برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما «استعمرت» ألمانيا المغرب عن طريق حكومة فيشي
قوانين النازية التي طبقت على المغاربة
نشر في المساء يوم 18 - 05 - 2014

لم يعلق بذاكرة المغاربة من حكومة فيشي، غير «عام البون» وأغنية السلاوي التي تحكي قدوم «الماريكان»، لكن الغالبية تجهل أسباب استقدام هذا «المنقذ الأمريكي» وحيثيات السنتين اللتين سبقتا الإنزال الأمريكي بالشواطئ المغربية، حين كان آتون الحرب العالمية الثاني يأتي على الأخضر واليابس، وكان المغرب مسرحا لأحد أواخر فصولها، حين ارتأى الحلفاء الإنزال على شمال أفريقيا بهدف طرد وكنس القوات النازية التي رابضت فيها، وتحرير أوربا في وقت لاحق..
فبعد الهزيمة المؤثرة للجيش الفرنسي أمام النازية سنة 1940، تشكلت حكومة فيشي الموالية لألمانيا التي تحكمت في الميتروبول الفرنسي، واستنزفت خيرات ومقدرات المستعمرات الفرنسية بقسوة قل نظيرها، والمغرب بدوره كان موضوعا لتشريعات تلك الحكومة التي عملت على ترجمة الرؤى والأطروحات النازية «المريضة» حول تفوق العرق الآري الجرماني على باقي الأجناس، ومطاردة أعداء النازية. لتبدأ رحلة «مطاردة الساحرات» بالتقنين تارة وبالاعتقال والزج بكل المخالفين في غياهب المعتقلات النازية الشهيرة الصيت، التي تمركز بعضها على التراب المغربي.
لم يكن اليهود وحدهم من طاردتهم النازية بالمغرب، حيث أنه بالرغم من تعاطف المغاربة أول الأمر مع الألمان ورأوا فيهم مخلصين من الاستعمار الفرنسي، إلا أن الألمان طيلة تواصلهم مع أقطاب الحركة الوطنية سواء بشمال المغرب، الذي كان خاضعا لإسبانيا أو بمنطقة الحماية الفرنسية، عبروا عن عدم نيتهم في مطلب استقلال المغرب والمغاربة، ليظهر أن الألمان والفرنسيين كانوا –آنذاك- يشكلون وجهين لعملة واحدة، ملامحها الاستغلال اللاإنساني للشعوب والزج بها في حروب بالوكالة..
عقب استسلام فرنسا للقوات النازية شكلت حكومة فيشي لجنة «كزافيي فالا» التي عملت على تصفية المسألة اليهودية، بأوربا وشمال أفريقيا، قدم أعوان هذا الأخير إلى المغرب وأنشئوا مصلحة خاصة داخل الإقامة العامة بالرباط، وبالرغم من تضايق المقيم العام منهم إلا أنه لم يجد بدا في المشاركة في إصدار تشريعات عنصرية في حق المغاربة، سواء منهم المسلمين أو اليهود.
تحكمت لجان الهدنة المشتركة «الألمانية الإيطالية» بالإدارة الاستعمارية، بيد من حديد وكان ضباط المخابرات النازية يحصون أنفاس المغاربة، ويراقبون تحركات الوطنيين والسلطان، قبل أن يأتي إنزال الحلفاء يوم 8 نونبر سنة 1942 الذي عصف بتواجدهم في شمال أفريقيا، ورغم ذلك أقنعت فرنسا «الحرة» الحلفاء بعدم المكوث في شمال أفريقيا، خوفا من تأليب سكانها المسلمين ضد القوات الإنجليزية بسبب دعم انجلترا للمنظمات الصهيونية بفلسطين.
في هذا الملف، تفتح «المساء» إحدى المراحل المفصلية في تاريخ المغرب المعاصر، إذ حددت أحداث سنتي 1940 – 1942 ملامح مستقبل المغرب، الذي سوف تتجاذبه حتى بعد الاستقلال، موازين قوى دولية، كان لأحداث تلك السنتين الأثر البالغ عليها. فكيف استمرت فرنسا في احتلالها للمغرب رغم هزيمتها أمام النازية سنة 1940؟ وما هي العلاقة التي ربطتها حكومة فيشي بفرنسا بصناع القرار بالمغرب؟ وما الدور الذي لعبه أقطاب الحركة الوطنية في خضم تلك الأحداث؟
أسئلة ضمن أخرى يجيب عليها الملف التالي.
فرنسا المغلوبة في الحرب تستمر في استعمار المغرب
عندما ذاق المغاربة من عنصرية «العرق الآري»
عقب انهزام فرنسا وسقوطها بيد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وأعلن قيام حكومتها المارشال فيليب بيتان، وانتخبت تلك الحكومة من قبل الجمعية الوطنية الفرنسية بتاريخ يوليو 1940 مع منحها صلاحيات واسعة لبيتان كرئيس للحكومة، واستمرت بين يوليوزوشتنبر 1944.
خلال الحرب العالمية الثانية قسمت اتفاقية الهدنة الفرنسية -الألمانية الموقعة بتاريخ 22 يونيو 1940 فرنسا لمنطقتين، إذ خضعت الأولى للسلطة العسكرية الألمانية المباشرة، في حين بقيت المنطقة الثانية تحت الحكم والسيادة الفرنسية، بشكل صوري فقط. ففي اليوم التالي لتوقيع الهدنة انضم بيير لافال للحكومة ليصبح فيها المهندس الرئيس للنظام الفيشي، فهو الذي قام بتاريخ 10 يوليوز 1940 بإقناع الجمعية الوطنية الفرنسية أن تمنح الماريشال بيتان الصلاحيات اللازمة لإصدار دستور جديد للبلاد، إذ صوت 569 نائبا لصالح هذا الطلب، بينما عارضه 80 وامتنع 18 عن التصويت، فأصبح بيتان بذلك يتمتع في الوقت نفسه بالسلطتين التشريعيةوالتنفيذية في الدولة الفرنسية. وكانت جلسة الجمعية الوطنية قد عقدت في بلدة فيشي للتصديق على اتفاقية الهدنة مع ألمانيا النازية.
وهكذا استمرت حكومة فيشي للسنوات الأربع اللاحقة دون تغيير الدستور، وكانت سياساتها تعمل في تناغم مع أحوال ومستجدات الحرب. وفي 13 دجنبر من سنة 1940 سقط لافال من السلطة إثر مؤامرة حيكت ضده، وخلفه في منصب رئيس الوزراء «بيير ايتيان فلاندين» وبعده الأدميرال «فرانسوا درلان». وتميزت حينها فترة حكومة فيشي (بالانتظار والترقب) في تعاملاتها مع الألمان، وأصبحت «فرنسا فيشي» حينها ولو ظاهرياً دولة نقابية.
غيرت حكومة فيشي شعار الجمهورية الفرنسية، والذي هو نفسه شعار الثورة الفرنسية «حرية. مساواة. إخاء» بشعار جديد : «العمل. الأسرة. الوطن»، وأصدرت ميثاق العمل. وأطلقت ما سميت ب«الثورة الوطنية» كإيديولوجية رسمية للنظام الفيشي. وكانت هذه النظرية تخدم المصالح الذاتية أكثر منه المصالح العليا للبلد، على عكس ما روج بيتان في حينها، كما أورد المؤرخ الأمريكي روبرت باكستون في كتابه ''الحرس القديم والنظام الجديد''، الذي نشر عام 1972 للمؤلف، الذي أظهر كيف تعاون بيتان ورفاقه بشكل وثيق مع المحتلين، واستغلوا كارثة الهزيمة لفرض رؤيتهم المحافظة المتشددة لمفهوم ''الثورة الوطنية'' على فرنسا.
تقسيم فرنسا بين عامي 1940 و1944
في 18 أبريل من عام 1942 عاد لافال للسلطة مجددا، بعد أن تمكن من إقناع الألمان بأنه سيتعاون معهم بنشاط كبير لتحقيق أهدافهم، ففي تلك الفترة كانت ألمانيا النازية تخوض حروباً هائلة ضد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، وكان النازيون مهتمين جداً بضمان استقرار مناطق نفوذهم من جهة أوربا الشرقية. ولكن بعد ستة أشهر تغير الوضع بأكمله، إذ أنزلت القوات البريطانية والأمريكية مئات الآلاف من جنودها على شواطئ إفريقيا الشمالية، وقامت الوحدات الرئيسية من الأسطول الفرنسي بإغراق قطعها البحرية في تولون كي لا تقع بيد الألمان، وفي 11 نونبر سنة 1942 احتلت ألمانيا كامل أجزاء فرنسا، وحلت اتفاقية الهدنة مع حكومة فيشي.
في الوقت نفسه كانت حركات المقاومة ضد النازيين وضد حكومة فيشي تتنامى بشكل ملحوظ، في أنحاء البلاد بسرعة، وكانت قوتها وخطورتها في تزايد مطرد، إذ غذتها الأعداد الضخمة من الشبان الفرنسيين الذين كانوا يلجؤون للتلال والأرياف للفرار من قبضة السلطات الألمانية ومن قوانين العمل القسري التي كانت تفرضها عليهم.
فكان المقاومون الفرنسيون يعيشون في الريف كخارجين عن القانون، يتلقون الدعم والمساعدة من الفلاحين ومن الإمدادات التي كانت تلقيها لهم من الجو الطائرات البريطانية، وكانوا بمثابة «فيلق احتياطي» للحلفاء أثناء قيامهم بعمليات الإنزال في فرنسا، وذلك من خلال تعطيلهم لقنوات الاتصال والنقل بين القوات الألمانية على الأرض الفرنسية.
شهدت الأشهر الستة، التي سبقت إنزال الحلفاء في النورمندي حربا داخلية خاضتها خلايا المقاومة الفرنسية ضد رجال الكيستابو (مخابرات نازية) وميليشيات فيشي. وبعد تمكن الحلفاء من دخول فرنسا وطرد القوات الألمانية منها، غادرت الحكومة الفرنسية المؤقتة (حكومة فرنسا الحرة) برئاسة شارل دوغول لندن لتعود إلى البلاد، مستلما مقاليد السلطة من حكومة فيشي المنهارة. وبعد تحرير باريس في شتنبر من سنة 1944، أعلنت حكومة دوغول إلغاء دولة بيتان الفرنسية مع جميع قوانينها وتشريعاتها.
أثناء ذلك كان لافال هاربا في ألمانيا ومن تم في النمسا، ولكن ألقي القبض عليه لاحقا وأعيد إلى فرنسا، حيث حوكم وأعدم سنة 1945. أما فيليب بيتان فقد أخذ قسراً إلى ألمانيا، ولكنه عاد طواعية إلى فرنسا للمحكمة حيث أدين وحكم عليه بالإعدام، ولكن تدخل دوغول الشخصي في مجريات المحاكمة حال دون إعدامه، قبل أن يتحول إلى السجن الانفرادي المؤبد، ومات بيتان في المعتقل سنة 1951كما ورد في كتاب برودي كنينيث Brody, J Pierre Kenneth (لافال والسياسة الواقعية1935–1936 .
فرنسا الحرة
كانت القوات الفرنسية الحرة، بمثابة وحدات أفراد أو وحدات عسكرية انضمت «لفرنسا الحرة»، كتنظيم مقاوم أسسه شارل دوغول سنة 1940 في لندن، بعد احتلال فرنسا. للاستمرار في النضال ضد دول المحور.
رفض دوغول، الوزير الفرنسي، الهدنة التي عقدها المارشال فيليپ پيتان وفر إلى بريطانيا، وحرض جاهدا الفرنسيين على المقاومة في كلمة ألقاها على بي بي سي « سميت آنذاك ب: نداء 18 يونيو « (Appel du 18 juin)، والتي كان لها تأثير على الحالة المعنوية داخل فرنسا وفي المستعمرات التابعة لها، بالرغم من أنه في البداية لم يستجب لنداء دوغول إلى نزر قليل من القوات الفرنسية.
حاربت «القوات الحرة» قوات المحور والقوات الڤيتشية وخدمت في جبهات القتال من الشرق الأوسط حتى الهند الصينية وشمال إفريقيا. كما كانت البحرية الفرنسية الحرة تعمل كقوة مساعدة للبحرية الملكية البريطانية ، وكانت هناك وحدات فرنسية حرة في القوات الجوية الملكية كذلك، إضافة إلى القوات الجوية السوڤياتية، التي واجهت جميعها الآلة العسكرية الألمانية الجبارة...
في نونبر سنة 1942، غزا الحلفاء شمال إفريقيا الذي كان تحت الاستعمار الفرنسي، وانضمت معظم القوات الڤيشية للقوات الفرنسية الحرة، وعلى رأسها الجنرال هنري كيرو. مما تسبب في احتلال الألمان ل»فرنسا الڤيتشية»، وردا على ذلك انضمت قوات ڤيتشية قوامها 60.000 جندي إلى قوات الحلفاء في شمال إفريقيا.
في منتصف 1944، كان عدد القوات الفرنسية يزيد عن 400.000 جندي، وكانوا قد شاركوا في إنزال نورماندي ومعركة تحرير جنوب فرنسا، قبل الزحف على العاصمة باريس وتخليصها من قبضة الألمان. وبنهاية الحرب في أوربا، كان عددهم 1.300.000 فرد، كرابع أكبر جيوش الحلفاء في أورپا - وشاركوا في غزو الحلفاء لألمانيا.
العمليات العسكرية بشمال إفريقيا
شنت الحملات العسكرية للحرب العالمية الثانية بشمال إفريقيا في الفترة ما بين 13 شتنبر 1940 و13 ماي سنة 1943. وكانت هذه الحملة جد مهمة من الناحية الاستراتيجية لكل من دول الحلفاء وقوات المحور. وكان الهدف المركزي لقوات المحور(ألمانيا/ اليابان/ إيطاليا) يتمثل في منع الحلفاء من المرور إلى احتياطي النفط بالشرق الأوسط، وتأمين زيادة وصول قوات المحور إلى منافذ البترول، وقطع وصول المواد والموارد البشرية لبريطانيا من مستعمراتها بآسيا وإفريقيا.
لكن، بعد الهزيمة الساحقة للحلفاء بغرب أوربا في ربيع سنة 1940، والسيطرة على المستعمرات الفرنسية والبريطانية بشمال إفريقيا من طرف القوات الإيطالية والألمانية. جاءت حملة الشمال الإفريقي للحلفاء بمثابة الفرصة الذهبية لفتح جبهة جديدة ضد دول المحور، بعد غزو الاتحاد السوفياتي من قبل ألمانيا في يونيو سنة .1941 ليتم تخفيف الضغط العسكري الألماني على الجبهة الشرقية، التي كانت مستعرة في مدينة ستالين غراد السوفياتية.
كان لحملة الحلفاء على شمال إفريقيا ثلاث مراحل: حملة الصحراء الغربية (غرب مصر وشرق ليبيا)، وعملية المشعل (الجزائر والمغرب)، والحملة التونسية.
خلال تلك الحملة المشتركة للحلفاء، تكبد الألمان والإيطاليون 620 ألف قتيل. في حين خسرت دول الكومنويلث البريطانية 220 ألف رجل، ووصل عدد القتلى من الأمريكيين في تونس وحدها إلى أكثر من 18.500. بالرغم من كل تلك الخسائر الجسيمة، تسبب نصر الحلفاء في شمال إفريقيا في شل حوالي 900 ألف من القوات الألمانية والإيطالية، وفتح جبهة ثانية ضد المحور، وسمح باحتلال جزيرة صقلية وغالب الأراضي الإيطالية في صيف سنة 1943، كما أبعد الخطر القادم من قوات المحور، الذي هدد حقول النفط بالشرق الأوسط وخطوط التزويد البريطاني لآسيا وإفريقيا. واكتسى هذا النصر أهمية حاسمة أثناء الحرب العالمية الثانية.
الصحافة المغربية في عهد فيشي
بالمغرب، أعلن المقيم العام Nouguèse الولاء لحكومة الاحتلال في باريس، وأصبحت الصحافة مضطرة للاختيار بين اتباع المقيم العام أو خطر الإبادة، فحتى الحياد لم يكن مسموحا به إلا نادرا، وهكذا أصبحت إمبراطورية «ماص» الإعلامية في خدمة حكومة Vichy، تمجدها وتصف الجنرال دوغول بالنذل الخائن. وقد فعلت جرائد «ماص» ذلك رغم أنها كانت لا تعلن عن أي انتماء سياسي، مما تسبب لها في ضياع شعبيتها وسط قرائها، بسبب الحماسة في الدفاع عن حكومة فيشي الموالية للنازية. (جامع بيضا، الصحافة المكتوبة: مصدر تاريخي للعلاقات المغربية الفرنسية) ص : 255.
تزايدت الصحف اليمينية في المغرب بين سنتي 1940و1942، يضيف الباحث نفسه. أما صحف المعارضة فقد لجأت للسرية، ومنها Libération و El-watan التي طالبت لأول مرة بالاستقلال، وذلك قبل توقيع وثيقة 11 يناير. أما صحف الوطنيين المغاربة فقد منعت منذ سنة 1937، ولم يسمح إلا لجريدة عبد اللطيف الصبيحي La voix nationale بالصدور المنتظم، لأنه كان مواليا للإدارة الاستعمارية، كما كان يحترم الخطوط الحمراء التي وضعتها الإقامة العامة.
لكن، عقب إنزال الحلفاء في الدار البيضاء، بدأ المشهد الإعلامي يتغير بوتيرة ملحوظة، حين بدأت الصحف اليمينية تعدل خطابها ليناسب المرحلة، وقد ركز جامع بيضا على صحف مجموعة «ماص» مرة أخرى، نظرا لحجمها ونموذجيتها، فبدأت صحفها تغازل الحلفاء وتمجد شارل دوغول على خطى المقيم العام Nouguère، مما يعطي الانطباع على أن «ماص» كان يوجه خدماته الدعائية، حيثما وجد مصالحه الاقتصادية.
أما صحف المقاومة فقد خرجت من السرية، وأهمها Libération التي كانت ديغولية في البداية، لكن مع مرور الوقت، أعلنت خطها الشيوعي وبدأت تنتقد الإقامة العامة والكنيسة، وهو ما أثار قلق السلطات الاستعمارية، لأن خطاب الجريدة نبه المغاربة إلى أن الفرنسيين غير موحدين في مسألة استعمار واستغلال الشعوب.
وقد عرفت المرحلة كذلك، إصدار صحف نقابية مثل L'Action Sydicaliste التي طالبت برفع أجور الفرنسيين والمغاربة على حد سواء، لتتذرع حينها الإقامة العامة بأن حاجيات المغاربة أقل من حاجيات الأوربيين. والهدف من هذه الذريعة هو أولا كسر إمكانية التضامن بين الطرفين، وثانيا هو عرقلة انضمام المغاربة إلى النقابات، لأن عليهم الاكتفاء بالبنيات التقليدية للتضامن. وقد اشترت النقابة جريدة Le petit Marocain من «ماص» وحولتها إلى جريدة مناضلة. وسبب انتقال الملكية هذا، صعوبات حادة لبيير ماص مع أنصار دوغول، الذي كان يشكل القوة الصاعدة وأمل فرنسا في تجاوز آثار الحرب المدمرة، حيث أصدر أنصاره جريدة Le Combattant ثم Résistance كما نددوا بقمع حرية الصحافة في المغرب، وطالبوا بمحاكمة الخونة الذين تعاونوا مع حكومة Vichy.
اضطر بيير ماص للتنازل كثيرا أمام العاصفة، فوزع إمبراطوريته الإعلامية على أصدقائه ليتكيف مع ظهير 19-2-1945 الذي كان يحارب الاحتكار الإعلامي. ولم يبع إلا جريدة واحدة. وهكذا فقد انقضمت إمبراطوريته ولم تتفكك، وسيتمكن من تجميعها لاحقا، وستصمد في المغرب حتى 1971.
بعد إنزال الحلفاء في الدار البيضاء بسنة واحدة، لم تلتفت السلطات الاستعمارية لمطالب الوطنيين المغاربة الذين ناصروها، لذا بادروا وأسسوا حزبا للمطالبة بالاستقلال (جامع بيضا، المرجع نفسه ص 291)، بدل المطالبة بإصلاحات محتشمة، وقد حرروا وثيقة 11 يناير ووقعتها ثمانية وخمسون شخصية. وحينها، احتجت كل الصحف الفرنسية ضد مبادرة الوطنيين، وقد تبنت اتهامات الإقامة العامة ضدهم بزعم أنهم عملاء لألمانيا ويعرقلون المجهود الحربي، ولم يكن بإمكان الوطنيين الرد لأن صحفهم ممنوعة آنذاك.
أما رد الفعل السياسي على وثيقة 11 يناير فقد تمثل في اعتقال 18 موقعا على الوثيقة، وتلا ذلك احتجاجات في مدينة فاس سقط على إثرها 40 قتيلا حسب تقارير السلطات الاستعمارية. وبعد عودة الهدوء، بدأ موقف الصحافة اليسارية يتميز، إذ حملت الإقامة العامةَ مسؤولية أحداث فاس، لكن تلك الصحافة ظلت تعارض مطلب استقلال المغرب. قبل أن تعيد أحداث يناير – فبراير 1944 المسألة الوطنية إلى الواجهة.
عندما جوعت النازية المسلمين واليهود بحصص غذائية عنصرية
امتدت التشريعات النازية لحكومة فيشي بالمغرب إلى المجال الغذائي، إذ يذكر المغاربة السنين العجاف التي سبقت إنزال الحلفاء بالشواطئ المغربية. حين لم يجد «الأهالي» المسلمون واليهود ما يسد رمقهم. اضطر معه سكان المغرب وخاصة بالبوادي إلى أكل النباتات البرية، ومنهم من التهم دون تردد حتى مطاط العجلات...، يروي لنا أحد الشيوخ الذين عاصروا تلك الفترة بمنطقة الشاوية.
فبعد أن أصدر محمد المقري الصدر الأعظم في الحكومة الشريفة منشوره الشهير، بتاريخ 29 دجنبر سنة 1940 تحت رقم 372، الذي قضى بحرمان أتباع الطائفة الإسرائيلية بتشغيل خادمات مسلمات، وبتجميع اليهود الذين يقطنون داخل الأحياء الأوربية وإرجاعهم إلى «الملاحات». سن مقتضيات تنظيمية غذائية تمييزية بين كل من الأوربيين من جهة واليهود والمسلمين من جهة أخرى، وقضت بتوزيع حصص شهرية لاقتناء المواد الغذائية التي كانت شحيحة في كميتها، نال بموجبها الأوربيون 200 غرام من القهوة، مقابل 50 غرام لليهود، وعشرة لترات من النبيذ للأوربيين مقابل 2.5 لتر لليهود. وبالنسبة لمسحوق الصابون نال الأوربيون 200 غرام مقابل 70 غرام لليهود والمسلمين، بلغت كمية السكر المسموح بها للمسلمين 800 غرام و 600 غرام لليهود. ومادة الملح لم تسلم بدورها من ذلك التقنين العجيب، فلم يسمح للمسلمين إلا ب 25 غرام و15 لليهود، أما عن اللحم فلم يكن مسموحا باقتنائه، وحتى الأوربيين لم ينالوا منه إلا كمية 250 غرام شهريا.
منع اليهود والمسلمين من ارتياد المسارح والمسابح
شملت تشريعات فيشي العنصرية جميع مناحي الحياة العامة بالمغرب، فحتى المسابح لم تسلم منها، فالتدابير التي أشرفت عليها السلطات البلدية بمدينة الدار البيضاء، لتنفيذ إملاءات الألمان، نصت على عزل المسلمين واليهود عن الأماكن العامة وتقنين ولوجهم إليها، فالمسابح مثلا كانت تخصص يوم الجمعة للمسلمين ولليهود يوم السبت، لتستبدل بعد ذلك مياه أحواضها، وتنظف جيدا ليستمتع بها الأوربيون طيلة باقي أيام الأسبوع.
مجال الفنون طالته كذلك تلك القوانين الفيشية، إذ تم منع الكتب التي ألفها المثقفون اليهود وأحرق العديد منها، والشيء نفسه انطبق على صحافتهم، كما تم منع عرض المسرحية العربية-اليهودية «مسجون اشبيلية» التي تدور فصولها بالأندلس لصاحبها مايير كوهن، الذي استطاع في غفلة عن رقابة سلطات الإقامة العامة عرض مسرحيته الأخرى «شمشون ودليلة».
ومن جملة الشطط الذي طال أفرادا من الجيش الفرنسي، بسبب انتمائهم الديني. كان هناك القبطان «مايير أسور» الذي جرد علنيا من رتبته العسكرية وأوسمته، التي نالها في استحقاقات سابقة، وفي فاس أيضا توعدت جماعة الكشافة المسلمين اليهود على أمواج إذاعة برلين العربية بسبب تعاونهم مع الإقامة العامة، وفي آسفي قام أصحاب «القمصان السوداء» وهي مليشيات شبه عسكرية موالية للنازية، بإجبار قادة المجموعات الدينية اليهودية على خلع الملابس الأوربية والاقتصار على ارتداء الجبة التقليدية، والتجول داخل المدينة برؤوس حليقة، وكذا المكوث في «الغيتوهات» بالملاحات الشعبية عوضا عن إقامتهم بالأحياء الأوربية.
بخلاف الأوربيين، لم يجار المسلمون من الأهالي المغاربة الحملة العنصرية على اليهود في عهد حكومة فيشي، ولم تثمر جهود الإثارة النفسية النازية لتأليب المسلمين ضد اليهود، على عكس بعض دول أوربا الشرقية وفرنسا نفسها، حينما شارك بعض السكان المحليين في مطاردة اليهود وقنصهم. لكن، بالرغم من عدم مجاراة المسلمين المغاربة لهذا. فقد تم تسجيل بعض الحوادث المعزولة من طرف أعوان المخزن، لم تتخذ طابعا منهجيا، من قبيل أمر بعض الباشوات بتفتيش نساء يهوديات وتجريدهن من الحلي والجواهر..قبل أن تصلها يد الفرنسيين لمصادرتها بمقتضى تشريعات فيشي.
وضعية «الذميين» التي حمت يهود المغرب
قامت حكومة فيشي بسن قوانين مماثلة لقوانين ألمانيا النازية فيما يخص تجميع اليهود وإرسالهم إلى معسكرات الإبادة في كل من ألمانيا وبولونيا، إلا أنه حينها رفض ملك المغرب آنذاك محمد الخامس الموافقة على القوانين النازية لحكومة فيشي، ورفض تسليم الرعايا اليهود لألمانيا، إذ قال جملته المشهورة: « أنا لست ملك المسلمين فقط، وإنما ملك لكل المغاربة».
الجدير بالذكر أن الأقلية اليهودية بالمغرب استنجدت بوضعية «الذمي» لمواجهة عزم الاستعمار الفرنسي في عهد الحكم النازي لفرنسا على تطبيق القوانين النازية ضد اليهود، ونص للمخابرات العسكرية الفرنسية واضح في إبراز هذا الموقف، يقول اليهود:» إن جلالة الملك سيخالف النص القرآني إذا ما صادق على إجراءات متناقضة نصا وروحا لمضمون القرآن، فإن للمسيحيين واليهود في نظرهم، الحق في العيش في أرض إسلامية، ولهم أن يقوموا فيها بجميع المهن التي لا مساس لها بالدين، على شرط أداء الضرائب واحترام التشريع الإسلامي.
ورغم ذلك فقد صدرت ما عرفت –حينها- بقوانين فيشي بعد تخفيفها إثر مفاوضات عسيرة بين السلطان محمد الخامس والجنرال نوغيس المقيم العام الفرنسي في 31 أكتوبر من سنة 1940، واستطاع السلطان أن يحفظ لليهود بعضا من مقومات الحياة الدينية والمدنية، ويقتصر تطبيق القوانين التمييزية على المجالات السياسية والاقتصادية.
وفي الواقع فإن التقاليد الإسلامية تميزت دوما بحماية اليهود من استقرارهم في كنف الدولة الإسلامية بالمدينة في فجر ظهور الدعوة إلى الإسلام، وهو الأمر الذي درج عليه ملوك المغرب –بدورهم- ليبلغ أفراد الطائفة اليهودية بالمغرب مراتب سياسية واقتصادية مهمة.
السلطان بن يوسف يصادق على الظهائر التي فرضتها حكومة فيشي بالمغرب
كان أشهرها ظهير 2 أكتوبر سنة 1940، الذي قضى بمنع اليهود المغاربة من ولوج الوظائف العمومية، بما فيها وظائف التعليم، باستثناء تلك المرتبطة بتدريس أبناء الطائفة اليهودية بالمغرب.
وفي 2 يونيو من سنة 1941، سوف يصدر قانون جديد ضمن ترسانة فيشي، الذي أجبر اليهود على الخضوع للإحصاء، والتصريح بممتلكاتهم المالية والعينية. تلا ذلك إصدار إطار تشريعي آخر وهو ظهير 5 غشت لسنة 1941 الذي أضاف لائحة طويلة من المهن حرمت ممارستها على اليهود.
نصت بنود هذا الظهير الأخير على منع اليهود من مزاولة جميع المهن المتعلقة بمجال المال والصيرفة، وكذا المهن المتعلقة بمجال الإعلام والصحافة، والأمر نفسه انطبق على المهن الإبداعية مثل السينما والمسرح، من قبيل المصورين السينمائيين، والمكلفين بفتح وإغلاق دور السينما، وكذا قابضي التذاكر الذين تم تسريحهم من وظائفهم السابقة.
إضافة إلى ذلك، تم تسريح 500 موظف يهودي من الإدارات العمومية، وبقي ثلاثة محامون من أصل ثلاثين يزاولون مهنة المحاماة، والأطباء اليهود بدورهم نالتهم قوانين الإقصاء هذه، إذ بقي فقط ما نسبته 2 في المائة من المزاولين للمهنة من الطائفة، بعد أن شكلوا 17 في المائة بمدينة الدار البيضاء وحدها.
كان تطبيق تلك المقتضيات القانونية الاستثنائية جد صعب، وتسبب في نزيف الإدارة الاستعمارية بالمغرب بشكل ملحوظ، كما تراجع عدد التلاميذ اليهود بالمدارس والمعاهد الفرنسية، التي تشددت معايير الولوج إليها بالنسبة لأبناء اليهود، خصوصا في مستوى التعليم الجامعي. في حين استمرت المدارس الإسرائيلية بالاشتغال بشكل عادي.
الحلفاء يحلون بالمغرب ويبعثرون أوراق حكومة فيشي
يعتبر ال8 من شهر نونبر 1942 تاريخا لا ينسى في ذاكرة المغاربة الذين فوجئوا بالقوات الأمريكية ترسو في جميع موانئ البلاد، تاركة القوات الفرنسية في حيرة من أمرها.
كان هذا التاريخ من أسعد أوقات المغاربة... وبالنسبة إلى مغاربة الجيل القديم، تبقى كلمة «الماريكان» لصيقة بالأغنية التي أداها الحسين السلاوي، والتي تحمل الاسم نفسه والتي بقيت محفورة في ذاكرة المغاربة منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا. كان هذا المغني الشهير يراقب عن كثب العادات والأحداث الجارية، وكان يرويها بطريقته الخاصة، من خلال أغانيه التي كانت تترجم الواقع، والتي كان يؤديها بآلة «الڭنبري» أو الناي.
كان المغاربة في صباح ال8 من نونبر على موعد مع القوات الأمريكية، حيث كان الجو باردا وممطرا، وكان ذلك حدثا عسكريا وجيو استراتيجيا بامتياز بالنسبة إلى الحلفاء. كما كان هذا الحدث نقطة تحول محورية في حياة المغاربة ومستقبلهم. فقد مضى المغاربة في المعركة ضد قوات التحالف إلى جانب الأمريكيين والإنجليز وقوات فرنسا الحرة. أما سياسيا، فقد كان الحدث بمثابة إشارة واضحة إلى التحولات الطارئة آنذاك في موازين القوى، والتي بدأت تطفو على الساحة الدولية.
بين ال7 وال8 من نونبر، وفي ليلة مظلمة، وتفاديا للتعرض لضربات القوات الجوية الألمانية، قامت القوات البحرية الأمريكية، بقيادة الجنرال س. د. باطون، بالقدوم من جبل طارق إلى السواحل المغربية، رغم الظروف الصعبة التي واجهوها، إذ تعرضوا أثناء إبحارهم لإطلاق نار من طرف القوات الفرنسية، بأمر من الجنرال نوڭيس، الذي كان مقيما في الرباط آنذاك، والذي أراد أن يدفع الغزو الأنجلو سكسوني.
كانت خسائرهم ثقيلة، خصوصا بعد هجومهم على القاعدة البحرية في القنيطرة، إلا أن صمودهم وآلياتهم، التي كانت أقوى بكثير من نظيرتها الفرنسية، أجبرت المقيم الفرنسي على وضع حد لمقاومة هذا الإنزال. كما أن الجنرال نويس، الذي كان الأمريكان يلقبونه ب»نو يِس» أي «نعم، لا»، لكثرة تردده في اتخاذ القرارات، وكان يخشى من أن يفيق المغاربة من سباتهم ويهددوا نظام الحماية، الذي فُرِض عليهم منذ 1912. (محمد كنبيب، الأمريكيون يحلون بالمغرب..)
كانت المنشورات التي وزعتها الطائرات الأمريكية على مدينة الدار البيضاء ومدن أخرى، فور دخولها المغرب، ترمي إلى إقناع المغاربة ب»حسن نية» الأمريكان، لكي يحظوا بمساندتهم. كما أنها استفزّت بشكل غير مباشر ممثلي نظام ڤيشي، فكانت هذه المنشورات وعلى رأسها رسالة روزفيلت الشهيرة، بمثابة استفزاز واضح للقوات الفرنسية، كما أن المقيم الفرنسي انتابه قلق شديد عندما تلقى جواب السلطان سيدي محمد بن يوسف لروزفلت، علما أن السلطان رفض مغادرة الرباط واللجوء إلى فاس، كما طلب منه ذلك الجنرال «نويس». وقد جاء جواب السلطان كالتالي:»عندما أكدت لنا قواتكم أنهم جاؤوا إلى المغرب كمحررين لا كمستعمرين... رحب جميع المغاربة بهم، كما يرحب بالأصدقاء. أضف إلى هذا أن المغرب ليست لديه أي خلافات مع الشعب الأمريكي.
لم يتأخر دوغول طويلا قبل أن ينحي نوغيس ويعوضه بمقيم آخر هو غابرييل بويو، الذي نجح بالفعل في إقناع الأمريكان بأن مصلحتهم تكمن في ابتعادهم عن الساحة المغربية وعدم التدخل بأي شكل يمكنه أن يمس الوجود الفرنسي في المغرب. كما أن هذا الجنرال نجح في زرع الشكوك داخل نفوس بعض الضباط الأمريكيين، مع تأكيده على مسألة التعاطف الألماني مع الوطنيين وعلى تفاعل الوطنيين مع كل ما يروج عن دول المحور.
وحرصا من إزنهاور على دفع قواته إلى تونس وإيطاليا، أخذ بعين الاعتبار ما تقدم به المقيم غابرييل، ولكنْ ولتفادي العداء المغربي، عمد إزنهاور لدى دخوله المغرب إلى الاستغناء عن مشاركة القوات البريطانية في عملية «الشعلة». وحسب ما أفادت به المخابرات الأمريكية، التي كانت تجوب شوارع المدن المغربية تحت غطاء «نواب القنصل»، فإن المغاربة المسلمين كانوا يُكنّون العداء للإنجليز، بسبب سياستهم العدوانية في فلسطين، خصوصا بعد قمع ثورة 1936 وإعلان خطة التقسيم 1937، أضف إلى ذلك تفجير بغداد في 1941 من طرف القوات الجوية البريطانية، مما زاد من كراهية المغاربة للإنجليز. كان لدخول الأمريكان المغرب دور هام في تطور الوضع في المغرب، فقد لعب استعراض القوات العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة واعتمادها على آليات عسكرية تفوق بكثير نظيرتها الفرنسية، زد على هذا معاملة الأمريكان للمغاربة، إذ كانوا يوزعون عليهم الملابس ويقدمون الشوكولاطة والحلوى والعلكة للأطفال الصغار، الشيء الذي لعب دورا كبيرا في اندحار التواجد الفرنسي.
عندما أحصى هتل يهود شمال إفريقيا
عند اندلاع الحرب العالمية الثانية كان هناك حوالي 400 ألف من اليهود يعيشون في شمال إفريقيا الفرنسية، وهم يمثلون ما يقارب 3 ٪ من سكان المنطقة. انتقل معظم يهود شمال إفريقيا من المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى التي طورها الاستعمار الفرنسي عمرانيا واقتصاديا، مثل الدار البيضاء والرباط وفاس بالمغرب، والجزائر العاصمة ووهران وتلمسان وسيدي بلعباس وقسنطينة بالجزائر. وفي تونس، هناك تونس العاصمة وصفاقس وسوسة، حيث كانوا يشكلون نسبة كبيرة من السكان غير المسلمين.
وفقا لإحصاء قامت به حكومة فيشي عام 1941، كان عدد اليهود الجزائريين يقارب 111 ألف نسمة بالإضافة إلى 6,625 من اليهود الأجانب. وكان يهود الجزائر مواطنين فرنسيين بموجب مرسوم كريمييوك سنة 1870 الذي منحهم الجنسية الفرنسية بالجملة، واشتغلوا داخل المؤسسات التعليمية والسياسية والاجتماعية في المستعمرة الفرنسية.
أما بالمغرب وتونس، فقد كان اليهود تحت سيطرة الاستعمار مثل جيرانهم المسلمين. ففي تونس كان هناك 68 ألف مواطن يهودي تونسي و3,200 من اليهود الإيطاليين و16,500 من اليهود الفرنسيين، وكذلك 1,660 من اليهود ذوي الجنسيات الأخرى، سيما البريطانية، وفي المغرب استقرت أكبر نسبة من اليهود بشمال إفريقيا، فقد بلغ عددهم حوالي 200 ألف، منهم قرابة 180 ألف من الرعايا المغاربة و12 ألف من المواطنين الفرنسيين والباقي أجانب. ليتضح بأن أكثر من نصف يهود المغرب العربي كانوا مستقرين بالمغرب.
المقيم العام نوغيس يحذر اليهود المتطوعين في الجيش الفرنسي
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة، وجه المقيم العام بالمغرب شارل نوغيس نداء للمغاربة والفرنسيين في منطقة الحماية الفرنسية سنة 1939، يدعوهم إلى التضحية للدفاع عن فرنسا، سواء بالمساهمة المباشرة في التموين والتسليح أو عن طريق مداخيل الصادرات.
وحينها، وجه السلطان محمد بن يوسف رسالة إلى الأمة المغربية في كل مساجد المملكة، يدعو فيها المغاربة لتقديم الإعانة الكاملة لفرنسا في مجهودها الحربي حتى يتحقق لها النصر. فوجد نداء السلطان صدى إيجابيا في صفوف الشعب المغربي الذي أعلن مساندته المطلقة لفرنسا، وعبرت عن ذلك رسائل وخطابات ومقالات وتصريحات إذاعية.
كان هناك أيضا مساهمة اقتصادية (مادية) للمغاربة بجانب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، إذ لم يكتف المغرب بمد فرنسا بالرجال، بل عبأ جل موارده الفلاحية والمنجمية والصناعية لدعم المجهود الحربي للميتروبول. ففي الميدان الفلاحي تم توسيع المساحة المخصصة للحبوب والقطن والمواد الزيتية، وتم تصدير جل الإنتاج إلى فرنسا. وفي القطاع المعدني والصناعي وضع المغرب رهن إشارة فرنسا استغلال المناجم المغربية، وتنازل لها عن جزء من مداخيل العملة الصعبة لمبيعات الفوسفاط.
كما قام المغرب بتبرعات واكتتابات لصالح فرنسا بلغ مجموعها حوالي 500 ألف فرنك فرنسي، ومن بين اللجان والمؤسسات التي نشطت في مجال التضامن المادي مع فرنسا لجنة الإخاء الحربي، ولجنة الإنقاذ الوطني، ولجنة كناش الغائب، وجمعية نساء الأسرى والمفقودين.
وكان اليهود المغاربة -بدورهم- قبيل الحرب الكونية الثانية، ينفقون بسخاء على المجهودات العسكرية الفرنسية، كما كان المئات من الشباب اليهودي يلتحقون بصفوف الجيش الفرنسي كقوات متطوعة في الفيلق الأجنبي. قبل أن يتم منعهم من ذلك.
وأثناء مناسبة الاحتفال بنهاية السنة الميلادية لعام 1940، قام ممثلو الجالية الإسرائيلية بالمغرب بإرسال برقية تهنئة إلى الجنرال نوغيس، الذي شكرهم على ذلك في جوابه، مع إضافة عبارة «بلغوا إخوانكم في الديانة، بألا يستغلوا ظروف الحرب...».
مؤرخ فرنسي يشكك في حماية محمد الخامس لليهود
في حوار له مع الموقع الفرنسي «مساواة وإنصاف»، رأى المؤرخ الفرنسي جورج بنسوسان بوسمان أن ما يجري تداوله من «أسطورة إنقاذ السلطان محمد الخامس لليهود المغاربة إبان الحرب العالمية الثانية» أطروحة عارية من الصحة، بل أنه تم توظيف اليهود في مواجهة حكومة فيتشي ولأسباب اقتصادية وسياسية.
كما أكد هذا المؤرخ المزداد في المغرب والمختص في اليهود الأوربيين أن القرار إبان الحماية كان في يد المقيم العام الفرنسي، ويتابع أن السلطان لم يعارض قرارات حكومة فيشي الخاصة باليهود سنتي 1940 و1941 التي تنص على حرمان اليهود في فرنسا والمستعمرات ومن ضمنها المغرب، من ممارسة العديد من المهن، بل صادق عليها السلطان بظهير شريف. ويبرز أن السلطان تدّخل لحماية اليهود في المجال الاقتصادي فقط «خوفا على المخزن الاقتصادي».
ويتابع أن السلطان في لحظة معينة واجه حكومة فيتشي ليؤكد أن اليهود المغاربة هم من مواطنيه، ولا يحق لفرنسا التدخل في شؤونهم، ولكنه لم يقدم على قرار سياسي يترجم هذه الإرادة. ويتابع هذا المؤرخ أن الملك محمد الخامس «التقى مرة واحدة اليهود بعد قرارات فيشي، وكان ذلك بشكل غير رسمي في ربيع 1942 ولم يتخذ قرارات تحميهم علانية».
ويتابع أن الأطروحة التاريخية القائلة بأن السلطان محمد الخامس واجه فرض النجمة السداسية الصفراء على ملابس اليهود، وهو قرار نازي، ليس صحيحا لأن النجمة الصفراء في ملابس اليهود جرى تطبيقها في الأراضي التي كانت تحت السيطرة الألمانية، وجرى تطبيقها فقط في منطقة صفاقص التونسية التي سيطر عليها الألمان لمدة ستة أشهر، ولم تطبق في المغرب أو الجزائر حتى يواجهها السلطان.
وفي المقابل يؤكد أن السلطان تضامن مع اليهود المغاربة عندما أقدمت فرنسا على منحهم 50% فقط من المواد الغذائية مقارنة مع المغاربة المسلمين، وحينها زار السلطان بعض الأحياء اليهودية «الملاح» وتأسف لهذه السياسة التمييزية وبقي هذا الموقف عالقا في ذاكرة اليهود الذين عادة ما يروون حيثياته، حتى بعد انتقالهم إلى إسرائيل، ليتعرضوا لشتى أنواع التهميش والاحتقار من طرف يهود أوربا، معتبرين بأن عيشهم في المغرب كان أقل ضررا...
هذه أول مرة يقدم فيها مؤرخ فرنسي يهتم باليهود أطروحة تحاول التقليل من مساعدة السلطان محمد الخامس لليهود المغاربة، في مواجهة قرارات حكومة فيشي الفرنسية، التي كانت عميلة لألمانيا النازية.
معسكرات النازية للاعتقال والأشغال الشاقة بالمغرب
بالنسبة لمعسكرات الأشغال الشاقة فقد تمركزت بكل من الدار البيضاء، وإيم فوت ومراكش ومولاي بوعزة وعكراش «الرباط» وسطات وسيدي علي العياشي. أما معسكرات الاعتقال فكانت في الصخيرات وواد زم وبوذنيب ومعسكر «بولهو» وجرادة وايموزار وقصبة تادلة وقصر السوق ومراكش ومديونة وميدلت وميسور وموغادور «الصويرة» وواد مونود ومرفأ ليوطي وآسفي وتنودجا.
وبالنسبة لمعسكرات كل من بوعرفة وتندرارة المنبهة ومريدجة، فقد كانت عبارة عن أوراش كبيرة تابعة لمناجم جرادة لبناء خط السكة الحديدية المتوسط-نيجر، وتراوحت أعداد تلك المعسكرات والمعتقلات العشرات، قام بجردها ميشيل أبيطول في كتابه «معسكرات فيشي، مغارب والصحراء 1939-1944». كما أصدر الباحث نفسه مؤلفا آخر عن يهود الصحراء تحت عنوان : «يهود إفريقيا الشمالية تحت حكم فيشي».
تم تشييدها خصيصا لإيواء المجموعات السياسية المعارضة للنازية، وغير المرغوب فيها إبان عهد حكومة فيشي بالمغرب، مثل الشيوعيين، والنقابيين، والمحاربين-القدامى- الذين قاتلوا إلى جانب القوات الجمهورية في الحرب الأهلية الإسبانية، وأنصار شارل دوغول قائد «فرنسا الحرة» والوطنيين الجزائريين والمغاربة. والمحاربين الأجانب (روس، أتراك، ألمان، يهود، نمساويون..) الذين حاربوا إلى جانب القوات الفرنسية قبل هزيمة فرنسا واحتلال باريس من طرف قوات الرايخ الثالث المندفعة، وإلى جانب هؤلاء، الذين كانت تعج بهم معسكرات الأشغال الشاقة، كان هناك أيضا الشواذ وبعض مسجوني الحق العام واليهود الذين شكلت نسبتهم حوالي 10 في المائة من نزلاء تلك المعسكرات النازية بشمال إفريقيا السيئة الصيت. كانت ظروف الاحتجاز داخل هذه المعسكرات جد قاسية، فإضافة إلى سوء التغذية والأمراض، تكلف المعتقلون بمد خط السكة الحديدية لخط المتوسط-النيجر حيث لقي الآلاف حتفهم من التعب والجوع بالمناطق الصحراوية، إضافة إلى صنوف التعذيب التي كان يمارسها سجانو المعسكرات، الذين حوكم الكثير منهم بعد الحرب وأعدم بعضهم.
معروف الدفالي *: الزعيم الوحيد للوطنيين آنذاك كان هو السلطان بن يوسف
- كيف تقبل المقيم العام بالمغرب شارل نوغيس تنصيب حكومة فيشي بفرنسا؟
الحديث عن هذا يجرنا للهزيمة العامة التي لحقت فرنسا أمام القوات النازية والإيطالية، والتي لم تكن سهلة الاستيساغ، لا على المستوى النفسي أو على المستوى المادي، فثلاثة أخماس فرنسا أصبحت محتلة وأزيد من مليون جندي فرنسي وقعوا أسرى بيد الألمان، كما يمكن القول بأن فرنسا تقهقرت من كونها قوة استعمارية «عظمى» إلى درجة أصبحت معها بعض الدول كإسبانيا مثلا أهم منها، فكل هذه الأمور أثرت على الفرنسيين جميعا.
أما فيما يخص المقيم العام نوغيس، فالكثيرون تحدثوا عن علاقاته المقربة بدول المحور (إيطاليا/ألمانيا) إلا أنها تبقى أمورا مغلوطة، فبالعكس كان من أرفع القيادات العسكرية إبان الحرب الكونية الثانية، كما كان من أشد المتشبثين بالتواجد الفرنسي بأفريقيا الشمالية، لكن التغيير الذي لحق مواقفه جاء نتيجة لضغط حكومة فيشي التي أصدرت قراراتها القاضية بوقف الحرب ضد دول المحور، ولم يمتثل نوغيس لتلك القرارات إلا في اللحظات الأخيرة، حين أصبح يرى أن منصبه بالمغرب بات مهددا..
- ما هي التحولات التي طالت السياسة الاستعمارية الفرنسية بالمغرب بعد تنصيب حكومة فيشي؟
أكيد أنه كانت هناك تحولات مهمة، لأن حكومة فيشي كان لزاما عليها أن تغير الأمور بصفة جذرية بالمغرب وسائر المستعمرات الفرنسية، فشعار الجمهورية الشهير إخاء/مساواة/حرية» استبدل بشعار آخر «أسرة/عمل/وطن» ، إضافة إلى مجموعة قوانين استصدرت بصورة عاجلة لم تطبق على المغاربة فقط، وإنما طالت الأوربيين كذلك، فمجموعة كبيرة من القادة والضباط العسكريين الفرنسيين أحالتهم حكومة فيشي على التقاعد المبكر بدعوى تشبيب الجهاز العسكري، والأمر نفسه بالنسبة للإدارات المدنية، حيث استبدلت العديد من الموظفين بآخرين موالين للحكومة الجديدة.
- هل طالت قوانين تشريعات فيشي اليهود لوحدهم؟
لا، لم يتضرر اليهود لوحدهم من تشريعات فيشي، وإنما جميع الحركات والتوجهات السياسية التي كانت ترى حكومة فيشي أنها مناوئة لها، مثل الشيوعيين الفرنسيين والمغاربة وأعضاء الحركة الماسونية الذين تعرضوا جميعا للتشتيت والمطاردة، ثم اليهود. الذين شملتهم تلك القوانين –التمييزية- إلى جانب المسلمين وحتى بعض الأوربيين كما أسلفت، وكانت معبرة في فلسفتها-عموما- عن العقيدة النازية.
- بمناسبة تطبيق قوانين فيشي القاضية بتصفية ممتلكات اليهود بالمغرب، تم نهب العديد منها وتأخير تصفيتها لكثرة عائداتها، هل ذلك صحيح؟
طبعا، فعند إصدار القوانين فإنها لا تطبق -عادة- بحذافيرها، حيث نجد بعض التخصيص في تطبيقاتها، كما نجد كذلك نوعا من التطرف أيضا، فمثلا، ضبط أحد اليهود المغاربة الأثرياء وهو يقدم قرضا ماليا لإحدى المجموعات الشبابية الفرنسية، التي أرادت التطوع بقوات «فرنسا الحرة»، مسوغا لاعتقاله، وعذب ومات بالسجن...لكن هذا لا يمنع من أن بعض اليهود احتفظوا بثرواتهم وممتلكاتهم .
- ما سبب تلك الانتقائية في نظركم؟
نوغيس نفسه لم يكن متفقا 100 في المائة مع مقتضيات فيشي، إذ كان نفسه يعمل على تخفيف وطأة تطبيقها، فالعديد من المجموعات التي أرادت حكومة فيشي تصفيتها بالمغرب كانت متعاونة مع نوغيس، مثل الحركة الماسونية والشيوعيين وغيرهم... وكان هدف نوغيس الأساس، هو الإبقاء على تبعية المغرب لفرنسا، وألا يسقط مستعمرة مباشرة للألمان، والمسعى نفسه دأب عليه كذلك حتى بعد إنزال الأمريكان على الشواطئ المغربية الأطلسية، لأنه كان شديد التعلق بالإبقاء على استعمار فرنسا للمغرب ولشمال إفريقيا عموما.
- كان موقف المخزن متأرجحا بين معارضة قوانين فيشي (محمد الخامس) والحماس لأجل فرضها (محمد المقري) كيف تفسرون تلك الازدواجية في المواقف؟
يجب الانتباه إلى بعض الوقائع الدقيقة في فترة الحماية، فالسلطان بن يوسف كان رجلا قد اكتسب مراسا جيدا، ومع الأسف العديد من الكتابات لم تفهم شخصيته ومواقفه جيدا، فكان يتعاون مع فرنسا في اللحظة التي يرى فيها أن ذلك مفيدا للعرش أو للوطن، ويقف ضدها إذا كانت تسعى ضد مصالح العرش والوطن، كما كان يختار الحياد أحيانا إذا ما بدا له إيجابيا.
وبالنسبة لعلاقته باليهود، فقد كان يعتبرهم بمثابة رعاياه، والتراث التاريخي حافل بنماذج علاقات متقدمة لليهود بدوائر السلطة، إذ نعلم أن العديد من التجار اليهود المغاربة سيروا تجارة وأموال المخزن في السابق..، لكل تلك الأسباب رفض السلطان بن يوسف أن تطبق قوانين فيشي على رعاياه من اليهود أسوة بالمسلمين. أما بخصوص مواقف المقري، فلم يسجل هكذا موقف بمناسبة تطبيق تشريعات فيشي فقط، فالمقري كانت له مواقف مخالفة بالرغم أنه من الأشخاص الذين ساهموا في تربية محمد الخامس...
- كيف تفسرون مواقف المقري تلك؟
أظن أن أي رجل سلطة وأي سياسي يحسب الأمور دائما لمصلحته ويفكر في الأبعاد، فبالنسبة له بدا له أن «فرنسا الجمهورية» انتهت وأن مصير المغرب هو بيد حكومة فيشي، وبالتالي كان لزاما عليه أن يطيع سادته الجدد، فهو تاريخيا كان يطيع السيد ولو تغير ذلك السيد بآخر...
- هل كان للوطنيين المغاربة دور في التأطير السياسي للسلطان بن يوسف؟
المرحلة التي أتحدث عنها لم يكن هناك وطنيون في الساحة، جلهم كان معتقلا أو مطاردا أو موجودا في المنافي، الزعيم الوحيد للوطنيين آنذاك كان هو السلطان بن يوسف، ولما حلت حكومة فيشي بالمغرب ولجنة الهدنة من الضباط الإيطاليين والألمان، كان يظهر قلقا كبيرا على العرش وعلى بلده. فنوغيس نفسه يحكي قائلا : «كلما قابلته كنت أجده مضطربا، وكنت أحاول أن أخفف عنه، ومن تدابير التخفيف عنه، أني كنت آخذه في زيارات للمدن المغربية والمناطق، لأنه عندما كان يرى استقبال شعبه له وهتافه بالشعارات كان ينسى كل همومه...».
- كيف استغل السلطان هذا الإنزال لفرض مطلب استقلال المغرب على فرنسا؟
هنا كذلك يجب الانتباه، لأن هذا الإنزال لم يكن فجائيا، فقد سبقته دعاية وتحركات أمريكية بشمال أفريقيا، والاتصال بالحكام الفرنسيين لأجل استمالتهم في صف الحلفاء عبر تقديم مساعدات اقتصادية، وهنا كذلك نستحضر بن يوسف، فالأمريكيون اتصلوا به قبل الإنزال عن طريق مخبريهم بالمغرب، وتم تبادل رسائل عديدة-سرية- بين السلطان بن يوسف وبين الأمريكيين، بالرغم من أن معاهدة الحامية واضحة في نصها على عدم التعامل أو التخابر مع دول أجنبية . لكن رغم ذلك جازف محمد الخامس لأن حلمه كان متمثلا في أن يستقل بلده وأن يصبح قويا، ومن هنا جاء موقفه بدعم فرنسا في الحرب العالمية الثانية، لأنه كان يرى بأن في حال انتصار الحلفاء، فإن ثمار هذا الانتصار سوف تعم الجميع، فالرجل –محمد الخامس- كان يبحث عن الاستقلال وعن شروط أفضل لبلده.
- هل يمكن القول بأن المغرب خضع طيلة سنتين من عهد فيشي بالمغرب للسيطرة النازية ؟
من الصعب القول بذلك، لأن لجان الهدنة (العسكرية) الألمانية والإيطالية، التي حلت لمراقبة استسلام فرنسا بالمغرب، كان عددها في البدء محدودا قبل أن يشمل أغلب الشواطئ والمدن المغربية، وتسربت حتى داخل القرى، لكن المقيم العام نوغيس كان يتضايق منها كثيرا ومن تحركاتها، وحرص على أن يبقى ولاء المغرب لفرنسا الجمهورية وليس لفرنسا فيشي الموالية للنازية.
* مؤرخ مختص في تاريخ الزمن الراهن
أعد الملف - منصف يوسف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.