الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمساح النهضة
نشر في مغارب كم يوم 08 - 03 - 2014

عبد الناصر.. فى عهده لم تستطع أثيوبيا أن تهمس ببنت شفه حول موضوع سد النهضة احتراماً لزعامته، وهيبة لقوته، وتمجيداً لدوره الطليعى الإفريقى والعربى والعالمى...
ويأتى أنور السادات لتتسلل التطلعات خارج الشقوق فى محاولة لجس النبض فيدق الرئيس اليقظ الأرض بعصا الجنرال مهدداً بالهد والدك إذا ما..... فتسارع أسراب التطلع فى دخول الشقوق..
ويرأس حسنى مبارك مصر وما عليها لتخرج الرغبة فى السد هذه المرة سافرة جامحة، لكن سرعان ما تكبح
جماحها قوة وشكيمة المشير أبوغزالة المكشرة عن أنيابها لتدخل الحبشيات فى بياتها الشتوى، لكن آذان الاستشعار تظل يقظة لا تنام لتصيد اللحظة المناسبة للانقضاض، ويخيب ظنها طويلا بطول وجود النائب عمر سليمان فى برج المراقبة مهددا بتحطيم أى منشأة خاصة ببناء السد على طول نهر النيل.. و..يستجيب مبارك للرحيل حياً، ويرحل سليمان بموته ربنا أو «بمكيدة» وهو على شفا مقعد الرئاسة، ويسافر عصام شرف رئيس وزراء حكومة ثورة يناير على رأس لجنة ثلاثية استشارية لتقييم الدراسات الأثيوبية حول قيام سد النهضة، وقبل مغادرة اللجنة فندقها فى أديس أبابا للعودة لأرض الوطن يتم تحويل مجرى النيل الأزرق بمفهوم اشربوا من البحر.. فقد كنا مشغولين وقتها بالثورة وشَرْبة الإخوان بعصير الليمون و..يعقد الرئيس المعزول مؤتمره الفضيحة المتفق عليه والمفروض عقده سرا لحساسية القضية فى تناول وجهات النظر والحلول المقترحة فيسهى يا ولداه على مستشارة الرئاسة باكينام الشرقاوى لتذيعه فى شبورة النسيان على جميع الموجات والفضائيات لنستمع من بين المقترحات العرجاء لمن لا اختصاص ولا علم ولا جيولوجيا لهم إلى نصيحة "نجم الجزيرة" أيمن نور باللجوء إلى أسلوب الرشوة والتلويح الإرهابى بطائرات استطلاع بدون طيار، واقترح انعقادى آخر بإرسال نجوم الكرة والشاشة المحبوبين لدى جماهير الحبشة للوساطة و..يوكل ملف السد الكارثى بجلال خطورته وانعكاسه الاستراتيجى على الأمن القومى متقزماً لجهة فنية مائية خنفشارية حيادية متمثلة فى وزارة الرى المصرية ليعلن سيادة الوزير فشل المباحثات رايح جاى بسبب تعنت الجانب الأثيوبى، ليغدو السد إذن أمرا واقعاً حيث سيبدأ حجز المياه من خلفه بداية من سبتمبر المقبل لتحمل المياه ركاما من الصخور البازلتية لطبيعة تكوين حوض نهر النيل الأزرق، بالإضافة إلى المياه الجوفية المشبعة برواسب التراب الركامى بامتداد 4800 متر، حيث ستصل سعة التخزين إلى 90 مليار طن ماء ترقد فوق الجزء الجرانيتى المتشقق الذى يعانى من الفواصل والكسور، بما قد يٍُحدث كما تنبأ خبراء الجيولوجيا هزات أرضية بالمنطقة تصل قوتها إلى 6 درجات على مقياس ريختر تهدد جسم السد وتعرضه للانزلاق والانهيار بما يعرض السودان الشقيق الذى منح تأشيرات المرور الآمن للهاربين الإرهابيين من مصر للغرق لدرجة اختفاء مدينة الخرطوم بالكامل من فوق الخريطة، لتمتد الكوارث إلى مصر، حيث تصل خسائرها إلى 20 مليارا وتبوير 5 ملايين فدان، أى 30٪ من الأراضى الزراعية.. والمصيبة الكبرى أن العمر الافتراضى للسد للدخول فى نظرية إنى أغرق تحت الماء لا يزيد على 15 سنة فقط لا غير، أى أن هناك احتمال قبل هذه المدة بكثير لكى ينادى ابن خالتى المقيم فى 7 شارع السكة الجديدة بمدينة المنصورة دقهلية بدلتا الوجه البحرى على زوجته أثناء نومه غير المستقر: والنبى يا صفية شيلى لى المخدة الناشفة من تحت راسى..
فترد عليه صفية: دى مش مخدة يا حبيبى.. ده تمساح!
صاحب الجلالة.. التابعى
لمحتها.. تلك النظرة المترعة بالغبطة العاكسة لما فى النفس من الرضا على النفس عندما فتح باب مكتبى فى الدور الرابع بمبنى الأهرام الجديد وقتها يقدمنى له فى معرض جولة يطوف فيها بضيفه الكبير، مستعرضا صرح الصحافة المصرية الحديث الذى شيده ويفاخر به.. محمد حسنين هيكل يطل وفى صحبته محمد التابعي.. التقطتها.. نظرة تلميذ يقول لأستاذه تعال معى تطوف وتشوف نجاحاتى وتفوقى وريادتى وأهرامي، تقابلها نظرة أبوية تحمل فى ثنايا العيون الزرقاء للوجه المطرز بخطوط الزمن الجميل راحة واطمئنانا وفخرا بالنبوغ الذى استشعره يوما فى الشاب الصحفى فاحتواه، فأصبح الفرع شجرة وارفة تظلل الجميع بما فيهم الأستاذ..
ويظل هيكل مخلصا لذكرى التابعى وأسرته من بعده مستوعبا قسوته عندما كان رئيسا للعمل: «أذكر أننى كنت نائبا لرئيس تحرير آخر ساعة فى وقت كان يرأس هو تحريرها، وسافر وقتها إلى تركيا لقضاء فترة الصيف.. وأرسل لى تلغرافا قال فيه: إذا كان المجمع اللغوى فى القاهرة قد انتهز عدم وجودى فى مصر وأصدر تعليماته بتغيير قواعد اللغة العربية فلا مانع مما نشرته فى صفحة( كذا) فى السطر(الفلاني) لتقوم بنصب( الفاعل) ورفع( المفعول به)!.
علاقة الأستاذ بتلامذته نفسها لا غيرها هى تلك الرابطة الحميمة التى تكاد تصل إلى صلة الدم، فالبراعم على يديه تتفتح، والرعاية اليقظة تعجل من تصاعد شذى عطر الزهور لينتشى به الأستاذ فى الأعالى من قبل تلميذه، ومن هنا يذود الكبير عن الصغير. من هنا يصبح له بمثابة الدرع. من هذا المنطلق تعترى الأستاذ قوة وصلابة فولاذية للدفاع عن قضية التلميذ، ربما قد لا تأتيه مثلها للدفاع عن قضيته الشخصية، وذلك ما أتى كمثال فى ذكريات الكاتب الصحفى إبراهيم الوردانى عن أستاذه التابعى عندما كان محررا ناشئا فى آخر ساعة، عندما غضب التابعى من الرقيب الذى شطب للوردانى ثلاث صفحات، وكيف أخذه التابعى معه إلى وزير الداخلية (فؤاد سراج الدين).. ويصف الوردانى اعتداد الرجل بنفسه وبتلامذته: «.. وركبت بجواره ومعى البروفة فى سيارته الرولز رويس الباهرة الفاخرة، وطربوشه المائل على الحاجب يهتز من شدة انفعاله وغضبه!.. ومرقت السيارة بنا من بوابة وزارة الداخلية والعساكر تعظيم سلام، والتابعى بارستقراطيته النفاذة يقتحم الأدوار والردهات والحجرات والناس له ينحنون ويفسحون ثم تندفع خطوات حذائه نحو غرفة مكتب مزدحمة، وشاب بالغ الأناقة هو مدير مكتب الوزير يقفز مهرولا منحنيا للتابعي.. وقبل أن يحاول الشاب أن يدخل وهو يفتح الباب مواربا على غرفة الوزير سبقته خطوات التابعى العصبية وهو يجرنى من ذراعى وبركلة من حذائه دفع الباب ليُفتح على المصراعين.. نعم فتح الباب بركلة من حذائه!.. ويا له من منظر لا أنساه.. الباشا الذائع الصيت المرعب فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية والحاكم العسكرى والآمر الناهى فى كل بر مصر.. المنظر.. المشهد.. الباشا.. سراج الدين.. كالوهج منجعص خلف مكتب مطعم بالقطيفة الخضراء.. وفى فمه سيجار له حجم الفأر وفى أصبعه خاتم له شكل الفانوس، وأمامه يجلس كرشان فخمان.. الباشا عثمان محرم والباشا عبدالمجيد صالح.. هب الثلاثة الفخام العظام فى استقبال التابعى وأذرعهم تفرد نفسها لطويل العناق، ولكن التابعى توقف فى منتصف الحجرة متجاهلا الأذرع الممدودة وانطلق مزمجرا معنفا مخيفا بكلام خلاصته هو الرفت الفورى لهذا الرقيب الوقح وأن يسمع الاعتذار من وزير الداخلية وفورا..!.. ويا له من مشهد انزرع فى العين والباشوات الفحول يهدئون الصحفى المنفعل الغضوب.. يدللون ويسترضون بل يتزلفون.. واهدأ يا محمد.. روق يا تابعي.. نرفت لك الرقابة كلها بل وتعتذر لك أجهزة الحكم كلها... كل هذا وأنا جالس على طرف المقعد منكمشا ومبهورا وذاهلا.. وريفيتى المفرطة لا تصدق أن يكون للقلم الصحفى مثل هذا السلطان.. أقول وأردد.. لقد انزرع هذا المشهد فى عينى وفى مشاعرى وعلى أسطر ضلوعى وكأنه التقييم الهائل لقيمة الصحفى فى بلاط الحكم والسلطان.. ويا إلهى كيف لا يستعمله الصحفيون والكتاب بمثل هذا الشمم وتلك الكبرياء.. نعم انطبع المشهد وشاع فى وجدانى ولم أسأل وقتها من أين هذا السلطان.. ومن أعطى هذا السلطان.. ولحساب من هذا السلطان؟ إنه الشعب لا سواه.. هو وحده الذى يعطى مثل هذا السلطان و.. سلطان الكرامة والذود عن التلميذ والربيب وبرعم موهوب يتفتح فى حديقته كان له مثال آخر مع التلميذ مصطفى أمين بعدما ظل التابعى الذراع اليمنى للسيدة فاطمة اليوسف فى تحرير مجلة روزاليوسف منذ عام1925 حتى عام1932 ليستعين بمصطفى أمين وهو لم يزل فى سن السابعة عشرة.. وكان لابد وأن تحدث الخلافات عندما يتداخل الحب والعمل، وهنا كان التابعى الذى يحرر بابا نسائيا يوقعه باسم «الآنسة حكمت» يطلق لقلمه الساخر العنان فى باب «طورلي» الذى يحرره أسبوعيا وكتب فيه تحت عنوان صاحبة المجلة وصاحب الطورلي: خصصنا هذه الصفحة كما أعلنا فى رأسها للحديث عن العظماء والصعاليك وسوف أتكلم اليوم عن صاحبة المجلة وعن نفسى وللقارئ أن يسمينا عظماء أو صعاليك كما يشاء، تأمرنى بأن أكتب وأن أملأ صفحة بشرط ألا أعرض بأحد أو أسب أو أقدح أو أتملق أو أنتقد ثم تقول لى وفيما عدا ذلك فأمامك الميدان فسيح فاكتب ما تشاء.. أكتب ما أشاء!!.. وماذا أبقت لى لأكتب عنه؟!.. تقوم بيننا المناقشة وهى دائما حادة تبدأ من القرار وترتفع إلى جواب السيكا، فإذا طالت المناقشة ورأت هى إقفالها عمدت إلى طريقتها الخاصة فى الإقناع وهى أن تنظر بعين إلى أكبر وأضخم قاموس ثقيل على المكتب ثم تنظر ناحيتي، فإذا لم تصلح هذه الطريقة فى الإقناع عمدت إلى النشافة أو الدواية أو أى شيء آخر ما قد يكون قريبا إليها.. وهكذا تنتهى المناقشة دائما بانتصارها وانهزامى ثم أكتب».. ذلك الصبر والنفس الطويل عندما كان الخلاف قاصرا بين التابعى وروزاليوسف، لكن الأستاذ أمام دموع تلميذه الذى تعرض للقسوة لم يستطع الصمود، بل وكان بكاء مصطفى أمين سببا ودافعا جوهريا لأن يقرر التابعى تغيير مسيرة حياته كلية لتولد مجلة آخر ساعة والجيب مافيش فيه ولا مليم ولا ينقذ التابعى سوى طلعت باشا حرب الذى يقدم له عن طريق بنك مصر قرضا بمبلغ ثلثمائة جنيه ينشر بقيمتها إعلانات فى آخر ساعة الجديدة، ومن روزاليوسف رئيسا لتحريرها عام1928 ل«آخر ساعة» عام1934 لجريدة المصرى التى أسسها عام1936 مع محمود أبوالفتح وكريم ثابت ليبيع نصيبه فيها لمصطفى النحاس عام1938، وفى عام1946 يعقد الاتفاق بينه وبين صاحبى دار أخبار اليوم على ومصطفى أمين على بيع آخر ساعة لهما ليتفرغ للكتابة فى صحف الدار ومجلاتها..
محمد التابعى محمد وهبة ابن المنصورة الملهمة الذى ولد عام1896 وجاء لقبه بركة وتيمنا بمقام أحد مشايخ الصوفية الشيخ التابعي.. كان لا يهدأ فى مكان حتى بلغ من شقاوته رفته من جميع كتاتيب المنصورة، وفى السنة الأولى الثانوية بمدرسة السعيدية عندما شيعت جنازة مصطفى كامل عام1908 كان يسير فى المقدمة أصغر تلميذين يحملان باقتين كبيرتين من الأزهار.. فكرى أباظة والتابعى الذى كان ضعيفا جدا فى الإنجليزية مما كان يدفع بالمدرس الإنجليزى أن يعطيه صفرا بل ويضيف إليه كلمة ASS وتعنى حمار، وانتفع التابعى بما يتصف به الحمار من صبر ودأب فأخذ فى قراءة القصص الإنجليزية حتى صار يوما يكتب مقالاته بالإنجليزية فى إجبشيان ميل بتوقيع M.T.M فكانت الإنجليزية بداية عمله بالصحافة.
ولا يقل معدل الشقاوة فى المرحلة الثانوية بل يزيد وكان بها أول عهده بالحبس فى الزنزانة حيث عاش بين جدرانها مرتين الأولى ومدتها4 شهور لاتهامه بإهانة وزير الحقانية والثانية6 أشهر بتهمة العيب فى ولى العهد عام1939 وكان عمره لم يزل فى الخامسة عشرة عندما خطف التذاكر من كمسارى الترام وقام بتوزيعها على الطلاب مجانا لعجزهم عن دفع ثمنها، وأبلغت شركة الترام ناظر المدرسة الإنجليزى مستر شارمان فتم حبسه انفراديا ثلاثة أيام أرسل بعدها لمدرسة العباسية الثانوية الداخلية فى محرم بك بالإسكندرية، حيث لم ينل الدرجات النهائية فى السلوك رغم تفوقه، فقد جاء تعليق الناظر له: «أخلاقك زى الزفت رغم أنك الأول».. وتظل شخصية الفارس تعيش فى الوجدان وبدلا من تصفيق أولاد الحارة وتلاميذ المدارس يحلق ملايين القراء حول كلمات مؤسس الصحافة العربية الحديثة الذى لا شريك له فى أبوتها ليصبح الجدير باللقب الذى أطلقه عليه أنيس منصور من أن التابعى ذاته هو "صاحب الجلالة الصحافة".. التابعى الذى كان أول من جعل من نفسه مصدرا لتوثيق رأيه، حيث الأخبار تتحلق بين يديه أينما ذهب إذ هو مشارك فعلى فى صنع الأحداث فلا شيء يحدث بعيدا عنه أو خلف ظهره حتى ولو كان مسافرا فى رحلة ينزلق فيها رياضة فوق ثلوج الجبال، فقد كان أشبه بمن يبتعد عن موقع الحدث ليزداد اقترابا منه بالرؤية الشاملة عن بعد، والذى كان من جرأة سخريته أن يطلق على الوزراء ألقابا ظلت عالقة بهم حتى بعد الوزارة فهناك وزير الأذية وقطع العيش، ووزير التقاليد، ووزير الأسبرين، ووزير الفاصوليا، و.. ننوس عين الدولة.. كان يوظف كل شيء فى حياته لخدمة الصحافة التى بدأ حياته فيها ناقدا مسرحيا فى روزاليوسف باسم مستعار «حندس»، لكن تكوينه السياسى غلب عليه لتستقطبه السياسة كاتبا وناقدا ومحللا ثم مشاركا فى الأحداث وفى صنع القرار السياسى بصورة أو بأخرى إلا أن ميوله الفنية ظلت تلح عليه فلم يترك الكتابة فى قضايا الفن وشئونه، وكان صاحب الذوق الرفيع فى تذوقه للموسيقى والغناء، ورغم صداقته لعبدالوهاب فقد شن عليه حملة قاسية يأخذ عليه فيها اقتباساته.
وإذا ما كان التابعى قد وقع فى هوى أسمهان وقرر أن يتزوجها ووافقت أسمهان فإنه أبدا أثناء علاقته بها لم يهاجم أم كلثوم لصالح حبيبته التى استدعاه عبدالوهاب لسماعها فى بيته وعندما وصل وجد الموسيقار ممسكا بعوده، وأمامه أسمهان يراجعان أوبريت قيس وليلى وكانت أسمهان تغنى لحظة دخول التابعى «وما فؤادى حديد ولا صخر.. لك قلب يا قيس فسله يا قيس ينبئك بالخبر».. تسلل التابعى يجلس بجوارها وهى مشغولة بالغناء يتأمل وجهها مأخوذا بحلاوة صوتها الحزين، وتعشق الأذن قبل العين أحيانا فوجهها ليس فيه جمال المقاييس المعروفة، وأنفها مرتفعا أكثر بقليل مما يجب، أما عيناها والكلام للتابعى فكان فيهما السحر والعجب والسر لونهما أخضر داكن مشوب بزرقة، وتحميهما أهداب طويلة تكاد من طولها أن تشتبك، وقد لاحظ أنها كانت تجيد استعمال سحر العيون عند اللزوم.. وتنتهى بروفة قيس وليلى فيقدم عبدالوهاب التابعى لأسمهان فتمد يدها بتثاقل وتكلف ساذج.. «تشرفنا».. ويجلس الجميع، فتأخذ أسمهان تصلح من وضع الفراء حول عنقها متعمدة إظهار الخاتم الماسي، وقد احتارت أى ساق تضع على الأخري.. جميع حركاتها متكلفة، وأدرك التابعى أنها تريد أن تحدث فى نفسه أثرا طيبا لكنها لا تمسك بكل الخيوط..
ويلاحظ مصطفى أمين أن التابعى منذ أحب اسمهان، أصبح يهمل عمله ويتابع أخبارها لا أخبار الوزارة، وكان له أكثر من مندوب فى بيتها يوافونه بتحركاتها ومن يزورها ومن يتكلم فى التليفون، ومن ضحكت له وكان يحرص على مقابلة هؤلاء المندوبين أكثر من حرصه على ملاقاة مندوبى الجريدة.. و.. وذهب مصطفى وعلى أمين إلى صديقتهما أم كلثوم يطلبان منها إنقاذ التابعى من الغرق بزواجها منه... وقد وجدت السيدة هدى زوجته الثانية التى أنجبت له محمد وشريفة بعد وفاته فى 24 ديسمبر 1976 ثلاثة خطابات كتبها إلى أم كلثوم فى أوراقه الخاصة داخل ملف كتب عليه «كروانة الكراوين» كما وجدت به خصيلات من شعر أم كلثوم وصور جمعت بين الاثنين، وقد صرحت الزوجة بأنها شاهدت زوجها يبكى لأول مرة فى حياته عند وفاة أم كلثوم! وكان التابعى قد تزوج الممثلة زوزو حمدى الحكيم ليغيظ روزااليوسف ولم يدم الزواج سوى شهر واحد وطلقها.. وذهب على ومصطفى أمين يهددان التابعى باستقالتهما إذا أقدم على الزواج بأسمهان فأصر على موقفه.. واحتفظت الصحافة المصرية بتوءمها التاريخى عندما انكشف المستور للتابعى فى نفس اليوم وعرف أن أسمهان قد وقعت فى حب شخصية كبيرة من وراء ظهره فمات الحب فى قلبه بالسكتة القلبية.. ولكن التابعى كان يخرج من حب إلى حب قويا مع الرجال ضعيفا مع النساء، يثق بأية امرأة بسهولة، وكان أستاذا فى جذب النساء بكل اللغات ومن كل الأجناس سخيا معهن لدرجة الإسراف ومقتصدا مع الرجال إلى حد التقتير، فهو يجد متعة لا حد لها فى أن يقدم لسيدة يعرفها لأول مرة خاتما ماسياً، ويستكثر على صديق حميم قلم حبر.. وكان يستثنى من هذا التقتير رجلا واحدا هو عبدالوهاب الذى كان يذهب مباشرة فى بيته إلى غرفة نومه ويفتح دولاب ملابسه ويأخذ أى كرافتة تعجبه يرتديها على الفور.. وكان حريصا على أن يكتب فى أجندة خاصة كل مليم أنفقه، فتجد فى صفحات الأجندة مفارقات غريبة مثل خمسة مليمات ثمن الأهرام.. مائة وعشرون جنيها سهرة بديعة مصابني.. خمسة قروش فنجان قهوة فى الأنجلو.. مائة وخمسون جنيها ملابس من الخياط ماركو. ثلاثة قروش سكر.. سبعون جنيها هدية لهيرما التى سافر ليعيش معها قصة حب رومانسية قبل تسليم نفسه للحبس4 شهور تنفيذا لحكم محكمة الجنايات، حيث وقفت تودعه روزااليوسف وهو يرتدى بذلة زيتية آخر طراز وفى عروتها فلة بيضاء وفى جيبها منديل حريرى وعلى عينيه نظارة ريبان قاتمة وفى يده كتابان من تأليف إميل لودفيج والضاحك الباكى لفكرى أباظة.. وتهرِّب روزااليوسف للسجين الذى يشرب فى الزنزانة ماء فيشى الكافيار والبيتى فور فى الروب دى شامبر مع خراطيش السجائر الجولدفليك... وكان قلم التابعى أحيانا يشبه أغصان الفل وأحيانا يشبه المدفع الرشاش.. لا يحب الذين يدافع عنهم ولا يكره الذين يهاجمهم. لا يحقد على عدو ولا يطمئن إلى صديق. يندفع كالسهم ويصمد كالجبل. يهوى المعارضة ويمقت التأييد، وإذا عارض أشفق وهو يذبح وإذا أيد سخر وهو يدافع.. وفدى الانتماء، متحمس على الورق، ومستقل الرأى فى الحقيقة.. صادَقَ الملك وخاصمه، وتحمس للنحاس وانتقده، وأحب النقراشى وعارضه، وطالب بالدستور والديمقراطية ثم طالب بوقف الحياة النيابية فى مصر لمدة ثلاثين عاما!.. ركب الحمار والبسكلتة من إدارة المجلة للمطبعة وامتلك الرولزرايس ركوبة أصحاب الملايين، ولم يحدث فى تاريخ الصحافة المصرية أن عاش صحفى فى المستوى الملكى الذى عاش فيه التابعى من عهدت إليه روزاليوسف بكتابة النقد الفنى فى روزاليوسف رغم أنه انتقدها بشدة كممثلة حتى إنها لفت مقالته حول كعب حذائها، وكان رأيه فى توفيق الحكيم كرأى العقاد أنه مدبقاتى وكاتب حوار ممتاز وإن كانت بعض أفكار قصصه معقدة.
التابعى الذى كتب في11 أكتوبر1950 يسخر من الظلم بعنوان نعم يحيا الظلم جاء فيه: يحيا ظلم كل جبار عاتية معتز بسلطانه وسطوته يدوس القوانين ولا يبالي.. نعم يحيا الظلم لأنه خير مرب للنفوس.. ونفوس المصريين تجيش اليوم بمعنى واحد.. لقد صبرنا طويلا ولن نصبر بعد اليوم.. وتحملنا كثيرا ولن نتحمل بعد اليوم.. وفى أزمة مارس1954 عاد ليكتب «خدعوها بقولهم بيضاء» يدعو فيه الثورة للقضاء على أعدائها بكل العنف.. ولكن.. يبدو أن الثورة قد اعتبرت العهد البائد ليس سياسيا فقط وإنما صحفيا أيضا، فالتابعى الذى عاش واختلف مع أجواء العصر الملكى والباشوات والاكسلانسات، حيث يندفع إلى مكتب وزير الداخلية يفتح الباب بقدمه ثائرا وجد أن ذلك كان مقبولا فى الحياة السياسية الملكية لكنه أصبح مرفوضا بعد الثورة، حيث من الصعب عليها تحمل مثل هذا التصرف حتى من أصدقائها، ومن هنا تم اعتقال الكاتب إحسان عبدالقدوس عندما كتب «العصابة السرية التى تحكم مصر».. لقد اختلف التعامل فى النصف الأول من القرن الماضى عن النصف الأخير الذى لم يستطع التابعى التأقلم معه رغم محاولاته.. لكن إذا ما كان عطاؤه الصحفى قد تعطل إلى حد كبير وأصبح لا يخرج عن الذكريات وليس المذكرات فإن ما زرعه قد استمر وأثمر أجيالا كان أستاذها ولغة جديدة فى الصحافة قام ببثها.. لقد كان التابعى نموذجا للصحفى النجم الذى رفعه قلمه إلى منزلة النجومية.. النجم الذى كان نموذجا للشخصية العامة ببريقها الخارجي، لكن المعاناة الداخلية كانت شيئا آخر.. المعاناة التى سقط فيها الكثيرون من جيل التابعى بمنطق ما عدتش تفرق.!!
سحب السفراء
ليس موضوعى هنا معنياً بالقرار الرشيد للسعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة، أو موقف قطر الآسف وليس النادم من العقاب الخليجى، ولا تأييد مصر للرسالة الخليجية، فالسفراء هنا ذوو مهام دولية وعلاقات سياسية وشئون استراتيجية لدول التعاون الخليجى.. وإنما عملية سحب السفراء التى تعنينى على مستوى المجتمع المصرى عندما يقع الخلاف بين الأزواج فيذهب أطرافه تعنتاً الزوج أو الزوجة إلى سحب السفراء، أى الأولاد كى لا يراه الآخر عقاباً وثأراً وانتقاماً، وتتسع هوة الخلاف ودوائر الانتقام بالانفصال ليُحرم الجدود أيضاً من رؤية الأحفاد «أعز الوِلد» لتغلق نوافذ السعادة التى يتنفس منها كل من أدى رسالته تجاه الأبناء ليُمتع نظره وسمعه في الكِبر بهديتهم فى المقابل رداً للجميل الأحفاد و..بالأمس فقط دعوت للمستشار الإنسان محمد بهيج القصبى رئيس محكمة الأسرة بمصر الجديدة بأن يحفظه الله ذخراً للقضاء الإنسانى العادل بعد إصداره حُكماً رحيماً نزيهاً رائداً يعيد صلة الرحم إلى الأسرة المصرية ويزيد التواصل الاجتماعى ممثلا فى أحقية ثبوت حق الجدين فى رؤية أحفادهما سواء فى حالة وجود الأبوين أو عدم وجودهما مدة لا تقل عن ثلاث ساعات أسبوعيا.. الله يعمر بيتك يا قصبى بعدما حكمت فعدلت فكحَّلت عيون الأجداد برؤية الأحفاد طوال ثلاث ساعات أسبوعيا.. و..تعالى العب معايا يا جدو.. واحكى لى الحدوتة يا ستو.. عيون جدو وستو..
"الأهرام"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.