ما من شك في أن اللغة هي الواقع المباشر للفكر، كما قال كارل ماركس، إلا أنها قد لا تكون الواقعَ المباشر للواقع نفسه. ومعناه أننا، أحيانا، قد نغير في لغة الخطاب من دون أن نغير في مسلكياتنا، خاصة ونحن أمة بارعة في التحايل باللغة على الواقع قصد تكريسه لا لتجاوز عثراته. لهذا قد يبدو كلامنا في بعض الحالات حداثيا جدا، في حين تظل تصرفاتنا مشدودة إلى التقليدانية البحتة. فالحديث عن مقاربة النوع، مثلا، وإن كان في سطحه يبدو نبيلا، وهو كذلك من دون ريب، إلا أن ما خفي منه أعظم. لا لشيء إلا لكونه، أي الحديث، يركز على ما هو شكلي دون أن يواجه عمق المشكلة: مشكلة التمييز المفترض بين الرجل والمرأة. وكأن اللغة وحدها هي المسؤولة عن كل الشرور. صحيح أن تأثيرها في الواقع مهم جدا، لكنه لا يكفي. وعليه فقد وجب البحث عن الأعطاب في جهات أخرى، ولا بأس حينها من الالتفات إلى التداعيات اللغوية. أما أن نستبدل كلمة بأخرى وندعي بأننا عالجنا الأمر فهذا قد يضر باللغة وبالنوع معا. نقول هذا ونحن نفكر في المنحى الجديد- في المحافل والكتب المدرسية- الذي يشترط مخاطبة المجموعة البشرية بذكر الإناث أولا ثم الذكران ثانيا. وهذا المسعى وإن كان ممكنا في هذه الحدود الضيقة، إلا أنه قد لا يستقيم عمليا ولو على مستوى اللغة ذاتها. فمن السهل القول في سياق ما : سيداتي سادتي، من دون أن نربك اللغة، إلا أن مواصلة الأطروحة إلى نهايتها قد يصير سورياليا ومضحكا. لنتخيل الاسترسال في حديث بصيغة التوازي هاته كأن نقول على سبيل التمثيل : أنتن تعرفن وأنتم تعرفون بأن مسؤولياتكن ومسؤولياتكم تجعلكن وتجعلكم...إلخ. والحال أنه لا داعي إلى هذا التمحل في التنصيص في كل مرة على ذكر الرجل والمرأة في خطاب يتوجه إليهما معا. ونظن أن» صيغة التغليب» النحوية، في كل اللغات، أو على الأقل في بعض اللغات التي نعرفها، قد تفي بالغرض. ولئن كان من تمييز بين الجنسين فهو هذا التخريج الذي يريد أن يجعل من اللغة زوجين وجب ذكرهما في كل مرة بشكل فج وخادش للغة والذوق بدعوى الحداثة ومطابقة القوانين الدولية لحقوق المرأة. ولعمري إن هذه الدعوى باطلة لأن مطابقة هذه المواثيق ينبغي أن تراعى بالأساس في مجالات أخرى، وإلا فنحن سننكل بالمرأة وباللغة كليهما، ثم من قال إن تقديم الأنثى عن الرجل في التخاطب هو تكريم لها؟ ألا يكون ترفقا بوضعها الهش الضعيف مثلا؟ علما بأن واو العطف حين نستعمله لا يفيد الترتيب وإنما مطلق الجمع بين المعطوفين، لكنه حين يتم بالصورة التي نلمح إليها فإنه يفسد المودة و» العطف»معا. وبدل أن يؤاخي بين الرجل والمرأة سيتحمل تسويات غير منصفة في جعل الألفاظ اثنين اثنين، واحد للذكر وآخر للأنثى. وتبعا لهذا المنطق ستكون كلمة «النوع» المذكرة غير ملائمة، إذ يلزمها «نوعة» حتى تتم المناصفة الكاملة.