سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الجبار الوزير : هناك تكامل بين المراكشيين على مستوى روحهم العاشقة للنكتة والمرح والفن احترام الفنان للجمهور يعني في الأساس تقديم عمل جاد يراعي الأذواق والاختيارات
عبد الجبار الوزير، هو، اليوم، شيخ المسرح المغربي، هو الفنان المتميز الذي راكم التجارب وعاش حياة تلخص مغرب ما بعد الأربعينيات وسنوات الاستقلال. مابين 1948، مع مسرحية «الفاطمي والضاوية»، و2009، مع مسرحية «التبوريدة»، سنكون مع وقائع وأحداث وأسماء وعناوين تلخص سيرة فنان متميز، جرب كل الفرص والخيارات التي يمكن أن تقترحها الحياة على أي فرد منا. في هذا الحوار المطول، سنكون مع عبد الجبار الوزير حارس المرمى، الصْنايعي، المقاوم والمحكوم بالإعدام، الذي انخرط في صفوف القوات المساعدة، فكان يؤدي عمله بالنهار على هذا الأساس، وفي الليل يلبس جبة الفنان المسرحي ليضحك ويمتع الجمهور المراكشي، قبل أن يتفرغ لفنه وجمهوره. يتذكر عبد الجبار الوزير علاقته بحمان الفطواكي وبجيل المقاومة في مراكش، كما يتحدث، في مرحلة ثانية، عن علاقته برواد الفن والمسرح المغربي، من دون أن ينسى الحديث عن علاقته، كفنان، بالملك الراحل الحسن الثاني. يتذكر عبد الجبار الوزير أياما كان فيها المسرح المغربي مزدهرا، ويتحسر على حاضر فني صار مفتوحا على استسهال الفن وتراجع إشعاع المسرح. - أن تقدموا عروضكم عبر التراب الوطني، مباشرة عبر المسرح أو عن طريق الإذاعة والتلفزة... هذا يعني أن تنفتح أمامكم أبواب الشهرة وأن تصبحوا معروفين لدى رجل الشارع. كيف عاش عبد الجبار شهرته ونجوميته؟ > أنا كنت معروفا بالصوت، فقط. في تلك الفترة التي سبقت انتشار وظهور التلفزة كانت الإذاعة نافذتنا على المستمع المغربي. حين انتقلنا إلى مرحلة تقديم عروضنا عبر التلفزة، في بداية الستينيات، صار المستمع يربط الصوت بالصورة، فيقول هذا عبد الجبار الوزير وذاك محمد بلقاس، وهكذا. بالنسبة للنجومية والشهرة، أذكر أننا في الدارالبيضاء مثلا، حيث الجمهور البيضاوي ذواق وعارف بالشأن الفني، جمهور «حْنين»، إذا أحبك واقتنع بك فهذا يعني أنك فنان تستحق أن يحبك الجمهور المغربي قاطبة، وإذا أعرض عنك فعليك وعلى فنك السلام. وهو جمهور لايراوغ، ويقول رأيه في الفنان مباشرة من دون لف أو دوران. خلال عروضنا بالدارالبيضاء كان الجمهور يحضر بكثافة وكنا نستنجد بالشرطة وبالمنظمين حتى نهرب من الجمهور الذي كان يلح في الاقتراب منا حبا وتقديرا. الجمهور المغربي لايحب إلا من يحترمه. إذا احترمت الجمهور فسيحترمك. احترام الفنان للجمهور يعني في الأساس تقديم عمل جاد يراعي الأذواق والاختيارات الفنية. فبقدر مايقدم الفنان عملا متقنا بقدر مايكسب اعتراف وتقدير الجمهور. إذا أتقنت عملك فتأكد أن الجمهور سيحترمك حتى وأنت تقدم له عملا لايتفق واختياراته وذوقه الفني. - واليوم؟ > اليوم. أنت تعرف وتشاهد وتعاين ما يحدث خلال العروض المسرحية. اليوم، قد ترغب في أن ترى فردا واحدا من الجمهور واقفا متلهفا ينتظر نجمه المفضل أمام باب المسرح، فلاتجده. لقد تغيرت الحال. يقتل رجل المسرح نفسه في البحث عن الدعم وفي التأليف والإخراج والتدريبات وفي اختيار الديكور والملابس والاكسسوارات، ثم يمر بعد ذلك إلى مرحلة توزيع الدعوات. وفي الأخير تجد أن نصف من وجهت إليهم الدعوة لحضور العرض المسرحي (بالمجان) قد تخلفوا، وحتى الذين لبوا الدعوة تجد بينهم من لا يغلق هاتفه المحمول أو ينخرط في أحاديث جانبية مع صاحبه الجالس بالقرب منه. - لنعد إلى مسألة النجومية والغرور؟ ألم يصب عبد الجبار الوزير بمرض النجومية والغرور ؟ > أبدا. أحمد الله وأشكره على أني «ابْقيت فصْباغتي». عشت على تواضعي. عبد الجبار الوزير الذي لعب أول مسرحية في عام 1948 هو نفسه عبد الجبار الوزير الذي يلعب «التبوريدة» في عام 2009. لقد جنبني الله الغرور. الغرور سمٌّ يفتك بصاحبه. الغرور يعني الدخول في حلقة من التكبر المجاني. الذي يتكبر على الناس هو في الواقع يتكبر على نفسه. هو يهين نفسه ويتكبر عليها مادام يخرج منها ليتقمص صورة إنسان بصفات أخرى لا تلائم شخصيته الحقيقية. الحمد لله أن الصغير يحترمني قبل الكبير. يمكنك أن تسأل عني مراكش كلها، بل المغرب كله. والحمد لله أن صورتي واسمي يحظيان بالاحترام والاعتراف. - هذا المسرح المراكشي الذي اقترن بفرقة «الوفاء»، وغيرها من الفرق المسرحية، وبكل هذه الأسماء المسرحية التي ساهمت في تطور الفن والمسرح المغربي... أو دعنا ندقق أكثر فنقول لو أن عبد الجبار الوزير ولد في مدينة أخرى غير مراكش، هل كنا سنتحدث اليوم عن الفنان نفسه والإنسان نفسه. ثم ماذا تعني مراكش بالنسبة لك؟ > مراكش هي المدينة التي منحتني طيبوبة القلب وحسن الأخلاق. مراكش هي التي ربتني. مراكش هي بيت العائلة والحي وعالم الصْنايعية. كان الصنايعية يجلسون إلى بعضهم يتغنون بقصائد الملحون. وكل جمعة يخرجون للنْزاهة. جمهور مراكش علمني الانضباط في العمل واحترام ذكاء المتفرج. لجمهور مراكش وأهل مراكش ذوق خاص ونكهة خاصة. أتحدث عن المراكشي الحقيقي في تصرفاته وتربيته. لا أتحدث عن مراكش كما انتهت، اليوم، حيث صارت مدينة مفتوحة أمام الجميع ولم تعد خاصة بأهل مراكش. لم نعد نتحدث، اليوم، عن أهل مراكش، فقد صرنا نتحدث عن سكان مراكش. المراكشي كان يُعرف بالصْواب والأدب. المراكشي هو الذي لا يخون صاحبه ولا يهمه في شيء أن يعلن رأيه فيك بصراحة. هكذا كانت مراكش، وهكذا عرفتها وتربيت وعشت فيها. أما على صعيد المسرح والفن، فمراكش، بطبيعتها، معروفة بأنها مسرح مفتوح في الهواء الطلق. جو مراكش فيه رومانسية وسحر. فكاهة المراكشيين وخفة دمهم لا يجادل فيها أحد. من بين أجمل ألقاب مراكش نجد «البهجة»، وهو لقب فني. أما ساحة جامع الفنا فلا تحتاج مني أن أقدمها لك. جامع الفنا هي مدرسة. أذكر أننا كنا نقصد الساحة لحفظ «المْوازن» والإيقاعات. أما النكتة والفكاهة فقد تعلمناهما بيننا ونحن صغار، سواء حين كنا نتعلم الصنعة أو نلعب كرة القدم أو نجتمع إلى بعضنا في النْزاهات. في مراكش، كان لكل منا تخصصه. كان هناك من يتألق في فن الملحون ومن يتقن إلقاء النكت، مثلا. لقد كانت تربيتي وارتباطي بكل هذا الجو الذي كانت تعرفه مراكش على صعيد الفن وروح الفكاهة وترديد أغاني الملحون هو الذي ساعدني على تقمص كثير من الأدوار، ولعل أهمها هو دور سيدي قدور العلمي الذي أديت فيه أغاني من فن الملحون. وفي مسرحية «الحراز»، أيضا. لقد كان هناك تكامل بين المراكشيين على مستوى روحهم العاشقة للنكتة والمرح والفن. في البداية، ونحن صغار، لم نكن نعرف ماذا تعني مفردة تمثيل. كنا نجتمع لنقلد باقشيش أو غيره. وحين تعرفنا على المسرح والتمثيل لم نجد صعوبة في إتقان عملنا واختياراتنا الفنية بالمقاييس المتعارف عليها لهذا الفن. مراكش منحتني، أيضا، القدرة على التمييز بين الحسن والقبيح من الناس ومن الأفعال. كما أعطتني بشاشة النكتة والقدرة على إلقائها متعة في أذن السامع. مراكش بالنسبة لي هي المدرسة التي تعلمت فيها الحياة والفن.