في هذا الحوار مع مؤلف أول كتاب عن الحرب الأخيرة على غزة، «الرسالة القادمة من غزة»، سعيد إبراهيم عبد الواحد، يطلعنا الكاتب على دواعي الكتابة عن الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، واصفا كل ما نقلته وكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية بأنه يخضع للرقابة، عكس التأريخ بالكتابة الذي يتميز بحرية أكبر، قبل أن يلوم الإعلام العربي، الذي بالرغم من إمكانياته الضخمة، بحسبه، فإنه يقصر في التعريف بقضية العرب الأولى يعتبر كتاب «الرسالة القادمة من غزة» أول كتاب يؤرخ لحرب غزة الأخيرة. كيف جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب؟ < فكرة الكتابة حول الموضوع جاءت منذ اللحظات الأولى للحرب، عندما قصف الطيران الإسرائيلي، بلا هوادة، الحي الذي أقطن به، يوم السبت الموافق ل 27 دجنبر من السنة الماضية، بحيث استشهد، في اللحظات الأولى فقط من فتح أولى فوهات العدوان النيرانية، ثلاثة أطفال ورجلان وصبيتان شقيقتان من مدرسة ثانوية، ونجا ابني، الذي كان ينتظر حافلة المدرسة، بأعجوبة، وبفضل من الله وعنايته. ودمر ذاك القصف الغادر عدة مبان قريبة من سكناي، منها مبنى وزارة الأسرى المكون من اثني عشر طابقا، والذي تحول إلى أثر بعد عين، بالإضافة إلى مبان أخرى. وشعرت بالحدث الجلل وأدركت أننا مقبلون على هول كبير فبدأت بتدوين يوميات العدوان، حتى تبقى شاهدة على إجرام جيش الاحتلال. -إلى من توجهون، أنتم كشهود عيان على حرب إسرائيل ضد غزة، «الرسالة القادمة من غزة»؟ < من خلال إلقاء نظرة فقط على عنوان الكتاب/الرسالة، يمكن معرفة المرسل إليه بسهولة كبيرة وبدون عناء، فالمرسل شاهد عيان، والمرسل إليه أو بالأحرى المرسل إليهم هم كل إنسان يسكن هذا العالم، وخاصة الإنسان الغربي، لمعرفة الذي يجري على أرض فلسطين، ف»الرسالة القادمة من غزة» موجهة إلى كل أحرار العالم، وبعبارة أخرى، للتحرك وعدم الاكتفاء بتلقي الأخبار، واختيار اليابان بالضبط لنشر الكتاب يأتي انطلاقا من كونها باتت دولة مهمة في معادلة العصر الحديث. - هل يمكن للتأليف أن يكشف عن جوانب أخرى من الحرب غير تلك التي حملتها وكالات الأنباء، سواء في ما يخص الكلمة أو الصورة؟ < نعم أعتقد أن العمل التدويني، الذي قمت به كشخص عايش عن قرب فداحة الحرب الإسرائيلية، يوثق للحدث بلا تجميل ولا رتوش، وبالتالي فهو ينقل الحقيقة على علاتها. صحيح أن مصادر إعلامية كانت بعين المكان تقوم بمهمتها، إلا أنني أرى أن وكالات الأنباء، بمختلف تلويناتها، تخضع للرقابة، بطريقة أو بأخرى، وأما التدوين من قلب الحرب لأجل التأريخ ولأجل نقل الوقائع للأجيال اللاحقة، فلا يخضع لرقابة أحد، ولذلك فإنه بإمكان قارئ الكتاب أن يكتشف وقائع وحقائق لم توردها أي وكالة أنباء نقلت الأحداث من غزة، لأن عمل الوكالات تتحكم فيه مجموعة من العوامل، بالإضافة إلى الرقابة، حيث نجد هناك أيضا محدد السرعة الذي يجعل خبر الوكالة لا يدقق في بعض الأمور أحيانا. - بصفتك كنت بغزة شاهدا على ما جرى، هل يمكنك إعادة رسم صورة لتلك الحرب؟ < إعادة رسم صورة الهجوم الإسرائيلي جواً وبحراً وبراً ستكون صعبة ومؤلمة حقيقة وبكل المقاييس؛ فالذكريات المريرة التي يختزنها الناس هنا لا يمكنها أن توصف بكلمات معدودات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تختزل في عدد محدود من الشهادات، خاصة في ظل الوقوف على حالات لأشخاص لا يصدقون لحد اليوم، رغم نهاية الهجوم الإسرائيلي الغاشم قبل أسابيع، أنهم ما زالوا على قيد الحياة، وهنا أستغرب، أنا شخصيا، كيف نجوت من إصابتي أو إصابة بيتي بشظية من قنبلة فسفورية مع أن جاري في الطابق العلوي أصيب بيته بشظية حرقت كل ما في البيت. - الملاحظ أن الكتاب جاء باللغة الإنجليزية. لماذا هذا التوجه اللغوي؟ هل في ذلك رسالة معينة؟ < أكيد، فاللغة تلعب دورا مهما ورئيسا في إبلاغ أي خطاب مهما كان نوعه أو مصدره. وبالنسبة إلي، فإن لجوئي إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى أنني مهتم بالأدب الإنجليزي والمقارن، هو ما كان يؤطر توجهي، ذلك أنني أردت، أولا، مخاطبة الغرب المنحاز إلى طرف على حساب طرف، ثم، ثانيا، كنت أود بعث رسالة عتاب إلى الإعلام العربي الضعيف، الذي يعجز، رغم إمكانياته المحترمة، أن يلعب دوره الحقيقي في التعريف بقضاياه القومية والمصيرية، ويقصر في حق الشعب الفلسطيني. - أي دور إذن يمكن للكتاب أن يلعبه في التعريف بالقضية الفلسطينية؟ < أعتقد أن الكتاب يعتبر سبقا مهما في التعريف بما حصل من جرائم، ومن شأنه تسليط الضوء على جوانب لم تطلها أضواء وكاميرات القنوات الفضائية، وكذا المساهمة في المزيد من التوثيق للأحداث المختلفة، التي واكبت الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، لأن الكتاب يتناول بعض الأحداث التي لم تثرها أي فضائية أو وكالة أنباء، ومن ذلك، على سبيل المثال، حكاية المواطن حسين العايدي وباقي أفراد أسرته البالغ عددهم 32 فردا، والذين حوصروا، أثناء توغل الآليات العسكرية الإسرائيلية، وفي خضم اشتداد المواجهة مع المقاومة، بين دبابات ومدفعيات العدو. وقد رفض الجيش الإسرائيلي كل محاولات الصليب الأحمر ومنظمات إنسانية أخرى إخلاء هذه الأسرة، وظلوا محاطين بالدبابات الإسرائيلية، بينما كان من فوقهم الطيران الحربي الذي كان يقوم بالتغطية على القوات البرية. واستمر هؤلاء في نفس الوضع محاصرين بمنازلهم، لمدة أربع وعشرين ساعة، بدون ماء ولا كهرباء، وأصيب منهم سبعة أشخاص إصابات خطيرة بنيران العدو، ومن بين المصابين كانت هناك عجوز تبلغ 82 سنة. وبعد خمسة عشر يوما، تم إجلاؤهم وانسحبوا من بين الدبابات، سيراً على الأقدام، يرفعون الرايات البيض، قاطعين مسافة كيلومترين! بعد ذلك قام الجيش الإسرائيلي بتفجير بيوتهم الثلاثة. وفي نفس المنطقة حوصرت كذلك عائلة المواطن السموني، بعدما اقتحمت عناصر من الجيش الإسرائيلي الخاصة بيت العائلة مستعملة الذخيرة الحية، فقتلت منهم، بدم بارد، حوالي 50 شخصاً من أعمار مختلفة من مواطني غزة العزل. - إذن هل يمكن للأكاديمي الفلسطيني أن يحتل مكان السياسيين المتنازعين في ما بينهم للتعريف بالقضية؟ < كما لا يخفى على أحد، فإن الأكاديمي الباحث يلعب دورا بارزا ضمن حركية المجتمع، بصفة عامة، ودوره لا يقل أهمية عن دور السياسي في التعريف بقضايا المجتمع المختلفة، ومن منطلقنا كأستاذة وباحثين فلسطينيين، نحن واعُون بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ومن هذا المنطلق فإن كتابي اليوم جاء لبلورة ما يصبو إليه كل مثقف فلسطيني من أجل إطلاع الآخرين على قضيته الوطنية المقدسة، ولذلك فإن الكتاب يحتوي، قبل كل شيء، على فصل يعرف بالمكان (فلسطين) جغرافيا وتاريخيا، وعلى فصل آخر يروي قصة الحصار على غزة، قبيل العدوان وبعده، لأن الحصار غير الإنساني ما يزال قائما حتى بعد العدوان الأخير. - أية علاقة تلك التي تربط بين المثقف الأكاديمي والسياسي في فلسطين؟ < للأسف الشديد فإننا نرى اليوم خفوتا ملحوظا لفئة المثقفين، والأكاديميين تحديدا، على صعيد تناول القضية الفلسطينية، التي يبدو فيها دور الأكاديمي الفلسطيني دورا مهمشا، وصوته غير مسموع إلا إذا كان هذا الصوت ضمن إطار حزبي، وبالتالي يصعب القول بإمكانية أن يكون له دور سياسي مهم وفعال ما دام مستقلا ولا ينتمي إلى هذا الفصيل أو ذاك، رغم أن من يسمون أنفسهم بالمستقلين، هم الآن، في غالبيتهم، مستقلون حزبيون، إذا جاز لي التعبير بذلك. - من الناحية الشكلية تم الاعتماد على مصور ياباني لتطعيم الكتاب بصور عن الحرب، ثم التوجه إلى نشر يابانية وترجمته إلى لغة هذا البلد، لماذا هذا التخصيص بالضبط؟ < نعم، بالفعل يثير القارئ، منذ البدء، حضور ياباني بارز على الصعيد الفني للكتاب، إن على مستوى الشكل أو المضمون، من خلال الصور، وهذا له ما يبرره بحيث إن اختياري لهذا البلد لم يأت عفويا، بل لإيماني بأن اليابان أصبحت دولة مهمة في إحداث تغيير في القرن الحادي والعشرين الذي نحياه. لذا، فإن مخاطبتهم ستكون مثمرة وذات نتائج إيجابية، وهو ما نتوخاه من تأليف كتابنا. ورغم أن الصور الرئيسة المتضمنة في الكتاب، كانت من تصويري، فإن المصور الياباني راي شيبا أضاف الكثير من مهنيته العالية وأمدني بعدد من الصور، بينما مترجمة الكتاب ماري أوكا معروف عنها تعاطفها مع قضيتنا، وهي تتبنى اليوم مالياً تربية طفلين فلسطينيين من أيتام صبرا وشاتيلا، وحديثاً أضافت إليهما طفلاً ثالثاً من أطفال مخيم نهر البارد.