غارسيا ماركيز استثناء..هو من الكتاب الذين أتوا بعد مائة عام لا لأن يعلموا الناس دينهم، بل ليعلموهم معنى الكتابة ومعنى أن يكون المرء كاتبا ويفخر بذلك وعلى رؤوس أشهاد العالم. جعل اسمه واحدا من أسماء عظام الإنسانية ولا شك. كتب بعمق إنساني فريد وكان صاحب موقف لا يلين. وهذا ما جعل منه أيقونة وفخرا لبلده، مما جعل كولومبيا تعرف به أكثر مما تعرف بشيء آخر. في هذا يمكن أن يكون الدرس واضحا ومفهوما للكتاب كي يعرفوا كيف يجب أن يكونوا. وكذلك لأنظمة الدول كي تعلم كيف يجب أن تقدر كتابها ومفكريها وشعراءها...، فبهم توجد، وفي غيابهم تكون مجرد رسم على بقعة ورق. وقد أدرك ذلك ولا شك الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس حين قال عن الراحل بأنه «يشكّل بالنسبة لكولومبيا جزءاً لا يتجزّأ من هويتها». وأعلن الحداد لمدة 3 أيام، وأمر بتنكيس الأعلام بمبنى مجلس الوزراء، وشجع الكولومبيين على القيام بالشيء ذاته في منازلهم. أما كاتب المقالات الكوبى ميغيل بارنيت فكتب عنه قائلا «تتألم كوبا في هذه اللحظة كما يتألم جميع قراء هذا الكاتب الذي كان ولايزال أيقونة أدبية». ولا تضاهي شعبية ماركيز ككاتب باللغة الإسبانية إلا شعبية ميغيل دي سرفانتيس في القرن السابع عشر، وقد تم مقارنة صيته بصيت مارك توين وتشارلز ديكنز. عاش «غابو» مشرداً في شبابه، في باريس، بعد نفيه إلى أوروبا لكتابته مقالاً انتقد فيه حكومة بلاده، وكان حينها يراسل بعض الصحف لكسب عيشه. كافح لسنوات كي يصنع اسمه كروائي، رغم أنه نشر قصصاً ومقالات وروايات قصيرة عدة في الخمسينيات والستينيات أشهرها «عاصفة الأوراق» و»ليس لدى الكولونيل من يكاتبه». وحقق اسمه كروائي على نحو ملفت للانتباه في روايته «مائة عام من العزلة» بعد نشرها مباشرة في عام 1967، إذ بيع منها أكثر من 50 مليون نسخة في أنحاء العالم وأعطت دفعة كبيرة لأدب أمريكا اللاتينية ولفتت الانتباه إليه. بيعت أعمال ماركيز أكثر مما بيع كل ما نشر بالإسبانية باستثناء الكتاب المقدس. إذ بيعت أكثر من 50 مليون نسخة من روايته «مائة عام من العزلة»، التي ترجمت إلى أكثر من 25 لغة من ضمنها العربية. أرسل غابرييل إلى مدرسة داخلية في بارانكويلا، واشتهر هناك كونه صبيًا خجولاً ويكتب قصائد ساخرة ويرسم رسومًا هزلية، ولقب حينها بين زملائه ب «العجوز» إذا كان شخصًا جادًا وقليل الاهتمام بالأنشطة الرياضية. ورغم شغفه بالكتابة، فقد استمر في دراسة القانون عام 1948 إرضاءً لوالده. وخلال زيارة لوالديه في مدينة سوكر الكولومبية، تعرف غارسيا ماركيز إلى ميرسيدس بارشا، وكان حينها لا يزال طالبا، ثم تطور التعارف إلى وعد بينهما على الزواج، وهو في عمر 13 سنة، وحين أنهى دراسته في عام 1958 فتزوجها، وبعد عام واحد أنجبا ابنهما الأول رودريغو، الذي أصبح فيما بعد مخرجًا سينمائيًا، وبعد ثلاث سنوات أنجبا ابنهما الثاني غونزالو، مصمم غرافيك مقيم في المكسيك. أحيا ماركيز سحر أمريكا اللاتينية وتناقضاتها المجنونة في أذهان الملايين، وأصبح رائداً للواقعية السحرية وأحد المدافعين الرئيسيين عنها، وهي تقوم على مزج عناصر خيالية في تصوير الحياة اليومية التي جعلت الاستثنائي يبدو روتينياً إلى حد ما. يقول ماركيز عن أسلوبه إنه يجمع بين «الأسطورة والسحر وغيرها من الظواهر الخارقة للعادة». وقالت الأكاديمية الملكية السويدية عند منحه جائزة نوبل في عام 1982 إن ماركيز «يقودنا في رواياته وقصصه القصيرة إلى ذلك المكان الغريب الذي تلتقي فيه الأسطورة والواقع». واعتبرت «نيويورك تايمز الأمريكية» سابقا «مائة عام من العزلة»، روايته الشهيرة، «أول عمل أدبي، بجانب موسوعة غينيس، يجب على البشرية كلها قراءته». هكذا إذن الكتاب العظام، هم غير مكرورين، يعطون معنى للحياة ، ودروسا للجميع ..وداعا «غابو»..في انتظار أن نفك مائة عام من العزلة.