سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نجم الدين : تركيز الجامعة على مشاكل التنمية يستدعي مراعاة متطلبات سوق الشغل قال إن التعليم العالي والتربية الوطنية وجهان لا يمكن الفصل بينهما لخلق تكوين سليم
يعد الفضاء الجامعي الوعاء الرئيسي لاستقبال الملايين من التلميذات والتلاميذ القادمين من جميع مؤسسات قطاع التربية الوطنية، كما تعتبر الجامعة معنية بشكل مباشر بواقع المنظومة التربوية الذي يثير النقاش حاليا، ومن هذا المنطلق أجرينا هذا الحوار مع أحمد نجم الدين رئيس جامعة الحسن الثاني بسطات الذي يحدثنا فيه عن واقع المنظومة وارتباط قطاع التربية الوطنية بالتعليم العالي وعن تجربة الجامعة في مجال تدريس اللغات والبحث العلمي، وعن مدى تناغم التكوينات الجامعية مع متطلبات سوق الشغل ببلادنا ... - بداية كيف كانت قراءتكم لمضامين الخطاب الملكي السامي حول المنظومة التربوية خاصة في الشق الذي لامس فيه مشاكل التعليم العالي في ارتباطه بقطاع التربية الوطنية؟ إن اختيار جلالة الملك محمد السادس نصره الله لذكرى ثورة الملك والشعب كي يتوجّه إلى الشعب المغربي بخطاب سامٍ يتناول قضية التعليم، ينمّ عن وعي عميق من جلالته بكون الثورة الحقيقية على درب التنمية تبدأ من العلم والتربية. وهو ما ينسجم مع السياسة التي انتهجها منذ تولّيه العرش، إذ كما تعلمون جعل العشرية الأولى من فترته مخصصة للتربية والتكوين. لقد أتى خطاب 20 غشت المنصرم بتحليل موضوعي لقطاع التعليم أبرز فيه جلالته أن انخراط الشباب في الخيار الديمقراطي للبلاد يظل رهينا بمدى تأهيله واستشرافه للمستقبل، وهذا يحيلنا على المنظومة التربوية وقدرتها على تكوين الأجيال الصاعدة، وإعدادها للمساهمة في المسار التنموي الديمقراطي للمجتمع. ولبلوغ هذه الغاية أكد الملك على ضرورة تفعيل ما تمت التوصية به خلال السنوات الأخيرة، وتجسيد ما نص عليه الدستور الجديد بخصوص التعليم العصري والجيد، مردفا بأنه يجب إعادة النظر في الطرق البيداغوجية المتبعة. وليؤكّد جلالته على ضرورة ملاءمة البرامج التعليمية لمتطلبات سوق العمل، ارتباطا بفكرة أساسية مفادها أن على السياسات التعليمية أن ترتبط بفترة زمنية محددة كي تحقق أهدافها المتوخّاة في تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. كما وجه الخطاب رسالة لجميع الفاعلين في القطاع على تنوّع مشاربهم تحثّهم على مباشرة العمل في طريق الإصلاح. مع التأكيد على أهمية الميثاق الوطني للتربية والتكوين كمرجعية لهذا الإصلاح وكنموذج راق للأسلوب التشاركي الذي سماه الخطاب «المقاربة الوطنية الواسعة»، مؤكدا أن الأمر أصبح يتطلب وقفة موضوعية مع الذات وفتح نقاش عمومي وطني موسع بمشاركة الجميع، كما أكد على ضرورة تفعيل مقتضيات الدستور بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في صيغته الجديدة، وتنويع امتلاك اللغات، وتأهيل الكفايات اللغوية للتلميذ والطالب، وعلى استمرار التراكمات الإيجابية وتصحيح الاختلالات في سياق الاستمرارية المناقضة لمنطق القطائع. - كيف قرأتم مسألة الاستمرارية من موقعكم في قطاع التعليم العالي؟ الاستمرارية التي يجب تبنيها فيما يخص العلاقة بين قطاعي التعليم العالي والتربية الوطنية باعتبارهما وجهين لا يمكن الفصل بينهما لخلق تكوين سليم، وفي هذا الصدد تنخرط جامعتنا في علاقة بناءة مع قطاع التربية الوطنية. ومنه قامت جامعة الحسن الأول بإحداث تكوينات في علوم التربية لفائدة أساتذة السلك الثانوي، لاستكمال بنائهم البيداغوجي والأكاديمي، على مستوى كلية العلوم والتقنيات، في تخصصات علوم الحياة والأرض والرياضيات والإعلاميات والفيزياء، بشراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الشاوية ورديغة. وسبق للجامعة أيضا أن قامت بتكوين المكوّنين في التعليم الأولي لفائدة منتسبي مجموعة مدارس مؤسسة محمد السادس للتربية والتكوين، أطّرها ثلّة من أساتذة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. كما أن الجامعة وبعد نجاح النسخ السابقة تستمرّ في تنظيمها الفعّال لأسبوع العلم الذي نحضّر لنسخته الثامنة هذه السنة بحول الله تعالى، وهو نشاط يهدف إلى تبسيط العلوم البحتة لفائدة تلاميذ التعليمين الأساسي والثانوي، مشفوعا بقافلة الأشغال التطبيقية التي ينتقل بموجبها مكوّنون من الجامعة إلى مؤسسات التعليم الثانوي لربط المعارف العلمية بالتجارب العملية. وفي إطار مواكبة الطالب لمساعدته على الاختيار الأمثل لمساره، عمدت الجامعة إلى خلق مركز للتوجيه والإعلام قامت عبره بمجموعة من الأنشطة قوافل التوجيه بالثانويات التأهيلية التي تنظمها كل سنة بين شهري مارس و ماي، والمشاركة في منتديات التوجيه الجهوية والوطنية، وأسابيع التوجيه والإعلام والإدماج لفائدة الطلبة المغاربة والأجانب وغيرها. ودائما في سياق الخطاب الملكي السامي، نعمل الآن على تنظيم عطل اللغات ( LES VACANCES DE LANGUES ) بشراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين للغات الحية لفائدة تلاميذ السنة الأولى من سلك الباكالوريا بمختلف المؤسسات الثانوية بالجهة. ماهي إنجازات الجامعة وطموحاتها المستقبلية على المستوى الجهوي والمحلي وعلى مستوى الشراكات مع جامعات بالخارج؟ إن أبرز ما ميّز حصيلة جامعة الحسن الأول إطلاق مجموعة من المشاريع، التي تهدف إلى تحسين سعة استقبال مؤسساتنا وتعزيز بناها التحتية، ومنه تمكنّا من إنهاء بناء كل من الكلية متعددة التخصصات والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بخريبكة والمدرسة العليا للتكنولوجيا ببرشيد. وقد عملت جامعتنا كذلك على تنويع عرض التكوين بالانفتاح على مختلف الأوراش السوسيو اقتصادية الوطنية الكبرى، أدى إلى تحسين جاذبية الاستقطاب لدينا. ونجحنا في خلق المؤسسة الجامعية الفريدة على المستوى الوطني في شتنبر المنصرم، وهي المعهد العالي لعلوم الصحة. كما تعززت جامعتنا أخيرا باعتماد مؤسسة جامعية جديدة هي معهد الدراسات والأبحاث في العلوم الأمنية. - لكن ماذا عن مسألة البحث العلمي؟ تقوية البحث العلمي شكّلت أيضا أحد أبرز المحاور الاستراتيجية للجامعة، فقد تم اعتماد بنيات بحث خلال الفترة الأخيرة عززت الإنتاج العلمي للباحثين بالجامعة، التي أضحت تخصص 10 في المائة من مواردها الذاتية لدعم البحث ومواكبة الباحثين، أي ما يناهز 10 ملايين درهم. مع تبني مؤسستنا لسياسة تثمين البحث العلمي، من خلال مساعدة الأساتذة الباحثين على تسجيل اختراعاتهم والحصول على براءات وطنية ودولية بلغ عددها اليوم 22، ما بين براءات الاختراع الوطنية والدولية والنماذج الصناعية، وكذا عبر مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تشجيع النسيج الاقتصادي والاجتماعي، منها مواكبة حاملي مشاريع إحداث المقاولات، من خلال الحاضنة الجامعية مغرب الابتكار، وغيرها. كما نعمل حاليا على إنجاز مشروع سيكون له إشعاع أكاديمي وعلمي واقتصادي، وهو مشروع مدينة الابتكار، بشراكة مع وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي. وفي سبيل تطوير منظومة معلوماتية تتبنى تدبيرا جيدا عصريا لوسائلنا البيداغوجية والعلمية، استثمرت جامعتنا 10 ملايين درهم لإنشاء بنية تحتية تكنولوجية حديثة، تتغيّى خلق فضاء رقمي للعمل، يعزّز جودة حكامتها. وانخرطنا في مجموعة من برامج التعاون الدولي، إذ نعتبر الجامعة المغربية الوحيدة التي تنسق برنامجين أوروبيين يهمّان تحسين الحكامة الجامعية، ويتعلق الأمر بمشروع إحداث نظام إعلامي وطني، ومشروع تقوية الكفاءات في التقييم المؤسساتي، والذي تعتبر وزارتنا الوصية وكذا المجلس الأعلى للتعليم شركاء متميّزين لنا ضمنهما. - تعد جامعة الحسن الأول من الجامعات الأولى التي استجابت لدعوة الملك في ضرورة تعلم اللغات الأجنبية، أين وصل مشروع إنشاء معهد تكوين اللغات بسطات الذي أعلنتم عنه؟ إن جامعتنا تسترشد بقوة بالتوجيهات الملكية السامية، التي ما فتئ جلالته يعلن عنها، واصلا إياها بخطاب 20 غشت الأخير، وهي المتعلقة بتدريس اللغات الحية، لكونها محددا استراتيجيا في السياسة الوطنية لتطوير التعليم عموما والتعليم العالي بشكل خاص، إذ تعدّ دراسة اللغات الأجنبية ملمحا هاما في تأهيل الطالب المغربي واستكمال معارفه. كما أن الانفتاح لا يمكن أن يمر إلاّ عن طريق التعدّد الثقافي والحضاري الذي تشكل اللغات الأجنبية إحدى أبرز ركائزه، وعلى هذا الأساس يتعدّى طموحنا لتطوير الملكات اللغوية حدود جامعتنا إلى عموم شباب جهة الشاوية ورديغة، وهذا هو مستند إقدامنا على مشروع خلق مركز للغات الحية بدعم كل من ولاية الجهة والمجلس البلدي لمدينة سطات. إذ أقدمت جامعتنا على إبرام مجموعة من اتفاقيات الشراكة والتعاون مع العديد من الهيئات الأكاديمية الدولية كالمدرسة العليا نامور – لييج – لوكسمبورغ ببلجيكا، والمعهد الفرنسي بالمغرب، وجامعة غرناطة بإسبانيا، والمركز الثقافي البريطاني بالمغرب، والوكالة الجامعية للفرانكفونية. ومنه عملنا على تنظيم أسبوعيْ اللغة الفرنسية في أكتوبر الماضي، في تجربة فريدة على الصعيد الوطني، لفائدة المسجلين الجدد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. كما جهّزنا برنامجا للتكوين في اللغة الإنجليزية يتمحور حول تشغيل الطلبة، لفائدة 100 طالب ينتمون لمختلف مؤسسات جامعتنا. ونحضّر الآن، بشراكة مع جامعة غرناطة، لتنظيم كل من أسبوع اللغة الإسبانية بسطات وأسبوع اللغة العربية بغرناطة. هذا فضلا عن انفتاحنا على اللغة الصينية، عبر إجرائنا اتصالات مكثفة مع شركائنا بجامعة نينغبو الصينية لهذا الغرض. ونحضر كذلك لتدريس اللغة العربية لفائدة طلبتنا الأجانب، حرصا على اندماجهم في محيطهم الجامعي بشكل أمثل. - ما هي الآليات التي وضعتم رهن إشارة طلبتكم لتسهيل اندماجهم في سوق الشغل؟ أوقن أن تركيز الجامعة على المشاكل التي تعترض التنمية الوطنية والجهوية يستدعي مراعاة متطلبات سوق الشغل. وهو ما يتطلب تعزيز الوسائل البيداغوجية والتنظيمية، لأنه من المفارقات أن يعاني الخريجون من البطالة، إزاء الطلب المتزايد من الشركات والمؤسسات على الموارد البشرية. ولمواجهة هذا المشكل، عملنا في جامعة الحسن الأول على ملاءمة التكوينات التي يتلقاها طلبتنا مع المتطلبات السوسيو اقتصادية لسوق العمل، لذلك يشكل حجم التكوينات الممهننة من ضمن مجموع التكوينات التي توفرها الجامعة اليوم نسبة 81% كما نسعى باستمرار إلى تعزيز مهاراتهم وكفاءاتهم بمواكبتهم للحصول على شغل مناسب. أيضا عملنا على أن ينخرط طلبتنا في البرامج الدولية للحركية كما نشتغل مع شركائنا في المجلس الثقافي البريطاني على البحث عن المهارات المطلوبة لدى المشغلين الجهويين والوطنيين والدوليين، . كما قامت الجامعة بدراسة علمية لاستطلاع المسار المهني لخرّيجينا بتعاون مع المجلس الأعلى للتعليم، لنعرف مدى ملاءمة تكويناتنا لسوق العمل، في أفق تطوير عرضنا التكويني إزاء المستجدات المستمرة للميدان المهني. إن هذه القناعة التي تحكمنا للسعي الدؤوب نحو التطوير لطلبتنا وخريجينا على حد سواء هي ما حدا بنا إلى إحداث مشروع جهاز لمواكبة تشغيل الخريجين، وهو المشروع الذي حظي بدعم البنك الإفريقي للتنمية بمبلغ 260.000 أورو.