تشكل مناسبة المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء، الذي ينعقد ما بين13و22 من الشهر الجاري، فرصة حقيقية للتعرف، أو إعادة اكتشاف الأبعاد الغنية للثقافة الإفريقية، وبالأخص الثقافة السنغالية، التي تحل هذه السنة كضيف شرف على فضاء المعرض الدولي، ومن المنتظر أن يحل الرئيس السنغالي عبداللاي واد على فضاء المعرض لافتتاح فعاليات السنغال ضيف شرف. يحتفي المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء هذا العام بالثقافة السنغالية، كضيف شرف، ومن خلالها الثقافة الإفريقية، ويأتي الاحتفاء بالثقافة الإفريقية وثقافة جنوب الصحراء في إطار انفتاح المغرب على عمقه الإفريقي، الذي ارتبط به تاريخيا من خلال سلطة الدولة المغربية التي امتدت إلى السنغال وخوض النيجر ومالي، وبحكم الروابط الدينية والثقافية والتجارية، وبالأخص عندما نتذكر طريق الملح التي شكلت تجارة رائدة في القرن السادس عشر الميلادي. لا تعتبر الثقافة المغربية غريبة عن السينغاليين، فهناك أكثر من رابط ثقافي وروحي يربط بين البلدين، قبل أن يأتي الاستعمار الفرنسي ويوحد بينهما في إطار الدفاع المشروع عن الاستقلال. يمثل بول سيدار سينغور السينغالي علامة إفريقية شديدة الخصوصية، وقد جسد في شعره ومن خلاله مسؤوليته السياسية كرئيس للسينغال قامة سياسية وفكرية جلبت الاحترام والتقدير وعبرت عن دواخل الهوية الإفريقية وخصوصيتها. وقد وجد الفرانكفونيون في شعره نزعة تعبير عن الهوية الزنجية، وعن هذه الثقافة التي ظلت تقدم نفسها كحالة إفريقية لا يمكن مضاهاتها، حتى وإن كتبت بلغات أخرى. في شعره، عالم إفريقي خاص، قدمه سينغور بألق كبير، متجاوزا النزعة الفرنكفونية المتعالية، شأنه في ذلك شأن شعراء وكتاب شمال إفريقيا، في تونس والجزائر والمغرب. يمكن هنا أن نتلكم عن حالة إخضاع قام بها هؤلاء اتجاه اللغة الثانية التي كتبوا بها، حيث أصبحت اللغة الفرنسية تحمل هوية أخرى محايثة لها، وهو ما أثار حنق الفرنسيين، وبالأخص الوسط الثقافي الاستعماري، الذي رأى في الأسلوبية الجديدة لهؤلاء الكتاب، تكسيرا لصفاء اللغة الأصلية. لا يجب أن ننسى أن وعي سينغور بالهوية الإفريقية، كان حادا للغاية، كان الأمر يشكل بالنسبة إليه قناعة لا يمكن الدوس عليها أو تجاوزها.نحيل هنا على دعوته، وهو المسيحي،الرئيس السينغالي عبدو ضيوف،إلى الانفتاح على الأبعاد الروحية للسينغال، ومن خلال البعد الديني، والزوايا الطرقية، التي لها درو سياسي وثقافي كبير في خريطة السينغال. ايضا يمكن الحديث على اللغة المائية التي يحفل إبداع سينغور الشعري، مستفيدا من المعطى الجغرافي الخصب للسينغال، كبلد بحري غني. ولد ليوبولد سيدار سنغور في 9 أكتوبر 1906 في مدينة ساحلية صغيرة تبعد عن داكار بحوالي مائة كيلومتر جنوب كان والده رجل أعمال ينتمي إلى سيرر وهي مجموعة أقلية، ويوجد في قبيلته مجموعة مسيحية وأخرى مسلمة. في سن الثامنة بدأ سنغور دراساته في السنغال في نغاسوبيل وهي مدرسة داخلية مسيحية. درس اللغة الفرنسية جيدا وتفوق فيها، كما درس اللاتينية واليونانية والرياضيات،حصل على الباكالوريا، ثم سافر إلى كان سينغور رئيسا للجمعية الاتحادية السينغالية حتى فشلها في 1960 بعد ذلك، أصبح أول رئيس لجمهورية السنغال في شتنبر من 1960. وهو مؤلف النشيد الوطني السنغالي (الأسد الأحمر). دافع عن الزنوجة واعتبرها خاصية ثقافية واجتماعية إفريقية، هو و الشاعر الماريتنيكي الآخر «ايميه سيزار (لم تتم كتابتها بعد)» ايميه سيزار لكن سيدار سنجور هو فيلسوفها. ومن مقولاته الشائعة «الأبيض لا يستطيع البتة أن يكون أسود لأن السواد هو الحكمة والجمال». من خلال فلسفة الزنوجة، طالب سنغور بعدم الأخذ بالتمثل الفكري الذي خنق الشخصية الزنجية مع إعادة التباهي بإفريقيا عن طريق إحياء المكون الثقافي الإفريقي من عادات وتقاليد وثقافات محلية، لقد كان واعيا بأهمية الصراع الثقافي بين الشعوب. في عام 1934 أنشأ إيمي سيزير مع سينغور وعدد من الأصدقاء الأفارقة صحيفة «الطالب الأسود» فظهر للمرة الأولى مصطلح «نيغريتود» أو الزنجية، وقد أريد من هذه الفكرة التخلص من صورة الرجل الأسود غير القادر على الأخذ بزمام أموره بنفسه وبناء مستقبله. لا ننسى أن سيزار وسينغور كانت لهما علاقة كبيرة مع الوسط الثقافي الفرنسي، بل وساهما في الحركات الثقافية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت كتب سيزار «مذكرات العودة إلى الوطن الأم«، الذي يعد من أهم أعماله الأدبية قبل أن ينضم إلى الحركة السريالية بقيادة أندريه بروتون الذي أشرف على كتاب «الأسلحة العجيبة لإيمي سيزير». كما نشر سنة 1949 «الجسم الضائع» وهو ديوان شعر مرفوق برسومات للفنان بيكاسو، أما كتابه «خطاب عن الاستعمار»، فقد حقق نجاحا هائلا، وفي ستينات القرن الماضي، اقتحم إيمي سيزير عالم المسرح، وأشرف على مسرحية «مأساة الملك كرستوف» 1963 التي لاقت نجاحا فائقا في العواصم الأوروبية، وكتب كذلك مسرحية «فصل في الكونغو» وبعدها «العاصفة». كان بول سيدار سنغور غزير الإنتاج، مثل إيمي سيزار، ومن أعماله الشعرية «قربان أسود» (1948) و«إثيوبيات» (1956) و«ليليات» (1961) و«رثاء الصابيات» (1969).