يبدو أن بريق النجومية انطفأ عن الفنانين وأشرق في وجوه لاعبي الكرة: »في الحقيقة أخاف على فن المسرح من فن الكرة.. فالكرة هي المسرح: صراع صامت وحوار بلا كلمات أو بكلمات بسيطة يفهمها كل الناس تنفد إلى عقولهم كالصورة وتهزهم كالأغنية، فكرة القدم هي الفن الذي يحتوي على كل الفنون«. ويبدو أن الإبداع نضب بخصوص الروايات والقصص ودواوين الشعراء.. وتألق وتجلى في المباريات الرياضية »أي سر في هذه اللعبة سحرها لايخيب في أي بلد.. الكرة هي الحياة ذاتها.. عبقرية الفرد في المراوغة وعبقرية الجماعة في تبادل الكرة«. ويبدو أن الرجال أصبحوا لايهتمون بحب النساء.. فالحب الكبير الآن للوداد والرجاء، وبرشلونة وريال مدريد واس ميلانو ومانشستر يونايتد: »تتحرك الكرة فيتحرك معها أمل واحد وخوف واحد وفرحة واحدة، وتند على كل الشفاه نفس الصرخة.. كرة سريعة مستديرة مراوغة تندفع من قدم إلى قدم وتندفع معها إلى قلوب الناس مشاعر لايمكن إمساكها كالكرة«. ويبدو أن السياسة بزعمائها وأحزابها والدين بعلمائه وفقهائه.. لم يعد لهم تأثير على الناس: »هل تمنى الأنبياء في الماضي أكثر من أن تكون لكلماتهم مثل هذا التأثير وان تتحرك لها القلوب بمثل هذه الطواعية وان يكون لها هذا القدر من الوضوح والبساطة.. ويبدو ان »العولمة« التي فشلت في السياسة والاقتصاد والثقافة.. تحققت في كرة القدم التي جعلت من العالم قرية صغيرة تلتف حول مشاهدة مباريات كرة القدم »لماذا يصبح للكرة وحدها كل هذا السحر في هذا العصر.. لماذا هي التي تجمع كل هؤلاء الناس« نعم.. لماذا أصبح للكرة وحدها كل هذا السحر؟.. فقد عاشت الدارالبيضاء - مثل كثير من المدن المغربية - منذ شهر مع أفراح الكرة من خلال متابعة دربي برشلونة - ريال مدريد والرجاء - الوداد. ومنافسات أبطال اوروبا ونهاية كأس العالم للأندية. وخلال هذا الشهر كانت مقاهي الدارالبيضاء على امتداد الولاية غاصة بمحبي كرة القدم وكنت تسمع عبر الشوارع هتافاتهم عند كل هدف وآهاتهم كلما ضاع هدف. وخلال هذا الشهر لاحديث بين الناس في الادارات والحافلات والمقاهي والمنازل إلا عن الكرة. نسي البضاويين »الحولي« والدخول المدرسي وما تكبدوا من مصاريف. ولم يهتم البيضاويون بقضية »أمينتوحيدر« ومافجرته من أحداث لأنهم يعتبرونها مجرد مسرحية والحقيقة التي يصدقونها هي ان الصحراء مغربية كحقيقة الهدف الذي سجله آيت العريف الودادي ونجدي الرجاوي وميسي البرشلوني. وخلال هذا الشهر نسي البيضاويون زحام المواصلات وغلاء المعيشة وفواتير الماء والكهرباء والكراء.. ووجدوا العزاء في فوز برشلونة بستة كؤوس وانتصار الريال على خصمها بست اصابات وتعادل الرجاء والوداد. »على كل حال ليست الكرة شيئا خطيرا فكثير من الدول النامية تجد عزاءها في التفوق في الكرة«. إشارة لابد منها: »العبارات التي بين قوسين من رواية ضد مجهول للأديب المصري ابو النجا«.