في يوم من أيام سنة 1939 رأى الحاج إبراهيم الكيماوي النور بمدينة فونتي، التي هدمها زلزال سنة 1960 ساعتها كان إبراهيم الكيماوي الشاب بأمريكا وبالضبط في مدينة ميامي، بعدها قرر الكيماوي أن يعود إلى أرض الوطن، حيث قرر الاشتغال داخل باخرة بمدينة الدارالبيضاء، وقد منعت ساعتها العائلات من الدخول إلى مدينة أكادير، مما اضطر معه الكيماوي إلى اغتنام فرصة مرور الباخرة التي كان يعمل على متنها بشاطئ أكادير للنزول إلى الشاطئ سباحة من أجل الوصول إلى البر وتفقد أحوال من تبقى من العائلة. كانت السلطات ساعتها قد نصبت الخيام للعائلات بمدينة انزكان وبعد الاطمئنان على أحوال العائلة، عاد إبراهيم الكيماوي رفقة زملائه إلى الباخرة. وقد واصل الكيماوي الاشتغال في شركة «كومناف»، التي كانت تستغل في ذلك الوقت ثلاث بواخر فقط «الجزيرة»، «الأودية»، « زاكورة». كانت البواخر الثلاث تنظم رحلات نحو بولونيا من أجل نقل مستلزمات بناء معمل السكر بتادلة عبر ميناء الدارالبيضاء وفي المقابل يتم نقل الفوسفاط. وبعد ذلك أصبحت بواخر الشركة تجوب أوربا بأكملها وكانوا يقصدون ألمانيا من أجل إصلاح الأعطاب التي تحل من حين لآخر ببواخرهم. وفي بداية الستينيات من القرن الماضي كان الكيماوي يشتغل في هذه البواخر التي تجوب بحار العالم ومحيطاته، حيث توسع أسطول الشركة وكانت تسافر من روسيا نحو كوبا من أجل نقل السلاح لقادة الثورة الكوبية ساعتها.. وفي سنة 1964 عادت البواخر للعمل على نقل الحجاج المغاربة إلى مدينة جدة بالعربية السعودية في مواسم الحج. ويصف الكيماوي مدينة جدة بأنها كانت مدينة متواضعة، حيث لم تكن تتوفر إلا على رصيف واحد يتم إنزال ما يقارب 1500 حاج به دفعة واحدة وبعدها تعود البواخر إلى السويس في انتظار أن ينهي الحجاج المغاربة مناسك الحج، لتعود بهم إلى الديار في رحلة تمتد أحيانا إلى 13 يوما. ومن الحكايات التي لاتزال ذاكرة الحاج إبراهيم الكيماوي تحتفظ بها حادث وفاة سيدة على متن الباخرة التي كانت تقل الحجاج، حيث تم التكتم على حادث الوفاة، لأنه لو علمت السلطات المصرية بميناء السويس بالحادث لتم إنزال جميع الركاب وتفتيش السفينة، وفقا لمقتضيات القوانين الدولية للإبحار، ومن أجل تفادي التأخير تم إخفاء حادث الوفاة وبعد مرور ما يقارب 24 ساعة على مغادرة ميناء بور سعيد توقفت السفينة بعض الوقت لأداء شعائر صلاة الجنازة، وتم وضع جثة السيدة المتوفاة في صندوق حديدي ثم إنزاله إلى أعماق البحر، لأنه من شأن الإبقاء على الجثة في السفينة أن يتسبب في انتشار الأمراض. كما زار ابراهيم الكيماوي الصين عندما اشتغلت السفن بين الصين وكندا، ويذكر الحاج الكيماوي أن إحدى الرحلات استمرت 55 يوما فتعرضت الباخرة لعاصفة هوجاء نتج عنها فقدان مقدمة الباخرة، وبعد ذلك تم الدخول إلى أحد موانىء شنغاي بالصين، حيث تم إصلاح جميع التجهيزات التي أصابها التلف وتم التحول مرة أخرى نحو القارة الأسترالية في رحلات مكوكية. بعدها عاد الحاج الكيماوي إلى المغرب في سنة 1966، وبسبب سوء تفاهم وقع بين قدماء القباطنة وإدارة شركة كومناف، حيث الطليعة التي ساهمت في تطوير الشركة بحيث كلما تم اقتناء أي باخرة جديدة إلا وكان هذا الفريق من القباطنة المحترفين، الذين كان من ضمنهم الحاج الكيماوي، أول من يدشن السفينة بالصعود إليها، وبحكم تجربتهم وسرعة بديهتهم يتمكنون من الإطلاع على جميع التقنيات الجديدة التي تحتوي عليها ويقومون بعد ذلك بالإشراف على تكوين بقية الضباط والبحارة عليها، وبحكم أن هذه الطليعة من القباطنة كانت تنتمي إلى نقابة الاتحاد المغربي للشغل وقع خلاف بينها وبين الإدارة فقرروا على إثر ذلك العودة إلى ألمانيا، الأمر الذي اضطر معه الحاج الكيماوي إلى قضاء سنة كاملة في تعلم اللغة الألمانية والمصطلحات التقنية المستعملة في الملاحة البحرية الألمانية، حيث تم قبولهم للعمل هناك ما داموا يملكون تجربة واسعة في الإبحار إلى كل أنحاء العالم، وكان على رفاق الحاج الكيماوي أن يتدبروا أمر معيشتهم، لأنهم لم يكونوا يتلقون خلال فترة التدريب أي مقابل. وبعد مرور سنة تم قبولهم للإبحار في البواخر الألمانية والعمل على متنها. ولم يخف الحاج الكيماوي بعض التعامل العنصري الذي لقيه فريقه من لدن الألمانيين، لكنه يعود ليقر بأن كفاءتهم العالية في الإبحار جلبت لهم الاحترام والتقدير من قبل هؤلاء لاحقا.