكار ليس من مهمة المثقف. ينبغي أن يكون هناك نوع من ضباط صف بين القيادة والجنود. وهؤلاء قد لايكون لديهم قدرة القادة على الابداع، ولكن يمتلكون القدرة على التمثُّل والهضم وإعادة الانتاج. هؤلاء ضرورة تاريخية. ولا تنس أني عملت كضابط صف. أمضيت 12 سنة في جريدة "الحياة" وأنا أكتب مقالاً أسبوعياً أتناول فيه إصدارات فرنسية حديثة. القصد أني لم أكن نخبوياً منذ البداية. ألا يمكن خلق حوار بينكم كنخبة مثقفة ونخبة من الأصوليين؟ أليس عندهم نخب؟ لا أنكر أن لديهم نُخَباً. ولكن نخبهم كلها من ضباط الصف. فكرهم أيديولوجي مثله مثل الفكر القومي والماركسي. إلى حد كبير، كل أيديولوجي ليس لديه قدرة على حوار حقيقي. هذا العيب ليس مقتصراً على الأصوليين. هل تظن أن الماركسي كانت لديه قدرة على الحوار؟ بالعكس، لقد كان يتصور أن الحقيقة التي يمتلكها نهائية. الأصولية الإسلامية هي أيديولوجيا. هذه نقطة أساسية يجب أن نفهمها وننتبه إليها. الأصولية ليست ديناً. أنتم مغضوب عليكم من قبل التراثيين ومن جمهورهم العريض، وفي الوقت نفسه ليس مرحَّباً بكم من قبل السلطات السياسية في بلدانكم. ألا يجعل هذا شغلكم النقدي وطموحاتكم الفكرية محكوماً بالنفي والعزلة واليُتم؟ بالنفي موافق. بالعزلة موافق. باليُتم لا. المفكر الحقيقي قادر على الخلق والإنجاب. قد لا ينجب في هذا الجيل بل في جيلٍ لاحق. ولكن قد يُقال إن هذا الانجاب يحدث داخل محمية تضم جماعة مقطوعة الصلات مع العالم الخارجي الواسع، ويتبادل أفرادها الأفكار أو "البضاعة الفكرية" بين بعضهم البعض؟ لا. هذا الظرف خاص بالمنطقة العربية في هذه اللحظة نتيجة أمرين أساسيين: الأول هو خيبة الجماهير بأنظمة سياسية وأيديولوجيات. والثاني هو الدولارات النفطية التي غزت كل شيئ. ما تقوله عن مجموعة أفراد يتبادلون بضاعتهم فيما بينهم قد تبدو صورة واقعية إلى حد ما، لكنها ليست صورة دقيقة تماماً، وما يحصل اليوم لن يدوم إلى الأبد. هناك تغيرات تحدث. إنها تغيرات طفيفة وغير ملموسة أحياناً، ولكن تراكمها سيؤدي إلى تحول فعلي في المستقبل. من الخطأ أن يعمل المفكر على مستوى الجماهير. فليلتزم حزبياً إن أراد ذلك. حين يتورّط المفكر في التجمهر سيتنازل عن المستوى الفكري ويتحول إلى داعية. والمفكر ليس داعية. هل العمل بين النخبة آمن ومسالم برأيك؟ لا أن لا أقول أنه مسالم. بالعكس هو صراع وصراع عنيف أحياناً. يحضرني محمد عابد الجابري كمثال حين لم يجد رداً على نقدك له سوى القول إنك مسيحي ولا يحق لك الكلام عن التراث الإسلامي. هل يتحقق تراكم ثقافي بمثل هذا السجال؟ هو لم يكتفِ بذلك، بل قرأت له مؤخراً تصريحاً في مهرجان الجنادرية بالسعودية قال فيه إن هناك مناطق في الإسلام و الثقافة العربية الاسلامية محظورٌ على المسيحي أن يدخلها. ماذا يمكن أن تقول حين ينزل مفكر كالجابري إلى هذا المستوى. دعني أوضح هنا أن الجابري بالنسبة لي أصبح مجرد ذريعة لعملي في التراث. كتابي الأخير في نقد مشروعه، والذي سيصدر قريباً، لا يُذكر فيه الجابري إلا مرة أو مرتين. أنا مدينٌ له لأنه أدخلني إلى التراث ولكنه لم يعد موضوعاً أساسياً بالنسبة لي. (الرأي)