عبد العزيز المنبهي، رئيس المؤتمر ال15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهو المؤتمر الذي صادف محاولة الانقلاب الثانية على الحسن الثاني في غشت 1972، فخرج بمواقف «انقلابية» طبعت مسار المنظمة الطلابية حسب العديد من الفصائل، بينما يُصرّ المنبهي ورفاقه على أنها تصحيح وتصليب لمسار «أوطم». في مدينة «روزي» الفرنسية التقت به «المساء»، فاعترف بأنه ما يزال مناضلا ماركسيا ثوريا، رغم العمر والقهر، ورغم الداء وشراسة الأعداء «الطبقيين». فوق كرسي اعتراف «المساء»، يحكي المنبهي تفاصيل أشهر مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي انتخب رئيسا له، قبل أن يتم حظر المنظمة الطلابية واعتقال قياداتها بتهم ثقيلة؛ ويتوقف عند انتمائه إلى المنظمة الماركسية اللينينية «إلى الأمام» ثم عند تجربة الاختطاف والاعتقال؛ كما يتطرق المنبهي إلى حكايته مع ادريس البصري الذي رفض، بعد الإفراج عنه، منحه جواز السفر حتى بعدما أثبتت كل التقارير الطبية ضرورة علاجه خارج المغرب، ليقرر مغادرة المغرب بجواز سفر شخص أوربي يشبهه. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتوقف عبد العزيز طويلا عند سيرة أخته سعيدة المنبهي «سعيدة الشهيدة»، ويكشف عن جوانب إنسانية في مسيرة هذه المرأة التي ماتت في سن الخامسة والعشرين بعد 34 يوما من الإضراب عن الطعام. - هل كان استدعاء الحسن الثاني لرؤساء سابقين ل«أوطم» نوعا من البحث عن مخاطب داخل الحركة الطلابية؟ طبعا، ويجب أن تعلم بأن القمع الشرس الذي تعرضت له الحركة الطلابية في المغرب خلال السنوات التي تلت حظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان فظيعا وواسعا، ومع ذلك بقيت الحركة الطلابية عصية على الاحتواء. ورغم كل ما قام به النظام لجعل الأحزاب الإصلاحية تسيطر على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فإن الحركة الطلابية المغربية ظلت مرتبطة بالمؤتمر ال15 ل»أوطم» ووفية لمقرراته وهياكله المنتخبة ديمقراطيا. وهكذا كان ولا يزال جليا في كل الشعارات الطلابية التي ترفع وتؤطر نقاشات ونضالات الطلبة إلى الآن، أنها تحيل كلها على المؤتمر ال15؛ لذلك فإن استدعاء الحسن الثاني للرؤساء السابقين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان الغرض منه هو تطويق استمرار حضور المؤتمر ومقرراته وشعاراته داخل الأوساط الطلابية. - تصر على أن المؤتمر ال15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي انتخبت فيه رئيسا، قبل اعتقالك، هو الذي مازال يؤطر نضالات الطلبة إلى الآن؛ ما هي الشعارات التي أفرزها هذا المؤتمر وما تزال الحركة الطلابية المغربية ترفعها وتؤمن بجدواها إلى الآن؟ هناك شعار «تعليم شعبي ديمقراطي»، وشعار «ثقافة تقدمية.. ثقافة شعبية»... وهذه الشعارات لازالت لها راهنيتها إلى الآن. - في يوم 9 نونبر 1978 سيرفع «الحظر القانوني» عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي شتنبر 1979 سينعقد المؤتمر ال16 الذي سيعيد الاتحاد الاشتراكي إلى قيادة «أوطم»، حيث سينتخب محمد بوبكري رئيسا؛ ما تفاصيل ذلك؟ نعم، وقد بعثنا طلبة لتمثيل المجلس الفيدرالي لأوربا الغربية، المنتخب ديمقراطيا، لكن التحالف الثلاثي بقيادة الاتحاد الاشتراكي رفض مشاركتهم، كما رفض أيضا تلاوة الرسالة الصوتية التي بعثت بها إلى المؤتمر بصفتي رئيس آخر مؤتمر (المؤتمر ال15)، قبل أن يستطيع الرفاق فرض ذلك. - خلال المؤتمر ال16 ستعود قيادة «أوطم» إلى الاتحاد الاشتراكي في شخص الرئيس محمد بوبكري؟ ومع الاتحاد الاشتراكي سيتقهقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى وضعية ما قبل المؤتمر ال15 والتي كانت مطبوعة بالبيروقراطية وتنفيذ القرارات الحزبية وإقصاء الكليات التي تصنف في خانة «غير الموالية»، بالإضافة إلى قضية الصحراء التي أصبحت هي القضية المقدسة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ناهيك عن كونهم غيروا شعار «أوطم» بأن أضافوا إليه خريطة المغرب ملحقةً بها الصحراء. - خلال المؤتمر ال16 ل«أوطم»، برز لأول مرة اسم ادريس لشكر، الكاتب الأول الحالي للاتحاد الاشتراكي، الذي تميز بتدخلاته التي قيل إنها كانت تصل حد العنف، كما قيل إنه كان هو من أخرج شعار: «حرب تحرير الجماهير من عملاء الجزاء»، والمقصود الطلبة الماركسيين؛ ما حقيقة هذا؟ كان هذا هو مضمون الاتفاق الذي تم بينهم وبين الحسن الثاني لرفع الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. أي تصفية التيار اليساري الديمقراطي والماركسي اللينيني وتركيع الحركة الطلابية. - هل كان ادريس لشكر حاضرا في المؤتمر ال15؟ لا، لم يعرف إلا في المؤتمر ال16 في كلية الحقوق حيث «كان داير ليهم القايد». وحسب ما يحكيه كل الرفاق، فقد كان لشكر سيئا وبذيء اللسان، كما كان يمسك بيده سلسلة يُعنف بها كل من يخالفه الرأي. وعندما كان الرفاق يرفعون شعار الاتحاد اتحادنا والمنبهي رئيسنا، كان هو يرد عليهم: «آش غادي يدير ليكم داك الخميني ديالكم؟».. لقد كان لشكر من العناصر التي حاربت التيار التقدمي داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وداخل الكلية حيث كان يدرس. - لنعد إلى المؤتمر ال16؛ ما الذي حدث حينها؟ خلال المؤتمر ال16، صعد الاتحاديون إلى قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ونُصّب بوبكري رئيسا. وقد تشكلت القيادة، إلى جانب الاتحاديين، من التقدم والاشتراكية وطلبة 23 مارس. وكانت تلك السنة فترة هدنة، ليأتي بعد ذلك المؤتمر ال17 الذي كان سيطرح فيه نفس المشكل (...)، لكن هذه المرة كان الطلبة القاعديون يشكلون الأغلبية الساحقة، وقد نشأ حينها فصيل يحمل اسم «طلبة الوحدة والنضال»، وهو فصيل تيار الفقيه البصري، إضافة إلى فصيل «لائحة رفاق الشهداء» (الطليعة) الذي كان موقفه متذبذبا، فكان مرة يتحالف مع القاعديين ومرة أخرى يعود ليتحالف مع الاتحاد. وكما قلت، فعندما جاء المؤتمر ال17 أحس الاتحاديون بأنهم في مأزق لأن الأغلبية كان يشكلها الطلبة القاعديون، وانتهى المؤتمر ال17 دون تعيين قيادة أو رئيس جديد ودون صياغة تقرير، ليبقى الوضع على ما كان عليه قبل المؤتمر 17. وعلى مستوى الجامعة، ونظرا إلى أسلوب التضييق ومخططات التصفية التي انتهجها المخزن ضد المناضلين التقدميين والقاعديين، كان الأخيرون يعملون على شكل تيارات، لكنهم لم يستطيعوا إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بما يعنيه ذلك من إعادة هيكلة التعاضديات والتنسيق على مستوى الكليات والمدن الجامعية، وبالتالي فقد ظل الطلبة يقدمون أنفسهم على أنهم من «تيار كذا وكذا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، لكن دون أن يكون هناك وجود فعلي للتنظيم النقابي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ومنذ ذلك الوقت، لم تُطرح أي مبادرة جدّية لعقد مؤتمر «أوطم» وإعادة بنائه. صحيح أن عددا من الرفاق المناضلين طرحوا نقاشات وعبروا عن رغبتهم في العمل على هذا الطرح، لكن سعيهم لم ينجح لأسباب متعددة، منها تعدد التيارات داخل صفوف الطلبة القاعديين الذين أصبحوا الآن 3 أو 4 توجهات. ومن خلال تتبعي لما يحدث داخل الجامعات، أعرف أن الطلبة القاعديين لا زالوا يحملون مشعل النضال داخل الجامعة، وقد تعرض العديد منهم مؤخرا للقمع والتعنيف والاعتقال، وكانت هناك استشهادات في صفوفهم، لكنهم إلى حدود الساعة لم يستطيعوا توحيد أنفسهم من أجل إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. وهنا في الخارج، استمر كذلك النضال بروح الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكان عددٌ من المناضلين يعمل من داخل الجمعية المغربية للمهاجرين.