تطرح رواية «لائحة رغباتي» للروائي الفرنسي غريكوار دولاكور (ترجمة:معن عاقل/ المركز الثقافي/2014) على قارئها سؤالا عميقا يتعلق بالعلاقة التي تربط بين القارئ والرواية. إذ الملاحظ أن هذا النص اختتم بإضافة «ملحق» الغاية منه شرح وتفسير إشكالات قد يكون النص اختار تعتيمها. والأصل أن متعة قراءة رواية ك«لائحة رغباتي» يتأسس من البياضات التلقائية أو القصدية التي جنح الروائي إلى تركها مفتوحة على التأويل المحدود أو واسع الآفاق. فالروائي حال تقديم المفاتيح كاملة، وبالتالي الإجابة عن الأسئلة المتخيل طرحها، يعمل على إغلاق باب الاجتهاد على مستوى القراءة والتأويل. وكأنه يقصي نباهة القارئ في الفهم وعلى التأويل. وأعتقد بأن المطلوب من الروائي العمل على رسم مسافتين زمنيتين: الأولى عند الفراغ من العمل المنجز، مما يستدعي المراجعة والتقييم الذاتي قبل انتهاء العمل للتداول والقراءة الموسعة. وأما الثانية فترتبط في تصوري بصدور العمل و خروجه للتداول، حيث يفترض قبل الإقدام على أية خطوة القصد منها الشرح والتفهيم، إفساح فرصة أمام التلقي لجس نبض مستواه ودرجاته، قبل الإقدام على التدخل إما بالكتابة، أو إعطاء حوار صحافي أو عقد لقاءات في سياق حفلات التوقيع. إن أول ما يستوقف قارئ رواية «لائحة رغباتي» التوزيع المعتمد من طرف الروائي والمتمثل في الإيقاعات الروائية التي خضع/أخضع لها جسم النص. فالروائي عمد تمتين البناء ب»وقفة» تمثلت في الإحالة التنويعية على عنوان الرواية، والمجسدة في اللائحات المذكورة في الرواية:(لائحة احتياجاتي/ لائحة رغباتي/لائحة حماقاتي/ ولائحتي الأخيرة).فهذه اللائحات وبقدر ما كشفت درجة الحلم، جسدت الانكسار الذي اختزلته الجملة المفتاح/بداية الرواية:» يكذب الناس على أنفسهم دوما»(ص/9). فإذا كان الكذب يرتبط بالحلم والحب، فإنه طريق الانكسار. فالزوج (جوسلن) يفقد ثقة زوجته (جوسلين) فيه، وهنا نلاحظ التماهي بين الاسمين، باللجوء إلى التزوير في الاسم. وكأن المال مفتاح الحب، وهو الفهم الساذج الذي أدركه الزوج متأخرا عند استشهاده بما كتبته الروائية الفرنسية فرنسواز ساغان»: «الحب هو الفهم في الأخص» (ص/173)، في رسالة اعتذار متأخر على فعل طائش يجلو صورة عن الكذب. إن «لائحة رغباتي» ليست رواية متعة وحسب، وإنما الرواية القائمة على صنعة الكتابة كما على مرجعيات توظف خدمة للمعنى المنتج في النص، وهي أدبية، فنية، سينمائية وتشكيلية. واللافت أنها تثبت، وفق شروحات ضافية، كأن الغائب عن فقر ثقافة التلقي يتم استحضاره أساسا للإضاءة وتعميق المعنى. بيد أن بلاغة الإبداع الروائي في هذه الرواية بالذات، يجسده الصوت الأنثوي (جوسلين) الذي استطاع غريكوار دو لاكوار تقمصه والحلول فيه وفق أدق المواصفات الاجتماعية والنفسية والجنسية التي تتفرد بها شخصية المرأة، وهو ما يذكرنا بالروائي الإيسلندي غيدبرغر بركسون في روايته الشهيرة «جناح التم»، حيث تقمص جسد طفلة في مطلق براءتها وشغبها (كونديرا/ لقاء). إن مفهوم الكتابة الروائية، وتأسيسا على السابق، ومن خلاله الملحق الشارح، يتحدد في الحنين. فالرواية بمثابة الحنين لما تم فقدانه وضياعه. فالمعنى الروائي يولد، يتخذ شكل تجسده على البياض، بغاية تمثل الغائب واستحضاره كزمن مستعاد ينبض حياة في دقة تفاصيله الغنية. لذلك اعتبر غريكوار دو لاكور في «الملحق» نص روايته كتابة حنين إلى «الأم»: «كتبت هذا الكتاب لأني أحن إلى أمي. ومع أنها لم تكن قط بائعة في حانوت أدوات خياطة، لكنها كانت تحيك(تحوك)..أتذكر الأقنعة القطنية التي كانت تنسدل على عيني أو تشد كجورب، والكنزات الصوفية التي كانت أكمامها أطول مما ينبغي وفي المرة التالية أقصر مما ينبغي، كانت أمي تحاول أن تجاري سرعة تغير مقاس جسدي وكنت أعرف أن هذه الملابس تساعدها وتواسيها. وفي ما بعد، عندما رحلت بعد سنوات تمنيت بقاءها».