جاءني الأحمق غاضبا محتجا، والشرر يتطاير من عينيه، مثل عفريت معربد.. لم يتناول حقنته المهدئة. دفع كأس قهوتي حتى كادت تندلق، لينشر صورة عمود الأسبوع المنصرم فوق الطاولة، ويتساءل متوترا: كيف تستمر في تحميل الأحمق ما لا يحتمله؟ وتدعي أن الزيادة من رأسه، بينما أنت تعرف، كما يعرف السامعون، أنها تخرج من ظهر الشعب! رغم يقيني بأن الحكمة لا تنبع من رؤوس الحكماء فقط، وإنما من رؤوس الحمقى أيضا، فقد فاجأني كلام مخاطبي. كيف غابت عني هذه الحقيقة الدقيقة؟ الزيادة فعلا من ظهر الشعب، وليست «.. من راس لحمق». ....................... يغضب أرباب الطاكسيات فيتنقبون، يناضلون، يفاوضون الحكومة حتى تذعن، بعد طول تماطل، وتوافق على الزيادة في تعريفة سيارة الأجرة.. من أين تخرج هذه الزيادة في الواقع؟ من ظهر الشعب. يهمهم أرباب المخابز ويغمغمون، ويهددون ب»قطع الخبز»، وينتهي المسلسل بغض نظر المسؤول عن وزن الخبزة والتدقيق في دقيقها، من أين يخرج الفارق؟ من ظهر الشعب. لا يقنع موزعو قنينات الغاز بهامش الربح المتاح لهم، فيهددون ويتوعدون، تجتمع بهم الحكومة لثنيهم عن غيهم، لكن إن هم أصروا سيحصلون لا محالة على زيادتهم المنشودة. من يدفعها؟ تستخرج من ظهر الشعب. يحدث كل هذا بعد زيادات اكتوى بها ظهر الشعب وشملت أسعار البنزين، والسردين، ولحم الكرعين، والهندية والكرعة الرطيلية، و... من يعرف سلعة لم تُصِبْها عدوى الزيادة ينبهنا إلى ذلك وله جزيل الشكر. و.. عندما تعددت الضربات على ظهر الشعب الكريم، غداة استنكار بنكيران لرفع تسعيرة منتوج معلوم دون موافقته، تحركت الحكومة «شخصيا» لفرض الزيادة في «الما والضو»، لإنقاذ مكتب الفاسي الفهري من الإفلاس، أو هكذا ادعى ناطقها. من يدفع؟؟ ليست الحكومة بالتأكيد، ولا الفاسي الفهري ولا سلفه. يتعدد مقررو الزيادات وتختلف أنواعها، لكنها جميعا تخرج من ظهر الشعب. ....................... خانتني العبارة، فلم أملك جوابا لمخاطبي، لأن «لحمق ما خلى للعاقل ما يقول». «كريمو مول سكيمو» يتظاهر بالحديث في هاتفه النقال، وهو يسترق السمع لهذا الدرس البليغ النابع من «راس لحمق». بو الركابي، كعادته، يعلق متسائلا: ألم أقل لكم إن عقد الزيادة انفرط؟؟ «الله يحد الباس». سكان راس الدرب تزاحموا على قنينات الغاز حتى نفدت، ليبقى «باكا مول الصاكا» متهما بإخفائها، وهو يقسم بأغلظ الأيْمان أن حصته لا تتعدى القنينات الفارغة المصطفة أمام دكانه. رحيمو تقطع على زوجها كريمو حبل «التبركيك» لتقترح عليه شراء كيس فحم قبل أن ينتبه إلى ذلك الجيران فتشتعل النيران في سعره.. خالتي يزة، العائدة من جولة تسول، تستفسر الجماعة: «انتوما آش باركين تكولو؟؟»، فهي «ما فْ راسها ما تعاودْ». ....................... وأنا أغتنم الفرصة لأتقدم بالاعتذار إلى الأحمق عن اتهامه، وأشهد أن الزيادة ليست من رأسه، وإنما هي من ظهر الشعب.