أجمع مشاركون في يوم دراسي نظمته جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات، بشراكة مع الجمعية الأمريكية للمحامين والقضاة، أول يوم السبت اأخير بالرباط، أن تطبيق مدونة الأسرة ما زالت تعترضه بعض الإشكاليات في التطبيق، خاصة في موضوع توزيع الممتلكات المحصل عليها أثناء الزواج عند انفصال الزوجين، ومسطرة الحكم في قضايا التطليق للشقاق. وأكدت زهور الحر، قاضية بالمجلس الأعلى للقضاء، أن هناك اختلافا في التعامل مع المادة 49 من مدونة الأسرة التي تهم الذمة المالية للزوجين، واصفة تعامل البعض معها ب«الجامد والسطحي»، لتقيدهم بمفهوم الإثبات واعتبار الأملاك المحفظة في ملك الزوج لا تتيح للزوجة حق الاستفادة منها أو العكس. وقدمت الحر مثالا على الأخطاء التي تشوب بعض الأحكام، ومن بينها ملف بت فيه المجلس الأعلى للقضاء خلال شهر دجنبر الماضي، ويتعلق بدعوى رفعها رجل بعد صدور المدونة بحوالي أربعة أشهر، يطلب فيها نصيبه من ممتلكات الزوجة التي تعود له. وأوضحت، في مداخلة لها تحت عنوان «تدبير الأموال بين الزوجين في قانون الأسرة»، أن كل أملاك الزوجة تعود للزوج الذي قام بتدوين كل ممتلكاته في اسم الزوجة، غير أن ضبطه لها متلبسة بالخيانة وفي حالة سكر علني، دفعه إلى إتباع مسطرة الطلاق للشقاق فطالب بحقه في ممتلكاتها، لكن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قضت بعدم ثبوت حقه في الممتلكات وأيدت بعدها محكمة الاستئناف الحكم، وبعد وصول الملف إلى المجلس الأعلى للقضاء، تقول الحر، تبين أن هناك أدلة تبين أن للزوج الحق في ممتلكات الزوجة، ومن بينها وثيقة تكشف اقتطاعات من حسابه البنكي لفائدة العقار الذي تعود ملكيته للزوجة، فقضى المجلس بقبول طعنه في الحكم وأعيد الملف للمحكمة للنظر فيه من جديد. وفي موضوع الولاية، أشارت القاضية بالمجلس الأعلى للقضاء إلى أن جيوب المقاومة في الموضوع تبرز من حين لآخر، منبهة إلى ضرورة النظر إلى موضوع الولاية من جانب القيمة الحقوقية، ولكن في الوقت نفسه، قالت إن لديه بعدا اجتماعيا، قائلة: «إنني أنظر للموضوع من الناحية الحقوقية، ولكن في الوقت نفسه، لا أقبل أن تتزوج ابنتي رجلا دون أن يحضر والديه لأنني سأقول لها إن هذا الزوج لا خير فيه، كما أرفض أن يتزوج ابني دون حضوري». كما ناقش المشاركون، في اليوم الدراسي الذي نظم تحت عنوان «خمس سنوات من تطبيق قانون الأسرة: الحصيلة والآفاق»، موضوع مسطرة الحكم في قضايا التطليق للشقاق، إذ اعتبرت فاطمة الزهراء بوقيسي، محامية بهيئة الرباط، أن تعيين الحكم من الأسرة غالبا ما يعيق مسطرة الصلح بين الزوجين ويؤدي إلى تأجيج الصراع بينهما، فتتحول غرفة المشورة إلى قاعة للنزاعات بين أسر الزوجين، مبينة أن جل الملفات التي يكون الحكم من طرف الأصدقاء غالبا ما تنتهي بالصلح. وبالمقابل، تطرقت بعض المداخلات إلى المشاكل التي تعترض الرجل في تطبيق المدونة، إذ قالت نزهة العلوي، رئيسة منظمة اتحاد العمل النسائي، «إن هناك حيفا يمارس على الرجل أثناء تطبيق مدونة الأسرة، ومن بينها حرمانه من مسطرة الطلاق للغيبة، في العديد من الحالات، من بينها أن العديد من النساء يغادرن من أجل العمل خارج المغرب فتترتب على ذلك مشاكل أسرية ويجد الرجل صعوبة في فسخ الزواج». وأشارت العلوي، برلمانية من الفريق الاشتراكي، إلى ما تترتب عن الزواج الأبيض من تبعات مالية بالنسبة للزوج، إذ يكون قدر الصداق مرتفعا وأثناء الطلاق يؤدي الزوج نصفه من أجل فك الارتباط. ومن جهتها، كشفت مليكة بنراضي، أستاذة باحثة بكلية الحقوق بالرباط، أن جميع القضاة، الذين استجوبهم أساتذة باحثون، أكدوا على ضرورة مراجعة قانون الأسرة باللجوء إلى الاجتهاد وقراءة مقاصدية الشريعة الإسلامية التي من شأنها ضمان تحقيق التوازن داخل الأسرة والمساواة بين الزوجين وكذلك حماية حقوق الطفل. وأظهر البحث الميداني، الذي أنجز خلال سنتي 2006 و2007 حول تطبيق مدونة الأسرة، أن القضاة الذين تم استجوابهم لا يتفقون كليا مع المقتضيات المتعلقة بسن الزواج والولاية والطلاق وتعدد الزوجات وحق الحضانة عندما تكون الزوجة غير مسلمة واقتسام الأموال واللجوء إلى مرجعيات أخرى في حلة وجود ثغرات أو قصور في القانون. وأبان البحث عن أن موقف القضاة ينسجم مع مواقف المغاربة في ما يتعلق بالولاية، إذ يعتبر غالبية القضاة أنه لا يمكن للفتاة الزواج دون حضور وليها. وبخصوص المرجعية الدينية، فقد أكد جلهم لجوءهم إلى المذهب المالكي في حالة وجود ثغرات في النص، فيما تؤكد الأقلية لجوءها إلى مذاهب أخرى وكذا الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب دون إبداء تحفظات.