عندما تتعطل الحافلة وتتوقف في منتصف الطريق، ماذا يصنع أصحابها لإنقاذ الرحلة. في الدول التي تحترم مواطنيها يتم تغيير قطع الغيار الفاسدة بأخرى صالحة، أما في المغرب فالاختيار يقع على تغيير السائق. والنتيجة أن حافلات الدول التي تحترم مواطنيها تتابع رحلتها بعد إصلاح العطب، فيما حافلاتنا تظل واقفة على الطريق، يتغير سائقوها في كل مرة دون أن تبرح الحافلة مكانها. هكذا فكرت وأنا أقرأ خبر نية الجنرال حسني بنسليمان عدم ترشيح نفسه لرئاسة جامعة الكرة. وعوض أن يعترف الجنرال بالفشل وبمسؤوليته المباشرة عن الانحدار المريع الذي وصلت إليه كرة القدم الوطنية، فضل أن يلعب دور البطولة وأن يعطي لنفسه صورة ذلك الجنرال الزاهد في رئاسة جامعة قضى «متربعا» على رأسها أربع عشرة سنة. مشكلتنا في المغرب أننا نعتقد أنه بمجرد إنزال الجنرال بنسليمان من عرش الجامعة، فإن جميع مشاكل الكرة الوطنية سيتم حلها. والحال أن المشكل العميق الذي يعيق مشروع فريق كروي في مستوى الإرث الرياضي الذي تركه السابقون، يكمن تحديدا في تلك «العصابة» التي سطت على جامعة كرة القدم منذ سنوات طويلة. وبدون تحرير الكرة الوطنية من قبضة مصاصي الدماء هؤلاء فإن بقاء الجنرال أو ذهابه سيان. المشكل إذن في المنظومة الكروية بمجملها، وليس في شخص الجنرال وحده. وعلى كل حال فالجنرال كان على الأقل في شبابه حارس مرمى في فريق كروي، ولعب لسنوات في البطولة. أما أغلب أعضاء الجامعة فلا علاقة لهم بالكرة لا من قريب ولا من بعيد. ومنهم من لا علاقة له بالرياضة أصلا. ويكفي أن تنظر إلى أشكالهم لكي تفهم أن الرياضة الوحيدة التي يدمنونها هي كثرة الجلوس في الطوابق العلوية للفنادق المصنفة في العاصمة الاقتصادية. ومنهم من يحجز له طاولة أبدية في فندق مشهور بشارع أنفا بشرابها وأكلها كل يوم سواء حضر أم لم يحضر. ولا بد أن الصحافيين الرياضيين المولعين بالتحلق حول هذه الموائد يعرفون الطابق الذي «تنصب» فيه، أكثر مما يعرفون عناوين مقرات جرائدهم. مأساة الكرة الوطنية ليست هي الجنرال وحده. فالجنرال هو المسؤول الأول عن الجامعة، وباسمه يتم اتخاذ جميع القرارات. لكن المسيرين الحقيقيين للشأن اليومي لكرة القدم، هم أولئك الأعضاء في الجامعة والذين يتصرفون في التفاصيل. والشيطان، كما يقول الفرنسيون، يختفي دائما في التفاصيل. الحل إذن لكي يكون هناك إصلاح جذري في جامعة كرة القدم هو أن يذهب كل مسامير «الميدة» هؤلاء مع الجنرال. وفي حال بقائهم فإن الكرة المغربية ستبقى «مفشوشة» إلى الأبد. والانتصارات الوحيدة التي سيحققها الفريق الوطني ستكون كما عودنا «الأسود» على ذلك في المباريات الحبية. أي «ديال بلعاني». حتى أصبحنا نشك في أن لدينا فريقا كرويا «ديال بلعاني» لا ينتصر إلا إذا كانت المقابلة «ماشي بصح». ولعل الدولة والحكومة والقائمين على الشأن الرياضي في المغرب لم يفهموا بعد أن تدني المستوى الرياضي، وخصوصا في لعبة شعبية ككرة القدم، يساهم بشكل كبير في تدني الشعور الوطني للمغاربة. فالإحساس بالخيبة والهزيمة والعار أصبحت أكثر المشاعر التي يعبر عنها المغاربة عقد كل هزيمة كروية. ومن يرى كيف تصرف الدول الأخرى الميزانيات الباهظة في تكوين اللاعبين واقتنائهم لإحراز الانتصارات في الملتقيات الكروية الدولية، يفهم أن المسألة لا تتعلق فقط بإحراز انتصار أو كأس أو بطولة، بقدر ما تتعلق بهدف أساسي وراء ذلك هو تقوية الشعور الوطني ومشاعر الانتماء إلى الوطن والافتخار برايته وبنشيده. وإلا ما الداعي إلى رفع اللاعبين المنتصرين لرايات بلدانهم داخل ملاعب الخصوم، وإبداء ملامح الخشوع أثناء عزف النشيد الوطني. أكاد أجزم بأن إخفاقات السنوات الأخيرة، بدءا من مونديال 1998، مرورا بهزيمة «مالي» وإقصاء «غانا» ونكسة «بكين» ومهزلة «الغابون»، تتحمل المسؤولية المباشرة عن إضعاف الشعور الوطني للمغاربة. فالفريق الوطني لكرة القدم يجب أن يجسد في الملعب تلك الروح القتالية الكامنة داخل كل مغربي عندما يواجه الخصم. وطبعا هذه الروح القتالية التي نراها في المنتخبات الإفريقية ومنتخبات مصر وتونس على سبيل المثال، نجدها غائبة عند أغلب لاعبي منتخبنا الوطني. لماذا ؟ الجواب بسيط للغاية. المنتخب الوطني مليء بلاعبين أوربيين من أصول مغربية. لاعبون محترفون يمارسون في فرق معروفة أوربيا، ولديهم التزامات صارمة ومحددة مع نواديهم التي تصرف عليهم الملايير لكي يكونوا في كامل لياقتهم. لذلك فهؤلاء اللاعبين يعتبرون تلبيتهم لنداء المدرب للعب ضمن المنتخب الوطني شكلا من أشكال الواجب الوطني الثقيل أو الأوامر العسكرية الصارمة التي ينفذونها ببرود رفعا للعتب، أو خوفا من الجنرال. ولهذا السبب ترى لاعبي المنتخب يتحركون داخل الملعب فاقدين لتلك الروح القتالية التي كنا نراها في منتخب الثمانينات المشكل في مجمله من لاعبين مغاربة خرجوا من أحياء شعبية ومزقوا أحذيتهم الكروية في فرق الأحياء وجرحوا ركبهم في البطولة الوطنية قبل أن يصلوا بعرق جبينهم إلى عرين الأسود. والنتائج التي حققوها على المستوى الدولي تشهد لهم بذلك. أما اليوم فقد أصبح الوصول إلى تشكيلة المنتخب أمرا يحتاج إلى وساطات وهدايا وإتاوات، كل من يمتنع عن توفيرها لبعض مسامير «الميدة» يستطيع أن يقول وداعا لاسمه من لائحة المنتخب النهائية. الجميع يعرف أن كرة القدم ليست فقط رياضة، بل صناعة ثقيلة قائمة الذات، تذر الملايير على المشتغلين بها. لذلك فعملية انتزاع هذه «الجلطيطة» المسماة الكرة المغربية من بين أنياب الكواسر التي تتقافز حول جثتها المتعفنة، عملية يمكن أن تكلف كل من يتطوع للقيام بها رأسه. لذلك فتغيير السائق والإبقاء على قطع الغيار الفاسدة لن يفيد في تحريك حافلة الكرة الوطنية المتوقفة في الطريق إلى المونديال منذ سنوات. المطلوب لكي تتحرك الحافلة هو أن يتم تخليصها من تلك «البياسات» التي صدئت في أماكنها، وتعويضها بقطع غيار جديدة بتاريخ صلاحية مضبوط ومتفق عليه ديمقراطيا. أما الجنرال فالوظيفة التي يجب أن يستقيل منها حقيقة فهي وظيفته كجنرال على رأس الدرك الملكي. فإذا كانت هزائم الكرة الوطنية المتتالية قد ساهمت في إضعاف الشعور الوطني للمغاربة، فإن الأشرطة التي يتابعها ملايين المشاهدين عبر موقع «دايلي موشن» و«يوتوب» حول رجال حسني بنسليمان المرتشين الذين يقطعون الطريق بزيهم الرسمي على المواطنين من أجل ابتزازهم، قد أضعفت صورة المغرب أمام العالم. فمن يشاهد تلك الأشرطة المتاحة لجميع سكان الكرة الأرضية سيقرر عدم التفكير نهائيا في زيارة المغرب. فليس هناك سائح مجنون واحد سيغامر بالمجيء إلى بلاد تمتلئ طرقاتها بأمثال قطاع الطرق هؤلاء المتنكرين في زي رجال الدرك. هذه هي الاستقالة الحقيقية التي يجب أن يقدمها الجنرال، لكي يذهب ليرتاح ويترك دماء جديدة تتدفق داخل شرايين هذا الجهاز المتصلب. أما قراره بعدم ترشيح نفسه لرئاسة جامعة الكرة، فقد كان منتظرا. لكنه قرار لن يفيد الكرة المغربية في شيء، إذا ما قررت مسامير جحا البقاء لاصقة في «ميدة» الجامعة إلى الأبد.