يعتبر الكاتب والباحث عبد الكبيرالخطيبي من العلامات اللامعة والفارقة في المشهد الثقافي المغربي والعربي، نظرا لعطاءاته المعرفية المتنوعة بين الإبداع والفلسفة والسوسيولوجيا..وهو تجاور خلاق، ينبني أساسا على عنف التأويل غير المهادن أو المرتهن لأي خلف. وضمن هذه المساحات كما يسميها نفسه، كتب الرواية بحفر ذاتي في “الذاكرة الموشومة : و«صيف في استكهولم»، فكانت كتاباته السردية عبارة عن مشاهد من سيرة تجربة مفتوحة ومفتونة على الحياة . وفي المقابل كان اشتغاله النقدي غير هادىء ولا متقوقع في إطار أو خلفية محددة الملامح. أعني أشكلة الدرس النقدي، وأيضا الأنساق والظواهر، بشكل مؤسس على تأزيم معرفي. وهي دعوة لتغيير النقد بمعناه المؤسساتي والمفهومي. كان عبد الكبير الخطيبي في ممارسته النقدية يتغذى على قدر كبير من الفلسفة والعلم . الشيء الذي أثمر نصوصا فريدة، لا تتبنى قناعات إن وجدت بيتم وأحادية النظر، بل خلق تلك المغامرة ضمن ذاك الجدل بين الحقول والنصوص في ذهاب وإياب محمومين بين الأمس واليوم. هاهنا، قد يصلح الأدب مدخلا كحفريات للسوسيولوجيا والفلسفة، ضمن تكسير للحدود. ولكن بكثير من سيولة النظر في الفهم الذي يخلق وجبات دسمة ومتنوعة، ولكن على قدر من وحدة الوجود. وهو الذي قال «في ميدان المعرفة لا يوجد مكان للمعجزات، وإنما انقطاعات نقدية» . جاء هذا الرجل من زمانه، وسعى إلى الانتساب إليه حفرا، وهو يشق مسيرته بين بنيات متكلسة الرواسب وأنساق مليئة بالسلط وأوهام الماوراء. فكان يبني ضلعه المعرفي الذي يسعى إلى تنسيب القضايا، بعد تأزيمها في صمت «الأنبياء» المؤسسين للطريق والأفق دون وثوقية أو إقرار؛ كأنه جاء كما قال «ليعلمنا الاختلاف الذي لا رجوع منه». يأتي الموت كصاعقة دوما، بعد أن صدقنا الإعلام عن تعافيه الصحي. ولست أدري لماذا نحيط كل شيء بالتكتم إلى حين سقوط الضربة. وهو ما راكم ثقافة التكتم. أقول يأتي الموت ليعلمنا النسبية، وفي المقابل الإمساك بحمولة الأسماء ليس في الكتب، بل داخل الأنساق والمنظومات . الخطيبي هنا، كما يبدو لي، أسس لتثوير تفكيكي للأداة وللموضوع في غاية من الرموز والإشارات دون ادعاء أو دعوة لنصه المتعدد والمتنوع. كأنه كتاب وجود، ينبغي فتحه والتأمل فيه أو عبور طريقه المفتون بالجذور والامتدادات دون تسطير إيديولوجي أو فقهي. يعلمنا هذا الرجل، الذي هو من زماننا، أشياء كثيرة وفي كل الاتجاهات منها: تشكيل تلك الشهادة على العصر، من زاوية مثقف يسعى للتقويض المعرفي بواسطة السؤال إلى حد تبدو معه أعماله كاستفهام كبير يدفعنا الى عدم الارتكان لحقائق الرأي، أي الحقائق المتداولة التي نبلعها دون شك أو تفكيك . تقدم أعماله صورة عن ذاك التداخل بين حقول معرفية عدة. لكنها متكاملة ضمن شرط الوجود والحياة، وبالتالي لا يمكن فهم أعماله مفصولة عن بعضها كأرخبيلات أو يمكن أن يكون الأمر كذلك ضمن إمبراطورية من الشك . السهر مع الأشياء التي تشد الإنسان للأرض والجذور كالوشم والأمثال والشفويات العالقة؛ والبحث ضمنها عن جماع روح وحياة أخرى لها أصولها المنسية. وهو بين هذا وذاك يعطي المثال عن المثقف متعدد الاهتمام في صمت كأنه قارة ينبغي الذهاب إليها، لبناء علاقات متخففة من الاقتحامات، وبالتالي السفر ضمن نسيج يعمق السؤال ويفتحه على الواقع والحياة.وداعا سي عبد الكبير الخطيبي، سلاما أثر الممشى...