ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    المغرب وجل الشعب غاضب / 1من5    إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف خيوط رعايتها للإرهاب وتهديدها لأمن الساحل وإستقرار إفريقيا    "المغرب في قلب التحديات: نحو مجتمع متماسك وآمن"    جديد قضية اغتصاب "قاصر السراغنة"    بين نور المعرفة وظلال الجهل    يهم مرضى السرطان بالريف.. وزارة الصحة تخفض أثمان عدد من الأدوية    لا يوجد نظام في العالم يشبه النظام العسكري الجزائري.. شبح التدخلات وازدواجية المعايير    الذئب الذهبي الإفريقي يعود إلى الواجهة في منتزه الحسيمة    ترامب يلوّح بفرض رسوم جمركية إضافية على الصين    مالي تكشف تورط الجزائر في تقويض أمن المنطقة    رسميا.. "الديربي" بين الوداد والرجاء السبت القادم انطلاقا من الساعة الثامنة مساء ب"دونور"    الاتحاد الاشتراكي يعلن الانخراط في مبادرة تشكيل لجنة تقصي دعم مستوردي المواشي    معرض الكتاب بالرباط يستقبل الشارقة كضيف شرف ويحتفي بمغاربة العالم        حزب "القوة الشعبية' البيروفي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة بشأن الصحراء المغربية    مندوبية السجون تقطع على أسر النزلاء فرصة تسريب الممنوعات        فضيحة لغوية في افتتاح المعرض الدولي للكتاب: الوزير بنسعيد منشغل بهاتفه وشاشة العرض تنحر اللغة    تفاصيل مثيرة.. نفق تهريب الحشيش بين سبتة والفنيدق يورط عناصر أمنية    غزة.. قادة مصر والأردن وفرنسا يبحثون هاتفيا مع الرئيس الأمريكي سبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لأقل من 17 سنة.. المنتخبان الإيفواري والمالي يحجزان بطاقة العبور لربع النهائي    توقعات أحوال الطقس ليوم الثلاثاء.. ارتفاع ملموس في درجة الحرارة    الضمان الاجتماعي يعلن عن مستجدات هامة تخص معاش التقاعد واسترجاع الاشتراكات للمستقلين    النفط عند أدنى مستوى في 4 سنوات بسبب الحرب التجارية    تحطيم سيارات يستنفر شرطة إنزكان    المغرب يتوج بجائزة سياحية مرموقة    الأطر الصحية بوجدة تتضامن مع غزة    بايتاس يؤطر مستشاري شؤون البرلمان    هل يُقلق وضوح إدريس لشكر بعض «المحللين والإعلاميين»؟    ‬كيف ‬نفكر ‬في ‬مرحلة ‬ترامب ‬؟    بنعلي يؤكد بطلان رقم "13 مليار درهم" المروج حول دعم استيراد الأضاحي    السلطات الصحية البريطانية تحقق في إصابة بفيروس (إمبوكس) غير معروفة الأسباب    النشاط الصناعي.. بنك المغرب: ركود في الإنتاج وارتفاع في المبيعات خلال فبراير 2025    يحتضنه المغرب في سابقة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط .. ندوة تقديمية للمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا اليوم بالرباط    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على انخفاض حاد    مضاعفات الحمل والولادة تؤدي إلى وفاة امرأة كل دقيقتين    أصغر من حبة الأرز.. جيل جديد من أجهزة تنظيم ضربات القلب يذوب في الجسم    وزارة الصحة المغربية تُخلّد اليوم العالمي للصحة وتطلق حملة للتحسيس بأهمية زيارات تتبع الحمل    "الإبادة في غزة" تطارد إسرائيل.. طرد سفيرها من مؤتمر إفريقي    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    بعد طردها من مايكروسوفت…ابتهال المغربية تتوصل بعرض عمل من ملياردير كويتي    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    أوزود تستعد لإطلاق النسخة الأولى من "الترايل الدولي" الأحد المقبل    علوم اجتماعية تحت الطلب    مبابي: "أفضل الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا على أن الكرة الذهبية"    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    مزراوي يحظى بإشادة جماهير مانشستر يونايتد    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحاج هتلر» والمغاربة
عندما احتفل المغرب باحتلال الجيش الألماني لباريس
نشر في المساء يوم 22 - 10 - 2013

هل كان المغاربة يعرفون هتلر في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي؟ كيف كانوا يتصورونه؟ هل كانوا يعتقدون أنه يحمل لحية وأنه اعتنق الإسلام، مثلما راج عن الماريشال ليوطي من قبل وكما حصل للمصريين مع نابليون في نهاية القرن التاسع عشر؟ الأكيد أن هتلر لم يكن يعرف أين يوجد المغرب، وأن الكثير من المغاربة لم يكونوا يعرفون أين توجد ألمانيا. ورغم أن هتلر عرف المغرب فقط من خلال فرنسا، عندما احتلها جيشه في نهاية الثلاثينيات، حين كان يسعى إلى مد نفوذه أو«مجاله الحيوي» إلى المناطق التي كان يحتلها الحلفاء، إلا أنه ذكر المغرب مرة واحدة فقط في خطاباته الكثيرة والمطولة، وذلك في 30 يونيو من عام 1937 عندما قال غاضبا عن بريطانيا التي كانت تتواجد بجبل طارق قريبا من المغرب:»لا يمكن الحفاظ على السلم في الوقت الذي توجد فيه مجموعة دولية غير مسؤولة تواصل إحداث القلاقل. إنني أتأسف كثيرا لكون وزير الخارجية البريطاني لم يشر بأي كلمة حق إلى ما يدور من أقاويل حول المغرب الممزق بسبب هذا النوع من الحروب العالمية». فقد كان هتلر يسعى إلى عقد تحالف مع بريطانيا في تلك السنة لكن بريطانيا رفضت العروض التي قدمها لها، وكان الزعيم النازي يشكو من مضايقة لندن لألمانيا في مناطق نفوذها بأوروبا.
عندما دخلت ألمانيا النازية الحرب العالمية الثانية ضد الحلفاء وضع هتلر نصب عينيه هدفا أساسيا في مناوراته الدولية، وهو كسب البلدان العربية والإسلامية إلى صفه. فقد كانت هناك قضيتان تغريان بمثل هذه السياسة التي نهجها القائد النازي تجاه العالم العربي والإسلامي: القضية الأولى هي احتلال اليهود لفلسطين، إذ كان يرى أن عداءه لليهود وملاحقتهم في جميع البلدان الأوروبية التي احتلها سيجعل العرب يتعاطفون معه بسبب هذا العداء المشترك لليهود، لذا سعى إلى كسب ودهم والتلويح لهم بالتخلص من الاحتلال اليهودي لفلسطين في حال نجح في حروبه مع الغرب. أما القضية الثانية فهي أن جل البلدان العربية كانت تحت الاحتلال الفرنسي والبريطاني، وهما اثنان من البلدان التي يخوض ضدها الحرب، وهذا عامل آخر يجعل العرب يراهنون على الانتصار الألماني للحصول على استقلالهم.
ما إن اشتعل أوار الحرب بين المحور والحلفاء حتى انقسم العرب بين مؤيد للطرف الأول ومناصر للطرف الثاني. ولكي تجتذب ألمانيا أكبر الدعم من العالم العربي قدم هتلر وعودا شفوية للعرب بتأييدهم في العراق وسوريا بوجه خاص، فبدأ الزعماء العرب يتقاطرون على برلين لمقابلة هتلر والمسؤولين الألمان الآخرين، للحصول على تأكيدات أوضح حول تلك الوعود والتعهدات.
كان الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس ورئيس اللجنة العربية العليا، أبرز الشخصيات التي راهنت على ألمانيا النازية لاسترداد الحقوق العربية. فقد تمكن من الفرار من القدس والانتقال إلى ألمانيا حيث أقام بضع سنوات. وقابل هتلر في برلين كما قابل موسوليني في روما لإقناعهما بالدفاع عن القضايا العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، واستطاع الحصول على وعود بأنه في حال ربح الحرب فإن البلدان العربية جميعا ستنال حريتها. وقد لعب الحسيني دورا في الترويج لألمانيا في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، نظرا لموقعه، كما ساهم بشكل كبير في دفع عدد من العرب للقتال بجانب الألمان، ويقال بأنه تلقى وعدا بإرسال جنود ألمان لقتال اليهود إلى جانب الفلسطينيين.
حزب نازي في تطوان
في الوقت الذي كان هتلر يمد نفوذه في البلدان الأوروبية لتوسيع مجاله الحيوي ويحرز انتصارا تلو الآخر، كانت إسبانيا التي يقودها الجنرال فرانكو تحتل موقعا مهما في الاستراتيجية الألمانية في المتوسط. أراد هتلر أن تكون مدريد رأس الحربة في معركته ضد فرنسا التي تحتل الجزء الأكبر من المغرب، لذلك وفر الدعم العسكري للجنرال في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من 1936 إلى 1939، على أساس أن تصبح إسبانيا إلى جانب إيطاليا المحاور الأهم في سياساته الأوروبية العسكرية.
في عام 1937 بدأت إسبانيا تفكر في التخلي عن المغرب بسبب عدم قدرتها على التحكم في الأمور، والتكلفة المالية العالية التي تكلف خزينة الدولة الفقيرة التي خرجت للتو من حرب أهلية طاحنة. هذا الخبر نشرته مجلة «جيرالدتون غواردين آند إكسبرس» البريطانية في 2 يونيو من ذلك العام، لكن ربما كان تلويح فرانكو بالانسحاب مجرد مناورة للحصول على المزيد من الدعم الألماني والتأييد غير المشروط لسياساتها من طرف هتلر. ففرانكو نفسه هو من أخذ بعد ذلك في ممارسة الضغط على المولى الحسن بن المهدي، الخليفة السلطاني بتطوان، من أجل غزو الجزء الفرنسي من المغرب لكي يصبح المغرب كله تحت الاحتلال الإسباني، واعدا إياه بتنصيبه سلطانا على البلاد بأكملها، بل احتلت جيوش الجنرال مدينة طنجة الدولية لمدة خمسة أيام قبل أن تغادرها بعدما لاحظت عدم تأييد ألمانيا لتلك الخطوة، مراعاة لفرنسا التي وضع هتلر على رأسها الماريشال فيليب بيتان الذي قاد ما سمي ب«حكومة فيشي»، نسبة إلى هذه المدينة الفرنسية.
في نهاية 1936 أو بداية 1937 وضعت ألمانيا حزبا نازيا صغيرا بمدينة تطوان، يرأسه شخص كان يدعى أدولف لانغنهام الذي كان آنذاك في الرابعة والستين من العمر، وكان عدد النازيين التابعين لذلك الحزب لا يتجاوز خمسة وثلاثين فردا. كان لانغنهام قد عاش في المغرب سنوات طويلة قبل ذلك التاريخ، وظل في تطوان إلى نهاية 1944 حينما طلبت منه إسبانيا الرحيل.
ورغم أن لا شيء يعرف عن النشاطات التي كان هذا الحزب الصغير يقوم بها، إلا أن الأرجح أنه كان مكلفا بربط الاتصال بالزعماء الوطنيين المغاربة في الشمال، والإشراف على الدعاية الإعلامية التي كانت النازية تقوم بها تجاه المغاربة والجزائريين والتونسيين، لتوحيد الشعور الوطني وتوجيهه ضد الاحتلال الفرنسي.
فقد استثمرت ألمانيا النازية في السياسة الدعائية بشكل كبير، من أجل إقناع المغاربة وشعوب البلدان المغاربية الأخرى بصلاحية سياساتها لهم. ولذلك حولت تطوان وطنجة وسبتة إلى مراكز للدعاية الإعلامية، حيث أنشأت إذاعات محلية وصحفا ناطقة بالعربية والأمازيغية والفرنسية، من بينها جريدة «الدنيا الجديدة»، كانت توزعها وسط المواطنين مجانا بالآلاف.
ولكي تستقطب ألمانيا تعاطف الشعوب المغاربية أنشأت في برلين لجنة للدفاع عن المغرب العربي، وأطلقت حوالي 60 ألفا من السجناء المتواجدين في معتقلاتها أو في معتقلات البلدان الأوروبية التي احتلتها، ومنها فرنسا. كما أصدرت صحفا بالعربية والأمازيغية خاصة بهؤلاء السجناء الذين كان بعضهم معتقلا على خلفية الكفاح من أجل الاستقلال، من بينها «لسان الأسير»و«الجهير» و«بريد الشرق». وهكذا بدأت ألمانيا النازية تظهر في أعين الشعوب المغاربية بمثابة المخلص لها من نير الاحتلال، ويقصدها المغاربة الذين وثقوا في
سياستها.
تقي الدين الهلالي وهتلر
كان أول المغاربة الذين التحقوا بألمانيا هو محمد تقي الدين الهلالي، الذي زاول الصحافة في ألمانيا وأصبح فيما بعد عالما سلفيا ثم عاد إلى المغرب وعمل على نشر الفكر السلفي وسط النخبة المغربية. درس الهلالي في المدينة المنورة ومكة المكرمة وعمل إماما في المسجد النبوي لمدة عامين، وبعد ذلك توسط له شكيب أرسلان، الذي كانت له علاقات مع مسؤولين ألمان، فسافر الهلالي إلى برلين حيث تابع دراسته في جامعتها، وبعد حصوله على الدكتوراه دخل مجال التدريس الجامعي هناك. وكان شكيب أرسلان نفسه يكتب مقالات في الدفاع عن ألمانيا في جريدة «الوحدة المغربية» التي كان يصدرها محمد المكي الناصري في الشمال. وصادف أن التقى هتلر في السنة نفسها التي احتل فيها فرنسا، اي 1940، بحضور يوسف بحري، وهو صحافي عراقي كان يقوم بتغطية وقائع الحرب العالمية الثانية من الإذاعة الألمانية، فأصبح الهلالي صحافيا بالقسم العربي بنفس الإذاعة يفتتح فقراته الإذاعية دائما بعبارة «هنا برلين، حي العرب». فقد كان الهلالي يرى في هتلر الزعيم الذي سيخلص العرب من الاستعمار الأجنبي، ويذكر عنه أنه كان ينكر الهولوكوست اليهودي، بسبب التعصب للزعيم النازي. وأثناء سقوط باريس ودخول ألمانيا العاصمة الفرنسية أذاع الهلالي برنامجا خاصا في راديو برلين عن الظهير البربري، للتعريف به والدعوة إلى إسقاطه.
ويروي الحاج أمين الحسيني في مذكراته أن تقي الدين الهلالي زاره في شهر دجنبر 1941، حيث طلب منه التوسط لدى هتلر لإنقاذ البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي من أسر الفرنسيين. ورفع الحسيني بالفعل طلبا في الموضوع إلى وزارة الخارجية الألمانية، طالبا تدخلها لتخليص الخطابي من الاعتقال، عارضا عليها في نفس الوقت تعاون الخطابي مع ألمانيا في حال تحريره، لكن هتلر لم يقم بأي خطوة في الأمر بسبب عدم رغبته في إغضاب إسبانيا، التي كانت دولة حاربها الخطابي. ويذكر الحسيني أنه تقدم بعد ذلك بطلب إلى الخارجية الألمانية للتدخل من أجل الإفراج عن التونسيين الحبيب بورقيبة ويوسف بن صالح وآخرين، فتم الإفراج عنهم.
هتلر يقسم المغاربة
شكل احتلال باريس من طرف ألمانيا في يونيو من عام 1940 منعطفا حاسما في مواقف الوطنيين المغاربة، سواء في الجانب الشمالي حيث كان الاحتلال الإسباني، أو في الجانب الجنوبي حيث كان الاحتلال الفرنسي. لكن بعيدا عن النخبة السياسية كان المواطنون هم الذين اندفعوا وراء تأييد «فتوحات» هتلر، الذي كانت جيوشه تحقق الانتصارات الباهرة ضد جيوش البلدان الأوروبية، مما فجر سيولا من التعاطف الشعبي معه. وأخذ الناس يصفونه ب«الحاج هتلر» ويتداولون إشاعة تقول بأنه اعتنق الإسلام، خاصة وأن مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، كان يظهر إلى جانبه في صور يتم توزيعها داخل الصحف الموالية للنازيين. وانتشرت بعض الأغاني البطولية التي تمجد القوة الألمانية وتصف هتلر ب«السبع» أو«ولد السبع» الذي قهر جيوش المحتلين.
أدهشت السهولة التي سقطت بها باريس الكثيرين، ففرنسا التي كانت الدولة الاستعمارية القوية التي قهرت الفدائيين والمقاومين، وشكلت نموذج الحضارة المنيعة، سرعان ما تهاوت أمام جحافل المقاتلين الألمان الباسلين. هذه الصورة كانت كافية لرسم نموذج خيالي لألمانيا النازية التي ستدوم طويلا، وستمكن المغاربة وباقي الشعوب الأخرى في المنطقة من الحصول على الحرية دون قتال.
لكن الانتصار الألماني على فرنسا لم يكن محط إجماع من حيث التعاطف الكبير الذي أثاره. فقد انقسم المغرب بين الموقفين الرسمي والشعبي. فقد اختار المغرب الرسمي، ممثلا في السلطان محمد بن يوسف، موقفا مؤيدا لفرنسا في كفاحها من أجل استرداد حريتها، وأعلن تضامنه سريعا مع الفرنسيين والحرب على ألمانيا. ففي 3 شتنبر 1939 صدر الأمر السلطاني بالإعلان الرسمي للحرب ضد ألمانيا، واجتمع الناس في المساجد يستمعون إلى خطاب محمد بن يوسف الذي جاء فيه»ابتداء من هذا اليوم الذي اتقدت فيه نيران الحرب والعدوان، وإلى اليوم الذي يرجع فيه أعداؤنا بالذل والخسران، يتعين علينا أن نبذل لفرنسا الإعانة الكاملة، ونعضدها بكل ما لدينا من وسائل، غير محاسبين ولا باخلين».
وهو الموقف الذي جعل الحلفاء يقررون عقد مؤتمرهم بالمغرب سنة 1942، والذي سمي«مؤتمر أنفا»، بحضور السلطان المغربي، كما حظي محمد بن يوسف في رحلته الرسمية إلى باريس في يونيو 1945 بوسام «رفيق التحرير» من يد الجنرال دوغول، من دون سائر الزعماء العرب الذين أيدوا الاحتلال الألماني.
أما في الساحة السياسية فقد حصل الانقسام بين الوطنيين في الشمال وزملائهم في المنطقة الجنوبية. وكان«الحزب الوطني» لعلال الفاسي يمثل هذا الاتجاه الثاني. ففي 26 غشت 1939 زار كل من أبي بكر القادري ومحمد غازي وأحمد الشرقاوي، بتكليف من علال الفاسي، المقيم العام الفرنسي وبلغوه رسالة يؤكدون فيها وقوفهم إلى جانب فرنسا واستعدادهم لخوض الحرب بجانبها و«ضرورة تكتيل القوى المادية والمعنوية في ساعة الخطر لمواجهة الطوارئ التي قد تلحق أذى بوجود المغرب وبمصالح فرنسا».
يقول عبد الله الجراري، الذي شارك في الدعاية المضادة لألمانيا، في وصف تلك المرحلة: «في السنة الثانية من اشتعال الحرب فكرت حكومة الحماية في خلق وسيلة من وسائل الدعاية لقوتها وقوة حلفائها، والعمل على تحطيم أعدائها الألمان ومن لف لفهم من قوة المحور، وانتهت بها النتيجة بصدور الأمر إلى شخصيات مغربية بارزة من وزراء وكتاب وعلماء قصد تهييء خطب في الموضوع للنيل من قوة المحور والنازية بصفة خاصة، وألزم عدد ممن ذكر وسواهم من الأدباء بالمشاركة أسبوعيا، حيث كان موعد إلقاء الخطب مساء كل خميس على جناح الأثير(الإذاعة)، فخطب الوزراء: محمد ملين ومحمد الحجوي ومحمد العربي العلوي، وقضاة منهم البشير بن عبد الله الفاسي وإدريس بن خضراء. أما الشيخ المرحوم المدني بن الحسني فاتخذ وسائل ووسائط لإعفائه من المشاركة، والمؤلف عبد الله الجراري(يعني نفسه) طلب منه هو أيضا المشاركة في الدعاية، ولما لم يجد بدا من إعفائه من ذلك لجأ لتهييء موضوع لم يكن مترقبا لدى المسؤولين وأذنابهم من دعاة الفكرة، فألقى محاضرة موضوعها الزكاة ومفعولها في الإسلام».
أما في المنطقة الشمالية فقد كان الموقف مختلفا. فقد كان التقارب بين ألمانيا النازية ونظام فرانكو في إسبانيا يشجع الوطنيين هناك على تأييد الموقف الألماني باعتباره مفتاحا إلى إقناع السلطات الإسبانية بجدوى مطالبهم في الحصول على الاستقلال، فكانوا بذلك يسعون إلى إنشاء تحالفات جديدة تتيح لهم الوصول إلى أهدافهم. كما أن الجنرال فرانكو كان قد شن سياسة جديدة مختلفة تجاه الحركة الوطنية في الشمال، نظرا لظروف الحرب، حيث أطلق الحرية للوطنيين وسمح بتأسيس الأحزاب السياسية وإصدار الصحف.
وفي هذا الوقت بدأ الوطنيون في الشمال بربط الاتصال بكل من ألمانيا وإيطاليا، لمعرفة مدى استعدادهما لفتح الملف المغربي وتأييد مطلب الاستقلال. وكان من بين هؤلاء عبد الخالق الطريس، زعيم«الحزب الوطني«في الشمال، الذي زار برلين سنة 1941 وأجرى اتصالات مباشرة مع النظام الألماني، وعقد اجتماعا مع خليلة هتلر إيفا براون، لكي تساعده على مقابلة هتلر شخصيا، غير أنها نصحته بالتوجه إلى روما لمقابلة موسوليني، لأنه هو المكلف بالموضوع الإفريقي. وقد أصدرت الحماية الفرنسية حكما غيابيا بالإعدام ضد الطريس من محكمة عسكرية بتهمة التعاون مع العدو، وكانت سلطات الحماية الفرنسية تصدر أحكاما بالإعدام في حق أي مغربي أو فرنسي يتصل بالألمان.
كما قام أحمد بلافريج، الأمين العام للحزب الوطني، بزيارة إلى برلين لمقابلة المسؤولين النازيين هناك، لكن دون جدوى، وحاول الاتصال معهم عبر فرع الحزب الوطني بباريس دون نتيجة. وقد كتب علال الفاسي يصف ما حدث:«استطاع الوطنيون أن يكتشفوا نوايا الألمان ويعرفوا حقيقة مراميهم، واستطاع أنصار الحزب بباريس وغيرها من المدن الأوروبية أن يتعرفوا بالحقيقة على وجهها، ويطلعوا الزعماء عليها، وهي أن ألمانيا لا تريد إلا تشييد إمبراطورية مبنية على التفوق الجنسي الآري، وذهب الأمين العام للحزب أحمد بلافريج بنفسه لتحسس الاتجاهات المحورية فلم تغره مواقف بعض الزعماء العرب ولا بعض دعايات الأجانب، وكتب لإخوانه يحذرهم من أكاذيب المحور ورجاله».
نفس الأمر بالنسبة للمكي الناصري، الذي دزار العاصمة الإيطالية للتقرب من ألمانيا، وصرح لإذاعة «صوت روما» في 12 مارس 1938 قائلا «إننا نكره فرنسا عدوة الإسلام والدين، لأن حكامها من الملاحدة واليهود».
ويذكر ميشيل أبيطبول في كتابه «يهود شمال إفريقيا في عهد فيشي» أن الزعماء الوطنيين المغاربة في الشمال كانوا يتصلون بالقيادة النازية في برلين عبر وسيط مغربي مقيم في ألمانيا، كان يعمل رئيسا للجالية المغربية هناك، لكنه لا يذكر اسمه.
سقوط باريس
أثار سقوط العاصمة الفرنسية تحت أحذية الجيش الألماني عام 1940 موجة من الترحيب في صفوف المغاربة، خصوصا في المنطقة الشمالية حيث سمحت إسبانيا للمغاربة هناك بالاحتفالات والتظاهرات التي أقيمت بالمناسبة، عكس المنطقة الجنوبية. لكن أكبر مظاهرة حصلت في مدينة تطوان، إذ خرج الآلاف في تظاهرة ضخمة برؤوس حاسرة وأقدام حافية يشكرون الله ويرفعون شعارات معادية لفرنسا التي انكسرت شوكتها «ماتت فرنسا، عاش المغرب». وبعد ذلك التحق المتظاهرون بمسجد سيدي علال الحاج للصلاة وقراءة القرآن تيمنا.
وكان إبراهيم الوزاني، من حزب الشورى والاستقلال، هو من قاد التظاهرة التي ألقى فيها الحاج أحمد معنينو خطابا من خمس ساعات. وكان الوزاني يحمل نعشا رمزيا كناية عن فرنسا التي ماتت، وسارت التظاهرة إلى السفارة الألمانية حيث تم إنزال العلم الألماني ورفع العلم المغربي مكانه، في استقبال حميمي من طرف الألمان، كما أحرق المتظاهرون العلم الفرنسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.