في حوار جانبي، وفيما الدكتورة آمنة بلعلي، أستاذة السيمياء، بجامعة تيزي وزو بالجزائر، تصوغ بأناقتها الأسلوبية، البيان الختامي للندوة الدولية حول «الكتابة والذاكرة» التي انعقدت، مؤخرا، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان في تونس، أشرت عليها بحذف العبارة الخاصة ب«المستوى العالي» لتدخلات الخمسين مشاركا من الباحثات والباحثين العرب، لا لأنهم لم يكونوا كذلك فعلا، والحال أنهم كانوا كذلك وأكثر، وإنما لأن العبارة قد تحمل على محمل آخر هو أقرب إلى الهجاء منه إلى المديح، خاصة أن لجنة علمية قد حكّمت الأوراق المقدّمة، مسبقا، واختارت ضيوفها بعناية. هذا إلى أن الثناء على أهل التخصص بكونهم متخصصين هو أشبه بالبداهة. وإذا كان لابد من التنصيص على نجاح الملتقى، في شكله ومحتواه، فإنه من الإنصاف، بل من الواجب عدم إغفال المواكبة المكثفة لطلبة قسم اللغة العربية وعمق أسئلتهم وتدخلاتهم. حتى أني تحمستُ لإضافة فقرة مخصوصة، في البيان، تنوه بالطالبة (الظاهرة) سلوى المسعودي، التي كلما كانت تأخذ الكلمة تشدّ إليها أنفاس المتنادين وعقولهم وقلوبهم، بلغتها الراقية وأفكارها النافذة، إلى الحد الذي جعلني أخمن ألا أحد من الأستاذات والأساتذة الحاضرين كان بوسعه مضاهاتها. علما بأن هذه الطالبة الحيية ما انفكت تحصل على المراتب الأولى ضمن زملائها من الطالبات والطلبة. وحسنا أن أختنا آمنة بلعلي حرصت على الإشادة بمستوى طلبة جامعة القيروان على العموم، الذين شرّفوا مؤسستهم وبلدهم في ملتقى دولي، وكان الفضل الأول والأخير لإنجاحه يعود إليهم. حتى أنني في دردشاتي على الفايس بوك مع أصدقائي التونسيين المغتربين، سيما مع الأستاذين لطفي زكري بسلطنة عمان وكوثر التابعي بألمانيا، كنت أرد عليهما، وهما يسألاني بحنين عن وطنهما، قائلا: «تونس بخير»، وفي البال تلك الطالبة النجيبة، مادامت الأمور الأخرى لاتعنيني، أو هي لا تدخل في أولوياتي. لمْ أحكِ لهما عن كرم الأحبة ولا عن جميل الوفادة والرفادة، ولا عن إعجابي بالعمران البشري وسحر الطبيعة، ولا عن الطالبة سلوى حتى. فقط كنت أقول لهما، ولكل من سألني، عن تونس: «تونس بخير»، وهي كذلك وستظل، مادامت، دوما، تنجب أشخاصا رائعين و«هريسة» وياسمين وطلبة وطالبات بذكاء سلوى ونباهة سلوى. إنه مجرد ارتسام ليس إلا، فيما تظل تونس أحلى إذا ما نظرنا إلى ممكناتها البشرية والرمزية، ألم يُعَنون الروائي الراحل محمد زفزاف إحدى مقالاته، بعد زيارته لها ب«الوعي التونسي الباهي»؟ وهي شهادة من رجل كان لا يعرف كيف يجامل. قالها قبل ثورة الياسمين. ترى لو ظل بيننا الآن، ورأى ما رأى، وأنصت إلى «سلوى» وزملائها أما كان سيؤكد من جديد: «تونس بخير»؟!.