لا يتوقع البروفسور أرون كابيل، الأمريكي المحاضر في كلية العلوم الاجتماعية والاقتصادية التابعة للمعهد الكاثوليكي بباريس، أي تغيير جوهري في علاقات أمريكا المستقبلية مع المغرب، ويرى أن مجمل التعاملات، سواء كانت مع أطراف المجتمع المدني أو الأطراف الحكومية، لن تشهد تغييرا مقارنة بالماضي. وقال أرون إن باراك أوباما، المنصب مؤخرا رئيسا للولايات المتحدة، حقق رقما قياسيا في استطلاعات الرأي الأمريكية التي جرت الأسبوع الماضي بعد أن عبر حوالي 70 في المائة من المستطلعة آراؤهم عن كون نجح في تدبير الفترة الانتقالية التي سبقت تنصيبه. وأكد كابيل، الذي كان يتحدث الأسبوع الماضي من باريس في عرض فيديو منقول على الهواء بدار أمريكا بالدار البيضاء،حول «الإدارة الأمريكيةالجديدة»، أن انتخاب أوباما حاز كامل الشرعية مقارنة بسلفه بوش؛ وهو ما اعتبره حدثا مهما، بل تغييرا أساسيا في تاريخ الولاياتالمتحدة. وجاء انتخاب أوباما، يقول كابيل، ليقطع مع عهد سابق كان قد انطلق مع فترة رونالد ريغن الرئاسية من حيث كون العهد الجديد يشهد بروز وعودة مفهوم السياسة الاجتماعية، الذي سينهي عهد الليبرالية شبه المتوحشة. وفي توقعاته لما ستكون عليه السياسة الخارجية الأمريكية على عهد أوباما، ركز المحاضر على تبيان أن ثمة تغييرات ستبدو على مستوى الشكل أكثر منه على مستوى العمق. وفي تفسيره لهذا الأمر، أبرز كابيل أن عهد القومية الأمريكية المتشنجة ولى، وأن أمريكا بوش سائرة في طريق الزوال بعدما ظهرت مؤشرات جديدة تؤكد انتهاء عهد الخطابات الحربية المجانية والعداوات مع العالم الخارجي، التي كانت تعطي الانطباع بأن أمريكا محاطة بالأعداء أكثر من الأصدقاء. على هذا المستوى، أبرز المحاضر الأمريكي أنه خلافا لبوش، يبقى الرئيس الجديد رجل سياسة براغماتية وفاعلية وحوار مع الآخر. وقد بدا ذلك واضحا من خلال حملته وخطاب التنصيب، الذي حمل الكثير من الإشارات في هذا الاتجاه؛ كما تجلى بوضوح في طبيعة الشخصيات التي اختارها أوباما ليكون بها فريق العمل القادر على تدبير رهانات الفترة المقبلة. في هذا الإطار، قال كابيل إن أوباما راهن على عنصرين مهمين هما الذكاء والكفاءة خلافا لبوش، الذي فضل التعيينات السياسية على التعيينات البراغماتية. وهو ما يؤشر على أن أوباما يسير في طريق السياسة المتزنة بعيدا عن الاختيارات السياسوية، مفضلا الاستفادة حتى من معارضيه، لاسيما الأكثر وزنا على مستوى التدبير. وينخرط هذا الخيار الاستراتيجي في إطار سياسة الحوار والبحث عن التوافقات بدل التشنجات التي دأب عليها بوش خلال فترته الرئاسية. هنا عدد المحاضر ثلاثة محاور استراتيجية سيعتمدها أوباما في سياسته الخارجية وهي: الإنصات للآخر، الاعتماد على دبلوماسية نشيطة والاقتراب من الأعداء. ولم يفت المحاضر التطرق لتداعيات الأزمة المالية العالمية على السياسة الداخلية الأمريكية المتوقعة، إذ ذهب إلى القول إن الخطاب الأمريكي الداخلي بدأ، لأول مرة منذ زمن طويل، في إثارة الحديث عن احتمال مراقبة الأنظمة المالية وتأميم الأبناك الأمريكية. ثمة نقطة أساسية أخرى في سياسة التدبير عند أوباما توقف عندها أرون كابيل في محاضرته وتتعلق بكون أوباما لا ينوي إهمال الذين لم يصوتوا عليه كما فعل بعض سابقيه، بل إنه سيعمل على كسبهم والاستفادة من كل ما من شأنه أن يلمع صورته في أفق النجاح في ولاية ثانية تعطيه الوقت الكافي لاستكمال جميع الأوراش التي ينوي الاشتغال عليها. وفي جوابه عن سؤال ل«المساء» حول ما إذا كان أوباما تستهويه فكرة المحافظين الجدد حول الاعتماد على إسرائيل في «نقل الديمقراطية قسرا» إلى جيرانها في الشرق الأوسط وما إذا كانت له مبادرة جديدة لتشجيع الديمقراطية في البلدان العربية، قال كابيل إن من يروجون لفكرة مثل هذه لا يعرفون جيدا المنطقة وشعوبها، ودلل على ذلك بفشل مشروع الحرب على العراق؛ كما أنه توقع ألا تخرج سياسة أوباما على السياسة الأمريكية التقليدية المتبعة على مستوى نشر الديمقراطية في العالم العربي من خلال علاقات أمريكا مع الأخير. أما طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية في تعاملها مع الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، فلم يتوقع لها المحاضر مجالات أرحب مما هي عليه الآن، وفسر ذلك بقوله إن في العالم الإسلامي أحزابا وحركات يمكن تصنيفها إلى معتدلة وأخرى متطرفة؛ إلا أنه توقف عند مشكل مشروعية الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي وصعوبة التعامل معها في إطار غير مشروع. وفي حديثه عن هامش المناورة تجاه الدولة العبرية، قال كابيل إن أمريكا بضخامتها لا يمكن أن تنساق وراء دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين، داعيا إلى عدم منح اللوبي الإسرائيلي أكثر مما يستحقه. في الاتجاه ذاته أكد أرون أن أوباما لن يخرج من الإطار الذي يغضب الفلسطينيين؛ وهو ما يجد له المحاضر دليلا في تعيين أوباما لجورج ميتشيل مبعوثا جديدا للشرق الأوسط. أما في ما تعلق بإغلاق معتقل غوانتنامو، فقد اعتبر كابيل أن في هذا الإجراء إشارة إلى الرغبة في تصحيح صورة أمريكا في العالم وإصرارا على العودة بأمريكا إلى عهد احترام حقوق الإنسان والانسجام مع القيم الأخلاقية العالمية، واصفا غوانتنامو ب«منطقة اللاقانون».