من أغرب الدراسات التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط تلك المتعلقة بالطبقة الوسطى بالمغرب. فتقرير هذه الدراسة خلص إلى نتيجتين أساسيتين تستحقان منا أكثر من وقفة. النتيجة الأولى هي أن 51 % من المغاربة ينتمون للطبقة الوسطى. والثانية هي كون مدخول الطبقة المتوسطة حُدد بين 2800 و6500 درهم أ ومتوسط أربعين ألف درهم في السنة. أتوقف كثيرا عند رقم 51% الذي أرادته المندوبية أن يكون نسبة للطبقة الوسطى. وفي تعريف هذه الطبقة في جل المجتمعات، فهي الطبقة الضامنة لاستقرار المجتمع اقتصاديا لأن لها القدرة على الاستهلاك. ولأننا نتحدث عن الاستهلاك لا بأس أن نقف كذلك عند معدل الأجر الشهري الذي حددته المندوبية بين 2800 و6500 درهم. ولنكن منطقيين مع أنفسنا فإننا سنلغي رقم 2800 من المعادلة بل سيتعدى هذا الإلغاء لما دون 6500 درهم ونحتفظ بالرقم الأخير حتى نكون جديين ونتفادى العبث. نعم، العبث عندما يقول التقرير إن من يتقاضى 2800 درهم أو ثلاثة آلاف درهم من الطبقة الوسطى والحال أن الجميع يعرف أن اكتراء غرفة مع الجيران تكلف ألف درهم وأحيانا أكثر، فأين الملبس والتطبيب والنقل والمأكل.. إلا إذا كانت عينة المندوبية السامية للتخطيط مضربة عن الطعام بشكل مستمر. لنكن جديين أيها السادة... هل مبلغ 6500 درهم يؤهل صاحبه ليكون له موقع في الطبقة الوسطى المغربية? هل هذا المبلغ يفي بحاجيات أسرة مكونة من أربعة أفراد (فقط) وتسدد واجب الكراء أو قسط قرض السكن ونقل الأطفال وتمدرسهم وتطبيبهم وأكلهم وحتى إذا استطاع أن «يُزَيَّر السمطة» ويبذل مجهودا استثنائيا لتحقيق «التعادل» فأين الادخار؟ هل هناك طبقة وسطى لا تدخر؟ لقد تم الحديث مؤخرا بشكل مكثف لكن سطحي عن الطبقة الوسطى حتى أن بعض الرسميين يريدون أن يخلقوا طبقة وسطى مغربية «بَزَّزْ».. يريدونها في التقارير لا في الواقع. يريدونها في مخيلتهم بينما الجميع يعرف أن الأقلية التي تمثل الطبقة الوسطى سائرة نحو الانقراض بفعل تدهور قدرتها الشرائية عوض الحفاظ عليها. هل تريد الدولة فعلا طبقة وسطى؟ هذا هو السؤال الحقيقي. وإذا افترضنا أنها تريد ذلك، فعليها أن تجيبنا عن «لهفها» ل42 % من مداخيل هذه الطبقة وهي عبارة عن ضريبة على الدخل تقتطع من المنبع ! فالأجراء يشكلون غالبية ما يفترض أنه طبقة وسطى ويتعرض لهذا الحيف كل شهر. وعندما قلصت الدولة 2 % من هذه الضريبة طبلت وهللت لذلك وكأنها فتحت فتحاً مبيناً، والحال أن المغرب أكثر الدول صرامة في نظامها الجبائي حيال الموظفين والأجراء. إن الدولة تمسك كل شهر بتلابيب الأجراء وتخصم منهم 42 % من مدخولهم وتأتي اليوم لتبشرهم بأنهم من الطبقة الوسطى وهذا هو الضحك على الذقون. وما دمنا في «باريم»الدولة فعلى موظفي السلم 11 أن يكفوا عن الشكوى لأن أجرهم الذي يفوق الستة آلاف درهم يجعلهم ضمن طبقة الأثرياء! أليس كذلك السيد لحليمي؟