رغم أنني لا أتفق مع المندوب السامي للتخطيط عندما يطلب من المغاربة النقصان من استهلاك الكافيار، لكوني متأكد من أن أغلبية المغاربة لا يعرفون حتى شكله، فإنني أجد أن دعوته المغاربة للتخفيض من استهلاكهم للمواد المستوردة واجب وطني، خصوصا مع كل هذا الاختلال الكبير الذي يعرفه الميزان التجاري المغربي. فحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، أصبح المغرب يستورد كل شيء تقريبا، في الوقت الذي تعرف فيه صادراته تقلصا وانكماشا كبيرا. وبسبب عدم قدرة المنتوج الوطني على منافسة المنتوجات الأجنبية، فإن الدولة تعول على المستهلك الوطني لكي يستهلك منتجاته الوطنية التي لا يقبل عليها المستهلكون في الخارج. فالمثل المغربي يقول اللحم إلى خناز كايهزوه ماليه. لكن رغم ذلك علينا أن نكون منصفين وأن نعترف بأن المغرب حقق قفزة نوعية في مجال المبادلات التجارية مع الخارج في السنوات العشر الأخيرة. وإذا ألقينا نظرة سريعة على لائحة الصادرات المغربية نحو الخارج سنكتشف أن المغرب يحرز المرتبة الأولى عالميا في كثير من المنتجات المغربية الأصيلة، متفوقا على أكبر الدول وأشدها تصنيعا. ومثلا بسبب الإقبال الكبير على استعمال الصابون البلدي يوجد المغرب اليوم على رأس الدول المصدرة لهذه المادة بنحو حوالي 260 طنا في السنة، يصدر أغلبها إلى السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، وتعود على الخزينة بحوالي مليون درهم سنويا. والمغرب مشهور ليس فقط بإنتاجه للصابون البلدي، وإنما مشهور أيضا في سياسة الصابوناج. بمعنى أن الواحد يكون «ما عليه ما بيه» حتى يضعوا له تحت قدمه صابونة فيزلق عليها ويسقط على رأسه. وهذا ما يسمى عند المغاربة ب«دارو ليه الصابونة». والحقيقة أن عبد اللطيف معزوز وزير التجارة الخارجية يجب أن يشعر بالفخر لأن الصابون البلدي المغربي أنقذ وجه الصادرات المغربية التي لم ترتفع منذ سبع سنوات الأخيرة سوى باثنين بالمائة في مقابل الواردات التي ارتفعت بنحو أربعة عشرة بالمائة. فقد أصبحنا مع هذه الحكومة، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، نستورد كل شيء من الخارج، وقريبا قد نفكر في استيراد حكومة نعوض بها هذه التي انتهت مدة صلاحيتها وبدأت تظهر علينا أعراض التسمم بسبب استهلاكنا لجرعات زائدة من خطابها المتفائل ! بالإضافة إلى الصابون البلدي يحتل المغرب الرتبة الأولى عالميا في تصدير الغاسول بحوالي 1800 طن في السنة. والمغرب هو الدولة الوحيدة في العالم التي تتوفر على مناجم للغاسول، بالضبط في إقليم بولمان تحتكر استغلالها شركة الغاسول ومشتقاته التي تملكها عائلة الصفريوي منذ 1970. ولعلكم تتذكرون كلكم كيف كانت أمهاتنا يطلين الغاسول فوق رؤوسهن قبل الذهاب إلى الحمام قبل عشرين سنة. وشخصيا ما أتذكره حول الغاسول هو أن جارتنا كانت تتوحم عليه، وكانت تطلب من زوجها أن يأتيها كل يوم بحفنة منه من عند العطار لكي تغززها بأسنانها. ولهذا ربما خرج جميع أبنائها يحملون توحيمات في لون الغاسول على أجسادهم. على العموم فقد كان حال جارتنا مع الغاسول أفضل من حال جارتها هي مع الفاخر. ففي تلك الأزمنة الغابرة كانت النساء يتوحمن على مواد غريبة توجد فقط عند باعة العقاقير. أما اليوم فبسبب الأزمة وبوار سوق الزواج أصبح في حكم النادر أن ترى امرأة حاملا، فبالأحرى أن تسمع بوحمها ! الآن لم يعد الإقبال على الغاسول من طرف النساء كما كان عليه في السابق. فقد غزا أسواقنا شامبوان «الكونطربوند» الذي بمجرد ما تستعمله أسبوعا حتى يصبح رأسك مثل رأس كريم العمراني. وأحسن من اكتشف منافع الغاسول هم اليابانيون والطايلانديون، فبدؤوا يقبلون على استيراده من المغرب لاستعماله في حماماتهم البخارية وطلي وجوههم به. أما عندنا فإن المواطنين لم يعودوا بحاجة لطلي الغاسول على وجوههم، لأنهم مع هذه الحكومة «طلاوه خضر» ! ومن بين الصادرات الأساسية للمغرب خلال السنوات الأخيرة والتي نعثر عليها مسجلة في قائمة المكتب الوطني للصرف نجد «البابوش» أو «غلالة». ويساهم «البابوش» في خزينة الدولة بنحو 25 مليون درهم في السنة. وهكذا ففي الوقت الذي «يرزي» فيه بعض الوزراء ميزانية الدولة باقتناء سيارات جديدة لهم ولمدرائهم، نجد أن «البابوش» الذي يسرح فوق المقابر أكثر وطنية من بعضهم. «هوا بعدا كايجيب الفلوس للبلاد ماشي كايهربها منها» ! في لائحة الصادرات التي يحتل فيها المغرب المرتبة الأولى عالميا، هناك النعناع. ويصدر منه المغرب حوالي 4634 طنا في السنة، وخصوصا نحو الدول التي يوجد بها «كحل الراس». فالمغاربة عندما يهاجرون أول ما يحملونه معهم في حقائبهم هو «البراد»، فهو بطاقة الهوية الحقيقية التي تميز المغربي عن غيره من الأجناس. والمغربي عندما لا يشرب «أتاي بالنعناع» خلال النهار يشعر بالحزن و«يطيح» عليه «الضيم». وكم من مغربي أخذ معه جذور النعناع وحاول زرعها في حديقة بيته في الخارج وفشل. ففي تلك البلدان البعيدة والباردة ليس سهلا أن تعثر على روث البقر والحمير في الشارع لكي تيبسه وترشه فوق حوض النعناع. ليس هناك سوى فضلات الكلاب التي يجبر القانون أصحابها على جمعها في أكياس ورميها في القمامة، وإلا كانوا مجبرين على دفع غرامة للبلدية. «ماشي بحالنا حنايا اللي فين ما عطيتي وجهك تلقا داك الشي على الأنواع، ها ديال البغال ها ديال العودان ها ديال الحمير ها ديال بنادم». وعلى ذكر الحمير، أعزكم الله، يجب أن تعلموا أن المغرب من أهم مصدري الحمير في العالم، وخصوصا نحو فرنسا وإسبانيا. وليس أي حمير من فضلكم، وإنما الحمير «الأصيلية»، يعني «حمار دوريجين». فالحمير عندنا مثلها مثل البشر، هناك الأصيليون وهناك المزيفون. بالإضافة طبعا إلى «الكياضر»، التي لا أحد يطلبها منا في الخارج فتبقى عندنا في الداخل «تزعرط» في الوقت الذي تظل فيه الخيل مربوطة. وبالمناسبة فالمغرب يتوفر على احتياطي مهم جدا من الحمير، وقد سمعت والله أعلم أن تصدير الحمير في اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية معفي من الضرائب الجمركية. «الحاصول فهاد لبلاد طالعة غير للحمير». والمدهش حقا في هذه المنتجات التي يحتل فيها المغرب الرتبة الأولى عالميا أنها منتجات لا دخل للمجهود الحكومي فيها. «داك الشي كلو من فضل الله. البابوش كايكبر بوحدو فالمقابر، والنعناع خصو غير شوية ديال مازير ويصدق، والغاسول موجود فالأطلس المتوسط قرون هادي، والحمير ما موجودين غير هوما». وحتى لا ننسى بعض المواد الأخرى التي تشكل مفخرة وزارة التجارة الخارجية، أحمل إلى علمكم أن المغرب رائد أيضا في تصدير «الترفاس»، الذي كما تعلمون يفيد كثيرا ذوي الضعف الجنسي. ثم هناك كذلك «الحرمل» الذي يصدر منه المغرب الأطنان كل سنة. ومن بين الثروات الأخرى التي حبا الله بها المغرب هناك «الخروب»، والذي يصدر منه المغرب حوالي 500 طن في السنة. وفي بعض مناطق المغرب الأخرى يسمونه «صرغوا»، وهي تنمو جنب الوديان غالبا، «غير بوحدها بلا خبار عباس الفاسي». ومن بين فوائد الخروب أنه يصلح لصنع الشوكولاته، كما يصلح كثيرا لعلاج حالات الإسهال الحاد. مثله مثل الهندية التي بدؤوا في نواحي الصويرة وتارودانت يصدرونها للمكسيك. ولو أن وزارة الصناعة التقليدية اقترحت إرفاق أطنان الهندية المصدرة للخارج بآلة المغزل التقليدية، وشرحوا للدول المستوردة مزايا المغزل و«زيت العود» في فك حالات «الاعتصام» التي يتسبب فيه الإفراط في تناول الهندية، لتمكن المغرب من احتلال المرتبة الأولى عالميا في تصدير «المغزل». وعلى ذكر الصويرة فإذا كانت وزارة التجارة الخارجية تصدر الحمير والخروب والحرمل والنعناع والغاسول والصابون البلدي، فإن الصويرة صدرت اسمها إلى فرنسا، وأصبحت الملابس الداخلية لإحدى دور الموضة تحمل اسمها. تصوروا أن الصويرة بكل تاريخها وأمجادها تنتهي مجرد ماركة مسجلة مكتوبة فوق «السليبات» ! «عيش نهار تسمع خبار».