ليست ملاعب الكرة هي الجبهات الوحيدة للصراع الأبدي بين الرجاء والوداد، فالحروب الصغيرة تندلع في المدرجات والأحياء والمنازل، في الإدارات والمدارس، في القرى والمداشر، هنا وهناك بؤر توتر كالبراكين تنام تارة وتستيقظ تارة أخرى. للصراع الأزلي بين قطبي كرة القدم في الدارالبيضاء وجه خفي لا يراه إلا العارفون بخبايا نادين يقتسمان مناصفة قلوب ساكنة المدينة، حيث يحتل كل طرف موقعا في دائرة السلطة أشبه بمكسب معنوي في مباريات الجدل التي لا تتوقف. حين عين إدريس بنهيمة واليا على الدارالبيضاء توعد الوداديون خصومهم الرجاويين بأوخم العواقب، ومع رسالة التهنئة وضع مسيرو الوداد على مكتب الوالي لائحة مطالب معطلة، لكن بنهيمة الذي كان عضوا في المكتب المسير للفريق الأحمر وضع الكرة جانبا، وشن هجوما على المقاهي الحمراء والخضراء في حملة تمشيط واسعة من أجل تحرير الشارع العمومي من زحف الكراسي. الآن يوجد محمد حلب على رأس هرم السلطة لولاية الدارالبيضاء فيما يشبه التناوب، مما دفع ببعض الرجاويين إلى بناء أحلام على الرمال، استنادا إلى علاقة انخراط واحتضان جمعت المدير العام السابق لمكتب استغلال الموانئ بالرجاء في منتصف الثمانينات، لكن للدفاع الجديدي نصيب في تاريخ الوالي الذي حمل قميص الفئات الصغرى للفريق الدكالي قبل أن يقرر في مفترق الطرق تغليب خيار القلم على القدم. يتحدث الرجاويون باعتزاز عن وجود ثلاث ولاة رجاويي الانتماء والمشاعر، محمد حلب في الدارالبيضاء ومحمد حصاد في طنجة ومنير الشرايبي في مراكش، بل ويوسعون المجال السلطوي ليشمل صلاح الدين مزوار وزير المالية المدير السابق للنادي، وعزيز أخنوش وزير الفلاحة الذي حمل بطاقة منخرط في الرجاء بعد أن أنهى مشواره كحارس مرمى لدفاع عين السبع واختار أن يكون سبعا في عالم المال والتجارة. يستمر السجال بين الغريمين في ملعب السلطة، حيث يتباهى الوداديون بعزيز دادس العامل الحالي للمحمدية الذي كان من أبرز منخرطي الوداد، وأحد مهندسي عملية «كازا فوت» التي ينتظر أن تتحول إلى «فضالة فوت» للضرورة الجغرافية. كان مجموعة من الوزراء يحتلون مناصب قيادية في الوداد كالطاهري الجوطي وزير الشبيبة والرياضة السابق، والعلوي المحمدي وزير السياحة الأسبق، وإدريس جطو الوزير الأول وغيرهم من صناع القرار السياسي، وفي الضفة الأخرى كان المعطي بوعبيد الوزير الأول ووزير العدل وعبد اللطيف السملالي وزير الشباب والرياضة رحمهما الله، ومحمد أبيض وزير الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية وعبد العزيز لمسيوي وغيرهم من الأسماء النافذة التي كانت تفضل متابعة أخبار فريقيها عبر النافذة مع بعض الاستثناءات. لا أحد ينكر مساحة حب الرجاء والوداد في قلوب هذه الشخصيات، بيد أن الكثير منهم اكتفوا بالعشق عن بعد أحيانا لحساسية المنصب وأحيانا لضغط الأجندة وتعدد الالتزامات، في الوقت الذي لازال مسيرو الوداد والرجاء يبحثون عن شهادة ملكية لمركب محمد بنجلون وملعب الوازيس، ويركضون في ضواحي المدينة أملا في العثور على عقار مهجور لإنشاء فضاء يجمع شتات المنخرطين. يستطيع والي واحد بجرة قلم إنهاء هذا الوضع، لكن إذا استمر التعامل بحب عن بعد ومساندة في السر، فأحرى أن يلجأ الرجاويون والوداديون على حد سواء لجود وبركة والي من أولياء الله الصالحين.