عندما كان رجب طيب إردوغان، رئيس الوزراء التركي، في المغرب، تحدث الناس عما يشبه الإهانة حين قالوا إن الرجل رفض تسلم دكتوراه فخرية أراد المغاربة تقديمها إليه. وازدادت الإهانة فداحة حين زار إردوغان الجزائر، وهناك ظهرت له صورة وهو يبتسم سعيدا بدكتوراه فخرية تسلمها من جامعة الجزائر. الذين حاولوا التخفيف من وقع الصدمة قالوا إن الرجل لم يكن لديه الوقت لذلك، وآخرون قالوا إن إردوغان كان منشغل البال بما كان يجري في ساحة تقسيم بإسطنبول من اضطرابات أمنية، لكن لا أحد قال إننا المسؤولون عن ذلك في البداية والنهاية. جاء إردوغان إلى المغرب في تزامن مع فضيحة تعليمية مجلجلة، أي مباشرة بعد اكتشاف شهادة باكلوريا فارغة، لكنها موقعة وجاهزة لكي يتم تسليمها إلى طالبها في أي وقت، مقابل بضعة ملايين طبعا. الأتراك الذين كانوا حاضرين في المغرب وقت انفجار هذه الفضيحة، أكيد أنهم علموا بذلك، وأكيد أن فرائص إردوغان ارتعدت هلعا حينما عرضوا عليه دكتوراه فخرية من المغرب، والأكيد أنه تساءل مع نفسه: كيف أقبل دكتوراه فخرية في بلد تباع فيه شهادات الباكلوريا كما يباع البطيخ في الأسواق الشعبية؟ ما اعتقدنا أنه إهانة وجهها إلينا رئيس وزراء تركيا هو، في الحقيقة، هدية يجب أن نشكره عليها لأنه أيقظنا من سبات عميق، بل من نفاق خطير نغرق فيه حين نعتقد أننا نتوفر على تعليم حقيقي، وأن الدكتوراه عندنا تستحق الفخر، بينما صارت تُعرض في المزاد العلني كما تعرض السيارات المستعملة. ربما رأى إردوغان شيئا آخر جعله يحجم عن الفخر بدكتورانا الفخرية، وهي هذه الإهانات اليومية والمتواصلة التي نوجهها في كل مكان إلى لغتنا الرسمية التي ينص عليها الدستور؛ ففي كل مكان لا وجود إلا للفرنسية، بينما لا وجود في تركيا سوى للغة التركية، ولا يمكن أن تجد تركيّا يضطر إلى استخدام لغة أخرى في بلده، بينما الفرنسية عندنا هي «الأميرة المحبوبة» التي يتوق الجميع إلى التقرب منها ونيل رضاها. الذين يعرفون واقع الجامعات المغربية يعرفون ما يجري في كواليسها، أو في كواليس عدد منها على الأقل؛ ولو أن وزير التعليم العالي قام ببحث معمق في الموضوع، لشاب رأسه أكثر بكثير مما هو عليه الآن، ولطالب فورا بتحويله إلى وزارة الفلاحة عوض التعليم العالي. في عدد من الجامعات المغربية لم يعد كثير من الطلاب يعرفون معنى للدرس والتحصيل، بل يعرفون أقصر الطرق للحصول على الشهادات. وهناك جامعات وكليات معينة صارت أشهر من نار على علم في مجال الشهادات التي تُمنح بطرق تثير الاستغراب، ومن يطلع حاليا على عدد الحاصلين على شهادات «الماستر» سيصاب بالذهول، وقريبا سيصبح عدد الحاصلين عليها أكثر من عدد الحاصلين على الشهادة الابتدائية. في مجال الدكتوراه، هناك أمثلة تصيب بالغثيان. وإذا كانت هناك كليات وجامعات مغربية تحاول الحفاظ على سمعتها وسمعة التعليم المغربي، فهناك جامعات أخرى صارت فيها شهادة الدكتوراه خاضعة لقوانين العرض والطلب، إلى درجة أن عربا وأجانب يأتون إليها من أجل الحصول على الدكتوراه. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فقد ننافس جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا، التي تحولت في سنوات التسعينيات إلى بيع الدكتوراه والشهادات الجامعية كما لو أنها تبيع الأسلحة الباردة المخبأة في خزائنها. لو أردنا أن نمنح ضيوفنا الأعزاء شهادات دكتوراه فخرية فيجب أن نبدأ بأنفسنا أولا، ونمنح هذا البلدَ تعليما حقيقا يفخر به؛ لكن المشكلة أننا صرنا ننافس النعامة في طريقة دس رؤوسنا في الرمال. وهذه الأيام، تجري امتحانات الباكلوريا وسط حالة طوارئ حقيقية بسبب استفحال ظاهرة الغش. لقد صار الطالب يصل حتى مرحلة الباكلوريا دون أن يقرأ كتابا واحدا في حياته، لكنه قرأ بالتأكيد «كتبا» كثيرة في مجال الغش والتدليس؛ وحين يصل الطالب الغشاش إلى المرحلة الجامعية يكون هدفه هو الحصول على الإجازة بأية طريقة ممكنة، ثم يتواصل التحدي إلى أن يحصل على الماستر وما فوقه، وفي النهاية تنطبق عليه الآية الكريمة «كمثل الحمار يحمل أسفارا». حالة تعليمنا صعبة، والغش في الامتحانات ما هو إلا جزء بسيط في مجتمع «يغفّلك» فيه بائع البطاطس ويمكر بك تاجر السمك ويضحك عليك صاحب اللحم و»يقولبك» بائع النعناع.. الحالة عميقة وخطيرة أكثر مما نتصور.